ظهرت سينما الألفية الثالثة في مصر بمعطيات جديدة، اختلفت منظومة الإنتاج السينمائي، وبدأ تسيّد مجموعة منتجين جدد، يعزز كل واحد منهم فرصه الربحية في الإنتاج وتصيّد النجوم الشعبية من خلال الاحتكاك المبتذل مع سرديات قومية، والبقية يتسارعون في محاولة إزاحة كل ما هو سينمائي إلى مساحة تجارية ووضع المسار الإنتاجي في معادلة تبدأ من الربحية وتنتهي عندها. التمويلات المحلية والخارجية بدأت تتخذ مسارًا تقليليًا ونخبويًا وأخذت معها في نفس الاتجاه محاولات الإنتاج التعاوني المشترك بين صنّاع الفيلم.

تأثر المنتج الفيلمي بانعكاس نظم الإنتاج على المواد السينمائية، وبوضع حدود وقوالب تتجه إليها الصناعة، بدءًا من استخدام جيل الشباب لأجل سرديات تتسق مع الخطاب السياسي، أو لمحاولة حصر الفيلم السينمائي المصري في أطر محدودة، شخصيات تنجح بالضرورة وتحقق ذاتها بعد استنزاف طويل وبدايات من أعماق الأزمة. لكن الشذوذ عن القاعدة الكبرى، وبصورة عكسية، هو قاعدة أخرى مستدامة.

حفلت الألفينيات بسينما ما زالت تحاول، بعيدًا عن الحزق الفنّي والصياح لأجل تقديم محتوى مغاير، بضعة أفلام تعد على الأصابع، تحاول بهدوء، تتعاطى مع مساحة الوقت المتاحة لها في الظهور، وتقبل صيرورة موت الفيلم على يد غيره، وكذلك تتقبل إمكاناته التي تحدد بصورة جزئية، فرص إعادة إنتاجه بمشاهدات أخرى في ظرف زماني آخر.

من بين هذه الأفلام، ظهر فيلم «أوقات فراغ- 2006»، ومضة تسلّط الضوء على مساحة عمرية مجهولة في السينما، طالما ظهرت بصور جانبية، مقولبة ولديها نماذج شخصياتها الجانبية التي تشّف بعضها في مختلف الأفلام. ظهر «أوقات فراغ» بعد قيامه على سياسة عمل مغايرة، نجوم جدد ومخرج غير مشهور، كاتب شاب وعودة منتج الفيلم بعد غياب طويل. المساحة بين ظهوره في 2006، وحتى الآن، خمسة عشر عامًا وما زلنا نتذكره، بسخرية عابرة «ميمز» أو بجدية متأملة في النوعية الجيدة التي فتح لها الفيلم مسارًا، ولو قليل الحضور، لم يسبق وجوده بنفس الشكل في السينما المصرية.

ضوء نافذ على عمق مظلم

عُرض «أوقات فراغ» في سياق زمني يضعه في مساحة بعيدة عن السائد. كانت السردية السينمائية الموحدة خلال ذلك الوقت تتجه إلى قطاع الشباب في مرحلة ما بعد الجامعة، حيث سؤال تحقيق الذات والتماهي مع الوضع الاجتماعي والسياسي الراهن، جميعها محاولات تعزز من فردية المسار الشخصي، بصورة تختزل النجاح الحياتي في التماهي مع الكود الأخلاقي للمجتمع، وخطف خطوة ارتقاء طبقي من حدّة الأيام وصعوبة الحياة. الفكرة السائدة الأخرى، كانت تتعلق بتطويع «الحراك الاجتماعي» عنوة، حيث سردية الارتحال الطبقي التي تمثلت في بطولات محمد هنيدي الأولى «همام في أمستردام/ صعيدي في الجامعة الأمريكية». بالتزامن مع خطاب إمكانية التطور الطبقي في الفن، كان واقع بداية الألفينيات يشهد معطيات تزيد المسافة بين كل طبقة وأخرى، وتجعل كل عالم له خصوصيته وحدوده.

ماذا نعرف عن شباب الجامعة في منتصف الألفينيات؟ هكذا يندفع الفيلم من سؤال بديهي، لكن مع النظر إلى ما وراء سؤال مبدئي مثل ذلك المعروض، تتفرع أسئلة أخرى، هل ننظر إليهم من مساحة أعلى؟ أم من خلال عيونهم هم؟ أفكارهم وتطلعاتهم وأزماتهم، سواء بدت تافهة، قابلة لحلول جذرية وسريعة، أو بدت إشكاليات لديها مسارات معقدة، تحتاج إلى تغيّرات مؤسسية وتوجهات كبرى كي يتم إعادة ضبط بوصلتها مرة أخرى.

