أصبح المكياج من مُسلّمات الحياة، فمن النادر أن تجد امرأة لا تستخدم ولو بعض مساحيق التجميل لتحسين مظهرها. لكن، مين أين نبعت تلك العادة؟ وكيف اكتسبت ذلك الشيوع؟ وهل ظهرت كأحد طقوس النساء في الحرص على الجمال أم كان لها هدف آخر؟

لمعرفة هذه الإجابات سيتعيّن علينا تتبع سيرة 3 من أبرز أدوات التجميل؛ الكحل، أحمر الشفاه، بودرة الوجه.

الكحل

وفقًا لأغلب الترجيحات، فإن المصريين هم أول من ابتكروا تلك العادة قناعةً منهم أنها تحميهم من الأرواح الشريرة، وهو ما يفسّر شيوع استخدام الكحل على النساء والرجال كذلك. هذه العادة لا تزال متأصلة في بعض القرى المصرية التي يحرص أفرادها على تكحيل أعين أطفالهم لدرء العين الشريرة عنهم.

أيضًا كان الكحل يقوم بجزءٍ من عمل النظارات الشمسية فيقي العينين من تأثير أشعة الشمس والذباب والعدوى، وهو رأي سليم أكدته الأبحاث العلمية الحديثة التي أثبتت أن الكحل يقي العين من بعض أنواع البكتيريا.

كما يُروى أن بعض الملوك الفراعنة أدمنوا استعمال «الآيلانير» قبيل الاجتماعات المهمة، بسبب قناعتهم أنه يمنحهم المزيد من المهابة والقوة أمام الناس.

وتزدحم البرديات الفرعونية والنقوشات في المعابد بصورٍ لرجالٍ ونساء يتكالبون على استخدام الكُحل باعتباره وسيلة صحية للعين كما أنها طريقة للتقرُّب إلى الآلهة.

أحمر الشفاه

عددٌ من خبراء التجميل اعتبروا أن هوس النساء القديم باستخدام أحمر الشفاه يرجع إلى رغبتهن في أن تصبح شفاههن على شكل قوس كيوبيد القريب من شكل القلب، وأن يظهرهن هذا الشكل عبر استخدام لون أحمر زاعق يثير الانتباه.

لاحقًا تطوّر استخدام أحمر الشفاه وتغيرت رموز دلالاته؛ ففي القرن الـ13 أصبح وسيلة استعملتها النساء الإيطاليات لإظهار أنهن ينتمين إلى الطبقة العُليا.

بينما في العصر الفيكتوري تغيرت النظرة إلى أحمر الشفاه وإلى المكياج بشكلٍ عام، بسبب قناعات الملكة بأن استعماله يجب أن يكون مقصورًا على العاهرات فقط، وهو الموقف الذي تبنّته الملكة فيكتوريا شخصيًّا، ما أدّى إلى تراجع نسبة استعمال النساء للمكياج خوفًا على سمعتهن من التلوث.

هذا الوضع السيئ لأدوات التجميل جاء امتدادًا لما جرى عام 1653م حين اعتبر أحد القساوسة أن «تلوين الوجه» من أعمال الشيطان، فيما أقرَّ البرلمان البريطاني عام 1770م قانونًا ينصُّ على أن النساء اللائي يضعن أحمر الشفاه سيُحاكمن بتهمة السحر.

اعتبر البرلمان أن استعمال المكياج قد يؤدي إلى خداع الرجال الإنجليز ويدفعهن للزواج بغير إرادتهم، وهو اعتبره من أعمال السحر المحرّمة.

رغم ذلك فإن النساء كنَّ لا يستطعن منع أنفسهن من الحلم بـ«شفاه حمراء قانية» فكنَّ يقضمن شفاههن بشدة قبل دخول الاجتماعات حتى يكسبنها بعض الحُمرة.

بعدها بعدة سنوات سيكتسب استعمال أحمر الشفاه بُعدًا ثوريًّا؛ ففي عام 1912م، نظمّت عددٌ من النساء الأمريكيات مسيرات للمطالبة بحقوقهن. خلال تلك المظاهرات وضعن جميعًا أحمر الشفاه للفت الانتباه إلى قضيتهن بسبب قُدرته على إرهاب الرجال وجذب انتباههم.

وبحلول عام 1920 أصبح أحمر الشفاه علامة على المرأة المستقلة الحرة، وهو الأمر الذي لم يُعجب الرجال بطبيعة الحال. الذين رفض أغلبهم مطالب النساء بالحرية -وبالتبعية- رمزها الأحمر فاعتبروا أن هذه الممارسات «تفتقد إلى الأخلاق».

