احتضن استوديو قناة «دريم» الشهير مطلع الألفية الثالثة يومًا واحدة من أشهر المداخلات في تاريخ كرة القدم المصرية. فقبل أن يكون الإعلام الرياضي وجبة يومية، وصلت ضجة انتقال التوأم حسام وإبراهيم حسن إلى برنامج «هلا شو» الذي كانت تقدمه الإعلامية المغضوب عليها هالة سرحان.

حينها استضافت هالة سرحان لفيفًا من الصحفيين ونجوم الكرة، وعقدت مداخلة مع حسام حسن نجم الكرة المصرية آنذاك بعد مباراة 6/1 الشهيرة، التي هوجم فيها بضراوة، فاضطر إلى رفع الحذاء في وجه جمهور الأهلي.

أهم من في الجلسة كان ذلك الرجل ذو الوجه الحار والملامح المحببة، أسطورة الأهلي ورجله القوي، إكرامي الشحات.

بعد أن اعتزل أسطورة حراسة كرة القدم المصرية والملقب بـ «وحش أفريقيا» في عام 1989، عين مدربًا لحراس مرمى الأهلي، ثم مشرفًا على مدربي حراس المرمى في قطاع الناشئين بالنادي، قبل أن تتم تنحيته من هذا المنصب في 2021، ويصبح مشرفًا على تدريب حراس المرمى بأكاديميات النادي.

منصب إكرامي ليس هو المهم، الأهلي يختار أكثر أبنائه إخلاصًا لأداء مهام إلى جانب مهامهم الفنية، وفي هذه الحقبة كان إكرامي هو الاسم الذي يوكل إليه في كثير من الأحيان أن يناقش اللاعبين في أمور تجديدات التعاقد، وأن يفاتحهم في أي شيء لا تريد الإدارة طرحه بشكل رسمي على اللاعبين كمرحلة استباقية. سياسة ذكية يتبعها الأهلي للإبقاء على أصحاب المناصب الكبرى فيه بعيدين عن المهاترات.

وأيًّا كان موقفك من رحيل حسام حسن وأخيه ومظلوميتهما من قبل الأهلي من عدمها، فإنك سترى بوضوح كم كان إكرامي الشحات وفيًّا للغاية في هذه المداخلة الشهيرة لبعض من المبادئ التي أخذ على حسام أنه لم يلتزم بها في ملف رحيله إلى الزمالك.

طالب إكرامي حسام حينئذٍ بـ «نفي ما يكتب في الإعلام على لسانه» من تصريحات ضد الأهلي، أو فليكن من حق أي شخص أن ينسب إليه تصريحًا مثل أنه «لن يعود أبدًا إلى الأهلي»، مستنكرًا أيضًا حينئذٍ ما قاله الصحفي كمال عامر حول أن «الإعلام الأهلاوي» يسيطر على كل شيء.

ودارت الأيام

تدور الأيام عادة بما لا يتخيله بشر، حتى لو كانت العلاقة من الأمان لدرجة أن تكون أسطورة حراسة مرمى فريق كرة قدم بالأهلي، وأحد كبار رموزه وأساطيره، فقد تتفاجأ بأن يرحل ابنك وزوج ابنتك في 6 أشهر فقط إلى نادٍ تم إنشاؤه نكاية في الأهلي.

حينها يجد الرجل القويم طيلة تاريخه مع الأهلي نفسه يحصد بعضًا مما انتقده في حسام خلال تلك المداخلة السابق ذكرها، والحقيقة أن إكرامي الكبير لم يكن يتخيل أن يكون الخاسر الأوحد في ملف لا ناقة له فيه ولا بعير … حقًّا؟

في أغسطس 2020، كان رمضان صبحي حديث الزواج بكريمته حبيبة، لاعبًا نجمًا في الأهلي، مكملًا لأسطورة العائلة التي دشنها إكرامي بنفسه، وأكملها نجلاه، المرحوم أحمد، وشريف الذي كان حينها يحمل على الأعناق كل يوم بسبب طريقة الرحيل الراقية التي انتهجها، بل كان الكثيرون يطالبون بإسناد دور إداري له في الأهلي عقب اعتزاله كرة القدم لما يتمتع به من حصافة وحسن منطق. حتى جاءت اللحظة التي قلبت كل الآيات رءوسًا على أعقاب.

