يمكننا تنصيب تطبيق (كطيور غاضبة Angry Birds) يستطيع التواصل عبر الإنترنت لكنه لا يطلب أي صلاحيات وصول لخدمات تحديد المكان في الهاتف. سيجمع التطبيق معلومات عن استهلاك البطارية ويرسلها لي في نفس الوقت لأقوم بتتبعك، ولأفهم أكثر ما هي الطرق التي تتخذها أثناء قيادتك للسيارة، وأين مكانك بالضبط على الطريق الآن، وسيفعل التطبيق كل هذا بقراءة استهلاك هاتفك للبطارية فقط.
يان ميكلفسكي، عالم بجامعة ستانفورد

لا تترك الشركات فرصة ولو ضئيلة تسمح لها باستغلال بيانات لأهداف إعلانية، قلت هذا مرارًا من قبل في أكثر من تقرير، لكن اليوم يأتي أكثر من تقرير مع العديد من الأوراق البحثية بتأكيد استخدام الشركات لحالة بطارية هاتفك كذلك لأغراض دعائية وإعلانية، والأمر ليس بسطحية الإعلان عن تطبيقات توفير وحماية البطارية بالتأكيد، نحن نتحدث هنا عن أكبر الشركات الإعلانية والخدمية في سوق التقنية وليس مجرد مطور هندي أو صيني يريد منك استخدام تطبيقه بأي طريقة حتى لو لم يكن يقدم لك فائدة حقيقية.


كيف تتنصت بطارية هاتفك عليك؟!

يوجد العديد من التقنيات التي تقوم بذلك بالفعل؛ أخطرها وأهمها يأتي بتطوير فريق علمي إسرائيلي أمريكي مشترك، شارك فيه علماء من مجموعة رافايل لأبحاث الدفاع (تعمل لصالح جيش الإسرائيلي) «Rafael Advanced Defense Systems» وجامعة ستانفرد «Stanford University». أصدر الفريق ورقة بحثية على مكتبة جامعة كورنيل عام 2015 تقدم تقنية تعرف بـ «PowerSpy» أو جاسوس الطاقة. يستطيع جاسوس الطاقة تحديد مكان المستخدم وذلك بدون أي استخدام لتقنيات نظام تحديد الموقع العالمي GPS أو استخدام الإنترنت، ولا يحتاج كذلك لصلاحيات مخصوصة على هاتفك الذكي حيث أن بيانات استهلاك الطاقة متاحة بشكل افتراضي. تستغل تلك التقنية معدل استهلاك البطارية مع حساب استهلاك التطبيقات المختلفة التي تعمل على الهاتف بالفعل، وتحليل بيانات استهلاك الطاقة نتيجة اتصال الهاتف بأبراج الشبكة، ويكفي تتبع استهلاك الطاقة لعدة دقائق لتوفير بيانات يمكن لخوارزميات مخصصة تحليلها لمعرفة مكان المستخدم التقريبي بدقة تبلغ 90%. يقول يان ميكلفسكي «Yan Michalevski» أحد علماء ستانفورد المشاركين في تطوير التقنية: «فترة كافية من قياس استهلاك الطاقة (عدة دقائق) تمكّن الخوارزميات من الرؤية خلال الضجيج»، ويكمل: «وضحنا أن قياس محصلة استهلاك الطاقة خلال وقت يكشف تمامًا مكان وحركة الهاتف».

تلك التقنية محدودة -حتى الآن- حيث تتطلب تثبيت تطبيق ما على هاتف الشخص المستخدم، ويمكن أن يبدو كتطبيق بريء جدًا يحتاجه المستخدم بشكل يومي، كما تحتاج في البداية جمع الكثير من البيانات عن الروتين اليومي للمستخدم وأهم الطرق والأماكن التي يتواجد فيها. بفعل ذلك يمكن ببساطة تحديد مكانه في أي وقت وأي لحظة، ويعمل مطورو التقنية على تحسينها وتطويرها لتعتمد على كم أقل من البيانات.

لكن، هذه ليست التقنية الوحيدة التي تعتمد على استخدام بطارية هاتفك لهدف -مريب-، فالشركات التجارية تستخدم أيضًا معلومات استهلاك البطارية بشكل تجاري كذلك. في يوليو 2016 صدرت ورقة بحثية عن العالمين ستيف إنجلهارد «Steve Engelhard» وأرفيند نارايانان «Arvind Narayanan» بجامعة برينستون، ضمن مشروع الشفافية والمساءلة القانونية للإنترنت «Princeton Web Transparency & Accountability Project»، بعنوان «التتبع على الشبكة: قياس وتحليل لمليون موقع Online tracking: A 1-million-site measurement and analysis».

ما وجدناه يتضمن تقنيات تتبع بصمة الاستخدام الشخصية، لم يتم الحديث عنها من قبل بشكل عام.
من ملخص الورقة البحثية

تقدم الورقة البحثية دراسة متكاملة لطرق التتبع التي تقوم بها أهم مليون موقع على الشبكة، وتستخدم لذلك أداة قياس خصوصية المواقع، أداة مفتوحة المصدر من تطويرهم، «web privacy measurement tool, OpenWPM». ومن ضمن ما كشفته الدراسة هو استخدام الكثير من المواقع للواجهة البرمجية لتطبيق حالة البطارية «Battery Status API» لتتبع معدل الاستهلاك واستخدامه لأكثر من غرض، وربما سأعود بقراءة تفصيلية لذلك البحث يومًا ما.