حقق الفيلم ميزة أن نشاهده بعيون أبطاله، من خلال تيمته الواقعية في تكوين هؤلاء الأبطال، الذين هم وجوه جدد في مرحلة عمرية مشتبكة مع أدوارهم السينمائية وكذلك كاتب الفيلم، لذلك بدت الأحداث ملتبسة على مستوى التعاطي معها، هل هذه الأفكار، بما تحمل من غرابة وسذاجة أحيانًا، هي مادة سينمائية مشتبكة مع ابتذال المحتوى العام المعاصر؟ أم هي فقط غريبة عن عين المشاهد، وعلى الرغم من بساطتها، فإنها تملك جذورًا أكثر عمقًا من سطحها الظاهر؟

المشكلات التي يتعرض لها الأبطال الثلاثة «حازم- عمرو- أحمد» هي مشكلات تقليدية، فراغ محيط وفقدان الرغبة في فعل أي شيء جاد، تساهل في حضور المحاضرات وعدم تحمّل للمسؤولية، أشخاص صيّع بمفردات المرحلة، سجائر عادية وأخرى محشيّة بالكيف تدخّن سرًا، حتى مفهوم الصياعة المستمدة من تصاعد الذكورة وانطلاقها من الشكل الرجولي العام، المتمثل في التحرّش اللفظي وشقط فتيات قاصرات على مداخل السينما ومحورة طموح الأيام في توفير عدة بنات وشقّة متاحة ليوم واحد.

ثمة خبرة جماعية في الفراغ والملل، بذروة المراهقة خلال سنوات العشرين الأولى، لكن من يعرف كيف تفكر هذه الرؤوس خلال هذه المرحلة؟ سؤال يمنع كل الردود الجاهزة مسبقًا، والتي يعرفها جيدًا جيل شباب الثمانينيات/ التسعينيات (قرّب من ربنا/ ذاكر جيدًا وتحمّل المسؤولية/ اشغل نفسك بمسؤوليات بدلاً من أن يشغلك الفراغ بالتفاهات). يحاول الفيلم أن يقترب من طبيعة المود العام الذي يملي على أشخاصه كيفية التفكير بهذه الطريقة، وبصورة تضع الفيلم السينمائي في مساحته المقبولة، باعتباره محتوى غير وصائي، ليس مسؤولاً عن تقديم حلول، أو وضع نهايات قاطعة، بقدر ما هو مسؤول عن تشريح حالة بعينها، محاولة الاقتراب من تفصيلاتها الواقعية ليس أكثر. يشهد الوضع المعاصر حالة انفصال تام بين جيل الشباب باختلاف مراحله -ما بين العشرينيات والثلاثينيات- وبين جميع الأجيال التي تسبقه في السن. انفصال حتى لا تعالجه مساحة حوار، ربما لأن الأجيال الحالية هي أجيال أسئلة، كل واحد منهم يشتبك مع آخرين بأسئلة عمومية، ويشتبك مع ذاته بأسئلة فردية تعنيه، تتوزع بين الهم المادي والوجودي وسؤال تحقيق الذات، بينما الأجيال السابقة، وما يمثلها من آباء وأولياء أمور، جميعهم محكومون بكود واحد، بمسار تطوري واحد.

واحد من أذكى المحاور التي قدمها الفيلم خلال شخصياته هو محور البعد الديني. شهدت مرحلة أول الألفينيات صعودًا لأصوات دعائية شابة، بديلة عن الطابع الجاد لمفهوم الدعوة السلفي، والذي لم يكن يخرج عن أطر محددة، مجرد بضع قنوات فضائية على مستوى الانتشار الدعوي، بينما على مستوى التحصيل وتكوين كوادر متديّنة، كان المسجد والدروس الدينية هما المساحة الأكثر مركزية، مراهقو أوائل الألفينيات يعرفون ذلك جيدًا.

تصدير الأفكار المسعودة، الآتية مع العمالة الخليجية، لم تكن مرفوضة بالكليّة من مشكّلي الخطاب الاجتماعي، لكن هذه الأفكار كانت تفتقر إلى أدوات تقديم معاصرة، وجيل الشباب أيضًا كان بادئًا في انفتاح واسع على العالم، ومن خلال ذلك بدأت تتكون له خصوصيته. إذن من الأنسب؟ داعية غير ملتحٍ، في عمر يقع بين قابلية أن يقدم نصائح ذهبية مطعّمة ببعد عاطفي ولغة حوارية بسيطة، وبين أنه ليس بعيدًا عن الشباب، لذلك كان عمرو خالد في هذه الفترة هو داعية الشباب الذهبي، صعد مثل صاروخ في الهواء، وظل فترة طويلة حتى آن أوان هبوطة فوقع ولم تكن له قيامة ثانية.

