«الموت لروحاني»، «الموت للديكتاتور»، «لا غزة ولا لبنان، حياتي لإيران»، «غادروا سوريا..فكروا فينا»

كانت تلك أبرز الهتافات التي تصدرت المشهد في الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ أيام قليلة في إيران. شعاراتٌ أثارت تساؤلًا هامًا عما إذا كانت تلك الاحتجاجات تعبيرًا عن أزمة اقتصادية داخلية أم أن لها شأن بالسياسة الخارجية للحكومة الإيرانية. تظاهرات هي الأكبر منذ عام 2009، الذي شهد احتجاجات عقب إعادة انتخاب الرئيس السابق «محمود أحمدي نجاد» آنذاك.

بزغت بلا قائد بالقرب من بدء عامٍ جديد لتفرض تساؤلاً دقيقًا: هل هناك ثمة من يديرها من خلف الستار أم أن هناك من سينتظر حال نحاجها لقطف ثمارها دون أن يكلفه الأمر عناء التخطيط والتدبير أم أنها بالفعل مجرد حركة شعبية نتجت عن غضب شعبي حقيقي؟

انطلقت شرارة هذه الاحتجاجات يوم الخميس الماضي الموافق 28ديسمبر/كانون الأول في مدينة «مشهد»، ثاني أكبر المدن الإيرانية. عدد المحتجين فيها تراوح بين 300 إلى 400 شخص بحسب تقدير وكالة «فارس» الموالية للحكومة. اتسعت رقعتها وشملت عددًا من المدن الإيرانية (قزوين – همدان – قوتشان – رشت – قم – الأحواز – ساري – زهدان – كرمنشاه – المحمرة). ولاتزال مستمرة حتى هذه اللحظة.


كيف تعاملت السلطات الإيرانية مع الاحتجاجات؟

في أعقاب التظاهرات المنددة بالحكومة التي اندلعت يوم الخميس الماضي، قررت السلطات الإيرانية إغلاق محطات مترو الأنفاق في وسط المدينة منعًا لتدفق المزيد من المحتجين. في حين عمد النظام الإيراني إلى إخراج مسيرات شعبية داعمة له، إذ تدفق الآلاف من الطلاب المؤيدين للحكومة للسيطرة على المكان في تظاهرات مؤيدة بحسب ما أفادت وكالة «فرانس برس».

خرج التلفزيون الرسمي الإيراني عن صمته يوم السبت الماضي، ودعى إلى ضرورة الإصغاء إلى مطالب الشعب المشروعة. منددًا في الوقت ذاته باستغلال وسائل الإعلام المناهضة للنظام و «المجموعات المعادية للثورة» للتظاهرات.

وفي اليوم الثالث من الاحتجاجات، هاجمت قوات الأمن وميليشيات «الباسيج» الطلبة والمحتجين في جامعة طهران. إذ أظهرت مقاطع وصور تداولها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلقاء عناصر الأمن للقنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين وضربهم بالعصى و «الهراوات» في محاولة لتفريقهم، وذلك أمام مدخل جامعة طهران وساحة «انقلاب». وقالت المعارضة الإيرانية، إن قوات الأمن و «الباسيج» اعتقلت أكثر من 100 شخص من المشاركين في المظاهرات في ذلك اليوم.

وفي اليوم الرابع، احتشد المتظاهرون في «شوشتار»، مقاطعة «خوزستان». الأمر الذي أسفر عنه قتل ما لا يقل عن 10 أشخاص على يد قوات الأمن الإيرانية، فضلًا عن إغلاق قوات الأمن لأبواب الخروج الخاصة بمحطات المترو في «طهران»للحيلولة دون تدفق المتظاهرين. بينما أوقفت السلطات مواقع التواصل الاجتماعي «انستجرام» و «تيلغرام» أكثر شبكات التواصل الاجتماعي شعبية في إيران. الأمر الذي ندد به الكثيرون في الداخل والخارج. ولا تزال الاحتجاجات مستمرة ليومها الخامس على التوالي.


لماذا خرج الإيرانيون؟

تخبرنا المعلومات والمؤشرات أن التظاهرات والاحتجاجات المناهضة للحكومة، تقف خلفها أسباب اقتصادية بحتة، دفعت بالمواطن الإيراني للتعبير عن استيائه من تدهور مستواه المعيشي. الأمر الذي يمكن إيضاحه في نقاطٍ أربعة.

