قد يظن الكثير من متابعي كرة القدم أن الفرنسي «كيليان مبابي» قد أفسد فترة الانتقالات الصيفية الحالية بعدم انتقاله لنادي ريال مدريد الإسباني، خاصةً بعد أن ذهبت الضجة الإعلامية التي رافقت الصفقة شهورًا عديدة أدراج الرياح، فصفقة السهم الفرنسي الذي رفض نادي «باريس سان جيرمان» بيعه الصيف الماضي بـ 200 مليون كان من المقرر أن تكون مجانية هذا الصيف لانتهاء عقده مع النادي الباريسي، لكن تغيرًا دراماتيكيًّا حصل في الأمتار الأخيرة بتوقيع مبابي عقدًا جديدًا مع فريقه، يمتد للعام 2025 براتب أسبوعي يصل إلى مليون يورو، ليترك رئيس ريال مدريد ومشجعيه في صدمة لن يزول أثرها قريبًا.

من إيطاليا وإليها

انتقل لاعب الوسط الفرنسي «بول بوغبا» صيف عام 2016 من يوفنتوس الإيطالي إلى مانشستر يونايتد، بصفقة انتقال تخطت قيمتها 100 مليون يورو، إلا أن نافذة الانتقالات الحالية شهدت عودته للنادي الإيطالي مرة أخرى، ولكن بشكل مجاني، بعد انتهاء عقده ورفضه البقاء في إنجلترا. ويُقدِّر موقع «Transfer Market» المختص بانتقالات اللاعبين قيمة بوغبا السوقية الحالية بـ 48 مليون يورو، أي إن أحمر مدينة مانشستر وقف عاجزًا عن ضم هذا المبلغ لخزينته.

بطل أمريكا الجنوبية حط رحاله أخيرًا في ملعب الآليانز في تورينو، فوصول الأرجنتيني «أنخيل دي ماريا» يعني حسم يوفنتوس لصفقة مجانية أخرى للاعب مخضرم من طراز عالمي، وعلى الرغم من أنه وصل إلى سن الـ 34 عامًا، فإن ماسيميليانو أليجري المعجب بالظهور الأول لدي ماريا مدعو للاستفادة من خبرات العنكبوت الأرجنتيني، الذي تثبت الأرقام أنه ثالث أكثر اللاعبين صناعة للأهداف في العقد الماضي، بعد ليونيل ميسي وتوماس مولر، ليبدأ مسيرة صناعة الأهداف في إيطاليا والسعي للنهوض بالعجوز الجريح مرة أخرى، بعد فقدان اللقب لموسمين على يد قطبي مدينة ميلانو.

صفقة أخرى وجدت طريقها أخيرًا بعد طول أخذ ورد، ولكنها هذه المرة تُغادِر من نادي يوفنتوس الإيطالي، وهي صفقة الأرجنتيني «باولو ديبالا» الذي تقاذفته الأخبار طويلًا بين إنتر ميلانو الذي ظهر لفترة وكأنه حسم ضمه، أو لنادي العاصمة روما تارة أخرى تلبية لرغبة مديره الفني جوزيه مورينيو، وهو ما حدث في نهاية المطاف بانضمامه للذئاب. اللاعب الذي تبلع قيمته السوقية -بحسب Transfer Market- خمسة وثلاثين مليون يورو، والأهم من ذلك أنه يمتلك موهبة مميزة وخامة كروية فريدة أظهرها في الكثير من المواقف التي أنقذ خلالها يوفنتوس. وقد احتفلت بالنجم الأرجنتيني خلال تقديمه بقميص روما أمواجٌ بشرية، واستُقبِل استقبالًا أسطوريًّا، حتى تصدرت صور ومقاطع تقديمه وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.

صدماتٌ علاجها الـ Free agent

ما زال برشلونة الذي يعاني صدمة رحيل ميسي وأزمةً ماليةً خانقة في الأشهر الماضية، عاد بقوة ليسيطر على أوضاعه ويبدأ عملية بناء جديدة بعد بيع 25% من حقوق البث التلفزيوني للحصول على عوائد دخل جديدة، وصلت إلى ما يزيد عن 500 مليون يورو، وهو بهذه الأموال يسعى لسد جزء من دَينه، إلى جانب بناء فريق جديد قادر على المنافسة بعد ابتعاده عن الألقاب في الموسم الأخير.

وبعد نجاح النادي في الظفر بخدمات العاجي فرانك كيسي والدنماركي أندرياس كريستنسن، دون تحمل خزينة النادي أي مصاريف إضافية، لنجاح إدارة النادي الكتالوني في التوقيع معهما بعد انتهاء عقودهما مع أنديتهما. فقد نجح النادي أيضًا في الحصول على خدمات كل من البرازيلي «رافينيا»، والبولندي «روبرت ليفاندوفسكي»، والفرنسي «جوليس كوندي».

