ومُعظمُ النارِ من مستصغر الشرر.
لقائله

هذا الجزء من البيت العظيم الذي لا يعرف على وجه التحقيق من قائله يمكن أن يلخص نهايات كل التجارب، من أعلى نقطة بانهيار أمة أو هزيمة جيش، وأدناها بانتهاء أسطورة فريق كرة قدم أكل الأخضر واليابس في أوروبا واضطر منافسوه إلى انتظار رحيل مفاجئ لمدربه الأيقوني كي يخرجوا رؤوسهم مجددًا من تحت الأرض.

ومستصغر الشرر في جيل برشلونة التاريخي والذي انطلق من موسم 2008-2009، كان امرأة إسبانية تدعى نوريا كونييرا، ربما كانت تلك المرأة هي القشة التي قصمت ظهر بعير غرفة ملابس برشلونة، وكتبت على جيل جوارديولا أن ينتهي قبل أن يتم سيطرته على أوروبا لأكثر من 4 أعوام. فما القصة؟

«الأمور باتت مشحونة»

عارضة أزياء إسبانية توشك في 2010 على الثلاثينيات، وإعلامية في ذات التوقيت تعمل بالقناة الثالثة الكتالونية وتقدم نصائح للفتيات حول كيفية الاعتناء بمظهرهن، وإقليم كتالونيا المنغلق –إعلاميًا- على صحيفتين وإذاعتين وقناتين وفريقي كرة قدم، كان لابد أن تحظى فيه امرأة بجمال نوريا كونييرا بعلاقات جيدة داخل كل مؤسسة هامة فيه، وداخل الأهم في الإقليم على الإطلاق، فريق كرة القدم بنادي برشلونة.

توطدت علاقة نوريا كونييرا بعدد من اللاعبين داخل برشلونة، بالتحديد اللاعبين المنتمين للإقليم، وبعد كأس العالم 2010 وتحول نجوم منتخب إسبانيا بعد الإنجاز التاريخي في المونديال إلى نجوم مجتمع حقيقيين، حدث مزيج متكرر بين الصحفيات ولاعبي كرة القدم، زاد فيه نفوذ الصحفيات في غرف ملابس ريال مدريد وبرشلونة، وتضاعفت فيه نجومية اللاعبين أيضًا لما ينشر عنهم بسخاء في أغلفة الصحف. هذه هي إسبانيا بالمناسبة، لا فرق بينها وبين البلدان التي خطرت ببالك!

في 2011 وبشكل مفاجئ، أنهى كل من كارليس بويول القائد الأول لبرشلونة، وتشافي هيرنانديز القائد الثاني، علاقتيهما بالفتاتين اللتين كانا مرتبطين بهما، ونشرت صحيفة «دون بالون» الشهيرة بأخبار «الباباراتزي» في إسبانيا تقريرًا مطولاً عن أن انتهاء العلاقتين كان بسبب امرأة واحدة يتنافس عليها النجمان، وهي «نوريا كونييرا» .

«دون بالون» أكدت أن عراكًا بالأيدي نشب في تدريبات برشلونة لم يحبطه سوى سيسك فابريجاس الذي كان قد عاد لتوه من تجربة طويلة في آرسنال، وأن الأمور لم تكن لتسير على ما يرام لولا تدخل كبار نجوم الفريق لاحتواء الموقف وعلى رأسهم ليونيل ميسي والمدرب بيب جوارديولا.

فيما بعد تبين أن كل كلمة قيلت في تقرير «دون بالون» كانت سليمة، وأنه في الوقت الذي كان بويول يحاول التودد فيه بكل الطرق إلى نوريا كونييرا وهي التي لم تغلق الباب أيضًا في وجه قائد البلوجرانا، كانت هي ذائبة حتى الثمالة في عشق تشافي، الذي حاولت بكل الطرق أن تقنعه بالارتباط.

انتهى الموسم الكروي 2011-2012 بفقدان برشلونة للقب الليجا الذي سيطر عليه طيلة 3 مواسم قبل هذا التاريخ، واكتفاء جوارديولا في آخر مواسمه بكأس ملك إسبانيا، وحينما رحل بشكل صادم لكل أنصار البلوجرانا لم يقل أي شيء حول السبب سوى أن «الأمور في غرفة الملابس باتت مشحونة لدرجة كبيرة»، وسط تأكيدات أن هذه الشحنة لم تكن سوى عراك العاشقين الذي نتحدث عنه.

في 2013، انتصر تشافي على بويول في معركة الحب، حين تزوج من نوريا بشكل رسمي، واختاره القدر رفيقًا لعارضة الأزياء التي دخلت غرفة ملابس برشلونة وخرجت منها بزوج كاتبة بإرادتها على بويول أن يكون العاشق الخاسر في هذه المعركة.

«اعذريني يوم زفافك!»

كان بويول من المدعوين لحفل زفاف تشافي ونوريا، لكنه لم يأتِ على طريقة –اعذريني يوم زفافك- معللاً غيابه بأنه في إجازة خارج إسبانيا، ليشاهد بعين دامعة ربما زميله وعشق حياته وهما يقضيان شهر عسل لا ينسى في جزر سيشل في مجموعة صور جابت كل الصحف آنذاك.