يشغل سؤال العلاقة مع الله معظم شخصيات الفيلم، سؤال عمومي يربط نماذج الفيلم الثلاثة، بدلاً من المساحة الطبقية بينهم، حيث الأول «حازم» يمثل الطبقة العليا، بينما «عمرو» يمثل الطبقة المتوسطة، و«أحمد» في ذيل الطبقة المتوسطة.

تربط الثلاثة رغبة مشتركة في الالتزام، باعتباره خلاصًا ممكنًا من ذلك الفراغ المحيط، التزام بشكله التقليدي المعروف، الصلاة وإنكار المحرّمات وتركها وقراءة قرآن، يعرضهم الفيلم لهذه الدائرة المفرغة، من الانطلاق والانتكاسة. تبدأ رغبة الانتصار على الفراغ خلال هم جماعي لحل مشكلاتهم، ومن ثم تتفرع لرغبة فردية عند كل طرف، حازم مثلاً يتعرض لمطبّات في علاقته مع حبيبته منة، حيث الثانية تتأثر من وقت لآخر بهوجة ارتداء الحجاب المنتشرة خلال هذه الفترة، ومدى حرمانية علاقتهما غير الرسمية، بينما عمرو يتوب ويعود إلى تيمة حياة أصدقائه بصورة مشتركة، وأحمد دائر مثل ثور في ساقية مع خطاب والده الأخلاقي المتكرر، والذي لا يخلو من وازع ديني على كل حال.

يتصاعد الإنذار الإلهي في الفيلم، بصورة تطابق الخطاب الذي يصدّر هذه الفكرة دائمًا، كل المشكلات تتعلق بالبعد عن المسار الربّاني، وكل المشكلات حلّها في الصلاة وإشغال الذات بالعادات الدينية، لكن مع استجابة شباب الفيلم، عند كل إنذار، وعودتهم مرة أخرى، يعودون مكفوفين على وجوههم بحماس أعلى، حتى تنتهي هذه الذروة المتكررة بموت أحد أصدقائهم في حادثة طريق، بعدما تركهم مع فتاتين في السيارة وذهب ليشتري بيرة.

يموت طارق وفي يده زجاجات البيرة وهو ينادي على أصدقائه أن يتركوا له نفسًا من سيجارة الحشيش. تصدمه سيارة طائشة عن طريق الخطأ وتهرب، بينما طارق يحتضر مذعورًا، ويقول لأصدقائه «خايف أقابله». أي إنذار أكثر حدة من هذا؟ تركيبات الدائرة المفرغة، التي لا يحيط بها عامل واحد، سواء اجتماعيًا أو دينيًا، دفعت الشباب الثلاثة إلى بداية جديدة وجادة، صلاة واستجابة لنصح شيخ طيب وسماع دروس دينية، ومن ثم العودة مرة أخرى، في لحظة ملل، إلى نفس المسار، ليكرر ذاته مرة أخرى بصورة مستدامة.

الطبقات الثلاثة: الأنسنة والرغبة والمسار المسبق

جمعت أشخاص الفيلم الثلاثة علاقة صداقة وطيدة، لم يفككها خلاله أي خلافات بينهم، سارت بهدوء محفوف بهمّ جماعي مشترك، وهم فردي يضع لكل نموذج عالمه الخاص، يشتبك الثلاثة ويفترقون في تناغم سردي لذيذ. النوع الفيلمي لأوقات فراغ، باعتباره فيلمًا واقعيًا، يستمد حيثيات الحكاية من قلب العالم المحكي عنه، لذلك كانت سلاسة العلاقة بين الأصدقاء الثلاثة، تبدو عند أخذ انطباع أوليّ عنها، مسألة غير واقعية، لأن هذه المرحلة العمرية هي ذروة الخلاف، والاشتباك الأهوج بين الفرد وعلاقاته القريبة، لكن ما وضع السياق العام للشخصيات الثلاثة، في مساحة أكثر سعة، للنظر إلى مساحة كل واحد من الآخر، يبدو أن لكل منهم مساره الخاص، الذي يضع علاقتهم عند مستوى أقل من الاشتباك المتساوي، لأن لكل منهم وضعه الطبقي، الذي يتطلب ما يوازيه كي تتحقق فكرة المساواة والحق في الخلاف.

