شخص يعانقني عن قرب… شخص يجرحني عميقاً
شخص يجلس في مقعدي … ويفسد نومي
ويجعلني أدرك … معنى أن أكون حياً
 أن أكون حياً
شخص يحتاجني جداً… شخص يعرف حقيقتي
شخص يحبطني… ويلقي بي للجحيم
ويدعمني… لأكون حياً
يجعلني حياً
يثير حيرتي… يسخر مني بالمديح
يستغلني… ينوع أيامي
لكن وحيداً… أن أكون وحيداً
بلا حياة
شخص يحاصرني بالحب
شخص يجبرني على الاهتمام
شخص يجعلني أتخطى الصعاب
يكون دوماً خائفاً مثلي
أكون حياً.
ستيفن سونثيم – مسرحية غنائية

كيف تشعر أنك تعيش حقاً؟ الحب الذي تحصل عليه من علاقة زواج تبدو سعيدة جداً، أم أن تكون متحققاً فيما تحب أن تفعله أم أن تنتصر في معاركك حتى لو خسرت سنوات طويلة من عمرك وحتى لو استغلك الآخرون ليحققوا نجاحاتهم الخاصة؟ ما معنى الحياة حقاً؟ وكيف تتأكد أنك تعيشها؟ هذا هو السؤال الذي يدهمنا قوياً ونحن نشاهد فيلم Marriage story.

كانوا دائماً نيكول وتشارلي

فيلم المخرج «نوه بومباخ» الجديد Marriage story الذي صدر في أغسطس هذا العام وعرض بشكل محدود في المهرجانات السينيمائية ثم أتيح منذ يومين على نتفلكس، والذي يقوم ببطولته آدم درايفر في دور الزوج تشارلي وسكارليت جوهانسن في دور الزوجة نيكول، والذي يدور حول مخرج مسرحي عبقري وزوجته الممثلة واللذين يمران بطلاق بدأ ودياً ثم تحول لصراع ديوك، الفيلم يحكي قصة طلاقهما أكثر من كونه يحكي قصة زواجهما الذي استمر قرابة العشرة أعوام، والذي مر خلاله نيكول وتشارلي بتجارب وأخطاء جعلت زواجهما يصبح مستحيلاً.

الفيلم حقيقي وصادم، وقد صرح مخرجه ومؤلفه نوه بومباخ بأنه أشبه بمشروع شخصي استلهمه من تجربته الخاصة وتجارب المحيطين به والذين مروا بتجربة طلاق بعد زواج بدا ناجحاً ومشبعاً، فيلم ثقيل على الروح من فرط واقعيته، خاصة في المشاهد التي وصل فيها الصراع إلى ذروته الدرامية، قصة عادية ومكررة في كل بلدان العالم، ليست قصة خاصة بزوجين أمريكيين، بل أن حرص الطرفين على مصلحة الطفل بينهما يجعل الفيلم قريباً من قلبك حتى إذا كنت تشاهده في أحد بلدان العالم الثالث.

نيكول وتشارلي، اللذان كانا دوماً مرتبطين ببعضهما البعض، واللذان كانا واحداً حتى قررت نيكول أنها اكتفت من كونها جزءاً، مجرد جزء من الكيان، ولا تمتلك عالماً خاص بها، رغم كل الحب الذي تعرف أنها تكنه لتشارلي حتى وإن انفصلا، الفيلم هادئ وطويل ولكنك لن تشعر بالملل، خاصة إذا كنت جزءاً من علاقة زواج، وتعرف أن كل ما يحدث على الشاشة حقيقي بشكل ما، وأن الطرفين لا يفتعلان المشكلات، رغم أنك في أجزاء منه سوف تتعاطف مع طرف من الأطراف أكثر من الآخر.

