كان الطفل «ساتوشي تاجيري» يهوى جمع الحشرات المختلفة والغريبة والاحتفاظ بها كنوع من أنواع التسلية، وفي الثمانينات من القرن الماضي أنشأ شركة «Game Freak» والتي من خلالها ابتكر وصمم لعبة «البوكيمون» على أجهزة «Game Boy» وطورها، وقامت «Nintendo» بتولي التوزيع والنشر، وتوالت بعدها الابتكارات الأخرى فظهر مسلسل الأنمي، وكتب الكوميكس اليابانية المعروفة باسم «مانجا».

يعتبر «بوكيمون» هو التسمية المختصرة والمستحدثة المقتبسة من التسمية الأصلية «Pocket Monsters» أي «وحوش الجيب»، حيث يضع البطل وحوش البوكيمون في جيبه حتى إذا ما احتاجها في مباراة أو قتال ما.

انتشرت مؤخرًا لعبة «Pokemon Go» وأصبحت الحديث الشاغل والدائر بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تعتمد على تقنية «محاكاة الواقع الافتراضي»، فتحتاج فيها خاصية GPS وكاميرا الهاتف الذكي لتسير هائمًا في الطرقات باحثًا عن بوكيمون قد يكون واقفًا على سيارة أو داخل حديقة جارك، أو فوق كتف شخص ما يسير على جانبي الرصيف في سلام، أو على الطريق الدائري أو الطرف الآخر من صلاح سالم، قد يكون داخل حمام منزلكم أو منزل جارك، أو داخل مسجد أو كنيسة يتعبد رهبانها وهم غير مدركين ما يحدث في هذا العالم اللاهي، قد تكتشف جريمة قتل أثناء بحثك عن بوكيمون أو يستغلك اللصوص والمتحرشون فيحتالوا عليك ببساطة.

ارتفعت قيمة أسهم شركة «نينتيندو» الموزعة للعبة إلى 7.5 مليار دولار في يومين فقط!، وهو ما سخر منه بعض المحللين ورواد مواقع التواصل حيث أنه يساوي إيرادات السياحة المصرية في عام 2015!. ربما لا يكون هذا الرقم مدهشًا كثيرًا عندما تعرف أن إيرادات شركة “نينتيندو” في عام 2015 وصلت إلى 57.65 مليار دولار، فما هي قصة تلك الكائنات الهاربة والتائهة بين أزقة العالم منتظرة أصحابها ليلتقطوها ويدربوها ويخوضوا بها قتالًا من أجل تحقيق السلام العالمي؟.


ألعاب فيديو الـ«بوكيمون»

ابتكر «ساتوشي تاجيري» لعبة البوكيمون عام 1995، وظهر الجيل الأول منها في السابع والعشرين من فبراير/شباط عام 1996، وكانت اللعبة الأصلية على جهاز الـ “Game Boy” والتي لم تصدر منها نسخة خارج اليابان ولكنها تعتبر النسخة المفضلة لدى جميع محبي “البوكيمون” والمهووسين به.

وكان أول إصدار عالمي يصدر إلى خارج اليابان عام 1998 والتي كان اسمها «Pokemon Red and Blue»، وأول نسخة ملونة أصدرت عام 1999 «Pokemon Yellow» على جهاز الـ «جيم بوي».

الجيل الأول كان يتضمن 151 فصيلة بوكيمون، وتم إضافة 100 فصيلة جديدة في الجيل الثاني عام 2000 والذي تطور بوجود خاصية الليل والنهار في اللعبة، وتم إصداره إلى أستراليا وأمريكا الجنوبية وأوروبا.

في الإصدار الثالث الذي استمر إنتاجه حتى عام 2006 تم إضافة مناطق جديدة في خوض المعارك وتقنيات وأنظمة أكثر تطورًا بالإضافة إلى خاصية اختيار جنس اللاعب و135 نوعًا جديدًا من كائنات «البوكيمون».

وصل الجيل الرابع عام 2007 إلى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وأستراليا وأمريكا الجنوبية وأوروبا، مع 107 نوع جديد من فصائل الـ«بوكيمون»، وكانت المرة الأولى التي تستخدم فيها خاصية الجرافيك ثلاثية الأبعاد. استمر تطوير ألعاب الجيل الرابع بواسطة شركة Nintendo حتى عام 2010.

صدر الجيل الخامس «Pokemon Black and White» في سبتمبر 2010، مع تطوير جديد يتضمن إمكانية استخدام خاصية «الوايفاي» والمعارك الثلاثية بين ثلاثة كائنات من البوكيمون و156 فصيلًا جديدًا.

