لا تزال قضية قتل المراهقة السودانية نورة حسين (19 عامًا) لزوجها، الذي اغتصبها بمساعدة مجموعة من الرجال، تثير جدلًا واسعًا، بين من يرى الفتاة مجرمة لرفضها منح زوجها حقه الشرعي والمغالاة بقتله، ومن يعتبرها ضحية زوج اغتصبها وكشف عورتها أمام غرباء، وأذلها.

وجاء الحكم على نورة بالإعدام مخيبًا لآمال المدافعين عنها، والذين لم يتبق لهم سوى مناشدة الرئيس السوداني العفو عنها، عقب رفض أهل الزوج التصالح وقبول الدية، لشعورهم بالإهانة لرفضها نجلهم، ومنعًا لتشجيع الزوجات على تكرار الحادثة، كما يرون.

ويعامل القانون الجنائي السوداني في مادته رقم 149 لسنة 1991 الاغتصاب معاملة الزنا، ويفرض على الشاكية إحضار 4 شهود على واقعة الاغتصاب الذي يُعرفه بأنه «كل من يواقع شخصًا زنا أو لواطًا دون رضاه»، والبند الأخطر أنه «لا يعتد بالرضا من عدمه إذا كان الجاني ذا قوامه أو سلطة على المجني عليه»، أي أنه لا يعترف صراحةً باغتصاب الزوج لزوجته. كما تتحول ضحية الاغتصاب لمتهمة بالزنا إذا عجزت عن توفير 4 شهود على الواقعة بحسب القانون أيضًا.


لماذا الحديث عن الاغتصاب الزوجي؟

دوليًا، يُعرف الاغتصاب الزوجي على أنه «إجبار الرجل لزوجته على ممارسة العلاقة الحميمة أو معاشرتها رغمًا عنها». وتُعرِّف المحكمة الجنائية الدولية الاغتصاب في المادة السابعة من نظام الأساسي لها على أنه «انتهاك بدني ذو طبيعة جنسية يُرتكب بحق شخص في ظروف قهرية»، وحددت عناصره في انتفاء الرغبة وممارسة العنف والتهديد حتى لو كان إجبارًا نفسيًا، وهي العناصر التي تتوفر بالاغتصاب الزوجي.

ويُعرِّف القانون الأمريكي الاغتصاب الزوجي spousal rape على أنه:

ممارسة أي نشاط جنسي غير التوافقي، أي دون موافقة الشريك، من قبل الزوج أو الشريك الحميم السابق، ويعد أحد أشكال الاعتداء الجنسي والعنف المنزلي، ويشمل الجماع والجنس الفموي والشرجي وأي أفعال جنسية مهينة أو مؤلمة.

وهو مُجرَّم في جميع الولايات الأمريكية الخمسين، وتتراوح عقوبته بين الغرامة التي تصل لـ 50 ألف دولار أمريكي والسجن لمدد متفاوتة، تصل في بعض الولايات للسجن مدى الحياة.

وتتعامل القوانين الأمريكية والغربية عمومًا، مع جرائم الاغتصاب بشكل عام دون تمييز على أساس جنس الضحية أو الجاني أو طبيعة العلاقة بينهما؛ فقد يُتهم رجل باغتصاب رجل، أو امرأة باغتصاب رجل، وأيضًا يتهم زوج باغتصاب زوجته في حال توافر شروط فعل «الاغتصاب».

وتتمثل أركان الاغتصاب الزوجي، بحسب قانون ولاية كاليفورنيا، في عنصر التهديد واستخدام العنف، أو عدم قدرة الضحية على الرفض جسديًا أو نفسيًا، أو عدم وعي الضحية بالفعل لحدوثه أثناء نومها أو تخديرها من قبل الجاني أو لأنها دون السن القانونية، أو استغلال الجاني لنفوذه وسلطته لإرغام الضحية على الخضوع له.