أن أكون حياً

في أحد أهم مشاهد الفيلم، يجلس تشارلي مع فريقه المسرحي في حانة، ثم يعتلي المسرح فجأة ويبدأ في الغناء، يؤدي تشارلي إحدى الأغنيات/المشاهد من مسرحية غنائية قديمة صدرت في بداية الثمانينيات، يشرح عبرها كيف أنه يفضل أن يكون جزءاً من علاقة صاخبة ومؤلمة وجميلة، مطمئنة حتى وإن كانت جحيمية، هناك من يعنى بك حقاً حتى وإن أثار جنونك، أنه لا يفضل أن يكون وحيداً، وأنه – حقاً – ودون أن يصرح بذلك علانية في أي مشهد من مشاهد الفيلم لم يكن يقصد أو يريد أن يلغي نيكول وأن يكون نجم هذا الزواج وأنه كان – فقط – نفسه.

كان تشارلي يرى أن الحياة تكمن في علاقة قوية وثابتة، دون أن ينظر للتفاصيل، وكانت نيكول لا ترى بعد زواج طويل سوى التفاصيل، لم يكن تشارلي سيئاً ولم تكن نيكول متطلبة، المشكلة كانت تكمن حقاً في معنى الحياة لكل منهما، كانت نيكول ترى أن معنى الحياة بالنسبة لها هو أن تحقق ما تاقت دوماً لتحقيقه ومنعها من ذلك هوس تشارلي بنفسه وبصورة الزواج الكبيرة التي يمكن أن تراها من بعيد، رغم أنه بالتدقيق في تفاصيل الصورة يمكنك أن ترى تعاستها واضحة.

الفيلم بمثابة جرس يدقه نوه بومباخ لينذر كل الأزواج أن ما يهم حقاً في الزواج ليس الزواج في حد ذاته، ولكن في معنى الحياة الذي ينطوي عليه هذا الزواج، فيلم Marriage Story يحكي عن كل زواج يذيب فيه الطرفان أنفسهما ليفيقا فجأة ليجدا نفسيهما خسرا كل شيء، نيكول خسرت حب حياتها، وتشارلي خسر الأمان الذي كان يحتمي فيه من خسائره القديمة.

الحب وحده لا يكفي

دائماً نتغنى بجملة الزواج شراكة يجب أن يبذل فيها الطرفان أقصى جهدهما لتنجح، ولكننا ننسى هذا في خضم إعجابنا بذواتنا وحبنا المجنون لها وللحياة، كان تشارلي يحاول أن ينتشل نفسه من تاريخ شخصي بائس تعرض فيه للتعنيف والخذلان عندما كان طفلاً، كان يريد أن يثبت لنفسه أنه قوي وناجح وعصامي، فنسي، نسي أن هناك شريكة تريد هى الأخرى أن تنتشل نفسها من إحساس الاغتراب، الاغتراب عن الوطن والحلم، الاغتراب عن الذات الذي يقتل في كل يوم، قتل حبهما وقتل نجاح زواجهما وشارف على قتلها هي شخصياً.

في المشهد الذي يمثل ذروة الطلاق، عندما جلسا قبالة بعضهما البعض واتفقا على أنهما يجب أن يتحدثا، لم يعرف أي منهم كيف يبدأ، ثم انفجرا، وتطاير شرار الحقد والخوف والاتهامات المتبادلة ليحرق كل شيء، ورغم هذا لم يهرب الحب من بينهما، ولكن الحب وحده لم يكن كافياً لينقذ زواجهما، انهار تشارلي وصرح بأنه يتمنى لو ماتت نيكول، أنه يتمنى كل يوم لو تموت والشيء الوحيد الذي يمنعه من ذلك هو خوفه على طفلهما، وصرخت نيكول بكل ما تركته يحرق قلبها من تشارلي، تمحوره حول ذاته ونجاحاته الخاصة بل وخيانته لها.

لم يكن الحب الذي يعرف الطرفان أنهما يكنانه لبعضهما البعض في أن ينقذهما من كل هذه النار. ينتهي الفيلم بتشارلي يشارك عائلة نيكول عيد الهالويين مع صديقها الجديد، يتنكر في شخصية شبح غير مرئي، يمشي وراءهم وكأنه غير موجود، تشارلي غير موجود ويظن أن نيكول لم تعد تراه، رغم أنها في الحقيقة تراه، ورغم أنه أصبح لديها صديق حميم فإنها ما زالت ترى تشارلي وتنحني لتربط له حذاءه، نيكول تحب تشارلي وتشارلي يحب نيكول، ولكن الحب وحدة لم يعد كافياً.