في مشهد مغاير للمحيط الإقليمي، أسفرت الانتخابات البرلمانية الكويتية نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي عن فوز عدد من مرشحي الحركة الإسلامية وحصولهم على خُمس المقاعد مناصفة بين الإخوان والسلفيين، من أصل 50 عضوًا في مجلس الأمة (البرلمان).

فاز مرشحو «الحركة الدستورية الإسلامية» القريبة من الإخوان المسلمين، بثلاثة مرشحين، هم أسامة عيسى الشاهين، وحمد محمد المطر، وعبدالعزيز الصقعبي، واثنان من المقربين منها، وهما فلاح ضاحي وعبد الله فهاد، فيما فاز «التجمع الإسلامي السلفي» بمقعدين اثنين شغلهما النائبان حمد العبيد، ومبارك الطشة، وفاز محمد هايف المطيري ممثلاً لـ«تجمع ثوابت الأمة»، والمرشحان السلفيان المستقلان عادل الدمخي، وعمار العجمي.

وتتميز الكويت بهيئة برلمانية فاعلة وعملية انتخابية توصف بالنزاهة والشفافية، وهامش من الحريات السياسية، ووجود مؤثر للمعارضة، في ظل هيمنة عائلة الصباح الحاكمة على السلطة التنفيذية في الدولة النفطية الغنية.

وأمير دولة الكويت الحالي هو الشيخ نَوَّاف الأحمد الجابر الصباح، ونائبه وولي عهده هو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، ويتولى الأخير عديدًا من الصلاحيات الدستورية للأمير بتفويض منه.

بين المعارضة والموالاة

تنتمي الحركة الدستورية الإسلامية إلى مدرسة الإخوان المسلمين، وكانت تسمى «حركة المرابطون» لكن بعد تحرير الكويت عام 1991 قررت التخلي عن هذا الاسم والظهور في ثوب جديد تحت مسمى «الحركة الدستورية الإسلامية»، وتم تفسير هذا الأمر على أنه محاولة لامتصاص الغضب الشعبي الكويتي على التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين الذي انحاز إلى العراق خلال الغزو.

وانضمت الحركة إلى تحالف ضم عديدًا من التيارات مختلفة الأيديولوجيات، قاطع دورتي الانتخابات منذ عام 2012 احتجاجًا على تعديل الحكومة لنظام التصويت بتأييد من المحكمة الدستورية، واعتماد نظام يُنظر إليه على أنه يضعف فرص نجاح المعارضين.

وفي مايو/ أيار 2016  تراجعت الحركة عن قرار المقاطعة، مبررة ذلك بـ«انسداد مسارات العمل الإصلاحي والحالة السلبية التي وصلت إليها التنمية والحريات العامة»، واليوم يمثل الحركة 3 نواب برلمانيين، وهو نفس العدد في المجلس السابق.

أما «التجمع السلفي الإسلامي» فإنه يعد بمثابة الجناح السياسي للجماعة السلفية، المعروفة باسم «جمعية إحياء التراث»، وتشارك في السياسة البرلمانية الكويتية منذ مطلع الثمانينيات، ومع أن التجمع والجمعية كيانان مختلفان، فإنهما يتعاملان فعليًا كأنهما فرعان في مؤسسة واحدة.

ولم يقاطع التجمع الإسلامي الانتخابات منذ عام 2012، ولم ينضم إلى صفوف المعارضة، وتم تعيين بعض أعضائه في مناصب مهمة في مؤسسات الدولة، فعلى سبيل المثال، أصبح القيادي بالتجمع، علي العمير وزيراً للنفط ثم وزيراً للأشغال العامة.

كما تم إسناد رئاسة بيت الزكاة عام 2014، إلى القيادي السلفي إبراهيم صالح، بعد تقاعد مديره الإخواني عبد القادر العجيل الذي ترأس المؤسسة منذ بداية عملها، وتزامن هذا التغيير مع الاستعانة بشخصيات سلفية وزيادة حضورهم في هذه المؤسسة وكذلك في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

وبقدر ما أسهم موقف السلفيين في منحهم مكاسب عديدة لكنهم دفعوا ضريبة له؛ فانقسموا بناء على هذا الأمر إلى فريقين أحدهما موالٍ للحكومة وآخر معارض، ووقعت انشقاقات في التجمع وجمعية إحياء التراث، وكذلك أدت موالاة الأسرة الحاكمة إلى تراجع شعبية التجمع؛ فلم يتمكّن مرشحوه من الفوز بأي مقعد في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني/ 2016، للمرة الأولى منذ أن بدأ المشاركة في العملية الانتخابية.

أما «تجمع ثوابت الامة» فقد ظل يقاطع الانتخابات على إثر الخلافات بين الحكومة والمعارضة حول نظام الانتخابات (نظام الصوت الواحد) منذ 2012، وعاد إلى المشاركة السياسية في مايو/ أيار 2016، ويُعرَف رئيس المكتب السياسي للتجمع، بدر الداهوم، بانتقاداته للسلطة؛ فرغم فوزه في انتخابات ديسمبر/ كانون الأول 2020، فإن المحكمة الدستورية أبطلت عضويته في 14 مارس/آذار 2021، على خلفية اتهامات متعلقة بالمساس بالذات الأميرية.

