جاءت محاولة الانقلاب العسكري الأخيرة في تركيا لتشعل الخلاف المستعر بين حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان، وجماعة كولن، وزعيمها المقيم بالولايات المتحدة فتح الله كولن. مع اتهام الرئيس التركي للجماعة وزعيمها بترتيب عملية الانقلاب الفاشلة كان لزامًا تسليط الضوء على هذه الجماعة وأفكارها و تطور علاقتها بالنظام الحاكم بتركيا.


من هو فتح الله كولن؟

ولد فتح الله كولن في عام 1941 هو معلم ورجل دين وسياسي، ولد لأب يعمل إمام مسجد وأمٍّ تقوم بتحفيظ القرآن رغم التعليمات الكمالية الرافضة لهذا النوع من التعليم البعيد عن إشراف الدولة. بدأ حياته بتدريس المنهج الحنفي على خطى رجل الدين الشهير سعيد نورسي، إلا أن العديد يرون أن كولن كان «تركيًا أكثر» من جماعة النور الذي يتبعون أفكار سعيد نورسي.

تقاعد كولن من عمله كخطيب وإمام مسجد في عام 1981، إلا أنه في الفترة من 1988 حتى 1991 شارك في عدة مناسبات دينية وألقى العديد من الخطابات بعدة مدن تركية، كما ساهم في تأسيس «مؤسسة الصحفيين والكُتّاب» التي قلدته رئاستها الشرفية. سافر إلى الولايات المتحدة عام 1999 في رحلة أعلن هو أنها علاجية لكن اعتقد البعض أنها هرب من اعتقال متوقع بعد تردد أنباء عن دعوته لإعادة الدولة الإسلامية إلى تركيا، دعم ذلك عدة تسجيلات صوتية لها زعم هو أنها اُنتزعت من سياقها.

أما عن قناعاته فيعد كولن من أنصار ما يسمى بـ «الإسلام الوسطي»، كما إن له عدة خطابات تُشيد بالصوفية رغم أنه لم يكن يومًا عضوًا بأي جماعة صوفية، اشتهر أيضًا باعتقاد أن المجتمع المسلم عليه مهمة يجب أن يؤديها لما أسماه «الصالح العام» والذي يشمل المجتمعات المسلمة وغير المسلمة، كما نادى ألا يقتصر الحوار بين الأديان على الاسلام والأديان السماوية لكن يجب أن يشمل باقي الأديان، انعكس ذلك في لقاءاته المتعددة مع رموز دينية مختلفة مثل البابا جون بول الثاني، وبطريرك الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية، وقيادات دينية يهودية.

وقد انتقد كولن، في أكثر من مناسبة، الأعمال الإرهابية وكل ما يستهدف المدنيين، وله كتابات في ذلك بعضها نشر في الواشنطن بوست، كما رفض الموقف التركي من الأزمة السورية، إلا إنه أيد الضربات العسكرية ضد تنظيم داعش.

أما عن رؤيته للعلمانية فقد تميزت ببعض التناقض، فبينما رآها في بعض تصريحاته مادية اختزالية أشار في كتابات أخرى أنها تسمح بممارسة الشعائر بحرية وأنه في ظلها يمكن تنفيذ 95 % من مبادئ وتعليمات الإسلام بينما الـ 5 % الباقية لا تستحق العناء.


جماعة كولن

يعود تاريخ تأسيس الجماعة إلى عام 1990، هي عبارة عن مجموعة من المعتنقين لمبادئ وتعليمات عبد الله كولن، والجماعة ليس لها اسم رسمي رغم انتشارها ليس فقط في المدن التركية، لكن أيضا في عدة دول بآسيا الوسطى، ولها أنشطة في دول أوروبية وفي الولايات المتحدة.

يعد التعليم والمدارس الخاصة بمثابة الآلية الأكثر فاعلية في نشر أفكار الجماعة وفي تمويلها في الوقت ذاته. حيث تنتشر مدارس كولن في شتى أنحاء القطر التركي ناهيك عن دول وسط آسيا. تشير بعض التقديرات إلى أن هناك 2 مليون تلميذ في مختلف المراحل التعليمية، أما عدد المدارس فيوجد ما يزيد عن ألف مدرسة بتركيا وما يزيد عن 300 مدرسة خارجها.

لا يوجد تعداد دقيق لأعضاء الجماعة، تختلف التقديرات ما بين مليون عضو إلى 8 مليون عضو، يشمل ذلك طلابا ومعلمين وأكاديمييين وصحفيين ورجال شرطة وقضاة. كما أن عملية الاتصال بين الأعضاء تتميز بمرونة شديدة حيث يتواصل الأعضاء مع بعضهم البعض عن طريق شبكات غير رسمية ولقاءات غير دورية. كما تتميز مرونة الحركة أيضًا في توصياتها باستغلال مساحات الحركة في المجتمعات المختلفة ثقافيا والحرص الشديد على عدم الاصطدام بها.


تطور علاقة جماعة كولن بحزب العدالة والتنمية

مرت علاقة جماعة كولن بحزب العدالة والتنمية بمرحلتين رئيسيتين: المرحلة الأولى وهي التوافق والتعاون، بدأت عام 2001 مع تأسيس حزب العدالة والتنمية وترحيب حركة كولن بهذه الخطوة ودعمها بشتى السبل، حيث عملت جماعة كولن على تيسير صعود حزب العدالة والتنمية وإحكام قبضته على مؤسسات الدولة التركية بما لها من مؤيدين في شتى هذه المؤسسات، تمثل الدعم أيضًا في رفع دعاوي قضائية ضد مناوئي العدالة والتنمية، وهو الأمر الذي كان شديد الوضوح في عدة قضايا عام 2007.

المرحلة الثانية وهي مرحلة الشقاق والتي بدأت تجلياتها في الظهور عام 2012 مع توجيه قضائيين منتسبين لجماعة كولن عدة اتهامات لحقان فيدان قائد الاستخبارات الوطنية التركية والمعروف بقربه الشديد من الرئيس أردوغان. رد أرودغان على ذلك بإعلان نيته إغلاق مدارس كولن في تركيا، وهو الأمر الذي عُدّ ضربة قاسية للمصدر الرئيسي لتمويل الحركة، تفاقم الخلاف وقام مؤيدو حركة كولن بإثارة العديد من قضايا الفساد والتي طالت مقربين من الرئيس أردوغان، بل إن بعض القضايا طالت أردوغان نفسه وهو الأمر الذي جعل أرودغان يطارد منتسبي الحركة في الشرطة والقضاء ويتهمهم بتأسيس دولة موازية، ومصادرة بعض مقراتهم ومنصاتهم الإعلامية منها صحف ومحطات تلفزيونية كما طالب أردوغان الولايات المتحدة بتسليم كولن عام 2014.

جاءت محاولة الانقلاب الأخيرة لتدشن مرحلة جديدة من الخلاف حيث اتهم أردوغان صراحة كولن بتدبر الحركة وصرح بأن البعض تلقى أوامره من بنسلفانيا (مقر إقامة فتح الله كولن) وهو الأمر الذي نفاه كولن مؤكدًا أنه عانى شخصيًا من ويلات الانقلاب العسكري ولا يمكن أن يساهم في أحدها.