إذا أجريْنا استطلاعًا بين الأطباء، لا سيَّما في تخصصات أمراض القلب، والباطنة، والطوارئ، عن أكثر الشكاوى الطبية تكرارًا لدى مرضاهم، فسيكون الشعور بتسارع ضربات القلب أكثرها أو على الأقل من أكثرِها شيوعًا. تقدر بعض الإحصاءات أن 1 من كل 6 يذهبون إلى الطبيب بشكوى طبية، يعانون من تسارع ضربات القلب.

 تمثل تلك الشكوى تحديًا مُركَّبًا في الطب، لا سيما في تخصص طب القلب وذلك من جوانب عديدة، من أبرزها أن أسباب تسارع ضربات القلب شديدة التباين بين أسباب طبيعية كالحَمل والتمارين الرياضية أو حميدة كالأنيميا غير الشديدة لا تمثل خطرًا قريبًا على صحة القلب والجسم، وأخرى بالغة الخطورة -لحسن الحظ أقلّ في احتمالات وجودها- قد تسبب توقف القلب والوفاة في أي لحظة، مثل الجلطات الحادة في شرايين القلب أو الاختلالات الكهربية الوراثية في القلب… إلخ.

كما قد يحدث تسارع ضربات القلب نتيجة مرض في القلب، أو في أحيانٍ عديدة نتيجة أمراض أخرى خارج القلب تؤدي إلى تسارع نبض القلب، ولدينا أسباب جسدية متنوعة وأخرى نفسية لتلك الحالة.

من أجل ما سبق وغيره، فلا يمكن للطبيب أن يستهينَ بتلك الشكوى، كما أنه يجد نفسَه مُضطرًا لأن يفكر في عشرات الاحتمالات المختلفة التي يمكن أن تكون هي السبب وراء ما يحدث اعتمادًا على وصف الشكوى، وعمر المريض وتاريخه المرضي، وما يصاحبها من أعراض.

لماذا أشعر بتسارع في ضربات قلبي؟

في الأوضاع الطبيعية، يكون نبض القلب منتظمًا كحركة عقارب الساعة، ومعتدلًا في شدته، ويكون معدل النبض هو 60 إلى 100 ضربة في الدقيقة، ولا يشعر المرء بحركة القلب وضرباته في تلك المعدلات المتوسطة العادية. لكن إذا تسارعت ضربات القلب وتجاوزتْ الـ100 ضربة في الدقيقة، لا سيَّما إذا فقدت انتظامها (كما في حالة الإصابة ببعض الضربات الأذينية أو البطينية الزائدة أو الرجفان الأذيني غير المنتظم AF) فإن الإنسان يبدأ في الشعور بشكلٍ سلبي بضربات قلبه، يصفه البعض بأن القلب يخفق كجناحيْ طائر، أو أن قلبه يكاد يقفز من صدره، أو أن ضربات القلب تصطدم بجدار الصدر بقوة… إلخ.

وأسباب تسارع ضربات القلب كثيرة للغاية، منها أسباب خارج القلب مثل ارتفاع درجة الحرارة، أو الإصابة بأنيميا الدم، أو النزيف الشديد، أو الجفاف الشديد، أو فرط نشاط الغدة الدرقية، أو الإفراط في شرب القهوة حيث إن مادة الكافيين تسرع ضربات القلب، أو الإصابة بالربو الشعبي، أو بعض الأدوية المعالجة له، التي تسبب تسارع النبض، أو الأرق الشديد ونقص ساعات النوم، أو الإصابة بأحد فيروسات كوفيد والتي قد تسبب تسارع ضربات القلب لأسابيع بعد الشفاء فيما يُعرَف بمتلازمة ما بعد كورونا.

اقرأ أيضًا: متلازمة ما بعد كورونا: الأسباب والعلاج.

وهناك أسباب نفسية مثل نوبات الهلع أو الخوف الشديد، والضغط العصبي والنفسي الزائد، أو الإصابة بـ «اضطراب القلق – anxiety disorder»، أو تعاطي بعض العقاقير والمخدِّرات التي تؤثر على القلب وترفع نبضاته مثل الكوكايين والأمفيتامينات. وأيضًا بدائل النيكوتين التي تستخدم في مساعدة المقلعين عن التدخين قد تؤدي إلى تسارع في ضربات القلب.

