ملفات عديدة متشابكة داخليًّا وخارجيًّا وجدها رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، بنيامين نتنياهو، في ولاية سادسة له كأكثر من حكم دولة الاحتلال في تاريخها القصير، في حكومة أقطابها من اليمين المتطرف، أثار أفرادها مخاوف كبيرة دولية، للحد الذي تشاؤم فيه كثيرون من أن علاقة تل أبيب سوف تتأثر وتتدهور بالعديد من العواصم العالمية على رأسها واشنطن، قد يبدو الأمر محل نقاش لو كان الخلاف مع دول أخرى، لكن نتنياهو بالطبع ليست لديه حرية خيار خسارة أكثر الحلفاء والمؤيدين لدولة الاحتلال وهي الولايات المتحدة، لذا؛ الحديث هنا أطر الصدام المحتمل بين الحليفتين في عهد الصهيونية الدينية داخل إسرائيل، وعهد وزراء أمثال الصهيوني المتطرف إيتمار بن غفير، الذي اقتحم المسجد الأقصى مؤخرًا، وكذلك بتسلئيل سموتريتش الذي يحلم بتوسيع الرقع الاستيطانية الصهيونية وكذلك ضم مزيد من أراضي الضفة الغربية المحتلة، وآخرين ممن تجمعهم أهداف متطرفة قد تعقد الوضع داخل فلسطين وخارجها، فهل يحدث الصدام بين إسرائيل وأمريكا؟

مخاوف أمريكية مبكرة

قبل إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو نجاحه في تشكيل حكومته اليمينية، بدت المخاوف الأمريكية مبكرة من تلك الحكومة التي ستناهض بلا شك حل الدولتين الذي تتبناه الإدارات الأمريكية المتعاقبة على اختلاف توجهاتها سواء الديمقراطية أو الجمهورية، وحول تلك المخاوف المبكرة خصصت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية مقالة تحليلية مفصلة قبل تسلم نتنياهو سدة الحكم، خاصة في ظل تلبية نتنياهو لمطالب اليمين المتطرف وأقطابه مثل بن غفير وسموتريتش، حيث يهدف الأول لتغيير الوضع الراهن والثاني نحو مزيد من السياسات الاستيطانية الواسعة وضم المزيد من أراضي الضفة الغربية، وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن نتنياهو من أجل البقاء في السلطة قدم كل شيء لليمين المتطرف الذي طالب بتوسيع وتقنين المستوطنات بطريقة تجعل قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية أمرًا مستحيلًا، وكذلك تغيير الوضع الراهن في الحرم القدسي، وهو عمل يخاطر بإثارة جولة جديدة من العنف العربي الإسرائيلي، وهذا ما جعل الصحيفة الأمريكية تصف الوضع بأنه مقلق لإدارة بايدن، وكذلك وزارة الخارجية الأمريكية ليس لديها موقف جيد حتى الآن بحسب تقرير في أكسيوس، ولا تتجاهل الإدارة الامريكية أن المجتمع الإسرائيلي ذا أكثرية يمينية متطرفة.

بحسب المعهد الإسرائيلي للديمقراطية فإن أكثر من 60% من الإسرائيليين، خاصة الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 18 عامًا و24 عامًا، ذات توجه يميني متطرف وهي بالطبع كتلة تصويتية ضخمة تحدد مسار الانتخابات والسياسة الإسرائيلية الحاكمة، بالتالي تجد إدارة بايدن نفسها أمام حكومة يمينية تستند على دعم شعبي ما يجعل عملية غض الطرف عن هذه التوجهات أمرًا صعبًا، خاصة أنه يهدد لب وجوهر التوجه الأمريكي نحو القضية الفلسطينية، وهو حل الدولتين الذي يصطدم بطموحات وتوجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف.

حتى إن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قالها صريحة فور إعلان نجاح نتنياهو في تشكيل حكومته المتطرفة، فقال بحسب وسائل إعلام إسرائيلية:

منذ بداية إدارتي، عملنا مع شركاء لدفع هذه الرؤية المأمولة لمنطقة سلام، بما في ذلك بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ونحن نهدف إلى مواصلة هذا العمل المهم مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء نتنياهو، كما فعلنا خلال إدارتي، ستواصل الولايات المتحدة دعم حل الدولتين ومعارضة السياسات التي تعرض قابليته للبقاء للخطر أو تتعارض مع مصالحنا وقيمنا المشتركة

