جلستُ في حجرة مكتبي محاولة البدء بالعمل مع تحضير كوب قهوتي وأثناء استمتاعي بالهدوء من حولي سرعان ما وجدت هاتفي يرن، بدأت حينها ضربات قلبي بالتسارع ولم أعد قادرة على التنفس بسهولة وترددت كثيرًا قبل الرد، وحينما وصلت إلى الهاتف انقطع الاتصال.

نظرت لهاتفي لأجده مديري في العمل، فماذا كان يريد مني؟ هل عجزت عن تسليم عملي في الموعد المحدد أم هناك أخطاء في ملفاتي؟ ربما أعتقد بتأخري عن العمل لأنني لم أجب على الهاتف!

كثير منا يتردد في الرد على المكالمات الهاتفية أو يخشى إجراءها ويدور في خلده العديد من التساؤلات قبل الرد على المكالمة، ونتردد أحيانًا في إجراء المكالمات الهاتفية حتى وإن كانت ضرورية للغاية كحجز موعد مع الطبيب، أو حتى الاتصال بالإسعاف لإنقاذ مريض من حادث أو رجال إطفاء الحرائق، وهذا ما يعرف برهاب الهواتف الذكية أو فوبيا الهاتف.

ما رهاب الهواتف؟

استوقفني صورة كوميدية منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي لشخصين أحدهما يريد رقم هاتف الآخر ليخبره برقمه مع قول «اتصل بيا في أي وقت، أنا كده كده ما بردش».

ربما يكون هذا الشخص مصابًا برهاب الهاتف، وهو ليس خوفًا من الهاتف في حد ذاته بل حالة من القلق والتوتر تجاه المكالمات الهاتفية سواء الرد عليها أو إجرائها، وهو أمر منتشر حيث أجريت دراسة استقصائية عام 2019 ووجدت أن 76% من جيل الألفية من القرن 21 لديهم قلق وتوتر من رنين الهاتف، وبسبب هذا فإن 61% منهم قد يتجنبون الرد على الهاتف تمامًا.

ظهر مؤخرًا الخوف المرضي من المكالمات الهاتفية وقد يكون متعلقًا بالأشخاص المصابة باضطراب القلق الاجتماعي، ولكن رهاب الهواتف ليس حِكرًا على هؤلاء المرضى فقد يكون المصاب طبيعيًا تجاه المجتمع ويتعامل مع الأفراد من حوله بسلاسة، لكن لديه مشكلة تخص مكالمات الهاتف فحسب.

عدم الرد على المكالمات الهاتفية لا يعني بالضرورة إصابتنا برهاب الهاتف، فأحيانًا قد نكون مشغولين للغاية في العمل ولا نرغب في أي إزعاج لذا نضع الهاتف على الوضع الصامت، أو نرغب في نوم هادئ، وأحيان أخرى لا نكون بالقرب من الهاتف فلا نتمكن من الرد.

أما إذا كانت جميع الظروف ملائمة للرد، وفضلنا عدم الرد على المتصل إضافة إلى ظهور بعض أعراض رهاب الهاتف والتي سنذكرها لاحقًا، حينها يمكننا القول إننا قد نعاني من فوبيا الهاتف المحمول التي تتطلب الذهاب إلى الطبيب النفسي للتشخيص والبدء بالعلاج.

أعراض رهاب الهواتف الذكية

يتردد المصاب بفوبيا رنين الهاتف غالبًا عن الرد أو إجراء المكالمة الهاتفية إضافة إلى ظهور بعض الأعراض الجسدية مثل:

  • ضيق التنفس.
  • تسارع ضربات القلب.
  • الغثيان.
  • صعوبة التركيز.
  • القلق والتوتر الشديد.
  • الارتعاش والتوتر العضلي.

