1. ليلة إسطنبول

يرويها«أندريا بيرلو»

ليلة 25 أكتوبر 2005، كنا في إسطنبول، تلك المدينة المخيفة، نلعب نهائي دوري الأبطال. في تلك الحقبة كنّا آي سي ميلان الفريق الكامل، حتى أن وصولنا إلى المباراة النهائية بدا حتميًا في أذهان الكثيرين، وتمادى البعض قائلاً أن مواجهتنا لليفربول بدلاً من تشيلسي هي ترتيب القدر من أجل لقب أسهل، ولكن ما حدث كان عارًا يفوق الوصف. لا توجد كلمات مهذبة لوصف حفلة الاغتصاب الجماعي التي تعرضنا لها.

كان كأس دوري الأبطال ذو الأذنين قريبًا منّا، حتى أن «جاتوزو» ربّت عليه سريعًا ونحن نغادر ملعب المباراة إلى غرف الملابس بين الشوطين. وكيف لا؟!، في الدقيقة الأولى، وببداية مثاليّة، تقدمنا عليهم بهدف لـ «مالديني»، وكنتُ أنا من مرر الكرة له. وقبل نهاية الشوط الأول بست دقائق، وهم يفكرون في تسجيل هدف التعادل، باغتهم «كريسبو» بهدفين متتاليين، وظننتُ أننا قد حطمناهم تمامًا، حتى أن بعضنا ابتسم باطمئنان وربما استخفاف، ونحن نسمع صوت «جيرارد» يصيح في زملائه: «هؤلاء الأوغاد يظنون أنهم قد أنهوا المباراة، لا!، هذه المباراة لم تنته بعد». ولا أظن، بأمانة شديدة، أن كلماته كانت مقنعة لهم.

لم يتحدث إلينا «كارلو أنشلوتي» كثيرًا بين الشوطين، فالمباراة قد انتهت بالفعل، وسبقناهم في الخروج إلى أرضية الملعب قبل بداية الشوط الثاني. هنا حدث أمر غريب حقًا. في إيطاليا، عندما تتأخر بثلاثة أهداف، فلا تنتظر دعم الجماهير. أعرف أن الأمر يختلف كثيرًا في إنجلترا، ولكن هذا لم يساعدني في استيعاب مشجعي ليفربول حينها. بدأت الأغنية في أحد أركان المدرجات، يصيح بها البعض. بعد لحظات انتشرت العدوى. وفي تصاعد تدريجي، بدأ ملعب «أتاتورك» في الاهتزاز بنشيدهم المعتاد: You Will never walk alone. شعرت للحظات أن عودتهم في المباراة ليست مستحيلة، ولكني نفضت عن ذهني هذا الخاطر سريعًا. ولكن جماهيرهم تمسكت به. دقائق طويلة مرّت وهم يغنّون، وبعد دقائق أخرى كان مرمانا قد تلقى ثلاثة أهداف. كيف تعادلوا؟، لا أعرف إلى الآن. شاهدت المباراة بعد سنين طويلة، ولم أفهم.

يعرف الجميع كيف انتهت هذه المباراة لصالحهم بضربات الترجيح، ويعرف الجميع أيضًا أن حارس مرماهم «دوديك» ذا السيقان الإسباجيتية تعمّد تشتيتنا برقصته البهلوانية على خط المرمى. ويرى البعض ضربة الجزاء التي احتسبها الحكم لـ «جيرارد»، والتي جاء منها التعادل، غير صحيحة. هذه كلها أمور حدثت، ولكني أصدق أن فوزهم كان بتأثر الأغنية!. لا أعرف تعداد سكان مدينة «ليفربول»، ولكني أتخيل أنهم قد أتوا جميعًا إلى الملعب يغنون. ربما لو لعبنا هذه المباراة على ملعبنا «سان سيرو»، ربما كنا لنُهزَم أيضًا. ليس لأنهم أفضل منا، فهذا غير صحيح، ولكن لأنهم يمتلكون هذه الأغنية!.


2. الدوري مرة أخرى، تشيلسي مرة أخرى

يرويها أحد مشجعي ليفربول، ويدعى«جاريث»

لقدكنت في ملعب”ستامفوردبريدج” في ذلك العام 1986الذي تغلبنا فيه على تشيلسي في المباراة الأخيرة في الموسم،لنفوز ببطولة الدوري وننتزعها من إيفرتون. في تلك الأيام كانت أحواض السفن تسرّح العاملين بها. وكان أبي يبحث عن عمل، ولكنه حصل على تذكرتين. واقترض مالاً ليركب القطار. وعلى مدى ساعتين،جلسنا جنبًا الى جنب مع مشجعي ليفربول، وشاهدنا المباراة. كان أبي يضحك كما كان يفعل في الماضي، وكان يغني. وأنا وقفت هناك الى جواره أنظر إليه.