الغرض النبيل من التقنية هو تتبع حالة بطارية هاتفك أو حاسوبك وذلك لتقديم نسخة من الموقع أقل استهلاكًا لموارد الجهاز وبالتالي للبطارية وذلك عندما تشرف الطاقة على النفاد. لكن ولأن لكل ميزة غرض نبيل وآخر أقل نبلاً -أو لنقل بصراحة «دنيء»-، لم يقتصر الأمر على توفير موارد الجهاز فقط بالطبع. ففي ورقة بحثية أصدرها علماء من «inria» المعهد الفرنسي لأبحاث الأتمتة وعلوم الحاسوب «French Institute for Research in Computer Science and Automation» وعلماء من جامعة لوفون البلجيكية، ونشرت على موقع الرابطة الدولية لعلماء التشفير في 2015 حذروا فيها من إمكانية استخدام بيانات استهلاك البطارية لأغراض دعائية. تقول الورقة البحثية أن مزيجًا من نسبة البطارية الحالية ومعدل الاستهلاك يوفر أكثر من 14 مليون تركيبة مختلفة شبه مميزة لكل هاتف على حدة، تمكن الموقع -لو أراد استغلالها- من تبيان الجهاز الذي يتصفحه بدقة. وهذا يعني أيضًا أن تعاونًا ما بين مختلف المواقع سيمكنها من تتبع المستخدم ونمط تصفحه على المواقع دون الحاجة لقراءة أو استغلال أي بيانات على جهازه.


كيف يمكن للشركات استغلال هذا؟

لوكاس أليجنك – دكتوراه في علوم الحاسب من inria

الإجابة أسهل مما تتخيل.

تخيل هذا الموقف معي، أنت في نزهة ما وتبحث عن مطعم لتناول الطعام، وما يتبقى في بطارية هاتفك لن يكفي لأكثر من دقائق قبل أن تنفد منها الطاقة. هذه الدقائق المحدودة هي الفترة المتاحة أمامك للبحث عن المطاعم القريبة منك وستتخذ القرار بسرعة وبدون تفكير بالتأكيد. في تلك اللحظة سيفضل المُعلن (فيسبوك أو جوجل مثلا) أن يعرض لك مطعمًا أعلى في الأسعار أو ذا عروض ترويجية أقوى على المنصة الإعلانية الخاصة بالمواقع، وذلك لعلمهم أنك لن تفكر مرتين قبل أن تقرر الذهاب للمطعم لشحن الهاتف على الأقل. وقطعًا سيختلف قرارك لو أمامك ما يكفي من الوقت للبحث والاختيار بين العديد من المطاعم. ولا تسأل إن كان هذا يحدث أم لأ، فلا أحد يعرف الحقيقة، وبالطبع ستنكر الشركات هذا الاستغلال، حتى وإن ثبت أنها تقرأ بيانات استهلاك بطاريتك، وهو ما يحدث بالفعل.

شركة أوبر Uber هي الوحيدة فقط التي اعترفت بشكل واضح أنها تتتبع معدلات استهلاك بطاريات مستخدميها، وقالت الشركة أن دراستها أثبتت أن المستخدم ربما يضطر لركوب سياراتها بأجرة مضاعفة لو كانت بطاريته على وشك الوفاة. ويتهم البعض الشركة بأنها تستغل حالة البطارية في عرض رحلات مضاعفة التكلفة على المستخدم فيما يسمى بالـ «surge» والذي تقدمه الشركة لعموم المستخدمين عند وجود طلب على خدماتها أكثر من عدد السيارات المتاح. لكن كيث شن Keith Chen رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية بالشركة أكد في حوار أن الشركة لا تستخدم معلومات حالة البطارية التي تجمعها في تحديد الأسعار، ووعد بأن هذا لن يحدث أبدًا.


كيف يمكننا وقف هذا؟

عندما توشك طاقة البطارية على النفاد، ربما يصبح البعض أكثر عرضة لاتخاذ قرارات مخالفة لطبيعتهم. في مثل تلك الحالات، سيقبل البعض أن يدفعوا مبالغ أكثر من المال مقابل بعض الخدمات، واستجابة لورقتنا البحثية، قامت بعض المتصفحات بإلغاء قدرة المواقع على قراءة قياسات البطارية.

هذا هو السؤال الأصعب حتى الآن، فحالة البطارية في أي جهاز (هاتف محمول- جهاز لوحي- حاسوب محمول) أو نظام تشغيل حتى الآن يمكن قراءتها من قبل أي تطبيق مهما كانت صلاحياته، وبدون طلب صلاحيات محددة يمكن تعطيلها؛ مما يجعل الأمر بالفعل بين أيدي مطورين أنظمة التشغيل المختلفة، ولهذا فنحن نأمل أن تقوم الشركات بتعديل وإصلاح الأمر في الأحدث من أنظمة تشغيلها، وذلك بإضافة نوع من الحماية على حالة البطارية، وإضافة اختيار في قائمة الصلاحيات مخصص لها يمكن التحكم به كما نتحكم في صلاحيات الوصول للكاميرا والميكروفون والملفات على أجهزتنا.