توجد أعراض أخرى يمكن أن تكون بمثابة إشارة لك لمعرفة إصابتك بفوبيا المكالمات الهاتفية من عدمه ومنها ما يلي:

  1. الخوف المستمر من التحدث مع الغرباء، حيث يكون من الصعب على مصاب رهاب الهواتف التحدث مع الأرقام المعروفة فما بالك بأرقام هواتف جديدة وغير مألوفة عليه.
  2. التأخر في الرد على الاتصالات الواردة والتردد كثيرًا.
  3. الشعور بالضغط النفسي بسبب خوفك من إحراج نفسك، فقد تتساءل هل أتصل بالشخص في الوقت المناسب؟ ربما يكون مشغولًا وسيحرجني أو لا يرغب في التحدث معي وسينهي الاتصال.
  4. القلق بشأن مضايقتك للشخص الآخر، حيث يزداد تفكيرك في ما يتعلق بالكلمات التي تقولها وتوقيت الاتصال.
  5. استمرار تفكيرك في كل ما قيل في أثناء المكالمة، هل تحدثت بطريقة جيدة ولبقة؟ هل ضايقت الشخص الآخر؟ هل أخفقت في اختياري للكلمات وما أريد توضيحه؟

اقرأ أيضًا: «اضطراب القلق المزمن» أن تأكلك الأفكار حيًا 

أسباب رهاب الهاتف أو فوبيا الهاتف

إجراء وتلقي المكالمات الهاتفية أمر ضروري لاستمرار أمور حياتنا، لكن عند مصابي فوبيا الهاتف قد تكون حياتهم العملية والشخصية على المحك؛ لعدم قدرتهم على التعامل مع مشكلاتهم، وعلى الرغم من تعلق هذا الرهاب بالإصابة باضطراب القلق الاجتماعي كسبب رئيسي، إلا أنها في أحيان أخرى قد لا تتعلق فما السبب حينها؟

يرجع سبب رهاب الهواتف لمجموعة من العوامل منها ما يلي:

  1. قد يفضّل هذا الشخص التواصل وجهًا لوجه لمعرفة ملامح الشخص الآخر وانفعالاته وتواصله غير لفظي، حيث تمثل لغة الجسد من الإيماءات والتواصل البصري نصيب الأسد في توصيل رسائلنا أكثر من الكلمات، لذا ينفر هذا الشخص من التحدث على الهاتف ويفضل المقابلة، أو المحادثات عبر الفيديو لفهم أكبر وتواصل أفضل.
  2. يرتبط قلق الهاتف بانشغال المصاب بما يعتقده الشخص الآخر عنه، لذا عند التحدث عبر الرسائل النصية يمكن للمصاب بفوبيا الهاتف تجنب الردود الفورية مما يمنحه فرصة للتواصل الاجتماعي مع الآخرين دون الخوف من الرفض.
  3. من يعاني من القلق بصفة عامة قد يجد الرسائل النصية وسيلة أفضل في التواصل مقارنة بالمكالمات الهاتفية؛ لأنها تمنحهم فرصة أفضل للتفكير في صياغة الرسالة ويتحدث أحيانًا بشخصية منفصلة عن طبيعته.
  4. قد يكون لوسائل التواصل الاجتماعي دورًا في تحفيز رهاب الهاتف لدينا حيث إننا نتفقد رسائل الهاتف والبريد الإلكتروني والمنشورات المختلفة، ونفكر مليًا قبل الرد أو مشاركة المنشور، وهذا لا يكون متاحًا عند الرد على المكالمات الهاتفية مما يعطي شعورًا بالاندفاع والمخاطرة.
  5. يمكن أن تجد بعض من فترات التوقف المؤقتة في المحادثات وجهًا لوجه، وهذا طبيعي من أجل التفكير أو بسبب التشتت، لكن عندما يحدث هذا الأمر في أثناء المكالمة على الهاتف قد نشعر بالحرج أو بوجود أمر غير طبيعي؛ لأننا غير قادرين على ملاحظة ملامح الطرف الآخر وسبب توقفه عن الحديث.
  6. قد يكون السبب أيضًا هو عدم معرفة الشخص بكيفية التحدث عبر الهاتف، فإجراء المكالمات الهاتفية أو التواصل مباشرة مع الآخرين أمر بديهي لدى الآباء أو الأجيال الأكبر سنًا، لكن جيل المراهقين أو الشباب قد تأثر كثيرًا بالمحادثات النصية ويفتقر إلى فهم خطوات وسلوكيات التحدث اللبق عبر الهاتف، كإلقاء التحية ثم التحدث في موضوع محدد ومن ثَم الانتقال بسلاسة لموضوع آخر، وفي النهاية كيفية إنهاء المحادثة، وكل ذلك غير موجود في الرسائل النصية.

