«ساورون يعتقد أن القوى العظيمة وحدها يُمكنها صد الشر، ليس ذلك ما وجدته، لقد وجدت أن الأشياء الصغيرة، الأفعال اليومية للناس العاديين،هي ما يبقى الظلام في جحوره، أفعال بسيطة مثل الطيبة والحب، لهذا اخترت الهوبيت»

يصعب أن تجد مُحبًا للسينما لم يُشاهد ثلاثية سيد الخواتم أو يقرأ كُتب «تولكين» التي أسست عوالم سحرية ناجحة ليس فقط لإحكام حبكتها، إنما لاختيار الكاتب وسط أرض سحرية مليئة بالجان والغيلان، أن يكون أبطال الحكاية هم الهوبيت، جنس محدود القُدرات، طفولي الشكل، يحيا وسط حدائق، يُدخن التبغ، ويُحب الرقص، لكنه مع ذلك يُسند له أصعب مُهمة في الرواية وهي التخلص من خاتم قوة رضخ لسطوته أعتى الرجال.

لم تولد قصص «تولكين» من جلسة هادئة أمام آلة كاتبة، إنما ولدت خلال أعنف معارك الحرب العالمية الأولى، معركة «السوم» التي حاول فيها الحلفاء إخضاع الألمان بهجوم خاطف تحول لحمام دم التهم أرواح 1.5 مليون جندي، وقتها كان «تولكين» مُلازمًا يُحاول النجاة بجنوده، وفي مخبأ تنهال عليه القذائف، وضع أساسات عالمه الخيالي.

يقول تولكين إن الهوبيت اللُطفاء مثلوا انعكاسًا للجنود الإنجليز رفاقه، فتيان لم يفقدوا رباطة جأشهم وسط جحيم كابوسي، في «السوم» أدرك أن البطولة ليست رهينة القدرات الخوارقية، إنما فقط شجاعة فتية عاديين لم يفقدوا إنسانيتهم وسط الجحيم بل ضحى الواحد منهم لأجل رفاقه.

تولكين من الحرب العالمية الأولى
تولكين من الحرب العالمية الأولى
من سلسلة Lord of the Rings
من سلسلة Lord of the Rings

قرر تولكين بعد الحرب أن يُخلد بطولات رفاقه في السوم عبر تمرير كل ما رآه في استعارة عالم سحري، أدرك أن أي رواية واقعية لن تفي رجاله حقهم، سيظلون في الرواية جنودًا في حرب، أدوا واجبهم لا أكثر.

ليُظهر للعالم بطولتهم أضفى عليهم سمات خوارقية وتسيد بهم عالم سحري كان مصير الأرض فيه بيد صبية صغار يُشبهون جنوده، وبينما هلك رفاقه في السوم وطمست القذائف وجوههم فظلوا مجهولين للأبد، تنتهي رواياته بانحناءة احترام من الأجناس الجبارة للهوبيت تقديرًا لبطولتهم وشجاعتهم التي تُخفيها أجسادهم الهشة.

خلق هاجس تولكين في ربط الجحيم الواقعي بعوالم الخيال، لونًا أدبيًا قاعدته كسر الاعتياد الذي ينتابنا خلال قراءة التاريخ وأهواله وتضحياته بتمريره في حكاية سحرية نستعيد بها المعاني نفسها عبر حبكة مشوقة، نرى ذلك في عوالم «هاري بوتر» التي قالت صانعتها إنها استعارة سحرية يُحاكي فيها تبشير «فولدمورت» العنصري بعالم نقي الدم، جنون هتلر.

استعارة سحرية بطلها سيكوباتي

المُعتاد وهم، البيئة المُعتادة لعنكبوت، هي فوضى كارثية لذُبابة.
تشارلز آدامز

اتسم هذا اللون الإبداعي الذي يمرر رعب الواقع والتاريخ عبر استعارات عوالم سحرية ببعض القواعد، نجد دومًا البطل يُجسد المعنى الإنساني المفقود في عالمه، مثلما جسدت براءة الهوبيت ما يحتاجه عالم قاس تتبارى فيه الأجناس حول القوة المُمثلة في خاتم سحري، ومثلما جسدت شخصية هاري بوتر جوهرها منذ البداية بانتمائه لمنزل «غريفيندور» الذي يُمجد الشجاعة على حساب الذكاء ونقاء الدم الذي يجسده منزل «سليذرين».