وتوضح دراسة أعدت لجامعة محمد خيضر ببسكرة عن «العنف الأسري ضد المرأة وعلاقته بالاضطرابات السيكوسوماتية»، في عام 2010، أن المرأة التي تتعرض لعنف داخل أسرتها وخاصة الاغتصاب الجنسي تُصاب بما يعرف بالاضطرابات السيكوسوماتية؛ أي الإصابة بأعراض جسدية نتيجة للانفعالات المتكررة والضغط النفسي المزمن، فتشعر بالقهر والدونية، وبأنها غير جديرة بالحياة.

ويتطور الأمر لأنماط ماسوشية، من بينها الميل لإيذاء الذات مع أعراض اكتئابية وأعراض رهابية، بجانب اضطرابات بالنوم والصحة العامة، وتطور عدة أعراض مرضية في المعدة والجلد والقولون، بجانب الميل للعزلة والوحدة.

ونتيجة عادات وتقاليد مجتمعاتنا العربية، لا يلقى هذا المفهوم قبولًا، كما يصعب تجريم مثل هذه جريمة، فهناك أفكار راسخة وفهم منقوص لبعض نصوص الدين، حيث يرتبط مفهوم الرجولة عادة بالعنف والاستقواء على المرأة، كما يظن البعض أن الدين يمنح الرجل الحق في معاشرة زوجته وقتما شاء، في مقابل اتهام المرأة التي ترفض ذلك أو تشكو منه بقلة الحياء، ما يجبر أغلبهن على الخضوع والصمت.


أرقام صادمة وتشريعات هزيلة

يوضح تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن 35% من النساء حول العالم تعرضن لاعتداء جنسي من الشريك الحميم، كما تعرضت واحدة من كل عشر فتيات -120 مليون سيدة- للجماع القسري من أزواج حاليين أو سابقين.

وتعد الهند من أعلى بلدان العالم في ارتكاب جرائم اغتصاب الزوجات، ولا تعتبره جريمة حتى الآن، وتزداد معدلات محاولات النساء للانتحار لنفس السبب سنويًا.

وبينما يعتبر الغرب أن ابتزاز الزوجة باسم الحب لإجبارها على ممارسة الجنس -كاتهامها بأنها لا تحبه في حالة الرفض- نوعًا من الاغتصاب؛ تُحارب المرأة العربية لاحترام عدم قدرتها على ممارسة الجنس في حالة التعب البدني أو النفسي. فالوضع في مجتمعنا العربي أسوأ دون شك، ولكن لا توجد إحصاءات دقيقة، بسبب طبيعة القضية الشائكة وإن كانت هناك مؤشرات تقريبية.

حيث يكشف تقرير صادر في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2017 أنه في المغرب تتعرض النساء بمختلف حالتهن الاجتماعية للعنف، بنسة 74.86% للمتزوجات، تليهن المطلقات بنسبة 9.18%، وفي النهاية الأرامل بنسبة 2.47%.

وعن طبيعة العنف، يأتي العنف النفسي بسبب سوء المعاملة والسب والإهانة في المرتبة الأولى بـ 47.63%، أما العنف الاقتصادي بعدم الإنفاق على الزوجة والأطفال فيأتي ثانيًا بـ 27.31%، وثالثًا يحل العنف الجسدي المتمثل في الضرب وصولًا للقتل بـ 14.31%، بعدها يأتي العنف القانوني بالتعدد وطرد الزوجة من مسكن الزوجية بنسبة 6.66%، وأخيرًا العنف الجنسي من تحرش وزنا محارم واغتصاب بنسبة 4.7%.

واعتبر التقرير أن «الاغتصاب الزوجي» أصبح من التابوهات المنتشرة بالمجتمع، وشكّل النسبة الأعلى بين أشكال العنف الجنسي بنسبة 28.6%، تلاه التحرش واغتصاب القصر.