اقرأ أيضًا: كيف خلقت السوشيال ميديا عالمًا أسوأ؟

طرق علاج رهاب الهواتف

يمكن علاج رهاب الهاتف بواسطة الطبيب النفسي باستخدام العلاج المعرفي السلوكي، والذي يتضمن قسمين أساسيين وهما التدريب على التعرض لمسبب الرهاب، وإعادة الهيكلة المعرفية.

التعرض لمسبب الرهاب وهو رنين الهاتف، فيمكن التغلب عليه من خلال تعرض المريض لعدة مواقف تدريجيًا يمكن بواسطتها التأقلم مع مخاوفه تجاه المكالمات الهاتفية، وتتدرج في صعوبتها من الأسهل إلى الأصعب، وعندما يعتاد الشخص على الموقف يصعد درجة أخرى في الصعوبة كما يلي:

  1. يطلب الطبيب من المصاب الاتصال برقم له رسالة مسجلة فقط مثل رقم خدمة العملاء.
  2. إذا أصبحت الخطوة السابقة يسيرة على المصاب واعتاد عليها، يمكنه الاتصال بأحد أفراد العائلة أو صديق يعرفه جيدًا.
  3. يمكن بعد ذلك الاتصال بشركة ما، والبدء بطرح بعض الأسئلة المحددة مثل: متى ستغلق الشركة؟ أي مجال تعمل به الشركة؟ ثم إغلاق المكالمة بعد الحصول على الإجابة.
  4. إذا تعود الشخص على ما سبق، حينها يمكننا الانتقال لمحادثة الغرباء من خلال الاتصال بشخص لا يعرفه جيدًا لسؤاله عن أمر بسيط.
  5. يمكن بعد ذلك حث المريض على الاتصال بشخص لا يعرفه من أجل التحدث معه بشأن أمر أو مشكلة لديه معقدة والأخذ بنصيحته.
  6. من يعاني فوبيا الهاتف المحمول لا يتمكن من التحدث أمام الآخرين، لذا في هذه الخطوة يمكن إجراء كل أنواع المكالمات السابقة ولكن أمام شخص واحد.
  7. يمكن الآن بعد التعود على التحدث أمام فرد واحد إجراء المريض جميع أنواع المكالمات المختلفة السابقة، لكن أمام مجموعة من الأشخاص ليعتاد المصاب على التحدث أمام الآخرين.

قد يواجه المصاب برهاب الهواتف صعوبة في كل مرحلة مما سبق، بخاصة في المراحل التي تتطلب التحدث أمام الآخرين أو التحدث مع غرباء، لكن بالمحاولة يمكن الوصول لأهدافنا وعلاج المرض.

يمكن البدء بالرد على المكالمات الهاتفية الخاصة بمن تشعر معهم بالراحة، وكذلك يمكن تحويل المكالمات الهاتفية الأخرى أو المكالمات الغريبة على البريد الصوتي؛ كي تقلل في البداية من وطأة فوبيا الرد على الهاتف.

يمكن علاج فوبيا الرد على الهاتف من خلال إعادة الهيكلة المعرفية، وفيها يعتمد الطبيب على تحدي المعتقدات والأفكار السلبية التي تدور في عقل المصاب برهاب الهواتف، واستبدالها بأمور بناءة وأسباب منطقية خصوصًا في ما يتعلق بإجراء المكالمات.

إذا كان الفرد قلقًا بشأن إزعاج الشخص الآخر عند الاتصال، فيُؤثر عدم إجراء المكالمة من البداية، حينها يوضح له الطبيب أنه قد يتصل بالفعل في وقت غير مناسب فهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، ولكن لماذا قد يرد الشخص إذا كان مشغولًا للغاية ويخبرك بالاتصال به في وقت لاحق؟

إذا كان الشخص الآخر لا يرغب في التحدث معك كما كنت تعتقد فإنه لن يطلب منك الاتصال مرة أخرى، حينها يصل المريض بنفسه إلى استنتاج مهم وهو ضعف احتمالية إزعاج الأشخاص، وكذلك قلة احتمالية عدم رغبتهم في التحدث مع المريض بالرهاب.

ختامًا، يمكننا تجاهل المكالمات أو تجنبها عندما نشعر بالقلق، لكن تذكر دائمًا أنك كلما ماطلت في الرد وتأخرت زاد القلق لديك وتضخم رهاب الهاتف، فلا تترك نفسك تعاني وبادر في طلب المساعدة من الطبيب النفسي.