في العوالم السحرية لا بد أن يُمثل البطل القيمة المفقودة في عالمه، البراءة والنُبل والشجاعة، ليصير مُلهمًا للآخرين، لكن ماذا لو جاء البطل نقيض كل ذلك، ماذا لو أتى في صورة أخرى، أقل مثالية، وأكثر جاذبية؟

في نوفمبر 2022، عرضت نتفليكس مسلسل Wednesday المأخوذ عن رسوم تشارلز آدم بالنيويوركر عن عائلة سوداوية غريبة الأطوار، تُجسد النقيض الساخر للعائلة الأمريكية المثالية، بينما يرسم الحلم الأمريكي صورة عائلة سعيدة مُتماسكة، نجد عائلة آدم تشاؤمية، مُمزقة بفضل تضارب طباع أفرادها وتحيا في بيت رعب يعكس مزاج أصحابه.

تشارلز أدم مع رسومه
تشارلز أدم مع رسومه

مثلت تلك الأسرة زادًا للتلفزيون في مسلسل شهير عام 1964، ثم فيلم عام 1991 إضافة للرسوم المُتحركة، إلا أن المعالجة الأخيرة التي قادها المخرج «تيم بيرتون» قامت بموضعة الحكاية في عوالم الأساطير السحرية، فنجد القصة الأساسية تدور حول المراهقة وينزداي التي تُطرد من مدرستها بسبب تأديبها للمتنمرين الذين استهدفوا أخاها بإلقاء أسماك البيرانا في حوض سباحتهم، لتجد نفسها في مدرسة Nevermore للمنبوذين من المجتمع أمثال المذؤوبين والمتلاعبين بالعقول. عالم سحري قوامه أجناس مُختلفة من البشر، خارج أسوار مدرستهم ينتظرهم الاحتقار العنصري من البشر العاديين الذين لا يرون فيهم إلا مسوخ.

يصعب أن تشاهد الجو العام للمسلسل دون أن يسترجع عقلك مدرسة هوجوورتس السحرية، والأجناس المتصارعة في مملكة الخواتم أو أكاديمية إكزافيير في عوالم X-Men، التي يحاول عبرها خلق جسور التواصل بين الخارقين والبشر.

الملصق الدعائي لمسلسل Wednesday
الملصق الدعائي لمسلسل Wednesday

حقق المسلسل نجاحًا ساحقًا تخطى 1.02 مليار ساعة مٌشاهدة، ليتقرر تجديده لموسم تال، مما يثير التساؤل، لماذا نجح مُسلسل ما هو إلا إعادة تدوير لعوالم سحرية أكثر تماسكًا ويدور حول المعاني ذاتها مثل جدلية العنصرية والآخر، ما الجديد الذي قدمته عائلة آدامز في أول حضور لها بذاك اللون الفني؟

ربما نٌقطة التميز هي وضع الرهان كاملًا على الشخصية، لا الحبكة والأجواء، عبر إدارة مُمتازة من «تيم بيرتون» الذي يمتلك خبرة في تقديم الشخوص الشاذة التي يصعب أن تنسجم في مُجتمعها لكن ينقذها دومًا اعتناقها لفرادتها، شخوص مثل «Edward Scissorhands» و«Sweeney Todd».

تيم بيرتون
تيم بيرتون

نجد شخصية «وينزداي» نقيض ما يجب أن يكون عليه البطل في تلك العوالم، شخصية سيكوباتية مُقبضة، بينما يدخل «هاري بوتر» هوجورتس باحثًا عن بديل للعائلة والأصدقاء الذين فقدهم لكونه يتيمًا، نجد وينزداي تلج لعوالم Nevermore هاربة من تسلط والديها ورغبتهم في رسم مستقبلها، شديدة الحساسية إزاء تكوين أصدقاء، لتنجح بامتياز في أن تكون منبوذة وسط مدرسة من المنبوذين. بينما تدور المعاناة النفسية للأبطال الخارقين في عوالم X-Men حول معضلة اكتساب ود العاديين أو استعدائهم، نجد وينزداي تُجسد اللااكتراثية الكاملة تجاه ما يُفكر به الآخرون.

