أربعة شباب على عتبة نقابة الصحفيين، أحدهم على مقربة من لجنة المشتغلين، واثنان ضمن المؤجلين، والصحفية الرابعة استطاعت أخيرًا الحصول على بدل النقابة الأول، بعد تسعة أعوام من العمل في بلاط صاحبة الجلالة، لكل واحد منهم قصة تستحق أن تُروى، وتُحكى على مهل.

يُعاني كثير من الصحفيين من استنزاف طاقاتهم وأعمارهم من أجل دخول نقابة الصحفيين، وتستغل المؤسسات الصحفية شغفهم وحُبهم للمهنة من أجل الضغط عليهم، وضمهم إلى ساقية العمل اليومي الضاغط لسنوات طويلة، كُل ذلك من أجل الحصول على كارنيه النقابة.

سارة: البدل الأول

حين قبضت سارة محمد أول بدل لها من نقابة الصحفيين لم تشعر بأي سعادة، جاءها البدل بعد تسعة أعوام من العمل في مجال الصحافة، حيث تخرجت في كلية الإعلام بجامعة القاهرة عام 2015، وفي نفس العام تمكنت من العمل داخل إحدى المؤسسات الصحفية الخاصة الشهيرة، تتذكر كيف تحمست كثيرًا للعمل داخله «كان نفسي أروحه من زمان لأن رئيس تحريره كنت بحب أقراله جدًا، لكن قعدت أول سنة مش باخد فلوس خالص، وأول مرتب أخدته كان 450 جنيه»، تقول ساخرة.

تحكي سارة عن واقعة المرتب الأول؛ فقد كان المرتب يخص زميلة قررت ترك العمل، وتوزع مرتبها البالغ ألف جنيه على صحفيتين، كانت من بينهما سارة «واتقسم علينا الألف جنيه، واتخصم جزء منه ضريبة، وفي الآخر مرتبي بقى 250 جنيه»،

حلم  الصحافة والدراسة بكلية الإعلام كان حُلم سارة منذ صغرها، كانت قد رسمت صورة وردية عن المهنة «وإني أبقى أحد أفراد صاحبة الجلالة»، غير أنها اصطدمت بصخرة الواقع، فقبل عملها بالمؤسسة الشهيرة، عملت بموقع صحفي آخر، غير أنها ظلت لمدة عام كمتدربة، ودون الحصول على أي أجر بالطبع.

وبعدما حققت سارة حُلمها بالعمل داخل المؤسسة الشهيرة، طمحت أيضًا لدخول نقابة الصحفيين، إلا أن الأمر لم يكن بتلك السهولة، فلم تتعين داخل مؤسستها الصحفية سوى في أكتوبر عام 2021 «رغم إني اشتغلت كتير وفي أقسام مهمة زي قسم الفيتشر، وروحت غطيت في أماكن لا حصر لها»، غير أنها لم تر داخل المؤسسة سوى الظُلم «ناس جت بعدي بكتير وأخدت حقي في التعيين»، ولا ينضم صحفي للنقابة إلا بعد تعيينه داخل مؤسسة صحفية.

جنة: بعد 10 أعوام في بلاط صاحبة الجلالة «تأجيل»

كانت لحظة قاسية للغاية على نفس جنة لطفي، حين رأت اسمها ضمن قائمة المؤجلين في لجنة قيد النقابة، شعرت بمدى الإهانة التي تلقتها «حسيت إن حد بيهدم لي مشوار سنين، كمان حسيت إن الصحفيين الكبار بيستخدموا أحلامنا وطموحاتنا وسيلة تنكيل بينا»، لم يكن مشوار جنة سهلًا أبدًا؛ فقد تحوّلت من مدرسة للغة الإنجليزية إلى صحفية، واحتاجت وقتًا طويلًا حتى تتمكن من دخول مجال الصحافة.

