تعد حركة الجهاد الإسلامي من أبرز فصائل المقاومة الفلسطينية، وقد تأسست مطلع الثمانينيات على يد الطبيب الفلسطيني فتحي الشقاقي، الذي درس الطب في مصر في السبعينيات، وتأثر بجماعة الإخوان المسلمين ورموزها في وقت شهد تراجع الفكر القومي وصعود المد الإسلامي في مصر والمنطقة العربية.

 وفي عام 1979 نجحت الثورة الإيرانية في الإطاحة بالشاه ووصل الخميني ورجال الدين إلى السلطة في طهران، مما ألهم الشقاقي بتأليف كتابه «الخميني: الحل الإسلامي والبديل»، وكتب في مقدمته إهداءً لمؤسس الإخوان حسن البنا والخميني، وبشر فيه بأن انتصار الاتجاه الديني الشيعي في إيران انتصار للمشروع الإسلامي العالمي، وأن الاختلافات المذهبية يجب التعالي عليها من أجل إنجاح المشروع وخدمة القضية الفلسطينية التي شدد على أنها يجب أن تكون القضية المركزية للحركات الإسلامية حول العالم.

وعقب نشر الكتاب في نفس العام سُجن في مصر، ولما خرج من السجن عاد إلى فلسطين عام 1981 ليؤسِّس حركة الجهاد متأثرًا بروح الثورة الإيرانية وتولَّى منصب أمينها العام وتعرض بعد ذلك للاعتقال على أيدي القوات الإسرائيلية أكثر من مرة، وأُجبر على مغادرة فلسطين، فتنقل بين الدول العربية المختلفة إلى أن اغتاله الموساد الإسرائيلي في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1995 خلال وجوده في جزيرة مالطا، ليخلفه في قيادة الحركة رمضان شلَّح حتى عام 2018 عندما ترك راية القيادة بسبب مرضه الشديد الذي توفي به بعد ذلك بسنتين، وتولى مكانه زياد النخالة، الأمين العام الحالي، بعد أول انتخابات داخلية تشهدها الحركة.

من البحر إلى النهر

تهدف حركة الجهاد إلى تحرير فلسطين «من البحر إلى النهر»، أي من البحر المتوسط وحتى نهر الأردن، أي أنها لا تقبل التنازل عن تحرير كامل التراب الفلسطيني، وترفض حل الدولتين الذي يعني أن تضم المنطقة دولتين، إحداهما فلسطينية والأخرى إسرائيلية، وبالتالي لا تعترف باتفاقيات السلام، وخاصة اتفاق أوسلو المبرم بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات عام 1993 الذي أنشئت بموجبه السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما تسعى حركة الجهاد لإقامة دولة إسلامية في فلسطين عن طريق المقاومة وترفض الدخول في الانتخابات الفلسطينية والمشاركة في عملية سياسية تحت سقف اتفاق أوسلو كما يردد قادتها.

منذ تأسيسها أعلنت «الجهاد» مسئوليتها عن المئات من العمليات الهجومية التي استهدفت العمق الإسرائيلي، بما فيها تل أبيب، وقصف المستوطنات وعمليات القنص ومهاجمة آليات الاحتلال بالعبوات الناسفة والعمليات الاستشهادية التي نفذتها وحدها أو بالاشتراك مع الأذرع العسكرية التابعة للفصائل الأخرى مثل كتائب القسام من حركة حماس وألوية الناصر صلاح الدين التابعة للجان المقاومة الشعبية وشهداء الأقصى من حركة فتح.

وبرغم التعاون الميداني الجزئي مع تلك التنظيمات فإن الحركة اصطدمت مع السلطة الفلسطينية مرارًا بسبب تنسيق الأخيرة مع الاحتلال الإسرائيلي وفقًا للاتفاقات والتفاهمات الموقعة بينهما.

وصنفت الولايات المتحدة حركة الجهاد تنظيمًا إرهابيًّا في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، كما تضع أسماء قادتها على لوائح المطلوبين وترصد مكافآت مالية للإبلاغ عنهم ضمن برنامج «مكافآت من أجل العدالة» التابع لوزارة الخارجية الأمريكية.

وقد شاركت الحركة في كل المعارك ضد إسرائيل منذ تأسيسها، وكان آخرها معركة سيف القدس في مايو/أيار الماضي، وفقدت فيها عددًا من أبنائها على رأسهم قائد جناحها العسكري بلواء شمال غزة، حسام أبو هربيد، الذي استهدفته غارة إسرائيلية في 17 مايو/أيار 2021.