مثل هذا الموقف يذكرنا بالربط الفيكتوري -سيئ الظن- بين رغبة المرء في التجمّل وبين لفت انتباه الذكر إليها وممارسة الجنس معه، وهي آراء تسرّبت قليلاً في بعض ممارسات الجمال اليوم، بعدما أصبح استعمال المكياج مقصورًا في أغلب الأحيان على النساء فقط، وليس الرجال كما كان سائدًا في الماضي، وهو ما يظهر مثلاً في إعلانات المكياج التي تستهدف النساء بشكلٍ رئيسي.

السبب في ذلك هو رؤية جنسية بحتة، فالنساء أصبحن المرتديات الوحيدات للمكياج حتى يكنَّ جميلات كافية ليعجبن الرجال ويجذبن انتباههن، وليست مجرد وسيلة تجميلية عادية للطرفين. بل بالعكس، أصبح اعتماد الرجال على المكياج علامة على «التخنّث» وارتبط في أغلب الأحوال بالشذوذ الجنسي.

توريد الخدين

منذ قديم الأزل قدّس البشر فِعل «احمرار الوجه» باعتباره علامة على الحياة، فالوجه المتورد هو علامة أساسية على تدفق الدم في العروف والنشاط والعاطفة. حتى قال مارك توين ذات يوم، إن الإنسان هو «الحيوان الوحيد الذي يحمرُّ خجلاً».

تقول هيلاري بيزر المتخصصة في تاريخ المكياج: لون الخد دليل أساسي على الحيوية، وإحدى العلامات الأساسية على الصحة الجيدة. ويرتبط الخد الأحمر دائمًا بالشباب.

وهناك بعض الدراسات العلمية التي اعتبرت أن تورّد الخدين هو علامة دامغة على خصوبة النساء.

لذا سعى البشر مبكرًا لاكتساب تلك الحُمرة بشكل دائم؛ استخدم الفراعنة الدهون المصبوغة ومسحوا بها على وجوههم، كذلك استخدم الإغريق عجينة مصنوعة من التوت المسحوق لاكتساب ذات اللون بما يمثّله من دلالات.

بعض المرويات تربط بين ذلك الطقس الجمالي وأسطورة صينية تناولت سيرة الأميرة شويانج التي نامت تحت شجرة برقوق، وخلال نومها سقطة بتلة زهرة على وجهها ولطّخته باللون الأحمر ما عزّز جمالها. بحسب الأسطورة فإن الأميرة لم تكتفِ بمعاودة الكرة والاستعانة ببتلات الشجرة مرارًا بل عبدت شجرة البرقوق!

أيضًا هناك الإمبراطورة الصينية يناج جيفي، التي وُصفت بأنها من أجمل 4 نساء عرفتها الصين، وسبب حيازتها لذلك العرش أنها كانت تستخدم أحمر الخدود بانتظام.

وفي عصر الرومان، كانت النساء يستخدمن المكياج (أحمر الشفاه، بودرة الوجه) للدلالة على أنهن لا يحتجن إلى العمل تحت أشعة الشمس، ما يشي بأنهن من الطبقة الثرية المكتفية ماليًا.

طلاء الأظافر

يُعتقد أن من قام بهذه العادة هو النبلاء في الصين للدلالة على ثورتهم ومراكزهم المهمة، فكانوا يطلون أصابعهم بالذهب والفضة.

فيما نعرف أن المحاربين في الحضارة البابلية القديمة كانوا يهتمون بطلاء أظافرهم قبل الذهاب إلى المعركة بعدما اعتبروه وسيلة غير مباشرة للتعريف بمراكزهم القتالية خلال المعركة.

أما أوروبا فلم تعرف طلاء الأظافر إلى في أواخر القرن الـ18 نتيجة للتبادل التجاري بين أوروبا ومستعمراتها في آسيا وأفريقيا.

ورغم السمعة السيئة التي تمتّع بها المكياج في نهاية القرن الـ18، فإنه وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وعودة الرجال إلى أوطانهم، وتمتّع النساء بكثيرٍ من الحقوق على رأسها التوظيف وحق التصويت، الذي مكّنها من مزاحمة الرجال العائدين في المصانع والشوارع. استغلّت النساء الأجواء التحررية التي عاشها العالم عقب انتهاء القتال في جذب المزيد من الأنظار إليها فأقبلن على اقتناء المكياج.

ورغم أن اقتصاد الولايات المتحدة شهد فترة كساد كُبرى عُرفت بالكساد العظيم، فإن صناعة مستحضرات التجميل كانت واحدة من الصناعات القليلة التي حققت نموًا خلال ذات الفترة، لتُرسّخ إلى الأبد مفهومًا بأن البشر لن يكفّوا عن التجمّل في أحلك الأوقات.