الزمن الحالي هو زمن مصر في لعبة الإسكواش.

هكذا صرحت «رنيم الوليلي»، لاعبة الإسكواش المصرية، وصاحبة لقب بطولة العالم الأخيرة عقب تتويجها بالبطولة في مدينة مانشستر الإنجليزية، وذلك للمرة الأولى في تاريخها.

ومع تواجد ستة لاعبين من الرجال، وأربع لاعبات من النساء في ترتيب العشر الأوائل على مستوى العالم؛ أصبحت مصر تهيمن بشكل واضح على مجريات اللعبة ليس فقط على مستوى منافسات الكبار، ولكن في مراحل عمرية مختلفة؛ ليبقى السؤال الأهم: كيف شكلت مصر أسطورتها في لعبة الإسكواش؟


الاستعمار البريطاني، ودخول اللعبة إلى مصر

الاستعمار البريطاني سبب انتشار اللعبة في مصر.

اعترف «عاصم خليفة»، رئيس الاتحاد المصري للإسكواش، بأن الاستعمار البريطاني في مصر كان سببًا رئيسًا في انتشار اللعبة بهذا الشكل، فكان تفوق المصريين نتيجة طبيعية لذلك.

كما أقر بأن الإسكواش ليست باللعبة الشعبية في مصر؛ لما تحتاجه من تكاليف كبيرة نسبيًا، مؤكدًا على أن ممارسة اللعبة موقفة على بعض المدن المصرية مثل القاهرة، والإسكندرية، وطنطا؛ معللًا بأن الناس في تلك المدن يعشقون الإسكواش على عكس بعض مدن الصعيد.

وتعود بداية اكتشاف اللعبة إلى القرن الـ19 في إحدى المدارس الإعدادية تدعى «هارو سكول» في بريطانيا في عام 1820م؛ ومنها إلى جميع أنحاء الإمبراطورية والبلاد الموالية لبريطانيا آنذاك –كانت من ضمنهم مصر-، حيث بنى الاستعمار ملاعب مخصصة لممارسة الضباط الإنجليز للعبة في القاهرة والإسكندرية، وكان الصبية المصريون يلعبون معهم في غير أوقات العمل.

وكان اتحاد الجمهورية العربية المتحدة – مصر وسوريا- في مقدمة الـسبعة اتحادات التي أسست الاتحاد الدولي للعبة في عام 1967، بالإضافة إلى بريطانيا، وأستراليا، والهند، وباكستان، ونيوزيلاندا، وجنوب أفريقيا.


التواصل بين أجيال البطولة

سبب التفوق للإسكواش المصرى هو الاستمرارية؛ لأن كل جيل يسلم الراية للجيل التالي له.

هكذا يرى «أحمد طاهر»، لاعب الإسكواش في فترة الثمانينات، وعضو مجلس إدارة اتحاد الإسكواش المصري السابق، سبب الهيمنة المصرية على اللعبة. التواصل بين أجيال اللعبة، بداية من «عمرو بك»، الدبلوماسي المصري الذي استطاع إحراز بطولة العالم 6 مرات متتالية في أواخر العشرينات وبداية الثلاثينات، ليفتح الباب واسعًا لمزيد من الإنجازات المصرية في اللعبة.

شهدت مصر بعد ذلك في الفترة ما بين ثلاثينات وحتى منتصف الثمانينات حروبًا عديدة مما أثر سلبًا على اللعبة؛ إلا أنها شهدت أيضًا بروز بعض من الللاعبين المميزين مثل محمود عبد الكريم، ومحمد الدرديري، ومن بعده عبد الواحد عبد العزيز، وإبراهيم أمين، وعبد الفتاح أبو طالب؛ الذي استطاع تحقيق بطولة العالم ثلاث مرات خلال فترة الستينات.


«برادة» و«شبانة»: بداية جديدة للإسكواش المصري

كنت أصغر لاعب مصري يصل إلى التصنيف الثاني عالميًا.
تصريح سابق لأحمد برادة.

في شهر سبتمبر/أيلول عام 1992،بدأ «أحمد برادة»، مشواره العالمي وهو في عمر الخامسة عشر؛ منطلقًا بسرعة الصاروخ، وكاتبًا تاريخًا جديدًا للعبة في مصر؛ حيث استطاع دخول قائمة ال 50 الأفضل على مستوى العالم في عام 1995، ثم قائمة ال 10 بعدها بعامين فقط.

ويقول «برادة»، أنه كان أصغر لاعب مصري في التاريخ يصل للتصنيف الثاني عالميًا، واستطاع الفوز ببطولة العالم للفرق لأول مرة في مصر، وكذلك لبطولة الأهرام، وواصل: «فزت ببطولات العالم تحت 14، و16، و19 عامًا».اعتزل «برادة» اللعبة مبكرًا، في السادسة والعشرين من عمره معللًا ذلك بقوله إن قرار الاعتزال جاء بعدما أحس أنه حقق كل شيء، ولن يقدم أفضل مما قدمه سابقًا.

ومثلما شهد عام 2003 انتهاء مسيرة بطل مصري بحجم «أحمد برادة»، فإنه كان شاهدًا أيضًا على ميلاد بطل عالمي يُدعى «عمرو شبانة»، حيث استطاع «شبانة» تحقيق بطولة العالم بباكستان؛ لتكون البطولة الأولى لـه ضمن حصيلة ألقاب كبيرة وصلت إلى 33 لقبًا دوليًا، و4 بطولات عالم. عرفت مصر طريق الصدارة في التنصيف العالمي مع «شبانة»، حيث استطاع البقاء في الصدارة لمدة 33 شهرًا متتاليًا، ولم يخرج من قائمة ال 10 الأوائل لمدة 10 سنوات متتالية، ليكتب اسمه في سجل أساطير اللعبة عبر تاريخها الطويل.