ارتفاع نسبة البطالة

إيران
معدل البطالة في إيران 2014-2017

شهد الاقتصاد الإيراني تحسنًا كبيرًا منذ أن وافقت إيران على الاتفاق النووي في العام 2015، الذي بمقتضاه تم الاتفاق على الحد من تخصيب اليورانيوم مقابل إنهاء بعض العقوبات الدولية على إيران. وبناءًا علي ذلك أصبحت طهران تبيع النفط في السوق العالمية. ووقعت صفقات بلغت قيمتها عشرات المليارات من الدولارات. ورغم ذلك، لم ينعكس هذا التحسن على متوسط دخل المواطن الإيراني، إذ لا تزال نسبة البطالة مرتفعة. فبحسب ما أشار إليه المركز الإحصائي الإيراني، فإن معدلات البطالة بلغت خلال العام 2017 «12.4%» وذلك بزيادة 1.4% عن عام 2016.

أزمة مصرفية تلوح في الأفق

إيران
معدل التضم الإيراني في السنوات الخمسة الأخيرة

الاتفاق الإيراني كما ذكرنا ساهم في تحسن الاقتصاد. إذ نجح الرئيس الإيراني «حسن روحاني» بفضله في خفض معدل التضخم من 45% إلى 10%. لكن هذا الانخفاض اقترن بارتفاع أسعار الفائدة التي وصلت في بعض الأحيان إلى 25%. الأمر الذي تسبب في ارتفاع القيمة الإجمالية للودائع في البنوك الإيرانية بنسبة 23.9% لتصل إلى 12.1 كوادريليون ريال إيراني (323.7 مليار دولار)، وفقًا لما ذكرته صحيفة «فينانشيال تريبيون» في 11 يوليو/تموز 2017.

وهو ما ترتب عليه زيادة الدين المصرفي الإجمالي الذي تدين به المصارف للبنك المركزي. بنسبة 19.2% ليصل إلى 996 تريليون ريال إيراني (أي 30.5 مليار دولار) في آذار/مارس 2017، بالمقارنة مع العام السابق، بحسب ما أشارت صحيفة الأعمال اليومية الرائدة «دنيا الاقتصاد» في 9 يونيو/حزيران. وهو ما يُنذر بأزمة مصرفية خطيرة، الأمر الذي حذر منه رئيس البنك المركزي الإيراني «ولي الله سيف» في خطاب ألقاه في وقت سابق من هذا العام.

عقوبات اقتصادية مرتقبة

من المتوقع أن يصدر مجلس النواب الأمريكي يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع مشروع قانون يفرض بمقتضاه عقوبات جديدة على روسيا وكوريا الشمالية وإيران. إذ حصل هذا المشروع في الشهر الماضي على الموافقة بأغلبية ساحقة. ووفق هذا القرار،فإن إيران قد أخلت ببنود الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، إذ استمرت في برنامجها للصواريخ البالبستية. فضلًا عن أنشطتها «المزعزعة للاستقرار» في سوريا.

الموازنة الجديدة

لعل القشة التي قسمت ظهر البعير ودفعت بالتظاهرات قدمًا هو إعلان الرئيس الإيراني «حسن روحاني» منذ أسبوعين نية حكومته رفع أسعار الوقود والخبز ومواد غذائية أخرى. فضلًا عن الزيادة الأخيرة في أسعار البيض والدواجن التي وصلت إلى 40%. ففي حين جاءت الموازنة الجديدة لعام 2018، المقرر العمل بها في مارس/آذار المقبل بقيمة نحو 104 مليارات دولار.استبعدت هذه الموازنة نحو 30 مليون فرد من الدعم، مقابل رفع أسعار الطاقة وخصوصًا البنزين بنسب تصل إلى 50%. الأمر الذي سينعكس بدوره على خدمات النقل والمواصلات وأسعار السلع التي يدخل الوقود فيها ضمن عناصر الإنتاج. وهو ما أشاط غضب المواطنين والمعارضين، واتهموا الحكومة بتوفير إيراداتها من قوت الإيرانيين. بينما هي على الجانب الآخر، ترفع مخصصات الحرس الثوري إلى 7.6 مليار دولار، مقارنة بـ 4 مليارات دولار في الموازنة السابقة.