في يناير 2013 تم الإعلان عن لعبة الجيل السادس «Pokemon X and Y» بخاصية ثلاثية الأبعاد الكاملة مع نوعين جديدين من الـبوكيمون شكلهما يشبه حرفي X و Y. وفي فبراير 2016 صدر الجيل السابع «Pokemon Sun and Moon».


مسلسل الأنمي

في بداية الألفية الثانية شاهدنا حلقات المسلسل الكرتوني بوكيمون على القناة الثانية المصرية وقنوات «MBC» و«سبيس تون»، كانت الحلقات من دبلجة مركز «الزهرة» السوري الذي كان متخصصًا في دبلجة معظم مسلسلات الكارتون في ذلك الوقت، والذي توقف بعد شائعات عن تحريمها.

بعد انتشار المسلسل واللعبة وهوس الأطفال بتجميع بطاقات البوكيمون التي كانت تباع في محلات السوبر ماركت والمكتبات، وشراء رقاقات البطاطس «ليز» من أجل تجميع الأقراص البلاستيكية التي تظهر عليها صورة البوكيمون، أصدر مفتي جمهورية مصر العربية في ذلك الوقت فتوى بتحريمها لأنها تعتمد على نظرية دارون في الارتقاء والنشوء وتعلم الأطفال لعب الميسر والقمار، وتوقفت بعدها معظم القنوات عن بثها، باستثناء «تينز» التابعة لشبكة تليفزيون العرب «art» والتي استمرت في إذاعتها حتى قبل توقف القناة.

وكانت النسخة الأصلية في اليابان قد عرضت في الأول من إبريل عام 1997 باسمها الأصلي «Poket Monster» أو «وحوش الجيب» على تليفزيون «طوكيو».

المسلسل مقسم إلى خمسة أجزاء ومقسمة بدورها إلى 19 موسمًا، معتمدة على الاقتباس من الجيل الرابع والخامس والسادس المقدم من ألعاب الفيديو. وكان كل موسم يحمل عنوانًا فرعيًا آخر، والموسم الأول حمل اسم «معركة جلاكتيك»، كان يعرض على شاشات التليفزيون بأحدث التقنيات العالية في ذلك الوقت. أنتج صاحب الفكرة الأصلية «ساتوشي تاجيري» أكثر من 900 حلقة ومستمرًا حتى الآن.


بوكيمون مانجا

يطلق اسم «مانجا» على كتب الرسوم الكارتونية الساخرة (كوميكس) اليابانية الأصل، وقد ظهر هذا الفن في أواخر القرن التاسع عشر، تقرأها جميع الأعمار، وتُصدر بالأبيض والأسود. صدرت أول مانجا بوكيمون في الثامن من أغسطس عام 1997، وأنتج أكثر من خمسين مجلدًا وما يقرب من 600 سلسلة ولا زالت مستمرة حتى الآن.

تختلف المانجا هنا عن سلسلة حلقات الأنمي، فهي تحتوي على تسع عشرة شخصية، وهناك أعداء أكثر ظلامًا وشرًا، كما أنها اعتمدت في الدرجة الأولى على الإلهام من لعب الفيديو. أشهر سلاسل المانجا كانت «مغامرات بوكيمون» التي بيع منها أكثر من 150 مليون نسخة، والتي قال عنها «ساتوشيتاجيري»: «أريد من كل محبي البوكيمون أن يقرأوا هذا الكوميكس؛ فهو الأقرب من العالم الذي كنت أحاول نقله من مخيلتي».

كانت أسماء الفصول والسلاسل مشابهة لأسماء نسخ ألعاب الفيديو المبنية عليها، وقامت عدة شركات بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية، أشهرها «VIZ Media» الأمريكية، فصدرت أول نسخة مترجمة عام 1999 بما يناسب الجمهور الأمريكي، وتم حذف المقاطع الخاصة بالثقافة اليابانية، حتى عام 2009 حيث أعادت إصدار نسخ أفضل وأكثر جودة من المجلدات القديمة السابقة.

ومنذ 2013 بدأت الشركة في إصدار السلاسل في مجلات مستقلة ومجلدات أيضًا؛ مما أتاح الفرصة للقراء بالاختيار بين القراءة من مجلة أو مجلد، كما وصلت تلك الترجمات إلى كندا وإنجلترا وإيرلندا وأستراليا.

