على عكس ما قد يوحي به عنوان المقال، فإنه ليس دفاعيًا و لا نسويًا -بحكم جنس كاتبه- لكنه يسعى في المقام الأول إلى تحليل مواقف الفلاسفة السلبية تجاه المرأة، وذلك بكل أبعاده وزواياه.

الميسوجينية الفلسفية

الميسوجينية كمصطلح هي مجموعة من الأفكار والأيديولوجيات التي تقوم على ازدراء واحتقار المرأة ووضعها في مكانة مجتمعية دونية، ليس هذا بشيء جديد، لكن لعل الصادم حقًا هو اعتناق بعض عمالقة الفكر هذه الأيديولوجيات، والتي انعكست بوضوح على أفكارهم وكتاباتهم، حيث قال الفيلسوف الألماني «شوبنهاور» عن المرأة إنها «حيوان بشعر طويل وأفكار قصيرة»، وقال نيتشه «لا تدخل على المرأة إلا و معك السوط».[1]

أمّا روسو، الفيلسوف الفرنسي الثائر، كانت ثورته للرجال فقط، وهو من طالب بالمساواة ليس بين البشر كافة ولكن بين الرجل والرجل، وكان يردد باستمرار «إذا اشتكت المرأة من اللا مساواة مع الرجل فهي مخطئة»[2]، وغيرها الكثير من الأقاويل التي كلما سمعناها تُثار أسئلة عديدة في عقولنا لعل أهمها: لمَ كل هذا الكره أو الاحتقار تجاه المرأة؟ وهل ثمة مبرر له؟ وكيف من الممكن أن تصدر هكذا أقاويل وأفكار تحتقر المرأة كإنسان من أفواه وأنامل أعظم المفكرين والعقلاء؟

تمييز فطري أم مكتسب؟

يقول نيتشه: «كل فلسفة عظيمة باعتراف مؤسسها، هي نوع من الذكريات الشخصية السرية واللا إرادية».[3]

قد تبدو آراء وأقوال بعض الفلاسفة عن المرأة صادمة للوهلة الأولى، ربما لأنها صادرة من عقول مفكرة وعظيمة، لكن يزول بعض العجب قليلاً بعد سماع مقولة نيتشه السابقة.

ولكي ندرس ونحلل موقف الفلاسفة الميسوجيني تجاه النساء، ينبغي أولاً أن نُفكّكه إلى مواده الأولية، وإلى محركاته ودوافعه، أو كما قال نيتشه إلى «الذكريات الشخصية السرية». لنكن صريحين، إننا لسنا إزاء موقف نقدي أو رأي موضوعي، فأنا قد أنتقدك ولكن أحترمك كإنسان له كيان وعقل ومشاعر، ولكن عندما أزدريك وأستحقرك وأقذفك بأشنع الأوصاف، هنا يصبح الأمر شخصيًا بعض الشيء، أو على الأقل هذا هو أول تفسير منطقي يتبادر إلى الذهن، ومن المعروف بأن الكراهية بطبيعتها شعور متحيز، وليد مواقف وتجارب شخصية مع الأفراد والمحيط الخارجي.

دعونا نحاول إسقاط ذلك على حيوات بعض هؤلاء الفلاسفة الشخصية، لا سيما تجاربهم الشخصية مع المرأة، حتى لا يكون الحديث هنا مجرد تنظير.

شوبنهاور

كانت علاقته بوالدته سيئة للغاية، فكانت دائمًا ما تُقلل من قيمته الفكرية وقدراته، وذات مرة سخرت من موضوع رسالته في الماجستير، فرد على سخريتها قائلاً: «سوف يُقرأ الكتاب يا أماه حتى بعد أن تختفي كتبك من القمامة». ازدادت علاقته بأمه سوءًا عندما مات والده، الذي أهملته وتخلت عنه في مرضه، فازداد الجفاء بينهما.[4]

نيتشه

أما نيتشه فقد كان له حظ سيئ، تُوج بسلسلة من الإخفاقات العاطفية المتتالية، بدايةً من حبه لفتاة تُدعى «ماتيلدا ترمببداخ»، والتي رفضت طلبه للزواج منها وتزوجت لاحقًا صديقه الذي أرسل نيتشه طلب الزواج منها عن طريقه، وانتهاءً بحبه وتعلقه الشديد بالمحللة النفسية والكاتبة الروسية الألمانية «لو سالومي»، والتي رفضت حبه هي الأخرى وعرض زواجه عليها.