جسد المسلسل ما يعنيه أن تستعير قواعد جونرة، ثم تقلب تلك القواعد رأسًا على عقب بجعل قيادة دراما هذا العالم في يد شخصية نقيض لكل ما نتوقعه. يقول الرسام تشارلز آدم، إن المعتاد هو وهم، بينما بيئة العنكبوت تُناسبه، لو وضعنا ذبابة في عالمه سنجد الفوضى، يستعير صناع المسلسل القاعدة ذاتها بخلق عالم سحري يشبه شبكة العنكبوت وجعل البطولة فيه لذبابة لا تنتمي لقواعد الجونرة، والرهان على جاذبية الفوضى التي يُمكن أن تنتج عن ذلك.

جاذبية السيكوباتي

السيكوباتيين هم نحن، خلوًا فقط من المخاوف والقلق.
أرمون تماتيا

السيكوباتي يلعب دور الشرير لأنه يستطيع دفع الحبكة للأمام، حيث يواجه الطيبون شريرًا لا يستهدف مكاسبه فقط، إنما لا يشعر بمُعاناة من يدهسهم في طريقه، من رحم تلك الصورة النفسية ولد أشرار كثيرون بدءًا من الجوكر وصولًا لفولدمورت وساورون.

يقول السيكولوجي Armon Tamatea إن الوجه الآخر الجذاب لعجز السيكوباتي عن الشعور بالآخرين هو تحرره التام من تأثيرهم، هو لا يعبأ بآراء الآخرين، ولا يسعى لكسب قبولهم، ولا تتخطى علاقته بهم أن يكونوا أدوات لتحقيق أهدافه، بينما لو واجهته عقبات في الطريق يُمكن أن تحطم العاديين، نجد السيكوباتي يتعامل مع المُعاناة بموضوعية صلبة باعتبارها جزءًا من الصراع عامة، ما يُحطم الآخرين يستقبله السيكوباتي مثل طقس عاصف أفسد يوم مشمس لا أكثر.

رغم اعتماد المُسلسل على دراما مُحكمة وتشويقية، نلهث فيها خلف لغز بوليسي، وجرائم ووحش طليق، فإن الجمهور لم يستعد المسلسل في المقاطع القصيرة على التيك توك والفيسبوك إلا في مشاهد بعينها تجسد الجانب الجذاب للسيكوباتية التي تعتنقها البطلة تلك المرة وليس الشرير، مثل أول مشهد عندما تقف وينزداي بلا اكتراث أمام المتنمرين قبل أن تُمطرهم بأسماك البيرانا أو مشهد رقصة تقوم بها في حفل مدرسي، تبدو خرقاء ومُثيرة للضحك وشاذة كليًا عن جو المشهد، لكنها لا تبالي، وتجعلها اللامُبالاة أكثر جاذبية.

وبينما يُنمي المٌسلسل عبر تطور خطه الدرامي احتياج وينزداي للأصدقاء، إلا أن مدخلها لاكتسابهم هو سيكوباتي خالص، فهي تستغل اليد المُمزقة التي تنتمي لعائلتها التي أرسلوها خلفها كجاسوس ينقل تحركاتها ليكون جاسوسًا لصالحها، وتستعمل رفيقة حجرتها وشاب مُعجب بها كبيادق في خطتها لتتبع لغز بوليسي يخُصها. وهو ما كان السيكوباتي ليفعله.

ما يُجسد قوة شخصية وينزداي كذلك تقديمها لأول مرة بمرحلة عُمرية مختلفة عن حضورها الطفولي في الأعمال السابقة، مرحلة المراهقة التي تجسد مزيجًا من طلب التميز الفردي والتعطش للقبول الاجتماعي، يسعى المراهقين للتحرر من السلطة الأبوية بالتطرف في إبراز فرادتهم عبر الخروج من عباءة الأسرة لطلب القبول من الأصدقاء والأقران، وهذا يجعلها مرحلة دائرية جحيمية، في خضم سعي المراهق للتحرر من والديه يخسر فرادته باستبدالهم لصالح تعريف نفسه بآخرين في مثل عمره، نجد شخصية وينزداي مُصممة بالأساس لكسر الدائرة، فهي ترفض أن تكون نُسخة من أمها، وتبالغ في عزل نفسها عندما تجد كل ركن في مدرستها يُخلد ذكرى والدتها التلميذة المتفوقة، لا تُكمل وينزداي دائرة هروب المراهقة بطلب القبول الاجتماعي من الأقران إنما بالاستغناء السيكوباتي عن الاحتياج للقبول الاجتماعي من الأساس.