هناك شركات أخرى يابانية قامت بترجمة الكوميكس إلى الإنجليزية أيضًا معتمدة على ترجمة VIZ في بدايتها. كما ترجمت أيضًا مجلدات البوكيمون إلى عدد كبير من اللغات مثل الإيطالية، والكورية، والفنلندية، والماليزية، والبولندية، والفرنسية، والبرازيلية، والبرتغالية، والإسبانية، والتايلندية واليونانية، والفيتنامية، والألمانية، ولا زال حتى الآن عشاق البوكيمون من العرب لا يجدون وسيلة لهم للاستمتاع بسلاسل الكوميكس الخاصة بها إلا عن طريق النسخ الإنجليزية.


أفلام البوكيمون

لم يفت على صناع «بوكيمون» وضع بصمتهم على شاشة السينما، فصنعوا عدة أفلام أنيمي مبنية أيضًا على لعبة الفيديو والمسلسل الكارتوني. تم إنتاج الأفلام على شكل سلسلة متصلة ومرتبطة، فهناك خمسة أفلام قصتهم مبنية على سلسلة حلقات الأنيمي، وأربعة على الحلقات المتقدمة منها «Advanced Generation»، وأربعة أفلام أخرى مبينة على نسخة ألعاب «ألماس ولؤلؤ»، مع فيلم عاشر خاص بمناسبة الذكرى العاشرة لحلقات المسلسل، وثلاثة أفلام مبنية على قصة موسم «أفضل الأمنيات»، وثلاثة آخرون على «XY»، بالإضافة إلى عدد من حلقات التليفزيون الطويلة والخاصة وعشرة أفلام أخرى قصيرة.


لماذا الهوس بالبوكيمون الآن؟

أحلم دومًا أن أكون الأفضل بين الجميع، لذا أجمع البوكيمون سلاحي المنيع. سأسافر عبر الأرض باحثًا في كل مكان عن بوكيمون أداة السلام، قوة لا تهان.

العالم لم يتوقف عن الجنون بالبوكيمون ولكننا نحن من توقفنا، فنحن الجيل الذي كبر على صوت رشا رزق وهي تهتف بمنتهى القوة والإصرار «أحلم دومًا أن أصير الأفضل بين الجميع»، في مجتمع قابلنا فيه المعلمة التي تضرب بالعصا لمجرد الخطأ في عملية قسمة تافهة قد لا نحتاج إلى استخدامها في المستقبل، أو رجل يرى أن مدى نجاحه كأب يختصر في النسبة المئوية المكتوبة على شهادة ابنه، وأم تشعر بالانتصار عندما ينام أولادها في الثامنة مساءً لتتفرغ لمشاهدة المسلسل، ناهيك عن أساطير الدروس الخصوصية التي كنا نخوضها في أعمار صغيرة لا تتجاوز الإعدادي والابتدائي، فأين يمكن أن نجد أنفسنا كصغار يحاولون تخطي مرحلة المراهقة التي تطرق أبواب عقولهم في سلام، في غير “البوكيمون” الذي كنا نتنافس في جمع بطاقاته، والتهام أكياس الشيبسي من أجل الحصول على القطع المستديرة الملونة، غير عمليات التبادل والمساومات والاتفاقات عالية الحرفية من أجل الحصول على أفضل مجموعة؟

أضف إلى تلك الذكريات التي تجمعنا بأجهزة الـ«جيم بوي» وبطاقات البوكيمون واللعب بها متقمصين أدوار الأبطال وجاعلين أكثر الأولاد حرفية ومهارة هو من سيطلق عليه اسم «آش». البعض منا لم يقتنِ الـ«جيم بوي» إلا من أجل البوكيمون، واستمرينا في متابعة أحدث ما أصدر من الأجهزة والتقنيات العالية من أجله فقط.

وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا وحقيقة فتوى التحريم التي صدرت في ذلك الوقت، فنحن هنا نتحدث عن تراث طفولي تم اختصاره سريعًا لتأتي لعبة «بوكيمون جو» تحييه في نفوسنا وعلى أجهزة هواتفنا الذكية دون أن نجد من يمنع عنا الحصول على بوكيموننا المفضل.

فلماذا إذن التعجب من هوس البعض بتلك اللعبة؟، لربما كان هوسًا بإثبات ذاتٍ لم نجد الوقت الكافي والفرصة السانحة لإثباتها، فرفقًا بجيل يبحث عن وهم بين أزقة واقعة وشوارع أحداث دنياه ضاغطًا على أزرّة هواتفه الذكية.