على الرغم من الاختلاف الواسع الذي عرفته المصادر التاريخية الإسلامية حول تحديد موعد الإسراء والمعراج، فإن المسلمين اعتادوا على الاحتفال بذكرى تلك المناسبة في السابع والعشرين من شهر رجب من كل عام.

في الحقيقة، يمكن القول إن تيمة الصعود إلى السماء، لم تقتصر على الثقافة الإسلامية وحدها، بل إنها قد عُرفت أيضاً في الكثير من الأديان والثقافات القديمة، الأمر الذي يرسمها كإحدى التيمات الرئيسة في المُتخيل الديني الجمعي.

من يوديشترا إلى ماني

ذكرت الأديان القديمة الكثير من القصص الأسطورية، تلك التي ورد فيها التأكيد على صعود بعض الشخصيات المقدسة إلى السماء. من أهم تلك القصص ما ورد في نصوص الديانة الهندوسية، وبالتحديد في قصة المهابهارتا، وهي الملحمة الهندوسية الكبرى، التي يرجع زمن تأليفها إلى الألف الثانية قبل الميلاد. في تلك الملحمة الخالدة، ورد الحديث عن الملك يوديشترا الذي خاض الكثير من الحروب بصحبة أبنائه، وتنتهي أحداث تلك القصة بتنازل يوديشترا عن الحكم، وكيف أن الآلهة قد منحته الحق في الصعود للعالم السماوي المجهول بجسده، وذلك بسبب أخلاقه الطيبة، والتزامه بتعاليم الكارما -المعتقدات الهندوسية- في حياته، فنجده يصعد في مركبة سماوية بصحبة الإله إندرا، وبعدها يستغرق في وصف كلٍّ من الجنة والنار.

في الميثولوجيا المندائية -والتي انتشرت في العراق القديم- وردت قصة شبيهة بقصة يوديشترا، فبحسب ما يذكر الباحث العراقي رشيد الخيون في كتابه «الأديان والمذاهب بالعراق»، أن دنانوخت –وهو أحد الشخصيات المقدسة في الديانة المندائية- لما قرأ الكتاب الذي يحتوي على المعرفة الإلهية، فإن الملاك هبيل زيوا قد ظهر له، وأخذه معه في رحلة سماوية إلى الكواكب والأجرام الكبرى، وفي نهاية هذه الرحلة ذهبا مع بعضهما البعض إلى الشمس، ولقيا من فيها من الملائكة النوريين، وبعدها نزل دنانوخت إلى الأرض مرة أخرى حيث قصَّ ما وقع له على مسامع البشر.

أما في الديانة الزرادشتية، وهي الديانة التي سادت في بلاد فارس لفترة طويلة في العصور القديمة، فقد حُفظت قصة معراج النبي زرادشت على الكثير من النقوشات الحجرية، والتي تحدثت عن تفاصيل صعوده إلى السماء بواسطة حيوان أسطوري مجنح، وكيف أنه –أي زرادشت- قد التقى بالإله أهورا مازدا إله النور، وتلقى عنه بعض التعاليم والشرائع.

الميثولوجيا الزرادشتية، تحدثت أيضاً عن قصة مشابهة إلى حد بعيد، وهي قصة أرتيوراف الذي صعد إلى السماء وصاحبته الملائكة في رحلته العجيبة حيث تنقل بين طبقات السماء السبع، ورغم أن تلك القصة قد نُسبت إلى كتاب أرتيوراف نامك، الذي كُتب في حدود القرن الثاني الميلادي، بحسب الباحث السوري فراس السواح، إلا أن الكثير من الباحثين يؤكدون على أنها قد دونت في فترة متأخرة، وأن واضعيها من الفرس قد اختلقوها بعدما تأثروا بقصة معراج النبي محمد الواردة في المدونات الإسلامية.

في القرن الثالث الميلادي، ظهرت نسخة جديدة من قصص الصعود للسماء، وذلك على يد النبي ماني الذي تمكن من نشر دعوته في أماكن متفرقة من العراق وبلاد فارس، وتجول شرقاً حتى وصل للهند.