صليّت من أجل فوز ليفربول حتى لا يضيع مال والدي سُدى. لمدة تسعين دقيقة سألت الرب أن يفوز ليفربول، لمدة تسعين دقيقة صليّت وتوسلت. أعتقد أن الله سمعني. لأن الضوء توهج بشكلٍ غريب،وأنقشعت الغيوم. كان هناك الملك «كيني دالجليش» يلّوح بقدمه السحرية. وسجّل هدف الفوز. وضع أبي ذراعيه حولي، وضمني بشده. لم أرغب في أن تتنهي المباراة أبدًا. كنت أرغب في البقاء هناك. وأن أعيش هناك. وأشعر بتلك اللحظة إلى الأبد.

كان هذا هو ما أفكر فيه وأنا في القطار من لندن إلى ليفربول مع إبني «ويل» من أجل حضور مباراتنا ضد تشيلسي. أردت لـ «ويل» أن يحتفظ بتلك اللحظة في ذاكرته؛ لحظة تتويجنا بلقب الدوري لموسم 2014. نحن الآن نمتلك ستيرلينج و كوتينيو” وستوريدج. الآن لدينا سواريز. وقبلهم جميعًا يأتي ستيفي جيرارد. أردت دائمًا لـ «ويل» أن يمتلك ما يمكنّه من التراشق به مع أصدقائه في لندن من مشجعي توتنهام وأرسنال وتشيلسي.

«هل أخبرتك بيوم ميلادك يا «ويل»؟ كانت ليلة 8 ديسمبر 2004، يومها كانت مباراتنا ضد أولمبياكوس اليوناني، وكنّا نحتاج إلى الفوز بفارق هدفين من أجل التأهل لدور الـ 16. لعبنا مباراة عاصفة، والحكم كان يلعب ضدنا بشكل واضح، حتّى أنه ألغى هدفًا صحيحًا كان كافيًا لتأهلنا. ولكن قبل النهاية بأربعة دقائق، كان ستيفي هناك على حدود منطقة جزائهم يشير إلى نيل ميلور بتمرير الكرة إليه. وبعد ثانية واحدة، طارت الكرة من قدم ميلور إلى ستيفي، وبعد ثانية أخرى كانت الكرة قد اختفت، وبعد ثانية أخرى وجدناها في مرمى الفريق اليوناني.

«لقد شاهدت أنا وأنت يا ويل هذا الهدف لاحقًا عشرات المرات، واستمعنا إلى تعليق «أندي جراي» المجنون صارخًا: «Ohhhhhhhh ya beauty, what a hit son, what a hit». أما اليوم يا عزيزي فهي فرصتك أنت لتحكي حكايتك عن فوزنا بالدوري بعد غياب ربع قرن. اليوم سوف أصمت أنا، وأكف عن التغني بحكايات من تاريخ عظمة لم تشهدها. اليوم سوف ترى التاريخ يُصنع أمام عينيك بدلاً من الاستماع عن الذكريات. كنت أتمنى أن يحرز جيرارد هدف المباراة، ونفوز على تشيلسي، ونفوز بالدوري. كانت هذه هي أمنيتي. لكن الواقع كان هو العكس تحديدًا، يومها انزلق جيرارد، وضاع الدوري.

أتذكر ذلك اليوم جيدًا، كان السابع والعشرين من إبريل 2014. أتذكر أغنيتنا التي تخلّت عن طابعها الملحميّ، واكتسبت بدلاً منه صوتًا جنائزيًا غير مؤمن بها. كانت المرة الأولى التي أستمع فيها إلى جمهور الأنفيلد وهي يغني You will never walk alone على سبيل العادة لا التصميم، والمرة الأولى التي أشعر فيها بأن الأغنية تحتضر لأن معناها يموت أمامنا الآن؛ والسبب يعود، ويالسخرية القدر، إلى قائدنا ستيفن جيرارد. هل تعرف ما الذي أحزنني حقًا؟؛ قرارك بأنك لن تغني هذه الأغنية مرة أخرى.


3. خطاب من كارا

يكتبه«جيمي كاراجر»

العزيز ستيفن،

أرجو أن تكون مستمتعًا بالحياة في لوس أنجليس. أعرف أن الجو هناك رائع والشواطئ أكثر جمالاً ودفئًا من شواطئ إنجلترا الباردة.