انتقال رمضان صبحي بهذا السيناريو غير المسبوق إلى بيراميدز كان ضربة موجعة لإرث العائلة. انتقلت جماهير الأهلي من مختلف الأعمار بعد أن تجاوزت صدمة الصفقة نفسها، لتسأل السؤال الأهم: هل هناك دخل لإكرامي الكبير ونجله في الانتقال؟

خرج شريف إكرامي شجاعًا كعادته ليذود عن موقفه، وأيًّا كان تقييمك لصدق كلامه من عدمه، فإن شريف إكرامي لم يخسر من هذا الموقف أكثر مما خسر والده، من الناحية المادية كسب إكرامي الابن عقدًا جيدًا في بيراميدز على الأقل، لكن أباه الذي لا يزال محتفظًا بمقعد وظيفي في الأهلي، وصداقة شخصية لرئيس الأهلي ووجود يومي في النادي، جعل إجاباته أكثر صعوبة من ابنه، الذي رحل منذ ذلك التاريخ ولم يعد –على الأقل- يواجه مسئولي الأهلي كل يوم.

حرص إكرامي على التأكيد أنه «لم يكن يعلم أي شيء عن رحيل رمضان صبحي إلى بيراميدز». وما إن خرجت بعض التفاصيل من الصحفي أبو المعاطي زكي المقرب إلى الأهلي آنذاك لتتحدث عن حوار دار ليلة قنبلة انتقال رمضان إلى بيراميدز، بين إكرامي والخطيب أكد فيه الأول للثاني بوضوح أن رمضان إما في الأهلي أو في أوروبا، بدا أن الأمر أسقط في يد أسطورة الأهلي.

بدأ إكرامي يغير إجاباته في كل مرة، حول الإجابة إلى «والله العظيم جوز بنتي ما قال لي حاجة عن الموضوع.» أو «والله العظيم بنتي ما قالت لي حاجة عن الموضوع.» في تراجع سريع، أتبعه برد لا يزال مستمرًّا على أبو المعاطي زكي، وإن كان هذا الرد يأتي على عادة إكرامي، دمثًا شديد الالتزام بالأخلاق.

لكن من الواضح أن إكرامي لم ينسَ أولئك الذين أحرجوه من الإعلاميين، واتضح أن العداوة الشخصية امتدت في هذا الملف لأحمد شوبير أيضًا، وفي الحالتين يمكنك أن ترى موقفًا موحدًا للعائلة بأسرها من أبو المعاطي زكي وكذلك من شوبير. ولكن ما يجمع مواقفهم حقًّا تجاه هؤلاء الأشخاص، هو دماثة الخلق، وإن كانت مشوبة بكثير من التوتر.

ما يزيد الطين بلة هو أن رمضان لا يكف عن إحراج إكرامي الكبير أبدًا، في كل مرة يحرص على إثارة الجدل ووضع الرجل أمام المدفع، ففي الأولى يلعب بعصبية شديدة تجاه لاعبي الأهلي ويخلق مشادة بدت متعمدة مع عمرو السولية ومحمد هاني، وفي الثانية، يحتفل بشكل لافت بهدف تعادل متأخر مع الأهلي لم يحرزه هو، وآخر الحلقات تمثل في تصديه لركلة جزاء ضد الأهلي مع أن المنفذ الأول لركلات الجزاء في بيراميدز موجود في الملعب.

في كل مرة كان إكرامي يُسأل فيها عن موقف رمضان، يتضح التدرج الهابط لقوة الرجل أمام هذا النوع من الأسئلة، يكاد يختفي إكرامي 2002 تمامًا، يلجأ الرجل للهروب من الأسئلة على شاكلة «مليش دعوة»، و«تقدر تكلم رمضان تسأله» و«أنا مالي؟» رغم إصراره الدائم على أنه «يحب أولاده ويدافع عنهم» وكذلك أنه «لن يحب أي شيء أكثر من أولاده».

