أكثر من 70 شخصًا بارزًا حول العالم، قادة دول وسياسيون بارزون ورجال أعمال مؤثرون جميعهم طالتهم أكبر تسريبات في التاريخ وفضحت أمام العالم بالكامل كيف يُخفي هؤلاء أموالهم، بالطبع المقصود هو الأموال القذرة التي اكتسبوها من الاختلاس أو من مصادر غير مشروعة، أو من مصادر مشروعة لكنّهم يريدون أن يخفوها في مكان آمن بعيدًا عن الضرائب، وكانت جزيرة بنما هي الملاذ الآمن، حتى سُرّبت أوراق بنما.

مراسلات بريدية، أرقام وتفاصيل الحسابات البنكية، أسماء العملاء على امتداد 40 عامًا، كل ذلك بين طرفٍ ثابت وهو شركة موساك فونسيكا، مقرها بنما طبعًا، وأسسها الشريكان جوردجان موسيكا ورامون فونسيكا، وبين قرابة 210 عملاء مميزين.  كان العملاء مميزون لدرجة أنه بلغ حجم الملفات المسربة التي تحوي تفاصيلهم قرابة 12 مليون ملف سري. وكانوا أيضًا من أماكن متفرقة من مختلف قارات العالم.

الملفات الهائلة استغرق تحليلها والتقصي خلفها قرابة عام كامل، بعد أن سلّمها مصدر التسريب إلى صحيفة زود دويتشه تسايتونج الألمانية. عمل أكثر من 400 صحفي من 107 مؤسسات صحافية استقصائية من قرابة 80 دولة على ترتيب وتتبع  262 ألف جيجا بايت من البيانات.

يبدو الرقم ضخمًا لكن لا يبدو كذلك حين نعلم أن شركة موساك فونسيكا هي رابع أكبر شركة على مستوى العالم في مجال الخدمات القانونية. كما أنها شركة تقدم خدماتها لعملاء مميزين فقط، قادة دول أو شخصيات دولية، في التعاطي مع أموالهم الضخمة لتمريرها عبر شبكة طويلة ومعقدة من الحسابات بأسماء غير أسماء أصحابها الحقيقيين، وتعود الأموال في النهاية لمالكها الأصلي بصورة شرعية تمامًا  عبر أكثر 214 ألف شركة، والأهم أنه يكاد يكون من المستحيل تعقب تلك الأموال وربطها بأصحابها.

بنما: جنة التهرب الضريبي

لعل ذلك هو أهم ما يميز بنما، وما يجعلها جنة لراغبي التهرب الضريبي، بخاصة شركة  موساك فونيسكا التي تملك شبكة كبيرة من الشركات الوهمية في دول أخرى هي أيضًا ملاذات ضريبية آمنة مثل الجزر البريطانية والكاريبيّة، ومثل قبرص وسويسرا، وتمتاز تلك الدول بعدم اكتراثها بالتحري والتقصي وراء الشركات ومعرفة هل لها وجود حقيقي على الأرض أم مجرد حبر على ورق.

الشركة الوهمية هي شركة لا تُقدم أي خدمة حقيقية، فليس لها جمهور ولا منتج تبيعه للجمهور، وظيفتها الوحيدة هي تدوير الأموال التي تصلها وتحويلها من مصدر إلى آخر. وظيفة تلك الشركة الفعلية أنها تُخفي هوية من حوّلوا لها الأموال وتضع توقيعاتها هي، وتوقيعات القائمين على الشركة، على الأموال فتصبح الأموال مُحوّلة منها لمصدر ثالث، دون أن يربط أحد المصدر الثالث بالمصدر الأول للأموال.

من تلك المصادر الأولى التي كشفت عنها الوثائق العديد من القادة العالميين، نركز هنا على القادة العرب، وعلى رأس من كشفت عنه الوثائق كان نجل الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، علاء. فقد كانت له شركة خاصة به في جزر العذراء البريطانية باسم شركة بان وورلد للاستثمار

وفي العراق كان إياد علاوي، رئيس الوزراء العراقي الأسبق، والذي عاد للعراق من المنفى عام 2004 بعد غزو الولايات المتحدة للعراق. ومن السعودية أتى ذكر الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي أخرج من السعودية مبلغًا ضخمًا لرهون عقارية في لندن تبلغ قيمتها 34 مليون دولار، وامتلك عبر شركات وهمية يختًا فارهًا يبلغ طوله طول ملعب كرة قدم.