المعنى السابق نفسه أكده السفير روبرت وود الممثل المناوب لواشنطن في الأمم المتحدة، وذلك في الجلسة الطارئة فور اقتحام المسجد الأقصى من قبل بن غفير، حيث قال: «اسمحوا لي أن أبدأ بالقول إن الولايات المتحدة تبقى ملتزمة بحل الدولتين الذي تعيش إسرائيل بموجبه بسلام وأمن إلى جانب دولة فلسطينية، نحن نشعر بالقلق إزاء الأعمال الأحادية الجانب التي تفاقم التوترات أو تقوض قابلية حل الدولتين للحياة»، ودعا وود بشكل مباشر إلى وقف الأعمال الاستفزازية في الحرم الشريف. لذا يتبلور السؤال الأهم، هل يكون حل الدولتين من أوجه الصدام القادم بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو؟

من واشنطن إلى تل آبيب: احذروا

نقلت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية عن موقع «بوليتيكو» الأمريكي أن إدارة بايدن وضعت خطة للتعامل مع حكومة نتنياهو، وهي تحميل نتنياهو المسئولية كاملة عن أي تصرف لأي شخص داخل الحكومة حتى لو تعلق الأمر بتشريعات متطرفة أو تصرفات غير مسئولة، ومن المقرر أن يزور وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، نهاية الشهر الجاري، كانون الثاني/ يناير، منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها إسرائيل، وبحسب تحليل عن أوجه الصدام الحتمي بين حكومة نتنياهو والإدارة الأمريكية كتبه البروفيسور إيتان جلبواع في موقع «والا» الإسرائيلي، فسوف يحمل بلينكن رسالة تفيد بقلق وتحذيرات من الإدارة الأمريكية حول عدم تغيير الوضع الراهن في منطقة الحرم الشريف، خاصة بعد اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى.

كذلك تحمل الزيارة تحذيرات من أي تغييرات قد يحدثها اليمين الإسرائيلي في النظام الديمقراطي لإسرائيل، أو خرق التوازنات بين السلطات الإسرائيلية، أو التدخل في عمل الشرطة أو تقويض حرية المرأة وكذلك الأقليات، وكذلك العلاقات مع الجانب الفلسطيني، وكلها أهداف لليمين المتطرف الحالي، والتي ستصطدم بتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية التي تنادي بها منذ عصور تحت بند الحريات والحقوق، وحينها سوف يخرقها اليمين بتوجهاته،  ويبدو أن نتنياهو استشعر مخاوف واشنطن فأعلن قدرته على السيطرة على تطلعات اليمين أمثال بن غفير وسموتريتش، لكن اقتحام المسجد الأقصى أثبت عكس ذلك تمامًا، لذا تحاول إدارة بايدن وبحسب هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية «كان» وضع حدود إقليمية للحكومة الإسرائيلية ووضع خط أحمر يمنع تجاوزه، ومن ضمنه ضم أراضي الضفة، وكذلك موقف الأقليات داخل إسرائيل.

ويدرك اللوبي اليهودي الصهيوني داخل الولايات المتحدة الأمريكية خطورة توجهات تلك الحكومة المتطرفة، والتي يعدها بعض الحاخامات مخالفة لتعاليم الدين اليهودي نفسه، حيث بعث حاخامات الجالية اليهودية في أمريكا برسالة مفادها بأن سياسات بن غفير من شأنها أن تتسبب في ضرر كبير بين اليهود أنفسهم خارج إسرائيل وبين الدولة العبرية، وأن هذا الضرر لا يمكن إصلاحه، وحملت الرسالة معنى واضحًا بأنهم لن يسمحوا لأعضاء اليمين المتطرف بالتحدث داخل أي كنس يهودي أو أي تجمع لهم، كما سيسعون إلى دعوة قادة المعابد لمقاطعة حكومة نتنياهو التي لم تلتزم بمبادئ الديمقراطية، ومن أبرز الحاخامات الموقعين على تلك الرسالة زعيم حركة إعادة البناء، وعميد الجامعة اليهودية الأمريكية في لوس أنجلوس.

المخاوف الأمريكية المعلنة حول تعرض الديمقراطية الإسرائيلية للخطر صارت حديث وسائل الإعلام والسياسيين الأمريكيين، ونقلت صحيفة «هآرتس» تلك المخاوف عن الإعلام الأمريكي، من أن دولة الاحتلال معرضة للخطر بسبب تلك الحكومة المتطرفة في فكرها الذي يناهض الديمقراطية المزعومة، كذلك قد يكون حل الدولتين مستحيلًا عسكريًّا وسياسيًّا، بل وصل التشاؤم للحد الذي جعل موقع «عنيان مركزي» الإسرائيلي ينقل مخاوف الجانب الأمريكي من أن تلك الحكومة قد تعرض بقاء إسرائيل للخطر، لذا حثت وسائل الإعلام الأمريكية الإدارة الأمريكية على بذل كل ما بوسعها من أجل سيادة القانون والحفاظ على الحقوق داخل إسرائيل، ولمحت إلى أن ذلك قد يكون نقاط صدام حتمي بين الطرفين.