لم يحالف جنة الحظ دخول كلية الإعلام، وقد كان حُلمها منذ الصغر، إلا أنها ظلت مُتمسكة به، حتى بعدما عملت كمدرسة للغة الإنجليزية، زاد من قوة الحُلم احتكاكها بهواء ثورة يناير المُشبع بالأمل «ثورة يناير خلتني أتعرف على صحفيين كتير على سلالم النقابة، ومن هنا كانت البداية»، رأت فيها الصحفية مُنى سليم مشروع صحفية بسبب منشور كتبته على حسابها بالفيسبوك «وعرفتني على أستاذ خالد البلشي، النقيب الحالي، واشتغلت معاه في موقع البداية لمدة سنتين».

آمنت جنة أن الصحافة هي مهنة ضمير، وأنها ذات قيمة كبيرة، من خلالها تحتك بعموم الناس وتعبر عن مشاكلهم، غير أن جنة ظلت تعمل بموقع «البداية» قرابة العامين دون مُرتب، مما اضطرها لتركه، والذهاب لموقع آخر تحصل منه على مرتب 500 جنيه «قولت أحسن من قلّتهم خالص»، وفي الوقت نفسه لم تتخل جنة تمامًا عن عملها كمُدرسة، فتقول «أومال أصرف على نفسي منين؟»، فقد كانت تعتمد على الدروس الخصوصية «أنا مستقلة ماديًا من بعد وفاة والدي».

أحمد: على حافة «المشتغلين»

لم يعر أحمد عبدالله النقابة اهتمامًا في بداية عمله بالصحافة، فلم يضع نُصب عينيه سوى التعلم، تخرج الشاب عام 2014، وبعدها بفترة قصيرة عمل داخل إحدى المؤسسات الصحفية الخاصة الشهيرة، تحديدًا داخل قسم التحقيقات «وأنا مكنتش داخل التجربة دي عشان النقابة، إنما عشان أتعلم، لدرجة إني مركزتش في حقي».

وبعد سنوات أدرك عبدالله أنه أخطأ في حق نفسه «لحد ما لقيت حواليا الناس بتتعين وأنا لا، وكنت أسأل طب ليه الناس دي اتعينت قبلي، فالرد كان عشان ده شاطر، طب أنا بتاع بطاطا يعني؟»، يقولها ساخرًا، لم يتعين الشاب داخل جريدته سوى بعد أكثر من خمسة أعوام من العمل الصحفي، في فبراير عام 2021، إلا أن اللحظة الصادمة جاءت خلال اليوم الخاص بلجنة القيد.

يتذكر عبدالله ذلك اليوم جيدًا، لم يحمل همّ أي شيء، كان أرشيفه الصحفي يبدأ منذ عام 2012 وحتى 2021، وكان الهم الوحيد داخله هو قلقه على زملائه من محرري السوشيال ميديا والتوك شو «كنا 35 شخص مُعين من الجريدة، وفيه مننا سبعة مش صحفيين، وكنا قلقانين عليهم»، سُخرية القدر كانت أن زملاءه من محرري السوشيال ميديا والتوك شو تم قبولهم، أما عبدالله فقد كان اسمه ضمن قائمة المؤجلين، يقول الشاب إن اللجنة أبلغتهم أن الاختيار كان وفقًا للمعايير «لكن وفقًا لمعلومات مسربة عرفنا إن قائمة العشرة اللي اتقبلوا تم الاتفاق عليهم من الجريدة نفسه».

شعر عبدالله بظلم شديد «حسيت إن حقي راح لحد غيري»، ومرت بوقت عصيب لمدة ثلاثة شهور، حتى موعد اللجنة التالية، إلا أن الإحباط كان قد ملأ قلبه «كنت فقدت الأمل تمامًا، وقبلها عملت تظلم بس منفعش»، غير أن الحظ وافقه في هذه المرة، وتم قبوله بالفعل في أبريل من العام الماضي، لكنه الآن يقف عند عتبة «المشتغلين»، حيث يظل الصحفي داخل النقابة تحت التمرين، أي أنه يتقدم لعدة دورات تدريبية، بعدها يتم نقله إلى لجنة المشتغلين.