أكتب إليك هذا الخطاب بعد نهاية مباراتنا ضد ويستهام. للمرة الأولى في حياتي أرى ويستهام يهزمنا في الدوري على ملعبنا، وللمرة الأولى في حياتي أرى الجماهير تغادر المدرجات قبل نهاية المباراة. هل تتذكر المباراة التي خسرناها أمام الأرسنال عام 1989؟، أتذكر هذا اليوم جيدًا. خسرنا الدوري في اللحظات الأخيرة أمامهم. كنّا في المدرجات حينها أنا وأنت، أنتَ كنتَ تقاوم البكاء، بينما اكتفيت أنا بالسباب كالمعتاد. لقد كنتَ دائمًا أنت الولد المهذب بيننا يا ستيف. هل تتذكر كيف خرجنا من الملعب يومها؟، كنا بين الجماهير نغنّي معهم You will never walk alone. كنّا على ثقة بأننا قادرون على استعادة الدوري في العام المقبل. وكيف لا ونحن نمتلك كيني دالجليش مدربًا، ونمتلك «إيان راش» وكابتن مثل «روني ويلان»؟، وهذا ما حدث في العام التالي بالفعل. أما اليوم فقد غادرت الجماهير المدرجات ولم تنتظر. أظن أنهم كانوا يبحثون عنك في الملعب فلم يجدوك؛ ولهذا قرروا المغادرة. لم يهتفوا أو يشجعوا أو يغنّوا، فقط رحلوا!.

هل تتذكر مباراتنا مع نابولي في الدوري الأوروبي؟، كنّا متأخرين بهدف، واشتركت أنت في الشوط الثاني، لتحرز ثلاثة أهداف. يومها هتفت الجماهير باسمك:

Steve Gerrard, Gerrard

He’ll pass the ball 40 yards

He’s big and he’s fu*kin’ hard

Steve Gerrard, Gerrard

لم أحب هذا الأمر قط يا ستيف. لم أحب أن تتحمل كل هذا العبء فوق كاهلك. ولكن بعد رحيل الجميع وبقائك أنتَ، لم تجد الجماهير غيرك كدليل على عظمة الماضي. أنا وأنت فقط بقينا من الفريق الذي فاز بنهائي دوري الأبطال. رحل «توريس» و«ماسكيرانو» و«ألونزو» و«ريسا». لم يبق أحد من الفريق الذي كاد أن يحرز دوري الأبطال مرة أخرى 2007، والذي خسر الدوري بصعوبة بالغة 2009، ورحل «رافا بينيتز». كانت الجماهير يومها تتعامل معك كأنك مارادونا ليفربول، وياللسخرية!، فقد كنّا نلعب أمام نابولي ولكن بدون مارادونا. لم أحب أن يكون ليفربول هو الفريق الذي يسقط بغياب لاعب واحد، وإن كان هذا اللاعب هو أنت. ولكن غياب الانتصارات عنّا، أجبر الجماهير على إيجاد سبب للاستمرار في الأمل. وكنت أنت هذا الأمل يا ستيف.

فيديو مباراة ليفربول ونابولي:

أظن أنك قد غادرت الفريق في التوقيت الصحيح. الآن يجب على ليفربول أن يواجه مشاكله الحقيقيّة، وألاَّ يسكِّنوا أنفسهم بوجودك. على الرغم من صعوبة رحيلك، إلا أني أراه مفيدًا لك ولهم. يجب أن تمضي أنت قدمًا في الحياة، وأن يمضي ليفربول من أجل استعادة قيمته؛ لأن الحديث عن أمجاد الماضي أصبح ثقيلاً وبلا معنى. والتغنّي بأغنية لا تتحق، يقتلها. ولا يوجد ما هو أسوأ من أن تقتل معنى أغنية. ثمة اعتراف أخير: أنا سعيد بمغادرة الجماهير، وسعيد بأنهم لم يغنوا you will never walk alone في مباراة ويستهام. لعلها تكون مرحلة جديدة تبدأ بإقالة هذا الجبان «بريندن رودجرز». الأقاويل تتزايد بشأن «يورجين كلوب» وهو من أتمناه بالفعل.

تحياتي لك يا ستيفي وتحياتي لزوجتك أليكس. لا تنس إخبار البنات أن أونكل جيمي يقبّلهن.