على الطرف الآخر في إسبانيا، وتحديدًا في العاصمة لدى نادي ريال مدريد الذي صُدِم بفشل صفقة مبابي في اللحظات الأخيرة، تمكَّن من التوقيع مع مدافع ألماني صلب من نادي تشيلسي الإنجليزي، صفقة «أنتونيو روديجير» التي عزَّز بها ريال مدريد دفاعه مجانًا بدل أن يدفع قيمته البالغة 40 مليون يورو، وقد أثبت روديجير صلابته سريعًا بعد أن طرح كلًّا من البلجيكي إيدين هازارد والكرواتي لوكا مودريتش أرضًا في تدريبات الفريق الملكي.

البيع السريع أو التجديد

بلغت القيمة السوقية للاعبين الستة الذين ذكرناهم في هذا التقرير ما يزيد على 200 مليون يورو، لكنهم أتموا انتقالهم لأندية أخرى بشكل مجاني لانتهاء عقودهم. لكن صيف 2022 لم يكن الأضخم؛ إذ شهد الصيف الماضي صدمة كبرى برحيل أسطورة برشلونة ليونيل ميسي مجانًا إلى باريس سان جيرمان، وحارس بطل أوروبا كذلك (جيانلويجي دوناروما) وصل مجانًا لباريس، بينما تمكَّن ريال مدريد من الظفر بخدمات الصخرة النمساوية «دافيد ألابا»، الذي حقَّق دوري أبطال أوروبا في أول مواسمه مع بطل إسبانيا.

لكن أزمة اللاعبين المنتقلين مجانًا – لانتهاء عقودهم – لا تكون وليدة اللحظة، فالعام الذي يسبق انتهاء العقد يكون أشبه بمفاوضات ماراثونية بين النادي ووكلاء اللاعبين الذين يسعون لتحصيل أفضل المكاسب والعروض، ولعل مفاوضات الفرنسي «دعثمان يمبلي» كانت مسلسلًا طويلًا جذب الأنظار على امتداد موسم 2021-2022، قبل أن يتم نادي برشلونة بالفعل تجديد عقد الفرنسي، إلى جانب مسلسل تجديد عقد «محمد صلاح» مع ليفربول، والذي لم يخلُ من الشد والجذب والتغريدات الغامضة والمثيرة للجدل من وكيل أعماله «رامي عباس».

مفاوضات التجديد لا تنجح دائمًا، فاللاعبون كثيرًا ما ينجحون في الضغط على أنديتهم التي تضطر لبيعهم بأفضل سعر ممكن، قبل أن يخسروهم مجانًا، وهو ما حدث مع الجناح الآخر في ليفربول، فقد رحل أفضل لاعب في أفريقيا، ساديو ماني، إلى بايرن ميونيخ قبل عام من انتهاء عقده، بمبلغ وصل 32 مليون يورو، ليفض شراكته مع الفرعون المصري، بعد سنوات حصدا فيها معًا الدوري الإنجليزي (بعد غياب للريدز لـ 30 عامًا)، ودوري أبطال أوروبا (بعد غياب لـ 14 عامًا عن منصات التتويج).

كذلك الأمر حدث مع مغادرٍ للقلعة البافارية هذه المرة، فأفضل لاعب في العالم للعام 2021، روبيرت ليفاندوفسكي، نجح في الضغط على ناديه بكلمات واضحة ومطالبات عديدة منذ بداية الصيف، وطلب الخروج من كبير ألمانيا والانتقال إلى برشلونة مقابل نحو 45 مليون يورو، دون الإضافات التي قد تصل بالصفقة إلى 50 مليون يورو.

ويشير تقرير على شبكة ESPN إلى أن فقدان الأندية للاعبين الكبار بشكل مجاني هو فشل إداري وسوء تخطيط، ويشير مدير كرة القدم السابق في أرسنال «راؤول سانليهي» إلى أن اللاعب الذي يمتد عقده لخمسة أعوام يجب أن يضع النادي خطة مستقبلية للتعامل معه في السنة الثالثة من عقده. كما أن ارتفاع نسبة التعاقدات المجانية يعود بالسلب على خزينة الأندية ومواردها المالية التي يقع على عاتقها تسديد القروض والوفاء بالتزاماتها المالية، خاصة مع وصول نسبة الانتقالات المجانية في الدوريات الخمسة الكبرى عام 2021 إلى 22% من مجمل الانتقالات (بيعًا وإعارةً وانتقالًا مجانيًّا)، صعودًا من نسبة 19% عام 2019. بجانب انخفاض نسبة عمليات بيع اللاعبين عن نفس الفترة بنسبة 6% لصالح صفقات الإعارة والبيع المجاني.

معضلة الأندية يبدو أنها تفاقمت مع نتائج جائحة كورونا وتصاعد الخسائر الاقتصادية للأندية، خاصة في الشهور التي حُرمت فيها من عوائد التذاكر، لتكون الأزمة الاقتصادية وتصاعد مطالب اللاعبين ووكلائهم وقودًا مُغذيًا لظاهرة انتقال اللاعبين مجانًا، تاركةً للجماهير التفاعل مع الأخبار الساخنة مع كل نافذة انتقالات جديدة.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.