منة: حلم النقابة يصل إلى «التأجيل»

كحال جنة، تم تأجيل منة راضي أيضًا، غير أن منة عملت داخل بلاط صاحبة الجلالة منذ عام 2004، كانت حينها لا تزال طالبة آداب قسم تاريخ، وهو أحد الأسباب التي عانت منها خلال العمل الصحفي «كان دايمًا بيتقالي انتي منتحلة صفة مهنة، عشان مش دارسة إعلام، وكان بيتقالي فين كارنيه النقابة».

منذ دراستها وحتى عام 2011 تنقلت منة في عديد من الصحف والمواقع، منها صحف قومية، ولم تأتها فُرصة للتعيين في أي منها، وتخللها الأمل حين بدأت العمل في 2011 داخل إحدى المؤسسات الصحفية الخاصة الشهيرة «كنت ضمن أول سبعة يشتغلوا في الموقع، كان تحت التأسيس»، رغم ذلك لم تتعين منة داخل المؤسسة سوى في عام 2021.

رأت منة العديد من الليالي الصعبة بالمهنة «كنا بنتعامل بالسُخرة، وشغل في أوقات صعبة على أمل إني أتعين»، غير أنها رأت الكثيرين ممن سبقوها إلى التعيين، وفي حالة سؤالها عن السبب كان الرد «أصل الزميل دا متجوز وأولى منك، ومرة تانية معلش اصبري انتي المرة الجاية، تخطوني أكتر من مرة رغم إني كنت الأولى في التعيين».

تتعدد الليالي الصعبة التي قاست منها منة بسبب عدم كونها نقابية، منها منعها من دخول اتحاد الغرف التجارية للمرة الأولى منذ ستة أعوام عملت فيها بتغطية ملف الصناعة واتحاد الغرف، بسبب بيان أقره نقيب الصحفيين السابق «ضياء رشوان»، طلب فيه قصر الاعتماد للوزارات على الصحفيين النقابيين.

تجاوزت منة أكثر من 14 سنة في بلاط صاحبة الجلالة، وهي الآن تبلغ من العمر 37 عامًا، ورغم ذلك لم تصبح عُضوة نقابة بعد، حتى أنها تم تأجيلها أيضًا، وفي انتظار اللجنة القادمة بعد ستة أشهر «ويا عالم هبقى مُشتغلين امتى»، حيث يستغرق الانتقال من كون الصحفي تحت التدريب بالنقابة إلى المشتغلين حوالي السنتين.

حكايات مألوفة لمشوار مُر متكرر

مشوار طويل سار فيه الأربعة صحفيين، تفاصيل القصص مُختلفة، غير أن الحكاية ذاتها مألوفة، كحال صحفيين كُثر، بالنسبة لسارة ترى نقابة الصحفيين رمز مهم، ومكان له قيمته «كنت أسمع من الناس اللي حواليا عايزين ندخل النقابة عشان البدل، وكأن النقابة انحصرت في البدل، آه صحيح هو بيمثل جزء من الأمان المادي، بس أنا مينفعش كصحفي أحصر قيمة الصحفيين في 3 آلاف جنيه»، احتياج سارة للنقابة كان لحمايتها كصحفية، وحتى تستطيع ممارسة المهنة في إطار شرعي وقانوني.

ترفض سارة تمامًا الوضع الحالي للنقابة «فكرة إن النقابة تخلينا تحت رحمة الجرايد وإنهم يتحكموا في منحنا رخصة دا شيء سيء جدًا»، وتتمنى تغيير القانون بأي شكل.

