فشل نتنياهو في تكوين الحكومة على مدار 4 أشهر، فأعاد التكليف إلى الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، ليختار هو اسمًا آخر يُكلف بتشكيل الحكومة، الرئيس الإسرائيلي بدوره كلّف يائير يوسف لابيد ومنحه الفرصة لتشكيل حكومة تحوز على موافقة الكنيست الإسرائيلي.

ابن روائية وشاعرة وكاتبة مسرحية، وابن يوسف لابيد الصحافيّ العلماني المعادي بشدة للأحزاب اليمينيّة المتطرفة. عائلة تبدو أدبيةَ بعيدة عن السياسة بنسبة كبيرة، لكن لا أحد في تل أبيب، مسقط رأس يائير، بعيد عن السياسة، لذا خاض والده غمار السياسة رئيسًا لحزب هو مؤسسه اسمه حزب التغيير. ووصل لمنصب وزير العدل، ونائب لرئيس وزراء إسرائيل عام 2003.

أما يائير فبدأ حياته صحافيًا كبيرًا في يديعوت أحرونوت ومعاريف، كبريات الصحف الإسرائيلية. لم تمنحه الصحافة شعبيةً كبيرة بقدر ما منحه التلفزيون حين دخله كمقدم للبرامج الحوارية. وبين الصحافة والتلفزيون كتب السيناريو والرواية، وصدرت له بعض الروايات، وجرّب التمثيل ولعب الملاكمة، وحقق في العديد من تلك المجالات إنجازات جيدة.

غادر لابيد الشاشة ودخل عالم الواقع عام 2011، في عمر 48 عامًا، حين دخلت إسرائيل في احتجاجات طويلة للمطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. ومع بدايات عام 2012 شكّل حزب يش عتيد/ هناك مستقبل، جاعلًا من الطبقات الوسطى صلب برنامجه. فجّر الحزب مفاجأة ضخمة في انتخابات عام 2013 إذ أصبح بعد عام واحد فقط من تأسيسه الحزب صاحب ثاني أكبر كتلة في الكنيست الإسرائيلي، وبات مفروضًا على نتنياهو أن يضعه في ائتلافه الحكومي، وتولى لابيد حقيبة الاقتصاد لعامين.

أكثر مثالية وأشد عنصرية

نجاحه لم يكن مستغربًا إذ إن برنامجه الانتخابي كان جديدًا وواعدًا للطبقة الوسطى، فوعدهم بظروف سكنية أفضل وبنظام تعليمي أكثر تطورًا، والأهم من ذلك وعدهم أنهم لن يدفعوا وحدهم تكلفة الخدمة العسكرية الإجبارية. القرارات الراهنة في إسرائيل تقضي بإعفاء اليهود المتدينين من الخدمة العسكرية وتعفيهم من العمل كذلك، ويحصلون على مصدر معيشتهم من صناديق سياسة الرفاه التي تتبعها إسرائيل.

يتجلى من تلك الوعود علمانية يائير وكرهه للمتدينين، والأهم حبّه للاستيطان. لابيد الهادئ لا يُظهر أي دبلوماسية في حديثه عن القدس، فهي عاصمة موحّدة وأبدية لإسرائيل دون فلسطين. وفي بعض تصريحاته أعلن أنّه قد يتنازل ويقبل بحل الدولتين، لكن لكي يقبل به على الدولة الفلسطينية أن تكون بلا سيادة وبلا سلاح.

وفي تعقيبه على المعارك الأخيرة، ألقى باللوم على نتنياهو فيما يجري، ثم أردف أن المسئولية تقع أيضًا على مثيري الشغب العرب واليهود، وأن كافة الأطراف أعلنت الحرب على إسرائيل. وانتقد غياب الشرطة والجيش وعدم ردّهم على تلك الهجمات بالقوة الكافية.

كذلك يرفض لابيد أي تسوية تقضي بالتنازل عن أراضٍ للعودة لحدود ما قبل عام 1967، فكل المستوطنات سوف تبقى كما هي مهما يكن موعد الوصول لحل الدولتين. لابيد يصف نفسه بأنه صقر أمني، وأن أمن إسرائيل بالنسبة له هو كل شيء وفوق كل شيء. أما قضية حق العودة والمُهجرّين الفلسطينيين فأمرها بسيط في نظره، تعويضات مناسبة، يحددها لابيد، للمُهجّرين مع إسقاط حقهم في العودة.

تبدو وعود لابيد وحلوله جيدةً للغاية من وجهة النظر الإسرائيلية، لكنها في الوقت ذاته أكثر مثالية من أن تُطبق. لم يستطع لابيد أن يفي بوعوده، لذا لم يستمر طويلًا في حكومة نتنياهو وخرج منها. حرص كافة الوزراء الذين أتوا بعده أن يقتلعوا كل حجر أساس وضعه لابيد لأي سياسة من سياساته.