بحسب ما ذكر جيووايد نغرين في كتابه «ماني والمانوية»، فإن ماني قد أخبر أتباعه ذات مرة «سأحمل نفسي إلى السماء، وسيدوم مكوثي في القصور السماوية لمدة عام كامل، وسأعود من السماء إلى الأرض عند انتهاء الشهر الثاني عشر، وسأجلب لكم البشائر من الرب»، وبعد مرور هذا الوقت، رجع ماني إلى أتباعه ووصف لهم الكثير مما رآه في عالم السماء، كما رسم لهم بعض الأشكال والمخلوقات التي شاهدها في هذا العالم المجهول.

الصعود إلى السماء في المسيحية واليهودية

عرف اليهود والمسيحيون الكثير من القصص التي تظهر فيها تيمة الصعود للسماء، الأمر الذي ظهر مراراً في الكتاب المقدس، كما ظهر أيضاً في بعض الكتابات التفسيرية أو المشكوك في صحتها.

كان أخنوخ هو أول البشر الذين تحدث الكتاب المقدس عن صعودهم للسماء، فبحسب ما ورد في سفر التكوين، فإن أخنوخ –والذي كان يمثل الجيل السابع من البشرية- لم يحظَ بوفاة طبيعية كأجداده، بل «سار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه».

هذه الإشارة العابرة، حظيت بالكثير من الشروحات والتفصيلات في الكتابات اليهودية القديمة، ومنها على سبيل المثال، الكتابان المنسوبان إلى أخنوخ نفسه، وهما من الكتابات الأبوكريفية/ غير القانونية، ويُعرفان بسفري أخنوخ الأول والثاني، وقد ذهب أغلب الباحثين إلى أنه قد تم تدوينهما في القرن الثاني أو القرن الأول قبل الميلاد، ويتحدث الكتابان بشكل تفصيلي عن صعود أخنوخ إلى السماء، ومشاهداته العجيبة أثناء تجواله فيها بصحبة الملائكة.

أما الشخصية الثانية التي تحدث العهد القديم عن صعودها للسماء، فهي شخصية النبي المشهور إيليا التشيبي، والذي كان يعيش في مملكة إسرائيل، في القرن التاسع قبل الميلاد. بحسب ما ورد في سفر الملوك الثاني، فإن نهاية إيليا قد وقعت بشكل غير متوقع على الإطلاق، فبينما كان يتجول بصحبة تلميذه أليشع «وَفِيمَا هُمَا يَسِيرَانِ وَيَتَكَلَّمَانِ إِذَا مَرْكَبَةٌ مِنْ نَارٍ وَخَيْلٌ مِنْ نَارٍ فَصَلَتْ بَيْنَهُمَا، فَصَعِدَ إِيلِيَّا فِي الْعَاصِفَةِ إِلَى السَّمَاءِ»، ورغم أن الكتاب المقدس لم يتحدث كثيراً عن تفاصيل وجود إيليا في السماء، إلا أن ثمة اعتقاد –عند كل من اليهود والمسيحيين- بأن إيليا لا يزال حياً حتى الآن، وأنه سيعود مرة أخرى إلى الأرض في آخر الزمان.

فيما يخص المسيحية، سنجد أن الاعتقاد المسيحي التقليدي يؤكد على أن يسوع المسيح قد نزل إلى الجحيم بعد صلبه لينقذ أرواح القديسين، وبعدها صعد إلى السماء، وفي ذلك يقول الأنبا بيشوي في كتابه «المسيح مشتهى الأجيال»: «وقد صعد السيد المسيح بروحه من الجحيم إلى الفردوس بعد نزوله إلى الجحيم آخذًا معه أرواح الأبرار. كما أنه صعد إلى السماوات العليا حيث عرش الآب بعد 40 يومًا من قيامته من الأموات وفي هذا الصعود لم يأخذ معه أحدًا من البشر إلى أن يأتي للدينونة».