وتوضح أحدث الإحصاءات المسجلة عن العنف الأسري بالبحرين، حتى النصف الأول من 2016، أن 75% منها مورست ضد المرأة، 55% من بينها اعتداءات ارتكبها أزواج ضد نسائهم. وهناك حوالي 78% من النساء المعنفات بالبحرين عانين من أكثر من نوع من أنواع العنف الأسري في الوقت نفسه؛ وجاء العنف النفسي أولًا بنسبة 85%، يليه العنف اللفظي 69%، ثم العنف الجسدي 51%، بعدها العنف الاقتصادي 45%، وأخيرًا العنف الجنسي بنسبة 19%. ومثّل الإكراه على ممارسة الجنس نسبة 72% من أشكال العنف الجنسي ضد النساء في البحرين، بينما مثل الاغتصاب 19%.

وحسبما رصدت سجلات محاكم الأسرة في مصر؛ تتعرض 60% من الزوجات الشاكيات لاغتصاب زوجي، بينما تتعرض 35% من الزوجات لعنف جنسي وجسدي من الأزواج بشكل عام.

ولعل هذه الأرقام المفزعة هي ما دفعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 58/147 لدعوة دول العالم للقضاء على العنف العائلي ضد المرأة. وشرعت بعض الدول العربية بإصدار قوانين للحماية من جرائم العنف داخل الأسرة؛ مثل السعودية والأردن ولبنان والبحرين، بينما اكتفت أخرى بوضع بنود محددة لذلك في قوانين العقوبات الخاصة بها؛ مثل اليمن والإمارات وتونس والجزائر.

أما في مصر، فيعاقب الزوج بموجب المادة 269 من قانون العقوبات في حال إجبار زوجته على ممارسة العلاقة الجنسية من الدبر، وهو فعل يعاقب عليه في العديد من الدول العربية بوازع ديني.

ورغم أن هذه القوانين خطوة جيدة في سبيل تجريم العنف الزوجي والأسري ضد المرأة، فإنها لم تعترف من قريب أو بعيد بالاغتصاب الزوجي أو تجرمه.


حالات واقعية مفزعة

تروي سارة (اسم مستعار)، 32 سنة، وتعمل مهندسة، تعرضها للاغتصاب من زوجها عقب 5 سنوات زواج، وتقول لـ «إضاءات»:

تزوجت بعد قصة حب استمرت ست سنوات، لكن آمالي في الحياة الرومانسية تبددت منذ بدأنا العلاقة الحميمة، كان عنيفًا ولا يهمه سوى إشباع رغبته فقط، فاض بي الكيل واعترضت، فاعتدى عليَّ بكل وحشية أمام طفلتي الصغيرة.

وتتابع: «شعرت بالإهانة، لكن ألمي كان أشد عندما عارضني أهلي في طلب الانفصال، كما قام أشقائي الذكور بضربي وإهانتي وإعادتي لزوجي قسرًا، بعدها أصبت باكتئاب حاد وحاولت الانتحار 5 مرات، بل فكرت في قتل زوجي بعد أن حاول اغتصابي ثانيةً».

وتستطرد: «أخيرًا، ذهبت لأهلي ثانيةً، وأنا الآن منفصلة لأكثر من عامين دون طلاق، وحتى الآن لا تفارقني واقعة الاغتصاب، بل لا يزال أثرها عليَّ واضحًا؛ أشرد كثيرًا وإذا لمسني شخص في الشارع خطأً أصرخ لا إراديًا».

تعرضت مها (اسم مستعار)، 31 سنة، مدرسة، للاغتصاب أيضًا، حيث لم يراعِ زوجها حالتها المرضية، وأنها كانت تعاني من نزيف شديد بسبب مشاكل في الرحم، ولم يرحم توسلاتها وجامعها بكل عنف.

وتقول:

توسلت له وذكرته بتحذيرات الطبيب الذي اصطحبني له من خطورة الجماع على حالتي، لم يكن يصغي إليَّ، حاولت إبعاده فازداد جنونًا وخنقني حتى كدت أموت، وفعل فعلته وتركني غارقة في الدماء والكدمات تغطي جسمي كله وذهب ليبيت عند والدته.