إن كنت تتذكر تلك الحقبة الذهبية في تاريخ برشلونة، فستدرك أن شيئًا ما حصل لبويول في 2012 على وجه التحديد تحول بعده لمدافع كارثي كثير الأخطاء، ربما تتذكر هروب البرازيلي راميريز من خلف بويول وتسجيله أول هدف لتشيلسي في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبـا، لقد كان ذلك في هذا العام، وربما تتذكر في 2013 كيف هشم أنخيل دي ماريا عظام حوض بويول وكان قد مر عام على تهشيم قلبه بواسطة نوريا وتشافي!

بالتأكيد لم يكن هذا هو السبب الوحيد لتراجع مستوى بويول، لكن أضف إلى ذلك تذبذب مستوى تشافي نفسه، ومرور ميسي بأزمة غذائية جعلته يتقيأ في الملعب أكثر من مرة ويكسب الكثير من الوزن، وعدم استقرار المدرب تيتو فيلانوفا فنيًا وذهنيًا، بل وصحيًا وهو الذي مكث أكثر من نصف موسمه الأول والأخير مع برشلونة محاربًا للسرطان.

السبب الأهم في تراجع مردود أقوى جيل في تاريخ اللعبة من وجهة نظر الكثيرين هو رحيل بيب جوارديولا بشكل مفاجئ، وإن كان لعراك تشافي – بويول دور في هذا الأمر، فبالتأكيد يمكن اعتبار نوريا كونييرا المرأة التي أنهت جيل التيكي تاكا دون أي مبالغة.

منذ زواج تشافي من نوريا، تصدع شيء ما في علاقة الثنائي الذي تزامل في برشلونة من 1998 وحتى 2014، وبينما كان تشافي يحاول دائمًا التودد إلى بويول، لم يكن الثاني يبادله ذات المشاعر.

تجلى ذلك في انتخابات برشلونة 2021، والتي كان فيكتور فونت أكثر من قام بالدعاية لبرنامجه الانتخابي قبلها بسنوات، وكان فيه يركز على مبادئ هامة من أهمها «دور واضح لتشافي في تدريب برشلونة» وبينما كان تشافي وبويول يدعمان فونت قبل إعلان خوان لابورتا ترشحه في نهاية 2020، كان كل من يدعمون فونت يبدون تأييدهم للفكرة الأهم ببرنامجه والمتعلقة بدور تشافي في بناء الجيل القادم لبرشلونة.

لم يتناول بويول هذا الأمر مطلقًا، اكتفى بإعلان دعم فونت، ثم الوقوف على الحياد نسبيًا حين ظهر اسم لابورتا على الساحة وحينما تم تحييد تشافي بين لابورتا كصديق شخصي له وعلامة من علامات جيل برشلونة التاريخي، وبين فونت الذي كان أول من نادى بتشافي كركن أساسي في برشلونة لمرحلة ما بعد بارتوميو.

وصل لابورتا، ووصل تشافي إلى تدريب برشلونة، فذاب بعض الجليد بعد 9 أعوام كاملة، حين نشر بويول صورة لتشافي دعم بها عودته إلى البلوجرانا قائلًا: «مرحبا بك في بيتك، ومتأكد من سير الأمور معك بشكل جيد».

دع الأيام

لكن ما يبقى تحت الرماد يظل تحت الرماد، النار التي أتت من مستصغر الشرر «نوريا» لا تزال في قلب بويول رغم أنه في 2012 نفسها كان قد ارتبط بعارضة أزياء أخرى هامة في برشلونة هي فانيسا لورينزو وله الآن طفلان منها، هذا يتجلى في فتور حماس بويول تجاه تقلد منصب في برشلونة منذ أن وصل تشافي، ففي الوقت الذي كان بويول يرحب أكثر من مرة «بأي منصب» داخل برشلونة بعد بارتوميو، أشارت عديد التقارير إلى أنه بات محددًا الآن في تفاصيل الوظيفة التي يريد شغلها في الوقت الراهن.

وفي الوقت الذي يرحب فيه تشافي بوجود بويول إلى جواره في البلوجرانا بأي صيغة لأنه منذ تقلد منصبه مديرًا فنيًا للفريق يشكو كل أسبوع من غياب هوية الفريق، ووجود القائد التاريخي لأفضل أجيال البلوجرانا سيعزز بالتأكيد عودة تلك الهوية، لا يبدو بويول متحمسًا لمنصب «مؤسسي» واشترط وفق تقارير صحيفة «سبورت» المقربة إلى البيت الكتالوني أن يكون مقربًا أكثر إلى دائرة صنع القرار بين أروقة النادي.

هل لا تزال نوريا -التي ظهرت برفقة تشافي يوم إعلانه مدربًا لبرشلونة- في قلب بويول؟ وهل يريد كسب المعركة ضد تشافي في سياق آخر حين يعيّن مثلاً في منصب المدير الرياضي، ويؤلب لابورتا يومًا ما على المدرب تشافي هيرنانديز مطالبًا برحيله؟