نحن في عام 1969، الجو حار في الظهيرة كما هو معتاد في صيف المكسيك. قرر الملياردير إنريكي كوركويرا أن يأخذ قيلولة تناسب تلك الأجواء، لكنه لم يتمكن من النوم بشكل مريح حيث أزعجه صوت ارتطام متكرر أتى من ملعب التنس الخاص به في الحديقة.

في الحقيقة لم تكن الحديقة واسعة للحد الذي يتمكن معه كوركويرا من بناء ملعب للتنس، لكنه ولشدة ولعه باللعبة قرر بناء ملعب صغير.

اكتشف الرجل مع الوقت أن صغر الملعب يؤدي دائمًا أن تطيح الكرات خارجه بشكل مبالغ فيه لذا قرر ببساطة أن يحيطه بحوائط خرسانية.

كان صوت الارتطام ناجمًا عن استمتاع زوجته فيفيانا بركل كرة التنس في الحائط بشكل منتظم. وقف كوركويرا يراقب وجه زوجته السعيد وكانت الفكرة قد اكتملت داخل عقله تمامًا.

هكذا تم اختراع رياضة البادل. هذا المزيج بين التنس والأسكواش كانت بذرته الأولى على يد هذا المكسيكي لكنه ليس الوحيد الذي يرجع له الفضل في ظهور اللعبة وتطورها.

البادل في المكسيك

قرر كوركويرا أن يدعو أصدقاءه لتجربة اختراعه الجديد. ملعب تنس صغير محاط بأربع جدران وتلعب فيه التنس بقواعده العادية لكن مع إضافة أن الجدران جزء من الملعب أي أنه لا مشكلة إذا ما ارتطمت الكرة بالجدار ثم لعبها اللاعب طالما أنها لمست الأرض مرة واحدة.

امتلك انريكي معمل لتكرير السكر في ولاية خاليسكو وهناك في أحد الحقول قرر بناء ملعب للبادل ليتطور الأمر. جرب كل الكرات المتاحة سواء كرات بيسبول أو كرات مطاط ثم انتهى الأمر بكرات التنس العادية.

انتشر الأمر بين أصدقاء الرجل في المكسيك وظهرت بعض ملاعب البادل خارج المنازل لدى بعض العائلات التي انبهرت باللعبة. كان المرح هو عنوان تلك الأمسيات بين الأصدقاء بغض النظر عن السن واللياقة البدنية فالجميع يمكنه اللعب بشكل تنافسي ملحوظ.

ثم أتى بعض الأصدقاء من الأرجنتين ليتحول الأمر تمامًا.

البادل يعبر الحدود

وقع أصدقاء إنريكي من الأرجنتين في حب اللعبة وقرروا أن يقترحوا مضارب أشبه بمضارب تنس الطاولة بدلًا من مضارب التنس، مما جعل اللعبة أكثر منطقية مع المساحة المحدودة. ثم عبروا باللعبة خارج حدود المكسيك إلى الأرجنتين في البداية.

ظهر في القصة رجل سيذهب باللعبة لمستوى آخر تمامًا، إنه الأمير الإسباني ورجل الأعمال ألفونسو دي هوهنلوه. عندما كان ألفونسو يبلغ من العمر 22 عامًا انخفضت أصول عائلته ودخلها بشكل كبير بسبب الحرب العالمية الأولى خصوصًا في المكسيك بسبب الثورة المكسيكية.

لكنه كان رجل أعمال ناجحًا حيث أنشأ نادي ماربيلا أول فندق فاخر في كوستا ديل سول وهو الاسم الذي يطلق على ساحل البحر الأبيض المتوسط الموجود في جنوب إسبانيا. لكن ما يهمنا هنا أن ألفونسو لم ينس الفرع المكسيكي من العائلة.

نعم تمامًا كما توقعت كان كوركويرا جزءًا من تلك العائلة. وهكذا لعب الفونس البادل رفقة كوركويرا في المكسيك وأغرم باللعبة وقرر أن يبني ملعبين للبادل في نادي ماربيلا حيث كانت الحوائط من الزجاج والخطوط التي ترسم الملعب في منتهى الاحترافية.

وفي ملاعب ماربيلا وقع السيد خوليو مينديتيغي في عشق اللعبة التي كانت قد عبرت لبلاده بالفعل لكنه قرر استيراد نفس شكل الملاعب والتطور الذي شهدته حيث لاقت رواجًا كبيرًا في الأرجنتين وهي للآن لعبة شعبية بشكل كبير هناك.

أسكواش مبارك وبادل أثنار

بعد ما يقرب من 25 عامًا من إنشاء أول ملاعب البادل في إسبانيا، انتشرت الرياضة في جميع أنحاء البلاد. كان هناك أكثر من 500 نادي Padel في أوائل عام 2000 وأقيمت الملاعب في العديد من الفنادق الإسبانية.

عام 2005 بلغت أندية البادل في إسبانيا أكثر من 1000 ناد مما يجعلها رياضة راسخة في إسبانيا من دون شك. أصبحت البادل اللعبة الشعبية الثانية بعد كرة القدم وهي بذلك أزاحت التنس من هذا المركز حيث تشير التقديرات إلى أن ما بين 6 و10 ملايين لاعب إسباني يلعب البادل مقارنة بنحو 200 ألف يلعبون التنس بنشاط.