قصة الصعود للسماء ستتكرر أيضاً في حالة السيدة مريم، إذ يحتفل الأقباط الأرثوذكس في السادس عشر من شهر مسرى من كل عام بذكرى صعود جسد العذراء إلى السماء بعد نياحتها، وفي ذلك يذكر القمص تادرس يعقوب ملطي في كتابه «القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي»: «لم يسمح الرب للجسد الذي حل فيه، وأخذ منه ناسوته أن يصير فريسة للفساد والانحلال… القديسة مريم كإنسانة مات جسدها، لكنه صعد أيضاً إلى السماء…»، وبحسب التقليد القبطي، فإن الرسول توما –والذي كان في الهند وقت وفاة العذراء- قد رآها وهي تصعد إلى السماء، فأعطته طرحتها، ولما رجع لفلسطين ذكر خبرها لباقي الرسل ففرحوا وتأكدوا من خلو قبرها من جثمانها.

في السياق نفسه، نُسبت قصة الصعود للسماء لبعض القديسين، ومنهم على سبيل المثال، الرسول بولس، وهو الذي اضطلع بدور مهم في نشر المسيحية بين الأمم الوثنية، إذ يذكر العهد الجديد، وتحديداً في الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس، أن بولس قد صعد إلى السماء الثالثة، حيث «ٱخْتُطِفَ إِلَى ٱلْفِرْدَوْسِ. وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لَا يُنْطَقُ بِهَا وَلَا يَحِلُّ لِإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا».

الصعود إلى السماء في المُتخيل الإسلامي

عرف الإسلام الكثير من القصص التي تحدثت عن صعود بعض الشخصيات المُبجلة إلى السماء، واتسق ذلك مع ما تواتر عن حادثة الإسراء والمعراج، وما ورد فيها من تفصيلات متعلقة بزيارة النبي محمد للسماوات السبع، ولقائه فيها بالأنبياء والرسل والملائكة.

من أشهر تلك القصص، قصة صعود النبي إدريس، والتي وردت الإشارة إليها في الآية رقم 56 من سورة مريم «واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبياً، ورفعناه مكاناً علياً». ابن حجر العسقلاني المتوفى 852ه، تحدث في كتابه فتح الباري بشرح صحيح البخاري، عن تلك القصة، وعدّها من بين القصص الإسرائيلية التي تسربت إلى الثقافة الإسلامية.

إذ نُقِلَ عن بعض الصحابة والتابعين، أن إدريس قد سأل صديقًا له من الملائكة ذات يوم فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلى السماء «فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت فقال له: أريد أن تُعلمني كم بقي من أجل إدريس؟ قال: وأين إدريس؟ قال: هو معي، فقال: إن هذا لشيء عجيب، أمرت بأن أقبض روحه في السماء الرابعة، فقلت: كيف ذلك وهو في الأرض؟ فقبض روحه، فذلك قوله تعالى: وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً».

في السياق نفسه، جرى تفسير الآية رقم 55 من سورة آل عمران «إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا…»، بأنها إشارة إلى أن المسيح عيسى بن مريم قد نُقل إلى السماء قُبيل صلبه، وأنه لا يزال حياً فيها، وأنه لن ينزل مرة أخرى إلى الأرض إلا في آخر الزمان، عندما يحين موعد ظهور كل من المهدي والمسيح الدجال.

في الثقافة السنية، عُرفت بعض الشخصيات التي اشتهرت بخبر صعودها للسماء، ومنها على سبيل المثال، الصحابي عامر بن فهيرة، والذي ذكر محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى 256ه في صحيحه، أنه وعقب استشهاده في بئر معونة في السنة الرابعة من الهجرة «قد حملته الملائكة فرفعته إلى السماء»، كما تحدث ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة «أن قاتله -أي قاتل عامر بن فهيرة- لما شاهد صعود جثمانه إلى السماء، أسلم».