من مسلسل Wednesday
من مسلسل Wednesday

ربما أهم رمزية لجحيم المراهقة بالمُسلسل هو الوحش Hyde الذي يٌحرك دراما الأحداث بمُطاردته للأبطال.

يصف المُسلسل الهايد كمخلوقات فنية، خلاقة، حساسة، لا تولد إلا عبر حدث مُزلزل عندما يُحررها أحدهم من عقالها، وما إن يخرج الوحش من قوقعته حتى يرتبط برابطة خضوع تام لمُحرره.

من مسلسل Wednesday
من مسلسل Wednesday
من مسلسل Wednesday
من مسلسل Wednesday

تولى تيم بيرتون رسم ملامح الوحش النفسية والشكلية التي تجسد بورتريه خوارقي لفترة المراهقة، الحدث المُزلزل الذي ينقل ذواتنا الطفولية الحساسة المُرهفة للبلوغ، المراهقين أكثر قدرة على الاعتماد على أنفسهم وأكثر رغبة في فك القيود التي تربطهم بأبويهم، لكن مأساة المراهقة أن بطلها بتحرره يخضع لقيود أخرى هي طلب القبول من آخرين ربما يكونون أكثر قسوة من أبويه، وربما خلال طلبه لقبولهم يخسر نفسه.

نجد شخصيات مثل «إنيد» المُستذئبة التي تدفعها أمها قسرًا للتحول، توقن الابنة أن حب عائلتها مشروط بتحولها لمستذئبة واكتمال بلوغها، كذلك «بيانكا» التي تحاول أمها استغلال مواهبها في التحكم العقلي لإدارة شركة تستغل مُستهلكيها، وفي المقابل نجد حيلة المراهقين في الخروج من عباءة عائلاتهم الذين ألقوهم في مدرسة للمنبوذين هي بانضمام كل مراهق لجماعة تشبهه يعادي عبرها الآخرين، تقف وينزداي بفرادتها في تلك العوالم مُستغنية عن عائلتها وعن رغبتها في الاندماج لتٌشكل شخصية جذابة ومثيرة للحسد لكل أقرانها، تتوق الجماعات لإهانتها وضمها في نفس الوقت.

تصنع وينزداي باختلافها وبجاذبيتها السيكوباتية، صورة جديدة للبطل المراهق، وبتطور الأحداث لا تطغى طبيعتها السوداوية بشكل مُنفر، تروضها الأحداث ببطء على قبول تحويل البشر حولها من بيادق شطرنج لأصدقاء، تتعرف على الحب، وتثق في وضع مصيرها بيد أصدقاء يُنقذونها، تٌجسد وينزداي بشخصيتها باب الخروج من دائرة المُراهقة الجحيمية، بأن يُثمن المراهق فرادته، ويتقبل كذلك بلوغه وتحوله، دون أن يُسلم مصيره لعائلته أو أي سلطة أخرى ترتهن تعريفه لذاته، تعريفنا لذاتنا يكمن بداخلنا وحتى لو سرنا به وحيدين وكنا منبوذين في مدرسة منبوذين. وتلك أقصى درجات العزلة، يُمكننا رغم ذلك أن نحيا بفرادتنا ونعتمد عليها في كسر جليد العزلة، ستجتذب تلك الفرادة في النهاية من يشبهوننا.

أن تخلق ميثولوجيا لحكاية عصرية

«الغراب هو طريق الوحدة، سوف تنتهي وحيدًا، ترى فقط الظلمة في البشر حولك»
وينزداي

ولدت عائلة آدامز كمُحاكاة ساخرة للأسرة الأمريكية، وهذا يجعلها رغم غرابتها عائلة عصرية، لا تملك تاريخًا ميثولوجيًا مثل عالم هوجوورتس وسيد الخواتم، احتاج مسلسل Wednesday أن يُطعم حكايته بميثولوجيا تميزه وتمنحه تذكرة الانتماء لعوالم السحر، وكان الحل إدجار آلان بو!