سيناريوهات محتملة

القدرة على احتواء المظاهرات

قد تتمكن الحكومة الإيرانية من احتواء المظاهرات ولا يتطور الأمر كثيرًا إذا استجابت للمطالب الشعبية وتخلت عن عنادها. فقد قدمت الحكومة الإيرانية وعودًا اقتصادية في سبيل تهدئة الاحتجاجات. إذ أعلن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية «محمد باقر نوبخت»، يوم السبت 30 ديسمبر/كانون الأول، عن خطط اقتصادية مستقبلية تنتويها الحكومة الحالية في العام القادم، وأنه تم إضافة فصل كامل ضمن ميزانية العام القادم من أجل توفير فرص عمل للمواطنين.وأنه بالفعل تم إدخال 650 ألف فرصة عمل جديدة إلى السوق العام الماضي. كما تحدث «نوبخت» عن مشاريع لتحسين واقع المواصلات مستقبلًا، قائلًا إنه «تم التنسيق مع المحافظات لإخراج 40 ألف وسيلة مواصلات من الخدمة خلال العام القادم كونها أصبحت قديمة». لكن يبدو أن الكلام يسير في اتجاه والأفعال في اتجاه آخر، فالحرس الثوري يتوعد بالضرب بقبضة من حديد وروحاني لايزال يتحدث عن أنه ليس من حق الشعب الاعتراض على تصرفات الحكومة.

غياب المرشد الأعلى عن المشهد السياسي

مريم رجوي، زعيمة المعارضة الإيرانية في المنفى

قد يغيب المرشد الأعلى للجمهورية عن المشهد، وإن حدث فمن المتوقع أن تتطلع كل القوى السياسية للتدخل في اختيار خليفة خامنئي، بما في ذلك تيار المعتدلين الذي سيعتمد حينها على نفوذه السياسي في رئاسة الجمهورية ومجلس الخبراء والشورى.

وقد نرى تصاعدًا لدور المحافظين الأصوليين الذي ينتمي إليهم «أحمدي نجاد». إذ تؤكد «فاطمة الصمادي»، باحثة متخصصة في الشأن الإيراني، على أن معارضي الحكومة ساهموا بشكل كبير في التحضير للاحتجاجات قبل وقوعها، بما في ذلك وسائل الإعلام الأصولية. وأن الشعارات المرفوعة، في نظرها، تتشابه إلى حد كبير مع سلوك «أحمدي نجاد» الذي من الممكن أن يجتمع مع الطبقة الدنيا من المجتمع التي ينتمي بجذوره إليها لاستهداف النظام برمته. خاصة في ظل حالة الشد والجذب التي يتسع نطاقها في الفترة الحالية بين «أحمدي نجاد» ورئيس السلطة القضائية «صادق لاريجاني»، إذ تتسم علاقة «نجاد» بـ «لاريجاني» بالتوتر المستمر بشكل عام.

لكن في الثامن عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي تصاعدت حدة هذا التوتر، إذ هدد «أحمدي نجاد» «صادق لاريجاني» بأنه سيكشف عن وثائق تدينه بالتهم التي نسبها «لاريجاني» إليه قبل يومين، ومنها «المحاولة بإشعال فتنة جديدة في البلاد»، و«دعم المتهم بالفساد بابك زنجاني». وأنه سيكشف عن أداءه الحقيقي خلال السنوات الثمان الماضية.

حقيقة الأمر أنه قد لا نرى صراعًا فقط بين الدولة والمعارضة، بل قد يتسع نطاق ذلك ليمتد إلى صراع بين روحاني ومؤسسة المرشد. فليس خفيّ عن الأنظار حالة التوتر التي تشهدها علاقة روحاني بالحرس الثوري. فبعد أن أصبح روحاني رئيسًا. تورط كل منهما في تنازلات متبادلة خطيرة، فزادت الميزانية الرسمية للحرس الثوري وتفاوضوا مع روحاني من أجل الحصول على حصة من الفرص الاقتصادية التي نجمت عن صفقة الاتفاق النووي.