وتتابع: «لساعة كاملة كنت أتقيأ وأبكي وأصرخ بعد ما اغتصبني، زحفت حتى البلكونة حتى ألقي بنفسي منها، لكن بكاء طفلتي جعلني أتراجع، وبقيت حتى الفجر حتى تمكنت من الوقوف على قدمي وأخذت ابنتي وذهبت لأهلي».

وتقول: «أخذني شقيقي للمشفى فورًا، كانت حالتي سيئة للغاية، وطلب الطبيب عمل تقرير بآثار الخنق والضرب لكني رفضت وآثرت طلب الخلع للخلاص منه». وتضيف: «لم يصدق الطبيب أن من فعل بي هذا هو زوجي؛ الإمام والخطيب الذي يعلم الناس الحرام من الحلال».

أما أمل (اسم مستعار)، 35 سنة، ماجيستير في القانون، فكانت قصتها أكثر غرابة؛ إذ حدث خلاف بينها وبين زوجها -حب عمرها كما تصفه- وطلّقها غيابيًا دون أن يعلمها، وسافرت له لتصالحه في البلد الذي كان مسافرًا إليه وهي حامل، وعندما عادت لمصر معه بعد ثلاثة أشهر من المعاشرة الزوجية الكاملة، طردها من المنزل بحجة أنه لا يريدها.

ذهبت أمل لتحرر محضراً لتثبت حقها وحق رضيعها في مسكن الزوجية، لتفاجأ بتقديم الزوج ما يفيد بأنه طلقها قبل ثلاثة أشهر، لتتهمه رسميًا باغتصابها. وتقول:

أفقدتني الصدمة توازني، شعرت بالعزلة والوحدة وفقدت الثقة في كل شيء، ولا أتخيل أني لم أصب بالجنون وقتها.

وتؤكد د. حنان سالم، أستاذة علم الاجتماع الجنائي بجامعة عين شمس، أن اغتصاب الأزواج لزوجاتهم فعل منتشر، لكن لا يمكن أن نطلق عليه وصف «ظاهرة»، لأنه من الأمور المسكوت عنها لاعتبارات دينية ومجتمعية.

وتضيف سالم:

الرضا واستمتاع الطرف الآخر من أهم عناصر العلاقة الجنسية السوية، لكن الاغتصاب الزوجي يندرج ضمن الممارسات الشاذة، ووقعه على المرأة لا يقل أبدًا عن الاغتصاب من شخص آخر، بل ربما يكون أكثر شدة، لأن الزواج علاقة تخوضها المرأة طواعية أملًا في الحصول على المحبة والأمان.
وتوضح سالم أن:
المرأة تُنتهك إنسانيًا في حالة اغتصاب زوجها لها، وتعاني من مشاعر مختلطة من المهانة وفقدان التوازن وعدم القدرة على التفكير السليم وإيجاد حلول مناسبة، ما قد يدفعها لارتكاب ما يعرف بـ «الجريمة العرضية»، أي الجريمة الناتجة عن ضغوط وظروف معينة يُوضع فيها شخص لا تتوافر لديه سمات الشخصية الإجرامية.

وتتابع: «الانتحار أبرز المخاطر التي تُقدم عليها الزوجة المُغتصبة، وفي حالات أخرى تميل المرأة للانتقام بقتل الزوج، المقرون بالتمثيل بالجثة، لأنها في هذه الحالة تخشى أن يعود ثانية للحياة ويكرر فعلته».

في النهاية؛ على المجتمع أن يتفهم أن عقد الزواج ليس موافقة كتابية من المرأة على ممارسة العلاقة الجنسية مع الزوج في أي وقت يشاء؛ فهناك تغير في الظروف الصحية والنفسية، وأيضًا العاطفية، ينبغي مراعاتها.