يبدو أن ولاية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السادسة لن تكون محفوفة بالورود كما يحلم أكثر من حكم دولة الاحتلال في تاريخها القصير، تحديات كثيرة تواجه حكومة اليمين المتطرفة داخلية وخارجية، لكن التحديات الداخلية عنيفة هذه المرة بسبب توجهات الحكومة، خصوصاً في معركتها مع القضاء والهدف هو تقويض المحكمة العليا والحد من قانونيتها وسلطة القانون التي تطارد نتنياهو الذي يحاكم في قضايا فساد، ويسعى بيبي كما يسمى في الأوساط السياسية للهروب من المحاكمة، بالتالي يبحث عن مخرج حتى لو على حساب العدالة وسلطة القضاء، وهو ما دفع أنصاره من حزب الليكود وعلى رأسهم، وزير القضاء، ياريف ليفين لاقتراح ما يسمى إصلاحات ليفين أو خطة ليفين، ما دفع عشرات الآلاف للخروج على نتنياهو في تظاهرات غير مسبوقة جابت شوارع تل أبيب وكافة المستوطنات المحتلة، فهل ينتصر نتنياهو أم ينتصر القضاء في معركته الحالية التي لا هوادة فيها.

كومة من المبادرات السامة

منذ الإعلان عن خطة ليفين في مؤتمره الصحفي في بداية كانون الثاني/ يناير الجاري، خرج الآلاف في تظاهرات ضد الحكومة، وسلط الإعلام الإسرائيلي الضوء على تلك التظاهرات التي شملت كافة القطاعات، لكن السلك القضائي والحقوقي كان له نصيب الأسد في قيادة تلك الاحتجاجات، وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت خرج مئات المحامين وجلسوا خارج المحاكم في جميع أنحاء البلاد احتجاجًا على الانقلاب القانوني لحكومة نتنياهو، التي يقودها وزير العدل ياريف ليفين مع نتنياهو. في المظاهرة الرئيسية التي عقدت في المحكمة المركزية في تل أبيب تحدثت نائبة أمين المظالم السابقة دينا زيلبر، ووصفت خطة الحكومة بأنها «كومة من المبادرات السامة»، لكن نتنياهو يرى بحسب ما نشرته القناة السابعة بأن خطة ليفين تحقق إرادة الناخب الذي وثق في حكومته، ويقول نتنياهو: «الادعاء بأن الإصلاح القضائي هو نهاية الديمقراطية لا أساس له»، وأضاف بحسب ما نشره موقع «نيوز وان» أن حكومته مصممة على السير في الاتجاه الصحيح «لترسيخ وجودنا ومستقبلنا كدولة يهودية وديمقراطية في أرض أجدادنا»، وقال في مؤتمر نظمته حركة «بيتار» الأربعاء الرابع من كانون الثاني/ يناير بأن الخطة توازن بين السلطات الإسرائيلية.

ورغم ادعاءات نتنياهو وأنصاره بأن الإصلاحات تعزز الديمقراطية الإسرائيلية، لكن قانونيين ومنهم المحامي عميت بكراف أشار إلى أن الخطة هو خسارة كاملة لاستقلال القضاء وخطر على الديمقراطية الإسرائيلية وأن المظاهرات وجد بها أقطاب اليمين واليسار على حد سواء لأنها تهدد استقلال القضاء ووجود الديمقراطية، بحسب ما نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية.

ويقول نقيب المحامين، آفي حيمي، عن خطة ليفين بأنها تدمر الديمقراطية وتنتهك حقوق الإنسان وحياة المواطنين في دولة الاحتلال، وشارك في مظاهرة كبيرة داخل ميدان هبيما يوم السابع من كانون الثاني/ يناير الماضي، بحسب ما نشرته صحيفة «إسرائيل اليوم»، ودعمت حركة «نقف معًا» وجهة نظر حيمي وترى أن الحكومة الحالية تضم متطرفين يخططون لإلحاق الأذى والضرر بالجميع، كما تدعم التمييز العنصري ضد العرب، وأكدت الحركة وأنصارها أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي ولن يجلسوا في منازلهم ويستسلمون لليأس والإحباط.

حالة من الغضب الجمعي شهدتها دولة الاحتلال، حتى الطلاب خرجوا في مظاهرات يقدر أعدادها بالآلاف بحسب صحيفة «إسرائيل اليوم»، وتظاهر طلاب جامعات تل أبيب وبن غوريون وغيرها من نحو 14 مؤسسة أكاديمية وتعليمية ضد خطة ليفين، وقال أحد الطلاب المشاركين: «اليوم أظهر الطلاب بشكل لا لبس فيه أنهم ضد تغيير النظام! نحن ندعو الحكومة بالانسحاب من الإصلاح المدمر للنظام القضائي، فإن استقلاله ركن من أركان الديمقراطية»، وقال آخر: «نحن الطلاب نريد أن نعيش هنا بسلام وديمقراطية، لذلك علينا حماية فصل السلطات، ولهذا جئنا إلى هنا اليوم لتحمل المسؤولية عن مستقبلنا جميعًا»، وأدت تلك التظاهرات إلى اعتقال 4 طلاب من القدس من قبل شرطة الاحتلال.