يشغل كل واحد من الأفراد الثلاثة عالمًا يسير فيه بصورة قهرية مبطّنة بالاختيار. يضع الفيلم كل نموذج ليعكس حال طبقة بعينها، وكيفية المسار العام لقطاع الشباب في هذه الطبقة. تعود طبيعة حنكة تقديم هذه الفكرة، بصورة مستترة، تنتقل بين السخرية والمراوغة والاختباء وراء الترميز الصوري والحواري، إلى مخرج الفيلم محمد مصطفى. عمل مصطفى في السينما ما بين الثمانينيات وحتى صناعة أوقات فراغ كمساعد مخرج ومخرج منفذ مع مخرجين كبار، جميعهم كانوا مهمومين بالمسألة الطبقية، تغيراتها وآثار هذه التغيرات على مختلف طبقات المجتمع، خاصة الطبقة المتوسطة وشرائحها الأدنى. كان مصطفى واحدًا من مساعدي الإخراج المفضلين لدى داوود عبد السيد، عمل معه في أفلام مثل الكيت كات والبحث عن سيد مرزوق والصعاليك وأرض الخوف، ومع عاطف الطيب في البريء والحب فوق هضبة الهرم، ومع رضوان الكاشف في الساحر.

سؤال الأنسنة متعلق بشخصية «حازم» ابن لطبيب ثري وسيدة مجتمع، يركب سيارة مصممة عمولة لأجله، يشرب نوع سجائر نظيف، ويرتدي ثيابًا تعكس ثراءه، حتى خلقته وبنيته الجسمانية وكيفية حواره تعكس وضعه الطبقي، كلها أدوات توظفها الصورة مبدئيًا، بشكل مكثف، يعطي انطباعًا مباشرًا بموقع الشخصية المادي دون مباشرة فجّة. السؤال الذي يقع بين أحمد وعائلته هو الأكثر تطلبًا من بين أصدقائه، هو لديه القدرة أكثر على القبول والرفض، ولا يتعرض لمسألة الرغبة الدراسية مثل صديقه عمرو، الأقل منه طبقيًا، وبالتأكيد لا يستطيع استيعاب مشكلات أحمد، لأنه لم يختبرها على أي مستوى من الأساس. تتشكل رغبة عائلة حازم في أن يكون شخصًا جيدًا، يحفل بسمعة طيبة، تتماهى مع قدسية الصيت الجيد عند الطبقات العليا، هنا ينكسر مثل الصيت ولا الغنى، ويصبح الصيت والغنى رغبتين منشودتين معًا. الأزمة الكبرى، التي كانت ذروة المسار الفردي لحازم، تمثلت في علاقة جنسية غير رسمية مع حبيبته، نتج عن ذلك تهربه منها حتى واجهته بخطوة قضائية، ليتزوجها بشكل صوري ثم تتم إجراءات الطلاق، لأنه بالطبع لا يتزوج من بنت ينام معها.

في منتصف التصنيف الثلاثي يقع عمرو، وهو الأقل تعقيدًا من بين الشخصيات الثلاثة، حتى في بناء شخصيته، شخص مسالم وهادئ وساخر، تتمثل مشكلته في مدى إمكانية خلق مساحة حوار بينه وبين والده الذي تركهما وذهب لزيجة ثانية، ولا توجد بينه وبين عمرو أي مساحة حوار. لذلك تتمثل مشكلته الكبرى في غياب التفاهم مع والده كي يفهم رغبته في الانتقال من كلية الهندسة إلى كلية الإعلام.

هل تبدو دراسة الإعلام طموحًا جادًا بالنسبة لعمرو؟ لم يتعرض الفيلم لهذه النقطة سوى في عدة مشاهد جانبية، لا تجيب عن شيء بقدر ما تفرض حضورًا ساخرًا للمشاهد، لأن السؤال المطروح، هو سؤال تفهّم الرغبة والاختيار الشخصي. يقع أحمد، ابن الطبقة المتوسطة بقطاعها الأدنى، تحت سلطان والده المحكوم بأطر كبرى ومحدودة، لا تتمثل فقط في الالتزام بمواعيد دخول المنزل والجدية في الدراسة، لكنها تتمثل في محاولة القمع السلطوي المتمثل في الحب والخوف الأبويين، لحشر الولد إجباريًا ضمن الإطار الرسمي للطبقة.