كلها جمل تشير إلى الخبيئة النفسية التي يعيشها أسطورة الأهلي، والتي يضاف إليها أنه في النهاية موظف بالأهلي ويقابل أفراد إدارته كل يوم وعلى رأسهم الخطيب، الصديق الشخصي المقرب له.

يتفاقم الضغط حتى يصدر قرار بتنحية إكرامي من منصبه مسئولًا عن مدربي حراس المرمى في قطاع الناشئين، ليتحول إلى منصب مشابه ولكن في الأكاديميات، وهو منصب لن يتشابك فيه مع قطاع ناشئي بيراميدز على سبيل المثال.

يصل الصراع النفسي الكبير لدرجة أن يُسأل إكرامي عن ركلة الجزاء التي تصدى لها رمضان في نهاية مباراة الأهلي وبيراميدز في ربع نهائي كأس مصر 2021، فيجيب بأنه كان «يتمنى ألا تحتسب الركلة» لأنها ضد الأهلي الذي يشجعه، بينما كان «سيحزن لو ضيعها رمضان!» في جملة تبين دون شروحات عديدة ما وصل إليه الرجل من صراع نفسي في الوقت الحالي.

رمضان في الزمالك؟

تتصاعد حدة التوترات لدى إكرامي الكبير مع الأنباء المتواترة حول فرضية انتقال رمضان صبحي إلى الزمالك، والتي بدأ الرجل ردود فعله حيالها بجمل واضحة مثل «رمضان مش هيروح الزمالك» ثم تدرج إلى جمل من قبيل «هدبحك لو عملت كدة!» و«هخطف ابنك زين» ثم «هخطف حبيبة يعني ولا إيه؟!» كناية عن أن هذه الخطوة ستعني «كش ملك» على رقعة شطرنج تاريخ العائلة في الأهلي.

يبدأ الموقف في التغير حين تذهب الإجابات في طريق: «لا أعلم شيئًا. رمضان ناضج ورب منزل ويفكر بشكل جيد ويستطيع اتخاذ القرار الأفضل لنفسه».

ثم يزداد التوتر فيطلب من المذيع الذي يكون عادة مهيب عبد الهادي أن يكف عن فتح هذا الموضوع «ثقيل الدم»، على حد وصف إكرامي.

يمكنك أن تستشف التوتر أكثر في حلقة مع مهيب أيضًا، طلب منه رد فعله حول انتقال رمضان إلى الزمالك «كأهلاوي» وليس بصفته حماه، وبعد مماطلة من إكرامي، نظر إلى هاتفه المحمول وعرض رسالة وصلت إليه وطلب من مهيب قراءتها كتب له فيها: «هقول رأيي في الغرف المغلقة!» ليزل لسان مهيب ويذكر أن الرسالة من زوجته ويتراجع سريعًا، في إشارة إلى كم التوتر الذي أحدثه هذا الملف في العائلة برمتها.

ولأن رمضان يبدو مصرًّا على توريط حميه في هذه المهاترات، فقد نقل مثلًا على لسانه مؤخرًا نفيه لتصريحات نسبت له حول عدم استطاعة الزمالك تحمل راتبه، فيبدو وكأن إكرامي يدافع عن رمضان في وجه شائعة تخص الزمالك، وأنت تعرف كيف يمكن الاصطياد في الماء العكر بناء على موقف كذاك.

أسوأ شيء في الكرة المصرية ليس أن يعاديك جمهور الأهلي، بل أن ينقلب عليك، ربما نجح كثيرون في تخطي عداوة جماهير الأهلي، لكن الانقلاب عليك من حب إلى كره ومن تأييد ودعم ومن رفع على الأعناق إلى مطالبات بالإقالة وطمس تاريخ يتخطى نصف قرن داخل النادي أمر بشع ومثير للتوتر النفسي، الذي أيقن إكرامي به أنه الوحيد الذي لم يحصد إلا الشوك.