الشرق الأوسط حاضر بقوة

بالطبع لن تكون سوريا بعيدًا عن تلك الغنيمة، فقد كان رامي مخلوف وحافظ مخلوف ابنا خال الرئيس السوري بشار الأسد شريكيين في العديد من الشركات الوهمية، واستخدما تلك الشركات في تهريب أموالها مع بدايات عام 2011 خوفًا من تجميدها في سوريا. وتُظهر رسائل البريد الإلكتروني المُسربة أن الولايات المتحدة وضعت الشقيقيين على قوائم الفساد بعد اندلاع تظاهرات سوريا، فاضطرت الشركة إلى قطع تعاملاتها مع الشقيقين.

والأردن كان له نصيب في التسرييات عبر علي أبو الراغب نصيب من التسريبات، أبو الراغب هو رئيس الوزراء الأردني الأسبق ووزير الدفاع، امتلك الرجل 3 شركات وهمية في جزر العذراء البريطانية قبل استقالته من منصبه، فقد منهم شركة بعد الاستقالة بخمس سنوات، لكن استمرت الشركات الأخرى في العمل، ووضع أبناءه على رأس العديد من الشركات بعضهم وهمي، وقليل منهم كان له وجود واقعي.

وبالطبع وُجدت الإمارات في تلك الوثائق، فرئيس الإمارات وحاكم أبو ظبي خليفة بن زايد له قرابة 30 شركة في جزر العذراء البريطانية، وله عدد من الشركات الأخرى باسم زوجته وابنه وابنته. تلك الشركات الوهمية تمتلك أصولًا واقعية في لندن بقيمة 1.7 مليار دولار.

قطر هى الأخرى كان له ذكر في الوثائق، فأمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني كانت تربطه علاقة بشركة موساك فقد ظهر في الوثائق خطاب من محامي الأمير للشركة يطلب منها التفاوض لشراء إحدى الشركات في جزر العذراء مقابل فتح حساب في بنك الصين في لوكسمبورج. كذلك كان لرئيس الوزراء، حمد بن جاسم، أسهم في شركة موساك بين أعوام 2007 و2013، وامتلك شركة في جزيرة العذراء، و3 شركات في جزر الباهاما.

المغرب كان حاضرًا أيضًا، فظهر اسم منير الماجدي، السكرتير الخاص بالملك محمد السادس، ونقلت الوثائق إشرافه على بيع سيارة مستعملة من ممتلكات الملك لشركة وهمية مسجلة في جزر العذراء البريطانية بملغ ضخم، وأظهرت الوثائق أيضًا أن شركة مختلفة جددت شقة يمتلكها الملك في باريس، وتقاضت مقابل عملية التجديد مبلغًا هائلًا يصل إلى 42 مليون دولار.

العرب: لا تعليق

بالنظر لأسماء ومناصب القادة الذي يخفون أموالهم في تلك الملاذات الآمنة، يمكن التكهن بضخامة المبلغ الذي نتحدث عنه، أقل التكهنات كانت أن حجم تلك الأموال يبلغ 7.6 تريليون دولار أمريكي، وفي بعض التقديرات كانت قيمة الاستثمارات وقت صدور الوثائق هى 7.8 تريليون دولار أمريكي. من تلك التريليونات الكثيرة،  التريليون ألف مليار، هناك مليارات عديدة خرجت من الدول العربية.

فمثلًا خرج من مصر في الفترة ما بين 2004 و2013 قرابة 40 مليار دولار، ومن العراق في نفس الفترة الزمنية قرابة 105 مليارات دولار، ومن السعودية 29 مليار دولار، أما سوريا فخرج منها 48 مليار دولار.

ربما مرت سنوات عدة على تسريبات بنما، لكن التذكير بها يفتح بابًا للتساؤل عن تأثيرها، عن أي شيء أسفرت تلك الوثائق بعد قرابة 5 سنوات على صدورها. بالتتبع الزمني يبدو أن أكبر تأثير أحدثته الوثائق هو استقالة رئيس وزراء آيسلندا، التي كشفت الوثائق استخدامه للملاذات الضريبية لإخفاء أموال ضخمة اكتسبها عبر منصبه.

أما ما دون ذلك فقد أسفرت الوثائق عن فتح العديد من التحقيقات في دول العالم، مثل فرنسا والنمسا وإسبانيا وهولندا وأستراليا. روسيا لم تفتح تحقيقًا واكتفت بالقول أن هدف الوثائق هو زعزعة استقرار البلاد، أما الصين فحظرت النشر في تلك القضية بالكامل.

 أما الدول العربية التي كشفت الوثائق تورط عدد ضخم من قادتها، فإنها تجاهلت تلك الوثائق تمامًا. لا نفي للاتهامات، ولا فتح للتحقيقات، ولا حتى حظر للنشر للوثائق، فقط صمت يبدو أنه لن ينتهي لا بعد 5 سنوات من نشر الوثائق ولا بعد 50 عامًا.