لا تسخر من أفريقي أسمر اللون حتى لا يقال عنك عنصري، ولا تسخر من دين أحدهم حتى لا يقال عنك متطرف، لكن بإمكانك أن تمارس العنصرية التي بداخلك على شخص صاحب وزن زائد «بدين»، على اعتبار أنه هو من أخطأ بحق نفسه لعدم قدرته على السيطرة على نفسه والتحكم في رغباته، ولا تقلق، فحينها سيقال عنك خفيف الظل!

منحى يتجه إليه الكثيرون، سواء على أرض الواقع أو في الأفلام والمسرحيات أو حتى في الرسوم الهزلية في الصحف والمجلات. ثقافة عالمية لا تقتصر على مجتمع بعينه، ووجبة دسمة يستغلها البعض في إثارة النكات واستجلاب ضحكات الجالسين أو الجمهور، دون أن يفهموا كيف لكلمة واحدة أن تقتل رغبة إنسان في الحياة وتدمر ثقته بنفسه. فيعيش الإنسان صاحب الوزن الزائد موصومًا بعار الخطأ بحق نفسه، فاقد الرغبة في التغيير.


كيف ينظر المجتمع للشخص «البدين»؟

في أطروحة دكتوراة قدمتها عالمة النفس «سوزان براندهايم» في جامعة «كارلستاد» بالسويد، أشارت إلى أن هناك ثقافة موروثة تحمل اللوم على الإنسان البدين، كما لو أنه اختار البدانة في كل الأحوال، وتزدري بشكل أو بآخر البدناء وتجعلهم محطًّا للسخرية أو الشفقة في أحيان كثيرة. الأمر الذي يجعلهم شديدي الحساسية لكل ما يقال عن جسدهم، حتى وإن جاء ذلك من قبل الطبيب المعالج لهم. وهو ما يفسر لماذا يفشل كثير من ذوي الأوزان الزائدة في السير على نظام التغذية والعلاج الذي ينصحه به الأطباء

فمع ظهور مرض «السمنة» في أواخر التسعينيات في عدد من البلدان، جاءت التغطية الإعلامية المكثفة لتلك القضية وزادت التحذيرات حول هذا المرض، والإشارة إلى أنه من المسببات القوية للوفاة المبكرة. حتى ترسخ في ذهن الناس أن البدانة إلى جانب كونها أمر ًا شديد القبح، فهي أيضًا أزمة صحية شديدة الخطورة تستحق الشفقة على صاحبها.

فيصبح الإنسان البدين متخبطًا بين عار الوصم بأنه عاجز عن التحكم في نفسه، ونظرة الشفقة له كإنسان مريض. ليس هذا فحسب، بل يتجه أصحاب المواقف العدائية تجاه البدينين إلى النظر إليهم على أنهم يستحقون مصيرهم بسبب افتقارهم الواضح إلى ضبط النفس، وبهذا المنطق يبررون وصمة العار والتمييز بحق البدناء.


آثار نظرة المجتمع السلبية على «البدناء»

أشارت براندهايم في أطروحتها إلى أن النساء البدينات هن الأكثر تأثرًا وحساسية تجاه ما يتعرضن إليه من انتقادات بشأن حجم جسمهن، هذا لأن المرأة في المطلق تهتم بآراء الآخرين وتقييمهم لها ولشكل جسدها. لكن على كل الأحوال يواجه الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن عنصرية وتمييزًا ضدهم على أكثر من جبهة، وهو ما يؤثر عليهم نفسيًّا واجتماعيًّا.

من الناحية النفسية:

قد يرغب الطبيب في مساعدة الشخص البدين، لكنه يستخدم في بعض الأحيان أسلوبًا ينفر البدين من العلاج، كأن يلومه أو ينتقد عدم انتظامه، وبالتالي يميل الكثير من ذوي الأوزان الزائدة إلى تجنب حضور مواعيد الطبيب بسبب تخوفهم من أن يحكم عليهم الطبيب بشكل سلبي. لذا قد لا يتلقى البدين العلاج الوقائي المبكر للمشاكل الطبية التي من الوارد التعرض لها. وفي مقابلات أجراها باحثون مع أشخاص بدينين، عبروا فيها عن حجم الخجل الذي يشعرون به تجاه أجسادهم، بل إحساسهم بالإذلال الاجتماعي من قبل الآخرين، فيقول أحدهم:

إن الذهاب لشراء البقالة يتطلب مني المزيد من الشجاعة كي أظهر أمام الناس.

خلص الباحثون إلى أن البدينين أكثر عرضة من غيرهم للاكتئاب والقلق وانخفاض الإنتاجية وانعدام الرغبة في العمل والاختلاط بالناس. الأمر الذي قد يدفعهم لتناول أدوية مضادة للاكتئاب وهي بدورها قد تساهم في اكتسابهم المزيد من الوزن.

من الناحية الاجتماعية:

تشير عدة دراسات إلى أن الأشخاص البدينين هم أكثر عرضة للتوظف في وظائف أدنى مرتبة، أو التمتع بمستويات معيشة منخفضة. فكثير من المديرين وأصحاب الأعمال يقيمون المتقدم لوظيفة على أساس الشكل ثم مؤهلاته العلمية والعملية لا العكس.

