منذ تسعة وعشرين عامًا، في مشهد ملحمي تقشعر له الأبدان، خرج أبناء مخيم جباليا؛ ليكونوا شرارة الانتفاضة التي استشرت كالنار في الهشيم بين أبناء الشعب الفلسطيني بأسره، ليُزلزلوا بحجارتهم الأرض من تحت أقدام عدو أخذته العزة بالإثم، واستباح معهم كل ما تُحرّمه الإنسانية والنفس البشرية السوية.

ألهمت تلك الانتفاضة الإسلاميين في فلسطين، وأعطت لهم الإشارة بأن الوقت قد حان لبلورة مقاومتهم تحت لواء تنظيم محدد عُرف بـ حركة المقاومة الإسلامية «حماس».

وفي ذكرى الانتفاضة وتأسيس الحركة، أجرت قناة الجزيرة حوارًا خاصًا مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وأحد أبرز مؤسسيها، وقائدها الحالي «خالد مشعل»؛ لتستعرض معه تاريخه الشخصي، ونشأة الحركة ودوره في تأسيسها، وكيفية بقاء الحركة واستمرارها، في ظل ما تشهده الساحة الدولية والإقليمية والعربية من صراعات.


تغريبة ونضال

استهل «علي الظفيري»، مقدم البرنامج، هذه الحلقة بتعريف موجز عن أبرز المحطات التاريخية الهامة في حياة مشعل، ليستكمل هو بعد ذلك، ويصف ما يستقر بوجدانه لمسقط رأسه، ووطنه الذي شهد باكورة سنوات حياته الأولى (فلسطين)، إلى أن انتقل إلى دولة الكويت عام 1967، وكان قد بلغ من العمر أحد عشر عامًا، وقد انتقل مع أسرته إلى هناك مضطرًا، حيث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ولو كان الأمر بيده لآثر أن يبقى في أرض الوطن.

ومن هناك في الكويت، حيث حرية الرأي، وتعمق الثقافة، واحتواء كافة الفلسطينيين، استطاع مشعل أن يكمل مسيرته في التعليم، إلى أن تخرج ليصبح مدرسًا للفيزياء. وأكد مشعل على نشأته الدينية، ودور المدارس التي تعلم فيها في تعزيز تلك النشأة الدينية التي تحث كل فلسطيني هناك على الأخذ بناصية الجهاد لتحرير وطنه السليب.

وتلك النشأة لم تجعل هناك أي تناقض أو صراع بين البعد الوطني والديني لدى مشعل؛ ولذلك لم تغب عنه قط فكرة إنشاء مشروع جهادي للإسلاميين في فلسطين، إلى أن انطلق مشروع حركة المقاومة الإسلامية، وكان مشعل أحد أبرز مؤسسيه.


في مواجهة التحديات

أكد مشعل أن إستراتيجية حماس لم يتغير منها شيء، فهي تسعى لتطوير الأدوات والوسائل التي تمتلكها من أجل تحقيق مشروعها، ولم يحدث ارتباك في هذا المشروع خلال عمر الحركة، وشدد على أن حماس ما زالت تؤمن بتحرير كامل فلسطين، وبأن الجهاد والمقاومة الحل الوحيد لطرد الاحتلال وتحرير فلسطين والمسجد الأقصى المبارك.

وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها الحركة؛ منها بطش الاحتلال، والظروف الإقليمية والدولية التي تعرقل عملها، والاختلاف السياسي الفلسطيني حول مشروعي المقاومة والمفاوضات -والتي أدت إلى تراجع المقاومة على حد قول مشعل- إلا أن الحركة ما زالت صامدة في مواجهة تلك التحديات.

وردًا على سؤال تأخر الإسلاميين في اللحاق بركب المقاومة داخل فلسطين، فقد تأسست الحركة عام 1987، وقد كانت فترة الستينات والسبعينات حافلة بأعمال المقاومة ضد العدو.