يؤكد كثيرون في إسبانيا أن انتشار البادل وملاعبه في البلاد يرجع إلى أن السيد خوسيه ماريا أثنار رئيس وزراء إسبانيا بالفترة من عام 1996 إلى عام 2004 كان مولعًا باللعبة مما أضفى عليها بعض الاهتمام الرسمي غير المباشر، يشبه الأمر اهتمام مصر بلعبة الأسكواش بسبب حب الرئيس المصري السابق حسني مبارك للعبة.

الشاهد هنا أن أهم الدول التي يلعب بها البادل هي إسبانيا من دون شك ومن إسبانيا بدأت اللعبة في الانتشار في أوروبا شكل كبير حيث تصنف اللعبة أنها أكثر الرياضات ازدهارًا في العالم على الإطلاق. وقد تضاعف هذا الازدهار خلال الفترة القصير الماضية بخاصة خلال انتشار فيروس كوفيد 19.

البادل وكوفيد 19

في معظم الدول الأوروبية كان التنس والبادل هما اللعبتان اللتان تسمح بهما البلاد خلال كوفيد 19 نظرًا لأن اللاعب يبتعد عن قرينه بمسافة مترين عادة.

تناول مقال في جريدة «الجارديان» ازدهار تلك اللعبة خلال فترة الكورونا من خلال انتشارها في إيطاليا كمثال. وفقًا لبيانات رسمية ازداد عدد ملاعب البادل في إيطاليا خمسة أضعاف منذ أوائل عام 2020 ليصل إلى ما يقرب من 5000. تضاعفت مدارس وأندية البادل ثلاث مرات. فكرة أن تصبح اللعبة الرياضة الأكثر ممارسة بعد كرة القدم في إيطاليا هي مسألة وقت.

كذلك كان الوضع في إسبانيا بالطبع حيث يقدر ناتشو بيروليرو المتحدث باسم اتحاد البادل الإسباني أن هذه الرياضة يلعبها الآن نحو 5 ملايين شخص في إسبانيا وأكد أن الوباء هنا أيضًا أدى إلى تغذية النمو الهائل في لعب البادل.

كان من المستحيل عمليًا حجز محكمة في أي مدينة إسبانية كبيرة في هذه الأيام.
ناتشو بيروليرو

أما هنا في مصر فقد بدأت هذه اللعبة في الانتشار بشكل قوي دون شك، يمكنك ملاحظة بعض الملاعب في بعض الأندية المصرية الشهيرة، كيف أتت اللعبة مصر دعنا نذهب لأحد أهم المسئولين عن ذلك.

البادل في مصر

نحن الآن رفقة أمير السماحي لاعب منتخب مصر للأسكواش السابق ومؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة Go padel. الرجل الذي له نصيب كبير في فكرة وجود اللعبة في مصر.

يتحدث السماحي لـ«إضاءات» عن بداية القصة. تعرف السماحي على لعبة البادل في إسبانيا وحاول أن ينقل اللعبة في مصر ونجح في ذلك أخيرًا من خلال الوجود في أحد المنتجعات السكنية في القاهرة الجديدة.

لم يلق الأمر الرواج المنشود لكنه على الأقل ضمن الوجود. ثم مع الوقت انتبهت الأندية لوجود رياضة البادل ونجح السماحي في التعاقد مع نادي الصيد لبناء أربعة ملاعب بادل خلال عام 2018.

استطاع السماحي أن يقوم بتنظيم مباريات استعراضية لجذب الانتباه نحو اللعبة حيث أتى المصنف الأول عالميًا في اللعبة في مصر للعب بعض المباريات في حضور وزيري الرياضة والسياحة وتم تغطية الحدث بشكل واسع وهنا كانت البداية الحقيقية للعبة في مصر.

انتشرت اللعبة بشكل ملحوظ وهو ما يؤمن به تمامًا أمير حيث يؤكد من خلال خبرته في مجال اللعبة أن هذا الانتشار وتعدد الشركات أدى إلى انتشار الملاعب وهو ما يعني انخفاض قيمة إيجار الملعب.

تمتلك مصر اتحادًا وطنيًا للعبة البادل كما أن نادي جو بادل الذي يمتلكه السماحي استطاع الفوز ببطولة أفريقيا للبادل للأندية حيث تمارس 13 دولة أفريقية هذه اللعبة.

هناك نحو 70 شركة بادل في مصر لكن في المقابل يؤكد أمير أن الشركات التي تفهم اللعبة جيدًا وتوفر الملاعب والمدربين الجيدين لا يتعدون أصابع اليد الواحدة لكننا لا يمكن أن ننكر أن هذا معناه انتشار جنوني للعبة في مصر.

يؤمن الرجل أن دوره لا يقتصر على إدارة مشروع ناجح فقط بل دوره كذلك مهم جدًا في محاولة نشر اللعبة في مصر ولهذا تعاقد مع شركة سيتي كلوب على بناء ملاعب بادل في طنطا وكفر الشيخ وشبين الكوم.

في النهاية دعنا نوضح لك كيف تلعب البادل؟

مباريات البادل تشبه إلى حد بعيد التنس ولكن مع مضرب من دون خيوط وتلعب بشكل زوجي وليس فرديًا. طرق التسجيل هي نفسها كما في التنس- بما في ذلك احتساب التقاط 15/0 و 30/0 وما إلى ذلك.

يمكن أن تضرب الكرة مباشرة أو عند ارتدادها بعد اصطدامها بالحائط، ويمكنك أن تضرب الكرة مرة واحدة فقط قبل عبور الشبكة مرة أخرى.