كما أنهم على الأغلب يتلقون معاملة أقل احترامًا من الآخرين، إذ يتعرض الإنسان البدين إلى التعليقات الساخرة والفكاهية من قبل زملاء العمل والأصدقاء وأفراد الأسرة وحتى في الأماكن العامة من الغرباء. فيظل الوصم الاجتماعي له يلاحقه أينما كان وحيثما حل.

البالغون لم يكونوا وحدهم ضحية ذلك الوصم، بل إن الأطفال البدينين كذلك يواجهون عزلة اجتماعية ونبذًا وإغاظة من قبل أقرانهم الذين يسخرون منهم ولا يشركونهم في اللعب معهم. بل التحرش من قبل الكبار. لكن ما قد يصدم الطفل البدين حقًا هو أن يظل ذلك التمييز يلاحقه داخل محيط أسرته، فيجد والديه يفضلون إخوته عنه.


كيف يشكل الإعلام تصورات الناس عن البدانة؟

إذا أراد شخص بالغ أن يُعرض نفسه للإذلال أمام الكاميرات تاركًا الآخرين يسخرون من جسده تحت اسم الكوميديا فهذا من حقه، لكنني لا أظن أنه من العدل إخضاع أطفال لهذا النوع من النكات الرخيصة من أجل إضحاك الناس لبعض الوقت.
من مقال رأي على موقع «ديف وتشينج ستاف».

تفتح التلفزيون فتجد إعلانات تروج لسلع من شأنها القضاء على «السمنة»، وتستخدم صورًا لأشخاص قبل وبعد استخدام المنتج مع إضافة شعارات مهينة مثل «وداعًا للسمنة المفرطة» أو «تخلص من جسدك المترهل». ثم تنتقل إلى قناة أخرى، فتشاهد فيلمًا أو مسرحية مليئة بالاستهزاء والسخرية من شخص بدين، بل تجد الممثل البدين هو بنفسه يستغل جسده في إضحاك الجمهور. لدرجة أنه من الصعب أن يفكر في اتباع حمية غذائية لأن حجم جسمه هو مصدر رزقه ووسيلته في إضحاك الناس، فإذا ما فقد وزنه الزائد فلن يصبح ذا قيمة لدى جمهوره الذي يتابعه من أجل الضحك على شكله.

في عام 1972 وجد العالمان زيلمان وكانتور في نظريتهما عن الفكاهة أن الناس غالبًا ما يميلون للضحك على النكات التي تدور حول السخرية من أشخاص يشعرون بالتمييز تجاههم. فيما تشير نظرية المقارنة الاجتماعية إلى أننا نشعر بأننا في أفضل حال عندما نقارن أنفسنا بمن هم دوننا. الأمر الذي يفسر لماذا يحب الناس مشاهدة الأفلام والمسرحيات التي تثير النكات حول البدينين، ولماذا تدور سيناريوهات بعض الكتاب حول هذا النوع من التمييز.

وفقًا لدراسات أجراها عالما النفس في جامعة بولينج جرين «برميستر» و«كارليس»، فإن التلفزيون والأفلام يستهدفان الأشخاص أصحاب الأوزان الزائدة على نحو غير متناسب. حتى أن تعليقات المشاهدين لمقاطع الفيديو المنتشرة على يوتيوب -التي تثير النكات حول البدينين- تستهدف هي الأخرى ذوي الأوزان الزائدة.

ومن أجل تحديد العوامل المؤثرة على إدراك الناس للنكات المتعلقة بالوزن، اتجه العالمان إلى قياس إذا ما كان الناس ذوي المواقف العدائية تجاه أصحاب الأوزان الزائدة يجدون متعتهم في سماع النكات التمييزية ضد أولئك البدينين، فكونا عينة تشتمل أناسًا ممن يتبنون مواقف عدائية ضد البدينين، وأناسًا لا يتبنون تلك المواقف، وعرضا كلا الفريقين لمقاطع فيديو ساخرة من ذوي الأوزان الزائدة،توصل العالمان إلى أن الأشخاص أصحاب الموقف المعادي للبدينين كانوا أكثر متعة وضحك من أولئك الرافضين للتمييز. وخلصا إلى أن الإدراك المسبق يساهم بشكل كبير في موقف الإنسان تجاه ما يعرض له.

حقيقة الأمر، الإعلام مسئول أيضًا وبشكل كبير في تشكيل وعي الناس تجاه أصحاب الوزن الزائد، ففي دراسة أعدها باحثون في جامعة تشابمان وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس وستانفورد حول كيفية تغطية وسائل الإعلام لمفاهيم السمنة؛ أشاروا إلى أن ما يقدمه الإعلام من وجهات نظر عن السمنة ومشاكلها وأضرارها أو حتى السخرية منها يشكل وعي الناس وإدراكهم لمفهوم السمنة ونظرتهم إلى البدينين. مؤكدين أن وصمة العار التي تلاحق البدينين هي ما تجعل العلاج الذي يتعرض له البعض ذا فعالية أقل.

لهذا دعا «الباحثون» وسائل الإعلام بكل أشكالها إلى المساهمة في خلق ثقافة التعاطف والدعم عند الناس تجاه البدينين، بدلًا من التركيز على التمييز والعنصرية ضدهم.