المغرب الكبير أو المغرب العظيم هو مجموع بلاد وأقطار شمال أفريقيا الجغرافية، التي تمتد من إقليم طرابلس الغرب على ساحل البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسي على امتداد الصحراء الكبرى، وهو يشمل الشق الشمالي للقارة الأفريقية إذا استثنينا الشمال الشرقي منها والذي يمثل بلاد مصر، وقد سمى المسلمون هذه الجهة منذ عصر صدر الإسلام باسم: المغرب، كما أطلق عليه القدماء تسمية بلاد البربر أو الأمازيغ.

المغرب العظيم هو مجموع بلاد وأقطار شمال أفريقيا الجغرافية، التي تمتد من إقليم طرابلس الغرب على ساحل البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسي على امتداد الصحراء الكبرى

لكن هذا المفهوم تقلص كثيرا إلى حدود ما يعرف الآن بالمملكة المغربية أو تاريخيًا بالمغرب الأقصى، وهذا غير صحيح فبلاد المغرب تشمل أيضًا قطر المغرب الأوسط (الجزائر حاليًا) ثم المغرب الأدنى (القطر التونسي) والذي عرف في التاريخ بأفريقية. ومن أشهر حواضر هذه البلاد الشاسعة: القيروان وفاس ومراكش وتونس والجزائر والرباط وطرابلس وقسنطينة وسبتة، وتعرف هذه البلاد حاليًا بمصطلح المغرب العربي رغم ما به من شوائب قومية إذ أن المفهوم الصحيح لها هو المغرب الإسلامي.

استعبد الرومان أهالي البلاد مما أدى إلى قيام ثورات متعاقبة ضد الحكم الرومي، ومع انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية في القرن الخامس الميلادي على إثر ضربات القبائل الجرمانية القادمة من غربي أوروبا؛ تعرض المغرب للغزو الوندالي على سواحله الغربية وبعد ذلك بقليل دخلت البلاد مجددا –على الأقل في أقاليمه الساحلية الشمالية-تحت نفوذ الروم في إطار الإمبراطورية الرومانية الشرقية، إلى أن جاء الإسلام وقطع أوصال البيزنطيين بالمنطقة.في الزمن القديم تتحدث الدراسات عن تواجد فينيقي بهذه البلاد، في القرن الثامن قبل الميلاد والذي أولد مملكة قرطاج في الشرق المغربي، إلا أن القرطاجيين لم يستأثروا وحدهم بالمنطقة إذ زاحمهم اليونانيون منذ القرن الرابع قبل الميلاد، إضافة إلى ما ذكر عن وجود ممالك أمازيغية يحكمها السكان المحليون، لتأتي روما وتضم أقاليم البلاد تحت سيطرتها بدءًا من القرن الأول قبل الميلاد.

بدأ الفتح الإسلامي لبلاد المغرب منذ عهد عثمان بن عفان وتوسع كثيرًا في العصر الأموي، وكان من أشهر الفاتحين عبد الله بن سعد وعقبة بن نافع وحسان بن النعمان ثم موسى بن نصير، هذا الأخير الذي استقر معه الفتح بعد عقود طويلة من انتفاضات الأهالي وهجمات الروم، ليدخل المغرب ضمن أقطار الدولة الإسلامية في أواخر القرن الأول الهجري، وانطلقت منه فتوح الأندلس وأوروبا حيث كان طارق بن زياد -أبرز قائد لهذه الفتوحات- من أبناء هذه البلاد.

بدأ الفتح الإسلامي لبلاد المغرب منذ عهد عثمان بن عفان وتوسع كثيرًا في العصر الأموي ليدخل المغرب ضمن أقطار الدولة الإسلامية في أواخر القرن الأول الهجري

لكن الاضطرابات التي شهدتها الدولة الأموية في أواخر عهدها أدت إلى قيام قلاقل؛ نتيجة جور وتعسف الولاة الأمويين على بلاد المغرب مما دفع الأهالي إلى اعتناق الدعوة الخارجية، فاشتعلت ثورة الخوارج بالشمال الأفريقي بدءًا من سنة 122هـ، ومرت المنطقة بفترات عصيبة انتهت بقيام إمارات مستقلة بالمغرب الإسلامي في بداية عصر الخلافة العباسية، لتنقسم البلاد إلى إمارتين للخوارج الاباضية والصفرية بكل من تاهرات وسجلماسة، ثم دولة الأدارسة العلويين في المغرب الأقصى، وكذلك إمارة الأغالبة بأفريقية التابعة بشكل شبه مستقل للعباسيين، وإذا أضفنا استقلال الأمويين بالأندلس فسنخرج بنتيجة انفصال الغرب الإسلامي عن السلطة السياسية للدولة العباسية في المشرق.