بالفعل تم هذا، لكن روحاني بات يدفع من جديد ضد تغلغل الحرس الثوري في مؤسسات الدولة. ففي تصريح سابق له أشار إلى الابتزاز الاقتصادي الذي يمارسه الحرس الثوري قائلاً: «ما كان يحدث تحت الطاولة يجري الآن على الطاولة». الأمر الذي أثار غضب زعماء الحرس الثوريّ، فردّ قائد المجموعة، «محمد علي الجعفريّ»، بالإشارة إلى أنّ الرئيس لديه أجندة خفيّة تهدف إلى «الارتكاس عن الطابع الثوريّ للنظام». ذلك التوتر قد ينجم عنه عدم تعاون بين روحاني والحرس الثوري. أو يتخلى أحدهما عن الآخر في مقابل الحفاظ على بقائه إذا ما تعاظمت الاحتجاجات، وتبدو لهذه الفرضية بوادر، إذ ذكر المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني أن الوضع الأمني مستقر ولا حاجة لتدخل قوات الحرس. يأتي هذا التصريح في حين وصلت أعداد ضحايا الاحتجاجات لـ 14 قتيلًا، وهو عدد مرشح للاطراد بلا شك.


يوم لكَ وآخرٌ عليك

الحل الوحيد للخلاص من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية هو إسقاط نظام الملالي

الأيام دُول والحرب سجال وعجلة الزمان تدور. فالولايات المتحدة وإسرائيل يتابعون الأحداث في إيران عن كثب بغاية التشفي والتندر. فما كانت تفعله إيران بالأمس من متابعة لقضايا الفساد التي وقع «بنيامين نتانياهو» في شِباكها، يفعله أعداؤها اللدودون بها اليوم. إذ تتعالى صوت التغريدات بين الفينة والأخرى تعليقًا على الأحداث.

فقد غرد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على حسابه على تويتر يوم السبت الموافق 30ديسمبر/كانون الأول قائلًا:

الكثير من التقارير حول مظاهرات سلمية تفيد بأن المواطنين الإيرانيين فاض بهم الكيل من فساد النظام وتبديده لثروات البلاد في تمويل الإرهاب في الخارج. وعلى الحكومة الإيرانية احترام حقوق شعبها، بما في ذلك حق التعبير.

كما أدانت وزارة الخارجية الأمريكية الاعتقالات فى بيان حثت فيه «جميع الدول على تقديم الدعم العلنى للشعب الايرانى والوقوف إلى جوار مطالبهم بالحقوق الأساسية وإنهاء الفساد».

بينما عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» في تغريدة له يوم الجمعة 29 ديسمبر/كانون الأول: «النظام الإيراني يحجب «تويتر» عن عامة الشعب، لكنه يسمح لكبار المسؤولين باستخدامه»، وذلك في إشارة إلى تغريدة كتبها وزير الخارجية الإيرانية «محمد جواد ظريف» هنأ فيها المسيحيين بعيدهم.

وتابع، في فيديو نشره على «تويتر»: «ما هو رأي المسيحيين الذين تم اعتقالهم هذا الشهر في هذه التغريدة». مضيفًا: «عندما يتم تهنأة المسيحيين بعيد الميلاد بينما يتم الزج بهم في السجن، فإن هذا يعد قمة النفاق».

ختامًا، هذه المظاهرات قد تكون مسمارًا يُدق في نعش النظام الإيراني إن لم تتمكن السلطات الإيرانية من التعامل معها بحكمة لأجل احتوائها. فالاستجابة للمطالب الشعبية هي السبيل نحو تهدئة المظاهرات، لا العنف، الذي نتاجه غالبًا ما يكون عنفًا مضادًا، ومن ثم تخرج الأمور عن السيطرة.

يتضح في إطار الاحتجاجات الإيرانية، أن الأمر أبعد ما يكون عن ثنائيات السياسة السهلة، فالأمر أكثر تعقيدًا. التيار الأصولي صحيح أنه أجج الاحتجاجات وتوافق مع خطابها لكن ثمة مطالب اقتصادية واجتماعية -غير سياسية- يريدها المتظاهرون. صحيح أنه ثمة صراعٌ بين الرئيس والمؤسسة الدينية لكن كلاهما في حال تعاظمت الاحتجاجات خاسر، وأي تنبؤ بما قد يؤول إليه المشهد الحالي غير دقيق على الأغلب في هذا الوقت الحرج من تاريخ الجمهورية الإسلامية.