قبل عرض فيلم «كلب بلدي» بعدة أيام، قام كاتب السيناريو «شريف نجيب» والذي قام بكتابة الفيلم بالاشتراك مع «أحمد فهمي» بطل نفس الفيلم بمشاركة الإعلان الترويجي على صفحته الشخصية على «فيسبوك» معلقًا عليه أن هذا الفيلم إما أن يصعد بهم للقمة، أو يهبط بهم إلى «الشلاحات»، وعندما سأله متابعوه عن معنى الشلاحات أجاب بأنها شلالات تصب في الملاحات، حسنًا، الفيلم فعلاً يستحق مكانه في قاع الشلاحات.


الثلاثي الذي انفصل

«أحمد فهمي» أحد أضلاع المثلث العبقري الذي اشتهر باسم «سمير وشهير وبهير»، هذا المثلث الذي أسهم في صناعة الكوميديا في السنوات الأخيرة بأفكار جديدة، وإفيهات طازجة، وأداء قوي يمكنك أن تلاحظه حتى في أكثر أعمالهم كوميدية وخفة، وقد كان هذا الثلاثي بمثابة شهادة ضمان استباقية تعدك بفيلم جيد سوف تقضي في مشاهدته وقتًا ممتعًا.

ورغم أن هذا الثلاثي نجح كفريق إلا أن انفصالهم كان ضرورة فنية، أو على الأقل أن يقوموا بأعمال منفردة حتى لو لم ينفصلوا بشكل كامل ونهائي، أن يلعب كل منهم خارج المنطقة الآمنة ليجرب كيف وإلى أي مدى سينجح وحده، وقد كان أحمد فهمي أجرأهم عندما قرر أن يلعب «كلب بلدي» منفردًا، في حين اشترك «شيكو» و«هشام ماجد» في فيلم واحد هو «حملة فريزر»، كما تشاركا في كتابة قصة فيلم «عشان خارجين».


الأفكار وحدها لا تكفي

يدور الفيلم حول شاب تركته أمه رضيعًا ودخلت السجن فرماه أخوه في «خرابة» وقامت كلبة بلدي بإرضاعه وتربيته مع جرائها، فشب «روكي» هجينًا بين الإنسان والكلب، فهو عندما يغضب يمكنه أن يمزق خصومه بشراسة، ويمكنه أيضًا أن يتفاهم مع الكلاب ويفهم لغتهم.

يعيش «روكي» مع أمه بعد خروجها من السجن، ويقاوم ممارسة مهنة عائلته وهي السرقة ولكنهم جميعًا يعايرونه بأنه «نجس» حيث أنه رضع من كلبة، ويواجه «روكي» نفس الوصم بالنجاسة من كل من يعرف أنه رضع وتربى في كنف كلبة بلدي، ثم تتوالى الأحداث –الركيكة والمفتعلة– ليواجه «روكي» الشرير والذي يقوم بدوره «أكرم حسني»، في سياق موازٍ لقصة حبه للطبيبة البيطرية «زبرجد».

الفكرة جيدة بالفعل وجديدة، وكان يمكن لها أن «تشيل» فيلم كوميدي رائع إذا ما ركز صناعه على حياة روكي وما يواجهه من مواقف كان يمكن لها أن تخلق إفيهات أعلى بكثير من أن يضرب سيدة داخل المسجد في أول مشاهد الفيلم، وكان يمكن للفكرة لو تم الاعتناء بها أيضًا أن تصنع فيلم أكشن لا بأس به إذا ما تم التركيز على قدرات روكي الخارقة في مواجهة البشر بقدراته «الكلابية» إذا ما جاز لنا التعبير.

أما ما حدث في الفيلم فهو مزيج من الاستسهال والفشل، إفيهات «بايتة» ومصطلحات مكررة، ومشاهد مهينة على المستوى الإنساني، فمثلاً مشهد الدكتورة «زبرجد» وهي تسحب روكي من رقبته بسلسلة وتطعمه من طبق موضوع على الأرض، وتربت على رقبته ﻻ أجد له وصفًا آخر سوى أنه مشهد مهين.

شخصية «وردة» التي قام بأدائها «أكرم حسني» هي -بحق- الشخصية التي قتلت صاحبها، ففي المرة الأولى تقريبًا التي يخرج فيها أكرم من عباءة «سيد أبو حفيظة»، فشل في أن ينتزع ولو ضحكة واحدة من جمهور الصالة الذي كان كبيرًا في أول يوم عرض للفيلم.

أما أحمد فتحي الذي قام بدور «الملازم بليغ» فهو ممثل جيد جدًا ولكن الشخصية كما رسمها السيناريو جاءت فقيرة جدًا، فشخصية الفاشل الذي يعرف أنه فاشل، وأداء «أحمد فتحي» خفيف الظل كان يمكنه أن يعطي بعدًا آخر للشخصية، أما «دينا ويزو» التي قامت بدور أم «روكي» فهي ممثلة كوميدية يمكنها على الأقل أن تضحك المشاهد، أما أن تكون كل مشاهدها تقريبًا عبارة عن إفيهات مكررة عن وزنها، فهذا هو الاستسهال كما يجب أن يتم تعريفه في القاموس.


أحمد فهمي: ما هذا؟

«أحمد فهمي» موهوب بالفعل، فعقله مصنع أفكار جديدة، وأداؤه رائع في كل الأعمال التي شارك فيها، فقد استطاع أن يشارك زميليه في انتزاع الضحكات بلا تكلف إطلاقًا في «الرجل العناب» بإمكانيات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها إمكانيات بسيطة، واستطاع أن يقف بالضبط في المنتصف بين الأنوثة والخنوثة في «بنات العم» فلم يجعلك تتقزز ولو للحظة من «شوق» التي كانت راقصة بشنب، فإفيهاته دائمًا مضحكة، ولا يفتعل التظرف أبدًا بل هو موهوب بالفعل.

حتى فيلم «كلب بلدي» أيضًا يحمل بعضًا من موهبته، فالفكرة طازجة وكانت يمكن، ببعض المجهود، أن تنتج فيلمًا محترمًا، لا أتحدث هنا عن العمق، لا يجب أن يكون الفيلم عميقًا، أنا أقصد أن يحمل الفيلم أي قيمة مضافة، أن يضحك الجمهور ولو قليلاً على الأقل، أما ما حدث في «كلب بلدي» فهو لا يمت لتاريخ «أحمد فهمي» الثري، على قِصَره النسبي، بصلة.


ماراثون العيد

رغم كل ما عرضناه عن فيلم «كلب بلدي» إلا أنه من الممكن أن ينجح خاصة أنه يسابق في موسم العيد، بالطبع لن ينجح على المستوى النقدي، ولكن شباك التذاكر يتحكم في كل شيء، والموسم «يفوّت» الكثير حتى لو كان غثًا، وهنا تكمن المعضلة الحقيقية.

أخشى ما يخشاه جمهور «أحمد فهمي» أن يستسلم لما يقوله شباك التذاكر و«بارك الله فيما رزق»، ويكون فيلم «كلب بلدي» إيذانًا بهبوط فهمي الحاد، الهبوط الذي لا تستحقه موهبة بحجم موهبته، هبوطًا يمكن أن يلصقه الجمهور بانفصاله عن زميليه «شيكو» و«ماجد»، في حين أن هذا ليس صحيحًا في الواقع، ففيلم كلب بلدي فيلم سيئ يهبط بصانعيه هبوطًا مدويًا في قاع الشلاحات.