_______________________________

تحياتي

جى. كاراجر


4. ذات مرة جاء إلى المدينة رجلٌ ألمانيّ مخبول

يرويها«كيني دالجليش»

الملل في كرة القدم أسوأ من الهزيمة، هذا ما كنتُ أفكر فيه وأنا في طريقي إلى أنفيلد يوم مباراة ليفربول ودورتموند؛ ولهذا أيضًا أحب هذا الألماني «يروجين كلوب». أوشكت على الموت مللاً أثناء مشاهدة العديد من المباريات في الموسم الماضي مع بريندن رودجرز. نصف الملعب مزدحم باللاعبين دائمًا. لا يوجد أي ابتكار أو شجاعة في التمرير أو التصويب على المرمى. لم أر أكثر من مجموعة مملة من موظفي الأرشيف يلعبون كرة قدم مملة. لا أتذكر عدد المرات التي أردت فيها أن أقتحم الملعب لأعنّف أحد اللاعبين قائلاً: هل تريدني أنا أن ألعب بدلاً منك؟؛ لأنني، وفي سني هذه التي تجاوزت الستين، أستطيع الجري واللعب بشغف أكبر!. عندما كنتُ لاعبًا ومدربًا لليفربول، استمتعت كثيرًا بهتاف الآلاف يجلوس على حافة مقاعدهم منتظرين تسديدة من «الملك كيني» أو تبديلًا يغيّر سير المباراة من «السيد دالجليش».

وصلت إلى الملعب متأخرًا قليلاً هذه الليلة، لأجد أن دورتموند قد أحرز هدفي،. وصرنا في حاجة إلى ثلاثة أهداف من أجل التأهل. هذا الرقم يعني أن المباراة قد انتهت قبل أن تبدأ، فلا يوجد مدرب يستطيع أن يخطط لأكثر من هدف أو اثنين. لكنّي كنت أرى كلوب هناك على الخط يتفاعل مع كل تمريرة للكرة ومع كل محاولة. يشيح بيديه في الهواء ويطلق الكثير من السباب. شعرت حينها أن هذا الرجل يدرك جيدًا أنه قد جاء إلى إنجلترا ليصنع مجدًا جديدًا أو لكي ينهي بفشله المحتمل كل أمل في عودة ليفربول. كلوب يعلم أنه لم يأت لينجح نسبيًا أو كي يرتقي قليلاً بالنتائج، بل كي يحصد الألقاب. البديل الآخر هو أن يذهب الأحمر العريق إلى المصير الذي انتهت إليه أندية أخرى مثل إيفرتون وأستون فيلا؛ الكثير من التاريخ ولا حاضر على الإطلاق.

مع الشوط الثاني استطعنا تسجيل هدفنا الأول، وبعد دقائق جاء هدفهم الثالث. ظننت مثل كثيرين أن المباراة سوف تنتهي بهذه النتيجة؛ ولكن الألماني الذي جاء للرهان على كل شيء لم يرض بهذا. تحول الملعب إلى سيرك حقيقي يديره كلوب من الخارج. موظفو الأرشيف الذين أضجروني حتى الموت في الموسم الماضي تحولوا إلى لاعبي ألعاب قوى. رأيت في هذه الليلة الكثير من الركض والالتحامات والمحاولات المستميتة من أجل العودة. استطاع كواتينيو أن يحرز هدفنا الثاني، وانطلق إلى منتصف الملعب رافعًا يده للجماهير من أجل الدعم، واستمر السيرك، واستمر الركض إلى أن سجلنا هدف التعادل. في تلك اللحظة تحديدًا شعرت بأنفيلد القديم؛ الملعب الذي ألهبناه أنا وزملائي في الماضي، والملعب الذي قدت فيه مجموعة من الأولاد الراكضين كي نحقق الدوري الأخير لنا منذ ربع قرن، هذا بالضبط هو أنفيلد القديم.

رغم العمر الطويل الذي أشرف على نهايته، ها أنا الآن أغني في أنفيلد من جديد. أحرزنا هدف الفوز في الوقت الضائع، والجماهير من حولي تغني You Will Never Walk Alone، تغنيها ونحن منتصرون. لقد فعلها كلوب الألماني المخبول الذي «يتشقلب» في الهواء مع كل لعبة وكل هدف. لقد جاء من أجل الكل أو لا شيء. والخبرة الطويلة قد علمتني أن أعرف المنتصرين حين أراهم، وهذا هو أحدهم. مشجعو مدرج الكوب يرفعون دائمًا أعلامًا لصور «بيل شانكلي» و «بوب بيزلي» وصورتي أنا، والوقت فقط هو ما يقف بين كلوب أن تكون صورته معنا هناك.