تخشى الشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة أن تخرج عن حيويتها الجماعية، لأنها محكومة بخوف الاختفاء من جانبية التقسيمة، كي لا تتلاشى مع الطبقات التي لا تؤخذ في الحسبة أصلاً، لذلك تظل تورث لنفسها أكوادًا تزداد قدسية، وتزداد انفصالاً وبعدًا عن المعاصرة. يغيب والد حازم طيلة الفيلم، يظهر فقط وقت أزمة الولد المتعلقة بسمعة أبيه، ولا يظهر والد عمرو أبدًا، تقوم أمه بدور الوالدين. إلا أن أحمد تتمثل مشكلته كلها في علاقته مع والده، مع ضرورة إقحامه في سياق واحد. ثمة نزع مباشر لمسألة الاختيار.

أبقى مطرود من البيت وعايز اشتغل يقولي خد قورص فرنساوي

جسور لعبور أصوات مغايرة

عاد المنتج الفلسطيني حسين القلا، بعد غياب ستة عشر عامًا، لإنتاج فيلم أوقات فراغ. كان للقلا نشاط إنتاجي فارق لاستمرارية سينما جيل الثمانينيات. بدأت إنتاجاته السينمائية في مصر مع يوسف شاهين في حدوتة مصرية، استمرت مع مخرجين آخرين، داوود عبد السيد في أفلام الكيت كات وأرض الأحلام وأرض الخوف، محمد خان في فيلمي أحلام هند وكاميليا وزوجة رجل مهم، خيري بشارة في فيلم الطوق والإسورة، صلاح أبو سيف في المواطن مصري.

العودة بعد مشاريع إنتاجية بديعة، مثل المذكورة سابقًا، ومع محمد مصطفى الذي يحاول في أول تجاربه كمخرج، بسيناريو لكاتب شاب، جميعها عوامل تتمثل في مجازفة تحتمل الخسارة أكثر من الربح، لكن التجربة «جمّعت جمهور الشباب في السينما» مثلما تقول إسعاد يونس التي وزعت شركتها الفيلم.

استوفت التجربة حقها في نجاح مثمر، وعلى المدى البعيد مهّدت لنجوم يبدو وعيهم السينمائي من خلال اختياراتهم الحالية. عمرو عابد، أحد الثلاثة الذي بدؤوا من خلال أوقات فراغ، يعمل حاليًا على نفسه كمخرج، ومن بعد أدائه في أوقات فراغ، ظهر في أدوار أخرى، تبدو فيها محاولته للبعد عن السياق التجاري الطافح، وانتقاء أدواره ولو نسبيًا، عمل عابد مع المخرج أحمد عبد الله السيد في فيلمي فرش وغطا وليل خارجي، لديه أيضًا دور جيد في فيلم عائلة ميكي.

وعلى المستوى الدرامي شارك مع يحيى الفخراني في أحد أجمل مسلسلاته «دهشة». اتخذ كريم قاسم مسارًا مشابهًا لمسار عمرو عابد، كانت بداية قاسم مع المخرج يوسف شاهين في فيلم قصير قدّمه الأخير أثناء تسلّمه جائزة تقديرية في مهرجان كان.

شارك قاسم في أفلام نوعية مثل فيلم بالألوان الطبيعية مع المخرج أسامة فوزي، وأخرى جيدة مثل ثنائية أولاد رزق.

اتخذ أحمد حاتم بعد أوقات فراغ طريقًا تجاريًا أكثر من شريكيه في البداية، لذلك هو متواجد على الساحة الفنّية، بأفلام شبه سنوية، الأغلبية منها يشارك بأدوار كبطل ثانٍ أو بحضور جانبي، ولديه بطولة وحيدة في فيلم الهرم الرابع.

عقب نجاح فيلم أوقات فراغ، أنتج حسين القلا لأبطال الفيلم تجربة سينمائية أخرى «الماجيك»، محاولة سينمائية جادة، تتميز بخصوصية وأصالة في النص السينمائي، وتبدو من خلالها إمكانات محمد مصطفى كمخرج متشرّب بحرفية أساتذته من جيل الواقعية في مصر.

يشتبك فيلم الماجيك، بصورة أكثر قسوةً ووضوحًا، مع مفارقات تحقيق الذات عند الشباب، لكن في مرحلة سابقة على التخبّط الجامعي، ومن خلال نماذج واضحة الفقر، منزوعة من حيرة السؤال الديني- الأخلاقي، وتندفع بفعل الفرص الشحيحة، وحدّة الوضع الطبقي، إلى محاولات سرقة متعددة، للخروج ولو مؤقتًا من الحصار الطبقي المطبق عليهم من كل ناحية.