ومع انتقال العبيديين إلى مصر وإخفاق خطتهم في المغرب، خلفوا وراءهم أتباعهم الزيريين الذين حكموا أفريقية والمغرب الأوسط، في حين أن المغرب الأقصى خضع في معظمه لسلطة القبائل الزناتية، بعد ضعف الأمويين في الأندلس وسقوط خلافتهم وتفرقها إلى طوائف. وظهرت بعد فترة إمارة بني حماد في المغرب الأوسط وهم صنهاجة وأقارب للزيريين، وظل جميع هؤلاء على ولاء للدولة العبيدية في القاهرة، إلى أن أقدم الأمير الزيري المعز بن باديس على إلغاء المذهب الشيعي وإرجاع السنة والتمرد ضد العبيديين، فأدى بهؤلاء إلى إرسال عرب بني هلال البدويين إلى أفريقية وتخريبها، ليتقهقر نفوذ بني زيري والحماديين إلى السواحل الشمالية، وبسطت القبائل العربية سيطرتها على قطري أفريقية والمغرب الأوسط.ساد نوع من الهدوء منطقة المغرب طيلة مدة قرن ونصف (164هـ-299هـ)، إلى أن قامت الدولة العبيدية (الفاطمية) ذات المذهب الإسماعيلي –الشيعي المنحرف، فشهدت المنطقة اضطرابات وفوضى استمرت طيلة القرن الرابع، حيث حاول العبيديون فرض سيطرتهم على مجموع بلاد المغرب، إلا أن محاولاتهم هذه باءت كلها بالفشل لإعراض المغاربة عن المذهب الشيعي والرافضي، وتمسكهم بالسنة والجماعة، إضافة إلى اصطدام الفاطميين بالأمويين الأندلسيين؛ مما جعل المغرب ساحة للصراع العبيدي الأموي خلال هذه الفترة.

شهدت المنطقة اضطرابات وفوضى استمرت طيلة القرن الرابع، حيث حاول العبيديون فرض سيطرتهم على مجموع بلاد المغرب

ازدادت أوضاع المغرب تأزمًا بعد الغزو الهلالي في منتصف القرن الخامس الهجري، وفي الوقت ذاته بدأت تظهر قوة في جنوب المغرب الأقصى وفي الصحراء بالذات؛ بعد أن استطاع عبد الله بن ياسين جمع قبائل لمتونة الصنهاجية والبدء في تأسيس دولة المرابطين التي اكتسحت المغرب الأقصى في بضع سنوات وقضت على الكيانات الزناتية الجائرة والنحل الضالة بالمنطقة. وبوصول يوسف بن تاشفين إلى حكم الدولة الناشئة توحد المغرب الأقصى مع جزء من المغرب الأوسط، وبنى مراكش كقاعدة للمرابطين وقضى على مذاهب الزندقة كبرغواطة وبقايا الخوارج والروافض، ليقوم بإحياء منهاج السنة الصحيح، إضافة إلى إنقاذه الأندلس وهزيمة النصارى في موقعة الزلاقة 479هـ، ومن ثم إخضاع البلاد وتصفية ملوك الطوائف ليبدأ عصر الدول الكبرى بالمغرب وارتباطه السياسي بالأندلس.

قامت الدولة الموحدية في المغرب الأقصى لكن سرعان ما اجتاحت المغرب الأوسط وأفريقية، لتتمكن من توحيد المغرب الكبير سنة 555هـ بعد أن قضت على بقايا الزيريين وبني حماد وطردت النورمان من السواحل الشرقية. كما ورثت حكم المرابطين أيضًا بالأندلس، وجاهد الموحدون ضد النصارى وانتصروا عليهم في معركة الأرك عام 591هـ في عهد يعقوب المنصور، لكن هزيمتهم في موقعة العقاب كان إيذانًا بسقوط دولتهم وتدهور أمر الأندلس.حكم المرابطون المغرب الأقصى وقسمًا من المغرب الأوسط مع الأندلس الإسلامية، وفي الوقت نفسه تعرضت سواحل المغرب الأدنى للغزو النورماني بعد ضعف سلطة الزيريين وتضعضعها أمام غارات العرب، لكن ما لبثت دولة المرابطين نفسها أن ضعفت ولحقت بها قلاقل نتيجة حركة الموحدين وزعيمهم ابن تومرت، وكذلك انشغال معظم قوات اللمتونيين بالجهاد في الأندلس، فتمكن الموحدون بقيادة عبد المؤمن بن علي من إسقاط دولة المرابطين وحكم المغرب.

استطاع عبد الله بن ياسين جمع قبائل لمتونة الصنهاجية والبدء في تأسيس دولة المرابطين التي اكتسحت المغرب الأقصى في بضع سنوات

عصفت الاضطرابات ببلاد المغرب من جديد نتيجة اضمحلال دولة الموحدين الكبرى، التي كانت قد بسطت نفوذها على مجموع المنطقة، فسقطت معظم حواضر الأندلس عدا غرناطة التي احتفظ بها المسلمون تحت سلطة بني الأحمر. لكن المغرب الإسلامي انقسم إلى ثلاث إمارات في كل من أقطار شمال أفريقيا الثلاثة، حيث بنو مرين بفاس والزيانيين بتلمسان والحفصيين بتونس، فحاولت كل من هذه الدول التوسع على حساب جارتها، فاندلعت مواجهات بينهم في القرنين السابع والثامن الهجري، فغفلوا بذلك عن العدو الصليبي الذي أحاط بمسلمي الأندلس وتربص بهم، بالرغم أن المرينيين حكام المغرب الأقصى قدموا لهم خدمات جهادية في البداية؛ إلا أن سلاطين غرناطة قابلوها بالخيانة والتواطؤ مع الأعداء، فكان الحال هكذا إلى أن سقطت غرناطة معقل المسلمين الأخير بالأندلس فواجه المغرب بعد ذلك كوارث صليبية.