رد مشعل بأن الإسلاميين لم يغيبوا عن ساحة المقاومة إلا في فترات اضطرارية حيث اُجبروا على ذلك، فقد شهدت الساحة الفلسطينية انتشار مقاومة الإسلاميين على أراضيها، فحركة حماس تنتمي أيديولوجيًا إلى الإخوان المسلمين، الذين انتشروا بشكل ملحوظ في ربوع الدولة الفلسطينية منذ منتصف الأربيعينات، وقد شاركوا في حرب 48، ومن قبلها ثورة فلسطين التي كانت تضم عددًا كبيرًا من الإسلاميين، وشارك الإسلاميون أيضًا في المقاومة التي شهدها قطاع غزة في الخمسينيات، ولكن في أواخر الخمسينيات وبدايات الستينيات ظهرت في المنطقة العربية «ظروف ضاغطة على الإسلاميين»، على حد قوله؛ مما أدى إلى انحسار دورهم في أعمال المقاومة في تلك الفترة.

وما أن أُتيحت الفرصة مرة أخرى في منتصف الستينيات مع بداية الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965، واستعاد العمل الفدائي عافيته، وتخلص نسبيًا من الضغوط التي كانت تُمارس عليه، طفق الإسلاميون يفتشون عن موطئ قدم لهم في تلك المرحلة من مراحل المقاومة.

وردًا على سؤال عن علاقة حماس بجماعة الإخوان المسلمين، وهل تضررت الحركة من هذا الارتباط، أكد مشعل أن حركة حماس منذ انطلاقتها الأولى في الثمانينات وحتى الآن، انتماؤها فكرًا وجذورًا لجماعة الإخوان المسلمين، ولكنها في الوقت نفسه منذ اليوم الأول أصبحت حركة وطنية فلسطينية مستقلة، تحمل مشروعًا وطنيًا وإسلاميًا، يهدف لمقاومة المشروع الإسرائيلي، وأن أي اسم تحمله أي حركة سياسية له مزايا وأعباء حسب تغير الظروف الإقليمية والدولية، ولكن حماس استفادت من كونها تنتمي لمشروع الإخوان المسلمين، وهذا ما يفسر انطلاق الحركة بقوة.


علاقات إقليمية متأزمة

بالحديث عن علاقة الحركة بسوريا منذ كان لها موطئ قدم ثابت هناك، أكد مشعل أن حماس عاشت في سوريا 11 عامًا، واحتضنها النظام والشعب السوري بشكل استثنائي وفريد. ولكن عندما بدأت الأزمة السورية حاولت الحركة أن يكون لها إسهام في نزع فتيلها عن طريق إسداء النصيحة وليس التدخل، وإيجاد حلول بعيدة عن العنف والانقسام بلا تحيز لأي طرف.

ولكن، عندما وجدت الحركة أنه يُراد لها من خلال إشارات واضحة أن تقف مع طرف دون الآخر، قررت مغادرة سوريا حتى لا تُستخدم كغطاء لطرف في سفك دماء الشعب السوري.

وردًا على سؤال عن علاقة حماس بإيران، أوضح مشعل أن حماس تسعى لأن يكون لديها علاقات متوازنة ومتعددة مع مختلف دول المنطقة، ولا تريد أن تخسر أي دولة أو تنحاز لدولة على حساب أخرى؛ لأنها تسعى للحصول على المال والسلاح والدعم السياسي في مشروع المقاومة وتحرير فلسطين.

وأردف قائلاً:

اختلفنا مع إيران حول الموقف من الربيع العربي والثورة السورية، ولكن ندير علاقاتنا مع الدول بقدر احتياجاتنا وضروراتنا، من دون أن نوافق هذه الدولة أو تلك على أجندتها الداخلية أو الخارجية، ونطرق باستمرار أبواب الجميع، وحين نطرق بابًا ولا يفتح لنا، فعلى هذه الدولة أن تلوم نفسها، وحين نطرق بابًا آخر ويعطينا دعمًا غير مشروط، فلا يحق لغيرنا أن يلومنا على ذلك.

وفيما يتعلق بعلاقة حماس بمصر، شدد مشعل على أن مصر أكبر دولة عربية ولها تاريخ طويل مع القضية الفلسطينية، بغض النظر عمن يحكم تلك الدولة؛ ولذلك قال إن الحركة حرصت على طرق باب مصر منذ بدايات تأسيس الحركة، وسعت لأن يكون لمصر التي يعتبرها الشقيقة الكبرى دور أكبر في دعم القضية الفلسطينية، ولكن النظام المصري يطور علاقته مع الحركة في مراحل ويقلصها في أوقات أخرى حسب الظروف السياسية لديه.