العلاقة مع إيران

لفترة طويلة كانت حركة الجهاد الإسلامي تُصنَّف على أنها الحليف التقليدي الأقرب إلى طهران، وتتلقى منها الدعم، خاصة بعد توقيع اتفاق أوسلو، لكن التواصل مع الإيرانيين كانت له آثاره الجانبية أيضًا، فقد كانت هذه العلاقة مادة خصبة لتشويه سمعة الجماعة واتهامها بالتشيع وبأنها أداة إيرانية لاختراق الساحة الفلسطينية، كما وقعت انشقاقات بسبب هذه العلاقة واعتنق البعض من عناصر الجماعة المذهب الشيعي.

ويعد هشام سالم من أبرز العناصر التي تشيعت، وكان قياديًّا في سرايا القدس، أسس بعد طرده من الجماعة حركة «الصابرين» في قطاع غزة عام 2014 بدعم من طهران واتخذ شعارًا يشبه شعار حزب الله اللبناني.

وأعقب ذلك تقليص طهران الدعم المالي لـ«الجهاد»، فدخلت في أزمة مالية خانقة، ففي عام 2015 أغلقت الجماعة مكتب قناة «فلسطين اليوم» التابعة لها في القدس، وسرحت عددًا من موظفي مكاتبها في الضفة الغربية وقطاع غزة بسبب الأزمة المالية، وعجزت عن توفير الرواتب لمنتسبيها لأشهر طويلة، وتوقفت الجمعيات الخيرية التابعة لها.

 واحتدمت الخلافات بين الجهاد والنظام الإيراني بسبب رفض الأولى دعم ميليشيا الحوثي الشيعية التي تقاتل ضد الحكومة اليمنية المدعومة من المملكة العربية السعودية أو حتى إدانة «عاصفة الحزم» (العملية العسكرية التي تقودها الرياض ضد الحوثيين)، بحسب تقارير متواترة رغم رفض قادة «الجهاد» الحديث علنًا عن هذا الموضوع، وظلت العلاقة قائمة بين الطرفين في ظل وجود الخلافات بينهما نظرًا لعدم توفر بديل آخر لتمويل الحركة.

وقد ثارت ضجة إعلامية مؤخرًا بسبب تصريح أطلقه قائد مقر «خاتم الأنبياء» التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال غلام علي رشيد، حين أعلن أن قائد فيلق القدس الراحل قاسم سليماني قال قبل اغتياله إنه أسس ستة جيوش خارجية مهمتها الدفاع عن إيران، من ضمنها حركتا حماس والجهاد.

وفيما لاذت حركة حماس بالصمت أصدرت الجهاد بيانًا صحفيًّا قالت فيه: «نؤكد على تحالفنا مع إيران في مواجهة الكيان الصهيوني واحتلاله لفلسطين، وأن مقاومة الشعب الفلسطيني موجودة منذ تأسيس المشروع الصهيوني واحتلاله لفلسطين وليست مرتبطة بأي هدف آخر»، وأكدت على أن «المقاومة – بما فيها إيران – تقف موضوعيًّا في جبهة واحدة ضد العدو الصهيوني وحلفائه».

انتزاع الحرية

للحركة عدد كبير من المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وقد برز اسم الحركة إلى الواجهة بقوة مؤخرًا بعد نجاح 6 أسرى من بينهم 5 من الجهاد في الهروب من سجن جلبوع الإسرائيلي شديد التحصين في العملية التي أطلق عليها إعلاميًّا «انتزاع الحرية».

ومع إعادة إسرائيل اعتقال الستة أصدرت الجهاد الإسلامي تهديدات تحذر من المساس بحياتهم وتتوعد بأسر جنود إسرائيليين لإجبار الاحتلال على مبادلتهم بهؤلاء الستة، وأكدت أن هؤلاء بالتحديد سيكونون على رأس أي عملية تبادل أسرى مقبلة.

ويحمل هذا الموضوع رمزية كبيرة لدى الحركة التي تحتفل كل عام في السادس من تشرين الأول/أكتوبر، بـ«الانطلاقة الجهادية»، وهو تاريخ استشهاد عدد من عناصرها عام 1987، بعد نجاحهم في الفرار من سجن غزة المركزي واشتباكهم مع قوات الاحتلال، وقد أشعلت دماؤهم أول فتيل للانتفاضة الفلسطينية الأولى في غزة، وامتد لهيبها إلى الضفة الغربية بعد ذلك واستمرت لسنوات.