وكان عدد من المعارضين من بينهم إسلاميون قد سافروا إلى تركيا أو بلدان أخرى، عقب اتهامهم في قضية اقتحام مجلس الأمة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 حين اقتحم نواب ومتظاهرون قاعة البرلمان احتجاجًا على أدائه في ذروة أحداث الربيع العربي الذي طال عدة دول في المنطقة، إلا أن بعضهم- مثل النائبين السابقين فهد الخنة ووليد الطبطبائي- رجعوا إلى البلاد وسلموا أنفسهم للسطات وقضوا جزءًا من عقوبة السجن وقدموا اعتذارًا مكتوبًا لأمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح، الذي أصدر عفوًا خاصًا عنهما، لكن العفو الخاص لا يترتب عليه عودة الحقوق السياسية الوظيفية بل عدم تطبيق العقوبة فقط.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أصدر الأمير مرسوم العفو الخاص عن النواب السابقين المقيمين في الخارج لطي صفحة الخلاف، وأدت هذه الخطوة إلى عودتهم من الخارج لكن لم تتغير مواقفهم المعارضة، فمثلاً شن فيصل المسلم- عقب عودته مباشرة- هجومًا شديدًا على رئيس مجلس الأمة مطلقًا عليه اسم «خصم الشعب»، وتم تحويله إلى النيابة على إثر هذا الموقف.

وثيقة القيم

يحاول الإسلاميون الدفع نحو سن قوانين أقرب للشريعة وحشد الرأي العام لذلك، وفي سبيل هذا الغرض أطلق الناشط الإسلامي، عبدالرحمن إبراهيم النصار، مبادرة «وثيقة القيم» قبل أيام من انتخابات مجلس الأمة التي جرت يوم 29 سبتمبر/أيلول الماضي، والتقى عددًا من المرشحين للانتخابات لجمع توقيعاتهم وتعهداتهم بالالتزام بما جاء فيها، في حال نجاحهم.

وشملت وثيقة القيم 12 بندًا أبرزها العمل على وقف الابتذال الأخلاقي، وتطبيق قانوني اللباس المحتشم ومنع الاختلاط، وحظر حمامات السباحة المختلطة، والنوادي المختلطة، والمهرجانات الهابطة، وممارسات العلاج بالطاقة المستمدة من الديانات الوثنية، والتشبه بالجنس الآخر.

وكان أول الموقعين عليها القيادي السلفي، محمد هايف المطيري، وأعلن عدد من المرشحين تأييدهم لها وتعهدهم بتنفيذها، ودعم الشيخ عثمان الخميس هذه المبادرة، وظهر في مقطع انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي أكد فيه اطلاعه على وثيقة القيم وأنه لم يجد فيها ما يخالف الشريعة ولا القانون.

وأثارت هذه الوثيقة جدلًا واسعًا واتهمها كثيرون بانتهاك الدستور والحريات العامة وممارسة الإرهاب الفكري والداعشية، وحفلت وسائل الإعلام بالانتقادات للوثيقة ولمن كتبها، بينما أعلن مؤيدوها أن مئات الديوانيات من مختلف دوائر الدولة وافقت عليها وتبنتها.

ومن المرتقب أن تكون بنود هذه الوثيقة محلاً للمناقشة والاختلاف داخل أروقة البرلمان، إذ يسعى أصحابها للحصول على دعم تشريعي لها، وسط اتهامات من خصومهم السياسيين بأنها تتجاهل الأولويات كقضايا التنمية.

طموحات وتحديات

حافظ التيار الإسلامي على مقاعده في المجلس الحالي وزاد من حضوره مقارنة بالمجلس السابق الذي لم يكمل مدته الدستورية، وفي المقابل خسر عديد من المرشحين الذين يتخذون موقفًا سلبيًا من التيار الإسلامي والداعين إلى تطبيع العلاقات مع تل أبيب، كما أن عددًا من النواب غير المحسوبين ضمن التيار الإسلامي وقعوا على «وثيقة القيم» التي تدعو إلى الالتزام بالقيم الدينية، مما يمنح التيار تأثيرًا أكبر من قوته العددية.

ويمكن اعتبار الوثيقة بمثابة برنامج عمل يعتبر التيار ناجحًا أمام جمهوره إن استطاع تطبيقها على اعتبار أن هناك ناخبين أعطوا له أصواتهم بناء على هذا البرنامج.

وقد شهدت هذه الانتخابات مشاركة بعض الشخصيات والتيارات السياسية المقاطعة لانتخابات مجلس أمة 2020، وضم جهات متنافرة؛ فالشيعة نجح لهم تسعة نواب، والمعارضة فازت بأغلبية المقاعد، مما يرفع من توقعات شهود هذا المجلس خلافات بين أعضائه، وأيضًا بينه وبين الحكومة.

من المقرر دستورياً أن يكون عمر المجلس 4 سنوات، ولكن قد تحدث تطورات تدعو السلطة للتدخل واقتراح حل البرلمان كما وقع في معظم المجالس السابقة التي لم تكمل مدتها القانونية بسبب الخلافات والصراعات.

وتتوقف مسألة إكمال المجلس لمدته من عدمها على قدرة أعضائه على معالجة الخلافات فيما بينهم والخلافات مع الحكومة أيضًا، ومدى نجاحهم في تطوير برامج عمل مشتركة تحظى بالإجماع الوطني، وفي هذه الحالة يمكننا توقع أن يستمر عمل المجلس إلى آخر مدته الدستورية.