ووصلت إحدى التظاهرات إلى منزل وزير العدل، ياريف ليفين، بحسب ما نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ورفع المتظاهرون لافتات تشير إلى أنهم لن يتركوا تلك الإصلاحات تمر مرور الكرام، ورفعوا لافتات مكتوب عليها: «إسرائيل ليست ديكتاتورية»، «ليس إصلاحًا قانونيًا بل انقلابًا»، «ياريف ليفين هو عدو الديمقراطية».

تفاصيل خطة ليفين

عقد وزير القضاء ياريف ليفين مؤتمرًا صحفيًا يوم الرابع من كانون الثاني/ يناير الجاري في الكنيست الإسرائيلي، أعلن خلاله عن الإصلاحات وخطته المزعومة، بحسب ما نشره موقع القناة الثانية الإسرائيلية، وبدأ ليفين مؤتمره الصحفي بالإعلان عن أن الإصلاحات طفرة في نظام الحكم الإسرائيلي، ويرى ليفين أن القضاء دمر ثقة الناس في النظام القانوني المعمول به في إسرائيل وقوض من سلطة الحكومات الإسرائيلية، وأن خطته تعيد الثقة للجمهور في القضاء وتعمل على توازن السلطات.

وفي ما يتعلق بأهم بنود الخطة فإنها تشمل أربعة محاور أساسية منها تقييد سلطة المحكمة العليا في إلغاء القوانين والقرارات التي تصدرها الحكومة، كذلك تضمين «بند التجاوز» لتمكين لكنيست من إعادة تشريع القوانين حال الاعتراض عليها من قبل الحكومة، وتغيير عملية اختيار القضاة، ومنع المحكمة العليا من استخدام ما يعرف ببند «المعقولية» للحكم على القوانين التي يصدرها الكنيست ومدى قانونيتها، كذلك تضمن الخطة السماح للوزراء باختيار المستشارين القانونيين، الذي يتم حاليًا من خلال وزارة العدل وبإشراف المحكمة العليا.

وفي ما يتعلق بتفاصيل المحاور الأربعة، فقد نشرت عدة وسائل إعلام إسرائيلية وأماكن قانونية كل ما يتعلق بخطة ليفين، فيهدف النظام الحالي في السيطرة على المحكمة العليا وقدرتها على إلغاء قوانين الكنيست، وبحسب الخطة فسيتعين موافقة كافة أعضاء المحكمة الخمسة عشر، ولو حدث ذلك يمكن للكنيست إعادة تشريع هذه القوانين تحت مسمى «بند التجاوز» الذي يعطي الضوء الأخضر لأعضاء الكنيست لاعادة تشريع أي قانون تلغيه المحكمة العليا بغالبية 61 عضوًا من نواب الكنيست، وتمنع تعديلات ليفين المحكمة العليا من استخدام بند «المعقولية» للحكم على أي تشريعات للكنيست والحكومة الإسرائيلية، ولن تتمكن المحكمة العليا من «البت» في قانون الأساس الإسرائيلي.

خطاب شيوخ القضاة

نشرت عديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية مثل «إسرائيل اليوم»، وصحيفة «يديعوت أحرونوت» وكذلك «هآرتس» وغيرها،  الخطاب الموقع من قبل شيوخ القضاة الإسرائيليين والمستشارين القضائيين السابقين لدولة الاحتلال، واعتبروا خطة ليفين خطرًا داهمًا يهدد مستقبل إسرائيل وطالبوا الحكومة بالتراجع عن الخطة التي تقوض سلطة القضاء والقانون، ووقع على الخطاب، عدد من القضاة السابقين مثل إسحاق زامير، وميخائيل يائير وكذلك القاضي الشهير، أهارون باراك، وعبروا في خطابهم عن صدمتهم من التعديلات المقترحة، وقالوا «إننا مقتنعون بأنها لن تحسن القضاء بل تساعد في تدميره»، كما أنها تجعل المحكمة العليا هيئة سياسية مشبوهة في تحيزها للقانون بل ستكون في صف الحكومة ولن تكون المحكمة العليا مستقلة حينها.

هبّت عديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية ومحللي الرأي فيها للذود عن القضاء، وكانت صحيفة «هآرتس» الأكثر جرأة في تناولها لخطة ليفين، وهاجمتها في أكثر من افتتاحية على مدار أيام متتالية، ففي الثالث عشر من كانون الثاني/ يناير جاءت الافتتاحية بعنوان «حان وقت التظاهر» وأكدت فيها أن إصلاحات ليفين ستقضي على الديمقراطية والليبرالية الإسرائيلية وتحول دولة الاحتلال إلى دولة الحكم المطلق التي تنتهك حقوق الإنسان ولا تحمي الأقليات، وستجعل القضاة مجرد ديكور، وليس من المنطق أن يكون القاضي الذي يصدر حكمه في مصائر الشعب تكون خلفيته سياسية وتابعة لحزب ما، وهنا دعت الصحيفة الناس للخروج للتظاهر ضد خطة ليفين حتى تتراجع الحكومة عن ذلك.