جان جاك روسو

ارتبط روسو بفتاة لا تهتم بالمعرفة والثقافة، ولا تفقه في أمور الفلسفة والسياسة، وكان روسو يُعرِّف الناس بها على أنها «مدبرة المنزل»، وذكر روسو بأنه كثيرًا ما حاول تثقيفها لكن بلا جدوى، حيث قال: «حاولت أول الأمر أن أصلح عقلها، ولكن جهودي ذهبت أدراج الرياح. إن عقلها بقي على ما فطرته الطبيعة، فهو لا يقبل التثقيف».[5]

هل تلك الأمثلة من تجارب الفلاسفة الشخصية مع المرأة كافية بأن تُفسر لنا معضلة الميسوجينية لديهم، خصوصًا وأننا لا نعلم بالضبط هل بالفعل تمخضت تلك الآراء الميسوجينية بعد التجارب التي خاضوها أم قبلها؟

الإجابة لا، ليس بالضرورة، وكما أننا لا يمكن أن نجزم بشكل يقيني بأن تلك التجارب تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل ملامح الميسوجينية الفلسفية، لا يمكننا أيضًا أن نتجاهل دورها المؤثر سواء أكان ذلك الدور رئيسيًا أم ثانويًا.

هناك نقطة أخرى غاية في الأهمية ولا ينبغي تجاهلها، وهي صورة المرأة في المجتمع الغربي آنذاك الملطخة بعادات وتقاليد العصور القديمة التي لم تنصفها، فكان من الطبيعي أن تنعكس هذه الصورة على الفكر ويتشربها العقل لا إراديًا. يقول هيجل: «إن كل منّا هو ابن عصره وربيب زمانه، وفي استطاعتنا أن نقول إن الفلسفة بدورها كان عصرها ملخصًا في الفكر».[6]

نتاج الثقافة والحضارة

يحاول البعض تفسير دونية مكانة المرأة سواء في المجتمع القديم أو المعاصر بمقارنة تلك المجتمعات بين قدرات المرأة والرجل، ولكن بعيدًا عن الجدال الشائع عن تباين طبيعتهما البيولوجية، يظل هناك مجهول في المعادلة، كثيرًا ما يتم التغافل عنه، والذي لا يمكن حل المعادلة بدون إيجاد قيمته. فمهما اختلفنا وتباينت آراؤنا، هناك شبه اتفاق على حقيقة أن المرأة -على مر العصور- لم تُعطَ الفرصة لممارسة و تطوير قدراتها، على خلاف الرجل الذي دعّمه النظام الأبوي والرأسمالي.

يقول ول ديورانت في كتابه مباهج الفلسفة:

العباقرة من الذكور خلاصة ملايين من الرجال المتعلمين، والعباقرة من الإناث زبدة بضع مئات فقط من المتعلمات، وحينما أُفسح المجال والتدريب للمرأة، خرجت علينا شاعرات مثل «سافو»، وروائيات مثل «ماري آن إيفانس»، وعالمات الطبيعة مثل «مدام كوري»، وعالمات الرياضيات مثل «هيباتيا وسونيا كوفالفسكي»، والمفكرات مثل «مدام دي ستايل»، بل كذلك حاكمات قويات مثل «الملكة إليزابيث» و«كاترين دي ميديشي».[7]

إن الصورة السيئة التي جسدها الفلاسفة عن المرأة من خلال كتاباتهم ما هي إلا نسخة مصغرة من الصورة الأصلية التي صدّرها المجتمع عن المرأة، وهي كذلك صورة عن لوحة من لوحاتهم الخاصة التي رسموها بفرشاة تجاربهم الشخصية مع المرأة، أو كما قال «مارتن هايدغر»: «من يفكر بشكل عظيم، يجب أن يخطئ بشكل عظيم».[8]

المراجع
  1. فريدريك نيتشه، «هكذا تكلم زرادشت»، ترجمة: علي مصباح، كولونيا-ألمانيا: منشورات الجمل، 2007.
  2. إمام عبد الفتاح إمام، «روسو والمرأة»، القاهرة: دار التنوير للطباعة والنشر، 2010، ص11.
  3. ميل ثومبثون ونايجل رودجرز،«جنون الفلاسفة»، ترجمة: متيم الضايع، سوريا: دار الحوار، 2015، ص11.
  4. شوبنهور، «العالم إرادة وتمثلا»، ترجمة: سعيد محمد توفيق، القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2006، ص20.
  5. إمام عبد الفتاح إمام، «روسو والمرأة»، مرجع سبق ذكره، ص26.
  6. هيجل، «أصول فلسفة الحق»، ترجمة: إمام عبد الفتاح إمام، القاهرة: مكتبة مدبولي، 1996، ص88.
  7. ول ديورانت، «مباهج الفلسفة»، ترجمة: أحمد فؤاد الأهواني، القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2008، ص195.
  8. ميل ثومبثون ونايجل رودجرز،«جنون الفلاسفة»، مرجع سبق ذكره، ص11.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.