كنت أتوقع أن أرى امرأة جريئة، منطلقة، صاخبة، وواثقة جدًا مما تفعله، عندما بدأت البحث عن لقاءات «مريم نعوم»، لم أتوقع أبدا أن أرى تلك الهادئة الخجول، التي لا تتحمل المدح والتي تتجنب التواصل البصري عندما يتعلق الأمر بالحديث عن عبقريتها، كانت تتحدث بثقة ودودة وكأنها ما زالت تتحسس الطريق، تسند رأسها على كفها الصغير وتستمع لأسئلة المذيعين، وترد بابتسامة خجولة وكأنها تقول لهم: «من تلك التي تتحدثون عنها بكل هذا الفخر؟ أنا فقط مريم». كانت طيبتها جلية جدا في حديثها، هدوئها وابتسامتها الصغيرة، حتى ملابسها البسيطة، كل تلك التفاصيل تجعلك متأكدا جدا أن مريم نعوم هي الشخص الأصلح للكتابة عن النساء الطيبات.صاحبتني مريم نعوم على مدار ثلاثة مسلسلات فائتة، أظل أشاهد مسلسلها من رمضان إلى رمضان، فحين وقعت في غرام «ذات» عرفت أنني لن أتخلى عن صحبتها بسهولة، وقد حدث، وفي كل مسلسل تتضح أمامي أكثر فكرة نساء مريم نعوم الطيبات.


ذات.. غالية.. مريم.. وأنا

منذ اللحظات الأولى التي رأيتها فيها، عرفت أنها طيبة، «ذات» الفتاة البريئة التي كبرت لتكون امرأة مطحونة والتي لم تنجح بنسبة مائة بالمائة في أي شيء، قرأت الرواية ولم تأسرني حقيقة، ولكن معالجة مريم نعوم للرواية أكسبها بعدا آخر، لا يمكنك أن تكره ضعف ذات واستسلامها، ولا يمكنك ألا تتعاطف معها في كل خطوة تخطوها، كانت «ذات» تذكرني بأمي في مواضع كثيرة، بل كانت يمكن أن تكون أنا لو كانت ظروفي مختلفة، أحببتها، رغم أنني اتهمتها أحيانا بالسلبية وأحيانا أخرى بالغباء.ثم جاءت «غالية»، الطيبة الساذجة عالية الصوت قليلة الحيلة، كانت غالية تمثل كل من عرفتهن يوما، كلهن بلا استثناء، نفس التمسك الأعمى بالفرص الضائعة، نفس التملص ومحاولات إثبات أنها أذكى من الجميع، المحاولات التي ترديها أرضا، فتنهض أكثر تصميما على الانتصار، رغم أنه لا حرب هنالك لتنتصر فيها، ثم الانتقام المريع الذي يطيح بكل شيء، والذي أعرف يقينا أنه النوع المفضل لي.أما «مريم»، والتي أعرف أنني أشبهها بشدة، والتي أخافتني كثيرًا عندما كنت أراها تنتصر ثم تقع مرة أخرى، التي كانت تجعلني جالسة على طرف المقعد كي أعرف هل سأنتصر أنا ومريم أم سننهزم، مريم الطيبة القوية، التي تحاول دائمًا أن تنهض من تحت الرماد، والتي تضعف جدًا أمام الخذلان، فتسقط سقوطًا مدويًا، يتردد صداه داخلي أنا.


عالم مريم نعوم

في عالم مريم نعوم لا يوجد نساء شريرات، تنتصر دوما للطيبات المنسحقات وتقف في ظهورهن، تظهرهن للعالم وتدعوه للتعاطف معهن، أن يفهم الآخرون أن هناك نساءً يحتجن فقط للتفهم، لم تنقل مريم نعوم واقعًا جامدًا، بل كانت تنقل قلوب النساء للورق ثم تقدمهن للشاشة كي يصرخن طلبًا للتحرر، التحرر من وطأة الوصم قبل أي شيء، فمريم نعوم لم تحكم على «ذات» في المسلسل ولم تصِمها بالغباء، على العكس تمامًا، ظلت طوال المسلسل تشحن المشاهدين كي يحبوا الشخصية، كي يتحدوا معها ويتعاطفوا مع كل ما تلاقيه، أجبرت النساء أن يروا أنفسهن في ذات، فتتخلص كل منهن من عقدة أنها أقل من الأخريات، كانت مريم نعوم تقول في كل مشهد لكل سيدة تجلس أمام الشاشة «لستِ وحدكِ».كما فعلت بالضبط مع الفتيات جميعًا في «سجن النسا»، في هذا السجن الواسع لم تكن هناك امرأة واحدة شريرة، كلهن طيبات مجبورات على الخطأ ويطلبن الغفران من الله، حتى «نوارة» الخائنة التي دمرت غالية وأفقدتها كل شيء، دفعتها مريم نعوم دفعًا لتكون طيبة عندما كانت تحذر غالية من صابر قبل الزفاف، بل جعلتها تذرف الدموع، وكأنها تعتذر أنها شريرة، تقول لنا أنها لا تملك الخيار، وقد حذرت غالية كثيرًا، كي لا تتأذى أيًا منهن.ثم جاءت مريم لتضعنا جميعًا «تحت السيطرة»، في المسلسل الذي كانت كل نسائه داعمات لبعضهن، أيضًا لم يكن هناك شريرات، نحن لا نعيش في مدينة الملائكة، ولذلك كانت تخطئ مريم، وتخطئ هانيا، تقريبًا كل امرأة في المسلسل أخطأت مرة واحدة على الأقل، ولكنهن تراجعن ودفعن ثمن أخطائهن كاملة، وكن على قدر المسئولية.


سقوط حر

لا أعرف عم سيدور مسلسل مريم نعوم الجديد، ولكنني أعرف أنني سأجدد إيماني بالنساء على مدار شهر كامل، أعرف أنني سقطت سقوطًا حرًا غير مشروط في حب مريم نعوم ونسائها الطيبات، هي الوحيدة التي تؤمن أنني طيبة، طيبة حتى لو كنت عادية للغاية مثل ذات، أو سليطة ومتهورة مثل غالية، أو مؤذية بشكل ما مثل مريم، وحدها مريم نعوم تعرف أنني طيبة في كل الحالات، تعرف كيف ترى النساء من داخلهن، كيف تعبر عن كل الغضب المكبوت الذي يفصح عن نفسه بكوارث دائمًا كما يحدث مع بطلاتها في معظم الأوقات، تعبر عنه هي في مسلسلات تترجى فيها الآخرين أن يروا نساءها كما تراهنّ هي من الداخل، أن يعرفونهنّ ويعرفن قلوبهن كما تحاول هي أن تفعل.أعرف أن مسلسلها الجديد أيضا سينتصر لطينة النساء الطيبات،أعرف أن مريم نعوم لن تخذلهن، وستقف في ظهورهن كعادتها، سوف تتكلم بلسانهن وتجبر العالم أن يسمع، وأنا سأجلس على طرف مقعدي كالعادة، أدعو للبطلة التي لا أعرف اسمها حتى الآن، وأفكر في نفسي.