وكل الأسباب المذكورة آنفًا، غالبًا ما يكون تسارع ضربات القلب فيها هو زيادة في ضربات القلب الطبيعية الصادرة من مخ القلب الكهربي المعروف باسم «العقدة الجيب – أذينية sinus node»، ولذا يُعرف هذا التسارع بـ «التسارع الجيبي – sinus tachycardia»، وعلاجه عادة ما يكون بعلاج السبب الذي أدى إلى هذا التسارع.

وهناك أسباب أخرى عديدة لتسارع القلب يكون مصدرها مرض في القلب، مثل ضعف عضلة القلب، أو قصور الشرايين التاجية للقلب سواءً المزمن، أو متلازمات وراثية تؤدي إلى اختلالات خطيرة في ضربات القلب مثل «التضخم الانسدادي لعضلة القلب – HOCM» أو متلازمة «بروجادا»، أو «متلازمة تطاول قطعة ك-ت Prolonged – QT syndrome»… إلخ، التي عادةً ما يكون تسارع النبض فيها نتيجة أنواع خطيرة وغير طبيعية من ضربات القلب، ويحتاج تشخيصها وأخذ القرار الطبي السليم فيها إلى مراجعة طبيبٍ في أمراض القلب لا سيَّما تخصص منها هو تخصص كهربية القلب.

ماذا أفعل عندما أشعر بتسارع في ضربات قلبي؟

إذا كانت الشكوى لمدة ثوانٍ معدودة فحسب، ولم يكن المرء مصابًا بأمراضٍ في القلب، وليس هنالك تاريخ مرضي عائلي بأمراض القلب أو بالوفاة المفاجئة في سنٍّ صغيرة، ولم يكن تسارع ضربات القلب مصحوبًا بشكاوى أكثر خطورة مثل الإغماء التام أو الشعور بالإعياء والدوران أو ضيق التنفس عند بذل أقل مجهود… إلخ، فإن هذا التسارع على الأرجح ليس خطيرًا، ولا يستدعي الأمر المشورة الطبية العاجلة، لكن في حالة تكرار نفس الشكوى بشكلٍ واضح ومؤرق، يُرجى طلب مشورة طبيب بأمراض القلب، الذي قد يطلب فحص رسم القلب المطول (48 ساعة على الأقل) في حالة لم يُظهر رسم القلب العادي نوع الضربات المتسارعة (بعض أنواع ضربات القلب المتسارعة غير الطبيعية تظهر في نوباتٍ وتختفي)، وإجراء بعض التحاليل الطبية الأساسية مثل نسبة الهيموجلوبين بالدم، وأملاح الدم لا سيما الصوديوم والبوتاسيوم والماغنيسيوم، ووظائف الكلى، وتحليل الغدة الدرقية TSH، وغيرها وفق ما يراه بعد الكشف الطبي على كل حالة.

أما إذا أصيبَ المرء بتسارع مفاجئ في ضربات القلب، واستمر لدقائق عديدة دون انقطاع -أو أطول- أو كان مسبوقًا أو مصحوبًا بأعراضٍ مُقلقة مثل آلام الصدر أو الإغماء التام، أو الشعور بالإعياء والدوران .. الخ، فلا بد أن يتوجَّه فورًا إلى أقرب مشفىً للطوارئ به خدمات عاجلة لتخصص القلب، فقد يكون سبب التسارع أنواعًا خطيرة من اضطرابات ضربات القلب مثل التسارع الأذيني، التي قد تحتاج إلى «العلاج الطارئ بالصدمات الكهربية القلبية – DC shock cardioversion» أو بالمحاليل الوريدية المنظمة لضربات القلب تحت الملاحظة الطبية الفائقة، وقد يكون المرء على أعتاب نوبة قلبية حادة نتيجة جلطة بأحد شرايين القلب، التي عادةً ما تصاحبها اختلالات خطرة في كهرباء وضربات القلب، مما قد يستدعي إجراء قسطرة قلبية عاجلة لفتح الشريان المسدود في أسرع وقتٍ ممكن.