هل يستغلها نتنياهو أم ينقلب السحر على الساحر؟

أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارها النهائي بعدم مشروعية تعيين ووجود وزير الداخلية والصحة ورئيس حزب “شاس”، أرييه درعي في منصبه، بالتالي اضطر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى إعلان إقالة درعي في اجتماع الحكومة، بعد أربعة أيام من قرار المحكمة العليا، ويرى نتنياهو أن المحكمة تجاهلت إرادة الشعب، وأكد أنه يعتزم البحث عن طريقة قانونية لإعادة درعي، تداعيات الإقالة تبدو أكبر من مجرد إزاحة شخص من منصبه، بسبب قوة درعي وحزبه في ائتلاف نتنياهو اليميني، وكذلك صلته القوية برئيس حزب شاس.

بعد القرار يبرز سؤال حول تداعيات الإقالة، وهل هي صراع جديد بين الحكومة التي تسعى لإصلاحات قضائية غير مسبوقة تحت مسمى خطة ليفين التي من شأنها نزع عديد من الصلاحيات من المحكمة، كما أن علاقة شاس بالائتلاف محل تساؤل، وكذلك شخصية درعي وأبرز محطاته السياسية ومدى أهميته كسياسي مخضرم وتبعات الإقالة من كافة الجوانب، كذلك ردود الفعل حول استبعاد درعي سواء المعارضة التي هاجمته أو أنصاره المعترضين على قرار المحكمة.

قبل صدور قرار المحكمة العليا المتوقع، انتشرت أنباء حول احتمالية انسحاب درعي من الحياة السياسية، وهو ما نفاه زعيم شاس بنفسه أثناء جلسة الحكومة التي كانت الأخيرة بالنسبة له التي أُقيل فيها، وقال درعي أثناء الجلسة: «لا أنوي ولم يكن لدي أي نية للانسحاب من الحياة السياسية، لدي التزام صارم تجاه 400 ألف شخص صوتوا لي ولحزب شاس، لن يمنعني أي قرار قضائي من خدمتهم وتمثيلهم، وأعتزم الاستمرار في قيادة حركة شاس، والحفاظ على الهوية اليهودية لدولة إسرائيل».

وسط هذا الزخم والسجال بين الحكومة والمحكمة العليا، وجه القضاء الإسرائيلي ضربة قوية للحكومة وائتلاف اليمين بإصدار حكم بعدم أهلية وزير الداخلية والصحة، أرييه درعي، قائد وزعيم حزب شاس المتطرف، واضطر رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو الرضوخ لقرار المحكمة وأعلن إقالة، درعي من منصبه في جلسة الحكومة الأسبوعية، وقال الوزير المقال في الجلسة، إن هذا القرار لن يثنيه عن مواصلة خدمة أنصاره وتمثيلهم وإنه مستمر في قيادة حزب شاس من أجل الحفاظ على هوية الدولة اليهودية، وعبّر نتنياهو عن غضبه من قرار المحكمة العليا، وأكد أنها لم تلق بالًا لإرادة الشعب وأصدرت حكمها ضد درعي، لكنه ماضٍ في البحث عن طرق قانونية تعيد درعي لمكانه.

ومع إقالة درعي، هاجم أنصار الائتلاف الحاكم والوزراء الحاليين المحكمة، وأكدوا أن ذلك يعجل بضرورة إقرار خطة ليفين من أجل تقويض المحكمة التي تسير ضد إرادة الناخب، ويرى كثيرون أن المعركة الحالية لو انتصرت فيها الحكومة ستكون طوق نجاة لرئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو المتهم في قضايا فساد، حيث إن عملية تعيين قضاة تختارهم الحكومة قد يفوت الفرصة على محاكمة نتنياهو أو سجنه في المستقبل، وهنا وصف عضو الكنيست، زئيف إلكين، خطة ليفين بأنها يجب تسميتها «خطة أو إصلاحات نتنياهو» التي هدفها الانتقام من القضاء وحل مشاكل نتنياهو القانونية، بحسب ما نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية.

وجهة النظر السابقة تحدث عنها الكاتب الإسرائيلي، موشيه جورلي في مقالته المنشورة في صحيفة «هآرتس» بعنوان إصلاحات ليفين هدفها إخصاء المحكمة العليا، وأكد أنها تجعل المحكمة دون أنياب، وهدف الإصلاحات هو إلغاء محاكمة نتنياهو بالأساس لأنه سيتمكن من اختيار القضاة الذين يحاكمونه، وهو ما دعمته صحيفة «ذا ماركر» الإسرائيلية وأكدت أن نتنياهو وحزب الليكود يعملان من أجل الاستيلاء السياسي على عملية تعيين القضاة من أجل مصالحهم، ومن الممكن أن نرى محاميًا ليس له علاقة بالقضاء يحاكم نتنياهو، وليس من المستبعد أن يكون هذا الشخص من أنصار حزب الليكود نفسه.