مبدئيًّا دعني أوضح لك أن التقليد هنا ليس تهمة لـ «علي معلول»، لأنه أقر بالفعل عبر قناة النادي الأهلي بإعجابه بالطريقة التي يؤدي بها اللاعب الإيطالي «جورجينيو» ضربات الجزاء، لدرجة أنه تدرب عليها بالفعل، قبل أن ينجح التونسي في تنفيذها مرتين بالقميص الأحمر. 

السؤال المهم هنا: هل اختار معلول تقليده لأجل الاستعراض فقط؟ إذا كانت إجابتك بالإيجاب، فهذا يدفعنا لسؤال آخر: لماذا إذن ينفذ جورجينيو كل ركلات الجزاء بتلك الطريقة؟ هل يستهدف هو الآخر إهانة الخصم وحسب؟ أم أن هناك عوامل فنية أخرى جعلت الإيطالي أحد أنجح من يسدد ضربات الجزاء في العالم؟ ودفعت التونسي أيضًا لتقليده؟  

أكبر من مجرد استعراض

بالطبع لا يستهدف جورجينيو الاستعراض، ببساطة ﻷنه لم يسدد بتلك الطريقة مجرد مرة أو مرتين، أو أمام خصم معين أراد الاستهزاء به، بل هو يفعلها طوال الوقت منذ كان لاعبًا مغمورًا في هيلاس فيرونا، ومع تألقه في نابولي، وحتى بعدما وفد إلى لندن، وبالتالي لا يمكن أن يستعرض في كل تلك الأوقات. 

ليس هذا وحسب، بل هو ينفذ تلك الطريقة تحت قيادة أي مدرب، ولو شعر أحدهم أنه يستهتر في تنفيذ الركلة، لما سمح له بتكرار الأمر خوفًا من إهدارها، لكن ما يحدث هو العكس، إذ يضع كل المدربين اسم جورجينيو أولًا في قائمة مسددي ركلات الجزاء، صدفة؟

بالتأكيد ليست صدفة، وسبب تفضيلهم له يعود لأنه نادرًا ما يخطئ المرمى، وفي جعبته سجل رائع من التهديف عبر تلك الضربات، حيث سجل 23 هدفًا من أصل 25 ركلة جزاء عبر مسيرته، بنسبة نجاح وصلت 92%، وطبعًا هذه ليست نسبة نجاح لاعب مستهتر ينتهج الاستعراض.

ﻷن جورجينيو نفسه لا يعرف

الآن دعنا نفكر قليلًا في مدربي حراس المرمى، حيث يقوم هؤلاء بدراسة أسلوب لاعبي الخصم في تسديد ضربات الجزاء جيدًا، وبالتالي يعرفون أي زاوية يفضلها اللاعب، قدر القوة التي يسدد بها الركلة، وكيف يشتت انتباه الحارس. وقبل كل مباراة، يخبرون حراسهم بكل تلك المعلومات طبعًا.

 أما حين يواجهون جورجينيو، فغالبًا سيكون المدربون في حيرة من أمرهم، لأنهم لن يعرفوا أي زاوية يفضلها لاعب تشيلسي، إذ يسدد بلا تفضيل لزاوية عن الأخرى. ولعلك تذكر ما حدث حين حصل البلوز على ركلتي جزاء أمام أياكس، فسدد جورجينيو الأولى على يسار الحارس، والثانية على يمينه، وسجل الركلتين. 

استفز ذلك «ألان سميث»، المحرر بموقع Football London، فعاد لكل ضربات الجزاء التي سددها اللاعب الإيطالي منذ 2013 وحتى العام الماضي، وما زاده الأمر إلا استفزازًا، ﻷنه تأكد أنه لا يستهدف زاوية بعينها. هنا لا بد أن سؤالًا كان يملأ رأس سميث: «كيف إذن يحدد أي زاوية يسدد فيها؟»

والإجابة ستزيد الأمر حيرة، لأن جورجينيو لا يشغل باله بالزاوية التي يسدد فيها إلا في اللحظة الأخيرة، ولا يتولى هو مسئولية تحديدها، بل يترك تلك المهمة لحارس المرمى، كيف؟ سنخبرك حالًا.

التحايل على القانون

جورجينيو إيطالي، لكن من أصول برازيلية، لا بد أنه يحب الظاهرة رونالدو. ولعل حبه ازداد حين شاهده ينفذ ركلات الجزاء على طريقة Paradinha التي اشتهرت في بلاد السامبا. 