اقرأ: كيف تُنقذ حياة مريض بجلطةٍ في القلب؟

اقرأ: الصدمات الكهربية: علاج نفسي أم تعذيب كما في الدراما؟

اقرأ: أهم ما ينبغي معرفته عن قسطرة شرايين القلب.

ويختلف العلاج طويل المدى لتسارع ضربات القلب من مريضٍ لآخر وفق السبب الذي أدى إليها كما أشرنا في الفقرات السابقة، وكذلك مدى تأثير الأعراض على حياة المريض اليومية، وهناك مجموعات عديدة من الأدوية المنظِّمة لضربات القلب، التي قد يلجأ طبيب القلب لبعضها وفق تقديره في كل حالة، ولا يُنصَح بتاتًا بالتساهل في تعاطي أدوية القلب بناءً على نصائح مجرِّبين أو بعد استشارة الدكتور جوجل أو القادم بقوة الآن من عالم الذكاء الاصطناعي GPT… إلخ، فكثير من الأدوية المنظِّمة لضربات القلب لها آثار جانبية، وتتباين جرعتها كثيرًا حسب نوع الضربات المتسارعة والتاريخ المرضي لكل شخص، وعديد منها هو نفسه يسبب اضطراباتٍ في ضربات القلب إذا لم يُؤخذ بشكل صحيح.

وفي حالة الأسباب النفسية مثل القلق ونوبات الهلع .. الخ، فلا بد من استشارة الطبيب النفسي المختص، إذ قد لا يقتصر العلاج على أدوية لإبطاء ضربات القلب، إنما قد يصف الطبيب بعض الأدوية النفسية مثل مضادات الاكتئاب، وقد يوصي أيضًا بجلساتٍ للعلاج النفسي المعرفي السلوكي إلى جانب العلاج الدوائي.

اقرأ: أشهر 8 خرافات حول الأدوية النفسية.

كيف أقلل احتمالات إصابتي بتسارع في ضربات القلب؟

لا يوجد وصفة طبية دوائية أو غير دوائية يمكن أن تمنع بشكلٍ قاطع تسارع ضربات القلب، لأن الأمر كما ذكرنا له عديد من التشابكات والتعقيدات، لكن هناك نصائح عامة يمكن أن تقلل احتمالات الإصابة بهذا التسارع بوجهٍ عام منها:

  • الحفاظ على صحة القلب بوجهٍ عام بالسيطرة على عوامل الخطر التي تؤثر عليه مثل ارتفاع ضغط الدم وسكر الدم ونسبة الكولسترول الضار LDL… إلخ.

اقرأ: كيف أحافظ على صحة قلبي في زمن كورونا؟

اقرأ: كيف تقهر الكولسترول قبل أن يقهرَ صحتَّك؟

  • الحفاظ على الوزن الصحي، فالسمنة المفرطة تمثل عبئًا مباشرًا وغير مباشر على القلب، وتسبب تسارع ضربات القلب عند بذل أقل مجهود.
  • تحسين اللياقة البدنية بممارسة الرياضة المعتدلة بشكلٍ منتظم، فهذا يقلل فرص حدوث تسارع شديد في ضربات القلب عند بذل المجهود، فقلوب الرياضيين في المجمل أقل في عدد ضرباتها لنفس المجهود.
  • الاعتدال في شرب القهوة والشاي وغيرها من المشروبات المنشطة التي قد تسبب تسارع ضربات القلب.
  • الحفاظ على ساعات نوم جيدة ليلًا.

اقرأ: الأرق يقتلنا: هل يمكن تنظيم النوم؟

  • تجنب تناول العقاقير أو الوصفات المجهولة مثل بعض أدوية إنقاص الوزن الشائعة غير المصرح بها طبيًا، التي تحتوي على مواد تسرع ضربات القلب مثل هرمون الغدة الدرقية.
  • المتابعة الجيدة مع طبيب القلب في حالة التشخيص بأحد أمراض القلب المزمنة، ليصف علاجًا مناسبًا يمنع تسارع ضربات القلب وغيرها من الأعراض والمضاعفات الشائعة لأمراض القلب.
  • شرب السوائل بوفرة لا سيَّما في الأيام الصيفية الحارة لتجنب الإصابة بالجفاف.