تتذكر الشابة حينما جاءت لحظة تجميع الأرشيف الخاص بها لدخول لجنة القيد «كنت ببكي وأنا بقطع الأرشيف، بقول ازاي أنا عاملة كل الشغل ده ومش عضوة نقابة»، كما أن سارة حُرمت من حقها في التعيين في فبراير 2021، وتم تأجيله للعام التالي «حتى لما اتعينت بعد كدا الفرحة مدخلتش قلبي»، وحتى حينما قبضت سارة أول بدل بين يديها «دفعت منه جزء لمشروع العلاج عشان مرض أبويا، ومتبسطتس بالفلوس بردو».

وترى جنة النقابة بالنسبة لها أمان مادي ومهني، لأن البدل سيُعطيها بعض من الاستقرار المادي، وتستأنف أحلامها التي أوقفتها بسبب الضغط المادي مثل حلم الماجستير والدكتوراه، أما الأمان المهني فقد ازداد لديها بسبب تعرضها للاعتقال لمدة 21 يومًا خلال مظاهرات سبتمبر 2019 «كان كل غلطتي إني رفعت الكاميرا أصور المظاهرات، عشان كدا عايزة الكارنيه، عشان محدش يدّعي إني بنتحل صفة صحفي».

بالفعل تعينت جنة في فبراير 2022 بعقد رسمي داخل مؤسستها، وكانت تعلم جيدًا سبب تأخر حقها في التعيين كل هذا الوقت «أنا حد بيحب يتناقش، بس الناس في المؤسسات بتحب تستنزف الصحفي، فيه استحقاق فظيع إن الصحفي المفروض يعمل المطلوب منه وبس»، ولم تكن جنة محظوظة أيضًا خلال لجنة القيد «اتقالي وقتها من رئيس اللجنة إن سبب تأجيلي أمني، لكن مفيش دليل على صدق كلامه»، حينما قال لها رئيس اللجنة ذلك، ضحكت وقالت له «متشكرة، أنا كنت متخيلة إن اللجنة سيد قراره».

بجانب الغطاء القانوني الذي يهم منة، إلا أن النقابة بالنسبة لها تُمثل الكثير والكثير، منها التأمينات الصحية «أنا أصيبت بمرض نادر في 2014، وكانت النتيجة إني أعمل تحاليل وأشعة كل 3 شهور»، لذا فإن الشابة في أمسّ الحاجة للتأمينات، فضلًا عن المعاشات التي يُوفرها الحصول على عضوية النقابة، إضافة إلى الدورات التدريبية التي تمنحها لجنة تطوير المهنة بالنقابة «ودي بتوفرها النقابة بمبالغ رمزية»، بخلاف مزايا الإسكان «محتاجة إني يكون عندي شقتي»، ويوفر كارنيه النقابة أيضًا صلاحية تقديمها لمنح لا تتاح إلا للنقابيين «كمان أنا لو اتقبض عليا لازم يبقى معايا محامي النقابة».

يتفق أحمد أيضًا مع حديث الشابات الصحفيات، مُستنكرًا «آلية عضوية النقابة غريبة جدًا، انت ليه تربط مصيري بمصير مؤسسة!»، ويرى الشاب أن المنطقي النظر للصحفي الشاب بحُكم أرشيف عمله «وأكون ممارس للمهنة لمدة ستة شهور أو سنة مثلًا».

ويستدرك أحمد بقوله إن كثيرًا من الصحفيين يتركون مؤسساتهم بعد دخول النقابة «دا عشان زهقوا وتعبوا من اللي حصل فيهم، فبيبقى عايز ياخد رد فعل»، غير أن المؤسسات الصحفية-في رأيه- ترى الأمر بمنظور آخر «الجرايد بتشوف إن الصحفي بييجي ياخد النقابة ويمشي، بس العكس اللي بيحصل هم بيتم استنزافهم لحد ما يزهقوا»، ويتساءل «يعني أنا لو شغال في مؤسسة بتحترمني ماديًا ومعنويًا، همشي ليه!».