فيما يخص الثقافة الشيعية الإمامية، تحدثت الكثير من الروايات عن أن المعصومين الأربعة عشر كانوا موجودين في الجنة قبل بداية الخلق، ومن ذلك ما ذكره محمد فاضل المسعودي في كتابه الأسرار الفاطمية، أن آدم وحواء لما دخلا الفردوس «نظرا إلى جارية على درنوك من درانيك الجنّة، وعلى رأسها تاج من نور، وفي اُذنيها قرطان من نور قد أشرقت الجنان من حسن وجهها، فقال آدم: حبيبي جبرئيل! من هذه الجارية التي قد أشرقت الجنان من حسن وجهها؟ فقال: هذه فاطمة بنت محمد نبيّ من ولدك يكون في آخر الزمان، قال: فما هذا التاج الذي على رأسها؟ قال: بعلها عليّ بن أبي طالب عليه ‌السلام… قال: فما القرطان اللذان في أذنيها؟ قال: ولداها الحسن والحسين. قال آدم: حبيبي جبرئيل! أخُلقوا قبلي؟ قال: هم موجودون في غامض علم الله قبل أن تخلق بأربعة آلاف سنة».

تجدر الإشارة هنا، إلى أن هناك بعض المعتقدات الشيعية الخاطئة، والتي ذهب أصحابها للقول بمشاركة علي بن أبي طالب للرسول في معراجه للسماء، ولعل ذلك قد نشأ من بعض الروايات المشهورة التي أكدت أن الرسول لما وصل للسماء السابعة يوم الإسراء والمعراج، قد شاهد علي بن أبي طالب واقفاً تحت عرش الله، ولكن جبريل قال له وقتها: يا محمد ليس هذا علياً، ولكنه ملك من ملائكة الرحمن، خلقه الله على صورة علي بن أبي طالب، فنحن الملائكة المقربون كلما اشتقنا إلى وجه علي بن أبي طالب زرنا هذا الملك لكرامة علي بن أبي طالب على الله سبحانه»، وذلك بحسب ما يذكر محمد باقر المجلسي المتوفى 1111هـ في كتابه «بحار الأنوار».

أما فيما يخص الثقافة الصوفية، فقد وردت بعض الروايات التي تحدثت عن مجموعة من الأولياء والأقطاب الذين زاروا الجنة والنار في مواقف مختلفة، ويغلب على تلك الروايات الطابع الروحاني المعنوي، الذي يجد في تيمة الصعود إلى السماء رمزاً للترقي الأخلاقي ودلالة على القرب من الذات العليا. من ذلك ما ذكره الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي المتوفى 638ه في كتابه الموسوعي الفتوحات المكية «بينما أنا نائم وسر وجودي متهجد قائم جاءني رسول التوفيق، ليهديني سواء الطريق، ومعه براق الإخلاص، عليه لبد الفوز ولجام الإخلاص، فكشف عن سقف محليّ، وأخذ في نقضى وحلىّ…»، وأيضاً ما ورد في كتاب طبقات الشعراني، عن القطب الرابع إبراهيم الدسوقي المتوفى 696ه، وكيف أنه قد صعد إلى السماء وقابل الرسول وأخذ منه منصب الولاية، وأن النبي قد قال له: «يا إبراهيم سر إلى مالك، وقل له: يغلق النيران، وسر إلى رضوان، وقل له: يفتح الجنان».

وفي السياق نفسه، تحدث الصوفي ابن قضيب البان المتوفى 1040هـ في كتابه المواقف الإلهية عن تجربته الخاصة في الصعود للسماوات السبع، فقال: «…ارتقيت إلى السماء الأولى… ثم ارتقينا إلى السماء الثانية… ثم انتهينا إلى السماء السابعة… وفيها ملك على كرسي من نور… وفي هذه السماء رضوان خازن الجنان، وأجمل الملائكة من جنده، وفيها إسرافيل رئيس عالم الجبروت…».