مقطع فيديو يوضح مهارة A Tribute التي يتميز بها «عمرو شبانة».

اعتزل «شبانة» اللعبة في عام 2015، وهو في عمر الـ36، وذلك بعد حصوله على بطولة أمريكا المفتوحة؛ ليكتب اسمه كأكثر لاعب إسكواش يتوج بالبطولة، واتجه بعدها لعالم التدريب مع المنتخب المصري للإسكواش.


بطولات دولية داخل مصر

لعبت البطولات الدولية داخل مصر دورًا كبير في نشر ثقافة اللعبة، وزيادة شعبيتها؛ لتحتل الإسكواش مرتبة متقدمة لدى جماهير الرياضة المصرية، حيث بدأت بطولة «الأهرام الدولية»، أولى بطولات مصر الدولية، في عام 1996. شهدت اللعبة شغفًا كبير من الرئيس المخلوع «محمد حسني مبارك»، وحرص على إقامة هذه البطولة بشكل مستمر، والترويج للعبة من خلالها.

البطولة مذاعة على 40 محطة تليفزيونية لمن يريد أن يتابعها.

هكذا صرح «عمرو منسي»، مدير بطولة الأهرام الدولية، موضحًا أن البطولة كانت سببًا في شهرة لعبة الإسكواش في مصر وخروج الجيل الحالي من اللاعبين المصريين، قائلًا: «الناس كلها شافت أحمد برادة وشهرته في اللعبة وجذبت العديد من الوجوه التي نعرفها الآن جيدًا».

الجدير بالذكر أن البطولة توقفت في عام 2006، إلا أنها عادت مرة أخرى في 2016، بعد 10 سنوات كاملة،وحصل عليها «كريم عبد الجواد» في فئة الرجال، و«رنيم الوليلي» في فئة السيدات.

أول مرة ألعب في الجونة، الأجواء هنا رائعة بالفعل.
نيكول ديفيد

أما الجونة، فتشهد أيضًا بطولة دولية تقام سنويًا، منذ عام 2010 وحتى الآن، وتعد البطولة من البطولات المميزة في الآونة الأخيرة حيث بلغ مجموع جوائزها 150 ألف دولار؛ لتحتل المرتبة الخامسة في ترتيب البطولات الأعلى في قيمة الجوائز.

تصريح عمرو منسي عن بطولة الجونة الدولية للإسكواش.

أوضح «منسي» بعد ذلك أن هناك عقدًا بين اللجنة المنظمة والاتحاد الدولي، تفيد بأن البطولة ضمن أفضل سبع بطولات في العالم. كما تسعى اللجنة المنظمة لبناء ملاعب زجاجية دائمة بالجونة، والتوسع في البطولة لتشمل فئات عمرية عديدة، وأن تصبح الحدث الرياضي الأكبر في عالم الإسكواش.

الأمر لم يتوقف عند «الأهرام» و«الجونة» فقط، بل شهدت مصر تنظيم عدة بطولات أخرى بهدف تنشيط السياحة الخارجية أبرزها: بطولات «الغردقة»، و«شرم الشيخ»، و«الأقصر»، و«الإسكندرية».


الاهتمام بالأطفال، لأن للبطل أدوارًا أخرى

نسعى لأن تصبح البطولة أكبر حدث رياضي في الإسكواش في العالم.

فرصة لكل ناشئين الإسكواش لحضور معسكر (كامب) في الجونة والتدريب معي أنا والفريق في الفترة من ٢٨ يناير حتى ٢ فبراير…

Gepostet von Nour el Sherbini am Dienstag, 9. Januar 2018

قامت «نور الشربيني»، المصنفة الأولى عالميًا، وصاحبة لقب بطولة أمريكا المفتوحة الأخيرة، بكتابة هذا المنشور على صفحتها الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، و دعت «نور»، ناشئ لعبة الإسكواش للانضمام لمعسكرها الخاص بالجونة، وإتاحة الفرصة للنشء الصغير للتدرب معها، ومع فريق العمل الخاص.

على الجانب الآخر يمتلك «رامي عاشور»، المصنف الأول عالميًا سابقًا، أكاديمية خاصة لتدريب الأطفال على لعبة الإسكواش في مصر، والولايات المتحدة الأمريكية،وتهدف الأكاديمية إلى بناء أبطال في اللعبة من خلال برامج مصممة خصيصًا للمراحل العمرية المختلفة، حيث يدير الأكاديمية «رامي عاشور»، بالتعاون مع فريق العمل الخاص به.

الجدير بالذكر أن البعثة المصرية المشاركة هذا العام في بطولة إنجلترا المفتوحة للناشئين والناشئات قد حصدت 4 ألقاب فقط من أصل 10، وذلك في الفئات العمرية تحت 11، 13، 15، 17، 19 سنة. وتعد هذه المشاركة هي الأسوأ في تاريخ مصر، بعدما حصدت في العام الماضي 6 ألقاب من أصل 10 ألقاب في مختلف الفئات العمرية، فهل تواصل الأجيال القادمة الهيمنة المصرية على اللعبة، أم تدق هذه البطولة ناقوس الخطر بسحب بساط الإسكواش العالمي من تحت الأقدام المصرية؟