تحالف غير متجانس

بدأ الإسرائيليون يدركون أن وعود لابيد لا يمكن تطبيقها، لذا في انتخابات عام 2015 تراجع أداء حزبه، وخسر 7 مقاعد مهمة، فخرج من تشكيل الحكومة ولم يجد بابًا مفتوحًا أمامه سوى أبواب المعارضة. بعد 4 سنوات في صفوف المعارضة شكّل تحالفًا مع جنرال دخل عالم السياسة حديثًا، بيني غانتس، وأسموه تحالف أزرق أبيض. لكن سرعان ما انضم غانتس إلى صفوف الحكومة، فانتهى التحالف وتُرك لابيد وحيدًا مرة أخرى.

بعد عامين استجمع لابيد شتات حزبه ودخل الانتخابات في مارس/ آذار 2021 ليحقق مفاجأة كبرى بحلول حزبه في المرتبة الثانية بعد حزب الليكود. وبما أن نتنياهو قد فشل طوال الشهور الماضية في تكوين حكومة تحوز على ثقة الكنيست، كُلفّ لابيد من الرئيس الإسرائيلي بتكوين الحكومة.

فرصة ذهبية أتيحت للابيد ليطيح بنتنياهو الذي ظل في منصبه 12 عامًا متواصلة، كأطول رئيس وزراء إسرائيلي. لكن الطريق ليست ممهدة أمامه لتشكيل الحكومة والحصول على ثقة الكنيست، خصوصًا أن لابيد يحاول تشكيل ائتلافه على أساس متجاوز لكل الاعتبارات السياسية، فقط الإطاحة بنتنياهو. لذا فقد تبدو الأصوات الرافضة لنتنياهو أغلبية، 57 صوتًا مقابل 52 صوتًا مؤيدين لنتنياهو، لكن هذا الخليط قد ينقسم على نفسه بعد أن صار الأمر بيده وباتت الإطاحة بنتنياهو وشيكة.

فالاتفاق على رفض نتنياهو لا يعني بالضرورة الاتفاق على كل شيء، أو حتى الخطوط العريضة للسياسة المرتقبة. خاصة الاتجاهات اليمينية التي تحالفت مع لابيد، وترى أنه لا يستطيع تشكيل حكومة لأنه علماني بشدة. لهذا نجد لابيد يقدم عرضًا مغريًا لحزب يامينا اليميني بزعامة نفتالي بينيت بتشكيل حكومة يتناوب الاثنان على قيادتها، على أن يقودها بينيت أولًا. حزب يامينا يمتلك 7 أصوات، لكن وجوده على رأس الحكومة جذب حزب جدعون ساعر اليمينيّ كذلك.

لكن حتى تلك الصفقة قد تفشل بسبب الأصوات المتشددة داخل يامينا التي ترى أنها بذلك تخون ثقة ناخبيها، إذ وعدتهم بعدم الجلوس مع لابيد على طاولة واحدة، فضلًا عن القبول بتتويجه بمنصب رئيس الوزراء ولو بالتناوب، وعدم الاشتراك في حكومة يسارية، وتكوين حكومة يمينيّة خالصة.

الإسرائيليون مرهقون من الانتخابات

أمام لابيد فرصة لتشكيل الحكومة خصوصًا أن منصور عباس، القائمة العربية في الكنيست، تدعم لابيد، والواقع أنها طبقًا لتصريحات منصور شخصيًا فهي تدعم أي شخص لديه تفويض لتشكيل حكومة، لذا يمكن للابيد أن يمتلك الأغلبية الكافية. لكن لابيد، 57 عامًا، شخصيًا يرفض التحالف مع العرب بأي صورة، لذا ففرصه قد تتلاشى سريعًا، فإذا فشل في تكوين الحكومة خلال 28 يومًا فسوف يصبح من حق الرئيس الإسرائيلي تفويض أي عضو من أعضاء الكنيست لتشكيل الحكومة، أو حتى الدعوة لانتخابات مبكرة، لتكون بذلك خامس انتخابات مبكرة في عامين فقط.

أو يختار الرئيس اقتراح حزب شاس اليميني باللجوء لانتخابات شعبية مباشرة لاختيار رئيس الوزراء دون المرور بالكنيست، كما حدث في انتخابات أعوام 1996 و1999 و2001، وهو اقتراح يبدو أن نتنياهو من يقف وراءه ليخوض محاولة أخيرة كي يحتفظ بمنصبه.

 مهما يكن ما يختاره الرئيس، أو السيناريو الذي سيحدث، فإن الحقيقة الثابتة أن الإسرائيليين غاضبون من حالة الشلل السياسي التي يعيشونها منذ عامين، لذا فقد يدعو الإسرائيليون لإصلاحات هيكيلة في النظام السياسي تضمن حكومات أكثر استقرارًا أو آليات أكثر مرونة لتشكيل الحكومات.

لأن حالة الشلل من المتوقع أن تستمر بسبب وجود الجماعات المتطرفة في الكنيست، وبنسبة مقاعد تبدو كبيرة وكافية لعرقلة أي اتجاه غير متطرف، خصوصًا أنه في غياب نتنياهو أو رئيس وزراء يميني فلن يكون لتلك الجماعات وجود في الحكومات المُشكلّة، لكنها بالطبع سوف تظل قادرة على حشد الرأي العام نحو مزيد من السحق للفلسطينيين والضغط على الحكومة للاستجابة.