لم يخجل وزير الأمن القومي الإسرائيلي المرتقب إيتمار بن غفير من الإعلان عن خطة عنصرية تجاه الفلسطينيين، بنيته في ترحيلهم من أراضيهم من خلال خطة ضم واسعة لكل الأراضي المحتلة في الضفة الغربية، وكذلك سلب أي امتيازات من السلطة الفلسطينية بل العمل على محوها تمامًا، ليعلن الوزير المتطرف شهادة وفاة حل الدولتين، وهو الشخص الذي أثار الجدل منذ إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي المرشح بنيامين نتنياهو إلى التوصل لاتفاق مع بن غفير، لتغلب الصهيونية الدينية على الحكومة القادمة.

منذ هذا الإعلان أبدى كثيرون حول العالم ومنهم إسرائيليون مخاوفهم الشديدة من الصراع المقبل، سواء الصراع بين مؤسسات الكيان الصهيوني بسبب رغبة بن غفير السلطوية الواسعة وإحداث شق للصف بحسب وصف محللين إسرائيليين أو بسبب عنفوان الرجل الذي خرج من رحم حركة كاخ المتطرفة والمصنفة بالإرهابية، التي أسسها الحاخام المتطرف مائير كاهانا، وانضم لها بن غفير في سن السادسة عشرة، وبات المتطرف بن غفير زعيمًا للصهيونية الدينية داخل الكنيست الجديد، ما دعا صحيفة هآرتس لوصف ذلك بأنه «يوم أسود» في تاريخ إسرائيل.

نتنياهو اختار «العار»

تشّرَّب بن غفير أفكاره العنصرية ضد المسلمين والفلسطينيين منذ نعومة أظافره، فهو الذي تتلمذ في مدرسة «الفكرة اليهودية» لمؤسسها مائير كاهانا، حتى إن أي شخص يحاول المهادنة مع الفلسطينيين ينال قدره من الهجوم والعنصرية، فحتى أريئيل شارون أحد أشهر رؤساء وزراء إسرائيل تعرض للهجوم من قبل بن غفير الذي أظهر شماتته في مرض شارون وإصابته بجلطة دماغية حينها قال بن غفير علانية: «نتمنى أن تكون هذه رسالة إلى كل من يريد المساس بأرض إسرائيل»، كذلك كان يرى في إسحاق رابين أنه شخص خائن بسبب مساعيه للسلام، عنصرية بن غفير التي تخيف العالم الآن تحسبًا لحدوث صدامات لا هوادة فيها مع الفلسطينيين وصلت إلى الحد الذي علق فيه صورة الإرهابي باروخ غولدشتاين الذي ارتكب مجزرة المسجد الإبراهيمي، وراح ضحيتها 29 مصليًا عام 1994 في منزله، وأعلن صراحة أنه لن يزيل تلك الصورة، وكان يراه بطلًا أنقذ أرواح أصدقائه.

وتزداد المخاوف المتوقعة بشأن الحرم الإبراهيمي الذي داوم بن غفير على اقتحامه، وفي كلمة كلمة مصورة لبن غفير نشرتها القناة الرسمية لحزبه منذ أسابيع اثناء اقتحام الحرم الإبراهيمي يرى أنهم أصحاب الحرم القدسي ومُلاكه، وقال بحسب الفيديو: «جئت إلى الحرم القدسي لأوضح لحماس وللمنظمات الإرهابية نحن أصحاب الحرم القدسي في دولة إسرائيل».

السطور السابقة تظهر أننا أمام شخص متطرف دموي متعطش لصدام قوي سواء مع الفلسطينيين أو حتى مع الإسرائيليين أنفسهم، وهو ما لم يخفِه عديد من الشخصيات ذات الحيثية داخل النظام الحاكم في الكيان، ومن أبرز التخوفات هي تقسيم صلاحيات الجيش ووزارة الأمن القومي، حيث اتفق بن غفير مع نتنياهو على تولي وزارة الأمن الداخلي لكن بصلاحيات كبيرة، من ضمنها تولي مسؤولية شرطة حرس الحدود في الضفة.

هنا تبدأ صراعات الصلاحيات الأمنية، فوزير الدفاع الحالي بيني غانتس، اعتبر هذه الخطوة بمثابة بداية لتأسيس ميليشيا وجيش خاص لبن غفير، وينذر بحدوث صدامات عنيفة في الضفة، حتى أن بيني غانتس اعتبر أن نتنياهو اختار «العار»، وأكد بيني غانتس بخبراته العسكرية أنه سيحدث تخبطًا بين القوات الأمنية الإسرائيلية المختلفة بسبب تقسيم الصلاحيات ونقلها لشخص غير مسؤول، بحسب ما نشره موقع سروجيم، وكذلك في كلمة مصورة لوزير الدفاع الحالي.

واتهم رئيس الوزراء الحالي، يائير لابيد بن غفير بدعم الإرهاب وأنه غير جدير بهذا المنصب، ويرى لابيد أن نتنياهو يسعى لمصلحته الشخصية، ويقدم تنازلات من أجل الهروب من القضايا المتهم فيها، لذلك اختار بن غفير وانصاع لرغباته.

الأمر نفسه وصل إلى الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، الذي كان زعيمًا لحزب العمل ذوت التوجهات اليسارية، حيث أكد على أن العالم كله يخاف من بن غفير وليس العرب وحدهم، وذلك في تسريب صوتي تحدثت عنه صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.