في هذه الطريقة، يعتمد اللاعب على التمويه. حيث يتوقف قبل أن يسدد مباشرة ويموه بقدمه، ليكون الحارس قد تحرك من مكانه وقفز نحو زاوية معينة، وبالتالي يركل اللاعب الكرة نحو الزاوية الأخرى الفارغة بدون عناء، وهكذا هو يترك لحارس المرمى مسئولية تحديد في أي زاوية سيسدد. 

يبدو أن جورجينيو أعجب بتلك الطريقة، لكن الوقت لم يسعفه. فقد اعتبرها القانون الرياضي غير شرعية، وألغى الحكام تنفيذها في الملعب. وهنا شرع لاعب البلوز في ابتكار طريقة مختلفة، تؤدي الغرض نفسه من معرفة أي زاوية يختارها حارس المرمى، ليقرر هو ببساطة استهداف الأخرى. 

تذكر جيدًا: ما يهم جورجينيو هو معرفة قرار الحارس، وبناء عليه يتخذ هو قراره، وليس العكس. تذكر ذلك ﻷنه المفتاح لفهم كل خطوة يقوم بها خلال تنفيذ ركلة الجزاء.

الخدعة

حين يستعد لاعب وسط تشيلسي لتنفيذ الركلة، فإنه يحافظ على مسافة كبيرة بينه وبين الكرة، فيقف دائمًا على خط منطقة الجزاء. يأخذ نفسًا، ولا يتعجل بعدما يأذن له الحكم بالتسديد، وهكذا يحافظ على تركيزه. ينظر نظرة وحيدة للكرة، ثم يرفع رأسه صوب حارس المرمى. ومنذ تلك اللحظة، لا ينحي جورجينو نظره عن الحارس، حتى بعد أن يركض تجاه الكرة. 

يهم بعد ذلك برفع قدمه اليسرى عن الأرض ثم اليمنى، حتى يبدو طائرًا في الهواء، إلا أنه يمرجح قدمه اليمنى وكأنه سيطلق تسديدة قوية وسريعة، وهنا تكمن الخدعة. الخدعة التي تجعل أغلب حراس المرمى يتفاعلون سريعًا، فيهرعون للقفز نحو زاوية بعينها بهدف اللحاق بالتسديدة، لكن في الواقع جورجينيو لم يكن قد حدد الزاوية بعد، ولن يسدد بقوة على أي حال، هو في ذلك الوقت منشغل بجمع المعلومات.

معلومات؟ نعم معلومات عن وضعية جسد الحارس، فهذه القفزة الأكروباتية تمنحه بعض الوقت ليقرأ ماذا ينوي الحارس القيام به بعدما خُدِع. فمثلًا إن لاحظه يثني قدمه اليسرى ويمد اليمنى، فهذا يعني أن الحارس سيقفز على يساره، وإن لاحظه يحرك ذراعه الأيسر للداخل، فهذا يعني أنه سيقفز على يمينه، وفي اللحظة الأخيرة يسدد الإيطالي في الزاوية الأخرى الفارغة.

هل يحب شرلوك هولمز؟

بصراحة لا أعرف، لكن هذا الأسلوب يشبه جدًّا ما يقوم به المحقق الإنجليزي الشهير. فكل ما يفعله شرلوك هو ملاحظة التفاصيل، وقد تدفعه تفصيلة صغيرة جدًّا لتغيير مجرى القضية.

هولمز يدقق النظر ليقرأ ما وقع في الماضي، بينما جورجينيو يدقق النظر ليقرأ ما ينوي الحارس فعله، وكلاهما لا يكتفي بالنظر فقط، بل يلاحظ. شرلوك أفنى وقتًا ليعلم دكتور واطسون الفارق بين النظر والملاحظة، يبدو أن جورجينيو يعرفه جيدًا، بل يستخدمه في تحقيق أفضلية على الفرق الأخرى. 

هذه الأفضلية التي شرحها بشكل رائع المحلل «Nouman» عبر قناته على اليوتيوب، فقد أبرز كيف تخدع القفزة التي يقوم بها الإيطالي حراس المرمى، ثم التقط كيف تبدأ أجسادهم بالحركة نحو زاوية ما، وهو ما يعطي إشارة لجورجينيو الذي يبقي عينيه على الحارس حتى اللحظة الأخيرة، وأنت تعلم ماذا يحدث لاحقًا. 