إدجار آلان بو
إدجار آلان بو

يعد بو أحد رواد القصة القصيرة الأمريكية، اشتهر بقصص Macabre، التي تدور في أجواء رعب كابوسية، لكنها تمتلك شعرية وجاذبية تخصها، كان بو منبوذًا من أدباء جيله باعتباره مشاغبًا يُحطم القواعد في كتاباته، في حياته العملية لا يداوم على عمل وحتى لما التحق بمدرسة ويست بوينت العسكرية، لم يروض الجيش جموحه بل طرده في النهاية يأسًا من إصلاحه.

يحضر بو في المسلسل باعتباره أشهر تلاميذ Nevermore للمنبوذين (كلمة Nevermore تنتمي لقصيدة الغراب لبو التي تدور حول غراب يزور شاعر مكلوم ويؤرقه بتكرار الكلمة حد الجنون)، تُخلده المدرسة بتمثال عملاق يخفي وراءه مكتبة سحرية ومقر اجتماعات لجماعة تُحيي ذكراه، وكذلك خلال الأحداث تُعقد مسابقة «كأس بو» بين فئات المنبوذين.

من مسلسل Wednesday
من مسلسل Wednesday

تزخر أحداث المسلسل بالكثير من الإحالات لعوالم بو القصصية مثل الغراب والوحوش والأجواء القوطية، التي اختارها صناع المسلسل لتكون الميثولوجيا التي تحتضن حكاية عصرية وكذلك لكون شخصية بو تُجسد الظل لشخصية وينزداي نفسها.

ترى وينزداي العالم مثلما رآه بو، حكاية Macabre كابوسية عليها النجاة فيها، هوايتها الكتابة السوداوية مثله، تحيا مثله في عزلة متمردة عن مفاهيم المعتاد، تأتي وينزداي لمدرسة بو وهي مطرودة من كل المدارس السابقة مثلما عاش بو حياة طُرد فيها من المؤسسات التي تتطلب أدنى قدر من الامتثال والالتزام.

من مسلسل Wednesday
من مسلسل Wednesday

حينما توقن وينزداي بامتلاكها لقدرة خارقة كونها مُستبصرة سوداوية بالماضي والمستقبل، تُخبرها أمها بأن حيوانها الروحي هو الغُراب، الملعون دومًا بحياة الوحدة وقدرته الدائمة على رؤية الظلمة فيمن حوله أكثر من النور، وهي الهبة التي صنع بها بو شعره وقصصه وتسببت في موته بالنهاية بإدمان الكحول. تصير وينزداي تنويع عن شخصية بو نفسها مع أمل وحيد في أن تلقى نهاية مُختلفة عبر تطوير شخصيتها بالصداقة والحُب وهو ما لم يحظ به بو أبدًا في حكايته ليموت وحيدًا على رصيف مهجور.

حضور بو كظل لوينزداي وتغذيته الحبكة برموزه القصصية، وأجواء Macabre التي منحت صناع المسلسل الإيقاع المثالي لتقديم حكاية تتراوح بين اللغز البوليسي والرعب القوطي والخفة الكوميدية، كان الحضور الميثولوجي الذي احتاجته حكاية عصرية.

يمثل Wednesday محاولة ناجحة وعصرية تتوسل ملامح جونرة سحرية مع أجواء ميثولوجية لم تُثقل المُسلسل بقدر ما منحته علامة تميز يحتاجها وسط مقارنات لا مفر منها ستأتي في ذهن المتلقي بينه وبين أعمال أخرى، لا يقدم المسلسل جديدًا في المعاني التي يضمها، حول العنصرية ضد المختلف والقلق الأمريكي الدائم من صعود اليمينية والشعبوية، لكن ربما الجديد هو تقديم بطل يحتاجه المراهقون، وتمريره في استعارة تُشبههم، تخبرهم أن روشتة الخروج من المراهقة بسلام، هي أصدقاء حقيقيون وربما بعض من السيكوباتية التي لا تكترث إلا بحماية فرادة صاحبها.