محللون كثيرون هاجموا اختيار نتنياهو لبن غفير على رأس وزارة الأمن الداخلي أو القومي كما يرغب بن غفير في تسميتها، منهم الكاتب يوسي فرتر في صحيفة هأرتس حيث يرى أن الوزير المختار شخص خطير على الأمن القومي نفسه وأنه يحتاج لمزيد من النضج والتحلي بالمسؤولية حتى يتولى تلك الحقيبة، وأن نتنياهو منح بن غفير قنبلة وعبوة ناسفة، وهنا اعتبر الكاتب الإسرائيلي نتنياهو أنه شخص لا يتحلى بالمسؤولية في خياراته وشبهه بالطفل في اتخاذ القرارات.

هل سيكون بن غفير القشة التي قصمت ظهر تل أبيب؟

يعتبر وصول بن غفير لمنصب وزير الأمن الداخلي في حكومة نتنياهو القادمة أمر فارق وجوهري، بسبب الرفض الكبير لوجوده، وهذا الرفض متعدد الأطراف، فالأمر هنا ليس صراعًا حزبيًا وهجومًا على اختيارات نتنياهو فقط، لكن الأمر مختلف هذه المرة، بسبب اقحام المؤسسات الأمنية في الصراع السياسي، وبسبب صعوبة الفصل هذه المرة، كون الشخص نفسه مثير للجدل، فمثلًا اليسار الإسرائيلي يرفض وجود بن غفير ليس نكاية في اليمين أو الصهيونية الدينية كما كان متوقعًا، ولكن بسبب تطرف بن غفير المشهود له من القاصي والداني.

وأفرد موقع سيحاه مكوميت مقالة تحليلية حول الحكومة المقبلة في ظل وجود بن غفير تحت عنوان «قد تكون هذه حكومة نكبة»، للكاتبين أمير فاخوري وميرون رابوبورت، وتساءل الكاتبان عن هل هناك من يستطيع إيقاف تلك الحكومة؟ وأشار إلى أنه من الصعب تذكر أن هناك حكومة قد أثير الجدل حولها قبل بدء توليها الحكم مثل هذه الحكومة بسبب تولي بن غفير مقاليد وزارة الامن الداخلي، واستعرضت المقالة بعض مظاهر العصيان المبكر لهذه الحكومة ومنها إعلان العشرات من رؤساء السلطات عدم نيتهم التعاون مع الحكومة، كما دعا رئيس الأركان إلى اصطفاف مليون شخص في الشارع لرفض هذه الحكومة، كذلك دعا نقيب المحامين إلى الكفاح الحازم ضد نية الحكومة تغيير النظام الحاكم، كما أن رئيس المحكمة العليا أكد أن القضاة لن يكونوا قادرين على أداء مهامهم لو تمت المساومة على استقلالية القضاء.

وبحسب المقالة، فإن الحكومة المقبلة تخطط لأمرين رئيسين وهما تولي الأحزاب الدينية والصهيونية كل ما يتعلق بالملف الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر وتهديد المواطنين الفلسطينيين داخله، وتعزيز سياسة الاستيطان والضم، والخطوة الثانية هي تحويل تلك الأحزاب إلى حراس الهوية اليهودية والدفاع عنها وصبغ كل شيء بها، وأكد الكاتبان أن عديدًا من الليبراليين الإسرائيليين يقودون حركات احتجاجية ويبدون تحفظهم على تلك الحكومة ومن ضمنهم الليبرالي نقيب المحامين، أفي حمي الذي تعود أصوله إلى عائلة دينية، لكنه يرفض التوجهات الجديدة للحكومة المقبلة، كما يرفض عديد من العلمانيين خطة الحكومة المقبلة بنقل صلاحيات عديدة من بعض الوزارات والسلطات إلى سلطة الأحزاب الدينية الإسرائيلية والصهيونية الدينية.

حقيقة الأمر أن الصراع والانقسام الذي يحدثه اسم بن غفير يأتي في كل الأوساط، فبعد اعتراض عديد من القيادات العسكرية على مسألة محاولة توزيع القوة والسلطات، فهناك مخاوف وصراع من نوع آخر، بين بن غفير والمفتش العام للشرطة، حيث أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن بن غفير يحاول ممارسة صلاحياته على الشرطة قبل تولي منصبه رسميًا، حيث رفض مساعي المفتش العام للشرطة، يعقوب شبتاي، بتدوير حركة بعض الضباط في الشرطة، ومنع التحركات بين قادة الشرطة في المناصب المختلفة، حيث بموجب الاتفاق بين بن غفير وحزب الليكود الحاكم فإن من حق بن غفير تعيين الضباط وترقيتهم، ويحاول شبتاي الاستقلال بجهاز الشرطة قبل تولي بن غفير وهو ما يرفضه الأخير بحسب القناة 13 الإسرائيلية، وهناك محاولات لحل الخلافات بين بن غفير والمفوض العام للشرطة، خشية وقوع صدامات قد تؤثر على أداء الجهاز الشرطي في الميدان.

خلاصة القول إن إسرائيل تشهد في الفترة الحالية أكبر موجة جدل وخلاف حول شخص قبل توليه منصبه، شخص يحدث ثقوبًا في النظام الحاكم لدى الكيان الإسرائيلي المحتل، انشقاقات هنا وهناك، ومخاوف من صدامات قد تصل إلى انتفاضة جديدة في وجه الإسرائيليين، اتجاهات ذات طابع عنصري ومتطرف قد يعصف بالكيان الإسرائيلي ويهشم عظام المؤسسات لديه وهو ما ستوضحه الأيام المقبلة بعد استلام بن غفير مهام منصبه بشكل رسمي.