قامت الدولة الموحدية في المغرب الأقصى لكن سرعان ما اجتاحت المغرب الأوسط وأفريقية، لتتمكن من توحيد المغرب الكبير

تقهقر أهل المغرب الكبير أمام هجوم النصارى الكاثوليك القادمين من الأندلس المحتلة، فسقطت قواعد ساحلية مثل سبتة ووهران ومدن أخرى، إلا أن ظهور العثمانيين في الشرق المغربي وتحركات الجماعات الجهادية الصوفية بالمغرب الأقصى قد ردع الصليبيين، واضطروا للتوقف عند السواحل التي احتلوها، فكان الأمر أن خضعت أفريقية والمغرب الأوسط للدولة العثمانية بينما حكم الأشراف السعديون المغرب الأقصى. رغم الخلافات التي سرعان ما اندلعت بين هؤلاء المسلمين، إلا أنهم تصدوا جميعا للحملة الصليبية البرتغالية بالقصر الكبير شمالي أقصى المغرب، وانتصروا هناك في معركة وادي المخازن عام 986هـ/1578م.تغير العالم كثيرًا بعد سقوط غرناطة وانتهاء أمر الأندلس، فقد دخلت أوروبا فيما سمي بعصر النهضة وانطلقت رحلاتها المسماة بالكشوفات الجغرافية، ثم كان زوال دولة المماليك بالمشرق بعد بروز الدولة العثمانية وتزعمها للعالم الإسلامي حيث خضعت لها معظم بلاد المغرب، هذا الأخير الذي كان يعيش وسط اضطرابات فوضوية والتي استفحلت بعد تمكن الأيبيريين من الاستئثار بأمور الغرب الإسلامي، حيث احتلت البرتغال سواحل المغرب الأقصى بينما هاجم الإسبان الموانئ المتوسطية بكل من المغرب الأوسط وأفريقية.

حصل نوع من الركود الحضاري ببلاد المغرب على غرار باقي بلدان العالم الإسلامي، فبالرغم من انطلاق عمليات الجهاد البحري ضد السفن النصرانية المستأثرة بمياه المتوسط؛ إلا أن التراجع الإسلامي أمام التقدم الغربي قد حال دون استرجاع الأندلس، أو توحيد البلاد في ظل دولة إسلامية قوية سواء مغربية أو مشرقية، فالخلافة العثمانية بعد هذا العهد بدأت تضعف وعلامات الوهن تظهر فيها، رغم تمكنها من دفع الخطر الصليبي على الأمة الإسلامية وبسط نفوذها على غالب الأراضي المغربية في إيالات طرابلس وتونس والجزائر، إلا أن الحضور الاسمي يغلب على التواجد الفعلي والتبعية لإسطنبول العاصمة. وفي المغرب الأقصى لم يستطع السعديون ولا ورثتهم العلويون من تحرير جميع المدن المحتلة ولا حتى المواجهة الندية للأيبيريين وهزيمتهم، حيث تميز العصر الحديث بتراجع المسلمين التدريجي نتيجة عوامل عدة فكان للمغرب نصيب من ذلك.

تغير العالم كثيرًا بعد سقوط غرناطة وانتهاء أمر الأندلس، فقد دخلت أوروبا فيما سمي بعصر النهضة وانطلقت رحلاتها المسماة بالكشوفات الجغرافية

وكان من الطبيعي أن تقع بلاد المغرب فريسة للاستعمار الأوروبي، الذي استفحل وانكشفت أنيابه في القرون الأخيرة، وبدأ الأمر بالجزائر التي احتلتها فرنسا عام 1830م، لتنفصل عن الدولة العثمانية –ولو اسميًا- ثم ألحق بها القطر التونسي أواخر القرن التاسع عشر، ليطبق الخناق على المغرب الأقصى الذي استسلم في بداية القرن العشرين واقتسمته كل من فرنسا وإسبانيا، فصارت بذلك بلاد المغرب الإسلامي خاضعة في معظمها للاحتلال الفرنسي الصليبي الذي بدأ يغير من معالمه منذ هذا الوقت.

إذن هذا هو المغرب العظيم الذي تشكل من تاريخ عريق ودخل طور الحضارة منذ زمن الإسلام، لكنه خضع للهيمنة الصليبية في الوقت الراهن على غرار بقية بلدان الأمة، فكانت النتيجة حالة من التخلف الحضاري والتمزق القطري؛ بسبب النزعات الوطنية ومحاولة غرس النعرات القومية، وغياب الرابط الديني والعقائدي الذي سيكون بحضوره استعادة لوحدة بلاد المغرب الكبير مع باقي الأمصار الإسلامية في كتلة واحدة موحدة، لتدخل بذلك هذه البلاد التاريخ من جديد.