موسكو وطهران حائران

لطالما سارت السياسة الأمريكية والإسرائيلية على مسار واحد، حتى لو ظهرت نقاط خلافية في بعض الأمور، لكن مبدأ الدعم الأمريكي واضح ومحدد، وكذلك الموقف الإسرائيلي الذي لا ينفك أن يحيد عن المسار الأمريكي، لكن مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة المثيرة للقلق فهناك أوجه تصادم أخرى محتملة، والحديث هنا عن الملف الروسي الإيراني، حيث تتبنى الولايات المتحدة موقفًا مناهضًا للدب الروسي في معظم توجهاته، وآخرها الحرب ضد أوكرانيا كما هو معروف، فموقف واشنطن كان واضحًا منذ لحظة الاقتحام الروسي الأولى، فقد أدانه بايدن من خلال بيان رسمي، اعتبر فيه أن تلك حرب مع سبق الإصرار والترصد، وأنه غزو غير مبرر، لذا دعمت واشنطن نظيرتها كييف في حربها ضد روسيا، وكان آخرها حزمة مساعدات في الشهر الجاري بقيمة 3 مليارات دولار، بحسب صحيفة «الجارديان».

وبسبب الثوابت بين إسرائيل وأمريكا، تتوقع واشنطن أن تسير تل أبيب على نهجها، لكن مع الحكومة الجديدة ظهرت نقطة صدام غير متوقعة، حينما تواصل وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد، إيلي كوهين، مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، وقال كوهين بشكل واضح: «سنتحدث أقل ونعد تقريرًا مفصلًا للمجلس الوزاري المصغر من أجل صياغة سياسة مسئولة»، وهنا ظهر الصدام مع الجانب الأمريكي، حيث عبر السناتور الأمريكي، ليندسي جراهام عن أمله بأن يتفهم كوهين أن النظام الروسي وأفراده هم مجرمو حرب وفقًا لما نشرته «جيروزاليم بوست»، لذا سينقل وزير الخارجية الأمريكي، بلينكن، في رسالته من الحكومة الأمريكية بعدم التودد إلى موسكو بحسب ما نشرته الــ «أسوشيتد برس».

 وفي سياق متصل وحول التواصل الإسرائيلي مع الجانب الروسي وهل لإيران علاقة؟ يرى البروفيسور عمر دستري، في دراسة نشرها «معهد القدس للاستراتيجية والأمن»، أن الحرب الأوكرانية عززت العلاقة بين طهران وموسكو، بسبب مساعدة الأولى للثانية في حربها، خاصة تزويدها بطائرات بدون طيار، لذا طلبت إيران المساعدة الروسية في الملف النووي، لذا أوصى دستري بضرورة متابعة الدعم الإيراني لروسيا لأن أوكرانيا ساحة اختبار مهمة لمراقبة الأسلحة الإيرانية، هذا من جانب، ومن جانب آخر أوصت الدراسة بضرورة الحفاظ على علاقات جيدة بين إسرائيل وروسيا، لكنها حذرت من انعكاس ذلك على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وقد تكون هذه نقطة صدام متوقعة مع واشنطن، لذا يرى دستري أن تل أبيب يجب أن تواصل مساعداتها الإنسانية لأوكرانيا، وهنا تصف الدراسة هذه السياسة بأنها دبلوماسية ذكية لإسرائيل.

بشكل عام يرى العديد من المحللين الإسرائيليين مثل إيتان جلبواع وغيرهم بأن المتطرفين في الحكومة لا يدركون مدى اعتماد إسرائيل على حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية ولا يحسبون لتصرفاتهم أي حساب، ويرى أن نتنياهو شخص فقد المصداقية بسبب تصريحاته بقدرته على السيطرة الحكومة، وفي أول اختبار فشل في ذلك، لذا فمن المتوقع أن تتضرر إسرائيل جراء صدامها مع الولايات المتحدة، سواء من ناحية تلقي المساعدات أو الحماية الأمريكية للدبلوماسية الإسرائيلية في المحافل الدولية، والمقاعد التي تسعى تل أبيب للحصول عليها في المنابر الدولية مثل مجلس الأمن والأمم المتحدة، فقد تفقد إسرائيل الدعم الأمريكي في هذه النقطة أيضًا بسبب تطرف هذه الحكومة.