في الصورة القادمة، يشرح «Nouman» كيف سجل لاعب تشيلسي هدفه في مرمى أدريان العام الماضي، إذ يبدو رأسه مرفوعًا بعد أن خدعت القفزة حارس الريدز، ومن ثم شرع في ثني قدمه اليمنى ومد الأخرى، وتحريك ذراعه اليسرى للداخل، وهو ما يعني أنه سيذهب يمينًا، وهنا تحديدًا قرر جورجينيو ماذا سيفعل.   

جورجينيو، تشيلسي، ليفربول، الدوري الإنجليزي
لقطة من ضربة جزاء جورجينيو أمام أدريان.
قناة Nouman / يوتيوب

بعد تلك اللحظة بعام، كان لاعب البلوز يستعد لتنفيذ ضربة جزاء أمام ليفربول مجددًا، هذه المرة في مواجهة أليسون، الذي يبدو أنه تفطن للخدعة وعرف الحل، فبقى منتظرًا في وضع الثبات بلا أي حركة أو إشارة حتى اللحظة الأخيرة، وهنا أصاب جورجينيو الارتباك وسدد يمينًا، ليتحرك أليسون بردة فعل سريعة ويتصدى للكرة.

جورجينيو، أليسون، ليفربول، تشيلسي.
أليسون يقف ثابتًا أمام جورجينيو حتى اللحظة الأخيرة.
قناة Nouman / يوتيوب

وكأن جيمس موريارتي تغلب على هولمز، سوى أن أليسون ليس شريرًا كموريارتي.

فعلها أمام الاتحاد: فهل يفعلها أمام الوداد؟

لنعد لعلي معلول الآن. إن كنت مشجعًا أهلاويًّا، فأنت تعي طبعًا أهمية الدولي التونسي للشياطين الحمر. تلك الأهمية التي تنعكس في أكثر من صورة، واحدة منها حقيقة أنه من يتولى تنفيذ الركنيات، الكرات الثابتة، وركلات الجزاء. 

إذ يؤكد موقع ترانسفيرماركت الإحصائي أن معلول تصدى لـ 14 ضربة جزاء بقميص الأهلي، سجل منها 11 وأهدر 3، بنسبة نجاح جيدة تفوق 70%، لكنها كانت معرضة لأن تكون أقل من ذلك الرقم خصوصًا في بداياته مع الأهلي، ولعلك تذكر كيف خدمه الحظ في أول ضرباته أمام نادي طنطا قبل 4 سنوات من الآن.

ربما رغب التونسي في تحسين تلك النسبة، ففكر في تقليد جورجينيو الذي يمتلك نسبة نجاح مبهرة، وبالتالي شرع في التدرب جيدًا على كل الخطوات التي استعرضناها سلفًا، قبل تطبيق هذه الطريقة بالمباريات الرسمية، الاختلاف الوحيد كان أنه يسدد بقدمه اليسرى، عكس الإيطالي. 

نفذها معلول للمرة الأولى في ديسمبر/كانون الأول الماضي، كان ذلك في مواجهة حارس مرمى الاتحاد السكندري «عماد السيد»، الذي وقع في الخدعة وتحرك نحو الزاوية اليسرى، ليقرر علي في اللحظة الأخيرة ركلها بنجاح على يمين عماد. تجدها في هذا الفيديو بداية من الدقيقة 7:43.

بعد ذلك بأسبوع، كان يستعد لتنفيذ ركلة جديدة، هذه المرة أمام حارس مصر المقاصة «محمود حمدي»، ومرة أخرى نجحت عملية التمويه، وسدد التونسي على يسار حمدي ليفتتح نتيجة المباراة بهدف للأهلي، وكانت هذه المرة الأخيرة التي استنسخ فيها طريقة جورجينيو. 

فقد أتيح له بعد ذلك تنفيذ 4 ضربات، سجل ثلاثة منها وأهدر واحدة، نفذها جميعًا بطريقة تقليدية محددًا الزاوية التي يستهدفها مبكرًا. لا نعرف بالضبط السبب لعودته للطريقة التقليدية، هل خاف من الغضب الجماهيري لو أهدر ضربة جزاء نفذها كلاعب تشيلسي؟

ربما، لكن الأكيد أنها طريقة أثبتت فاعلية كبيرة، ولعل علي يفكر في العودة إليها لاحقًا، هل تحب أن تراها أمام الوداد المغربي في نصف نهائي دوري الأبطال؟