في ظل صعود قوة اليمين الهندوسي المتطرف في الهند، تزداد حملات التحول الديني القسري التي تستهدف الطائفة المسلمة بوصفها أكبر أقلية في البلاد، بتواطؤ أو بالأحرى مشاركة مباشرة وواضحة من حكومة بهاراتيا جاناتا اليمينية بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي التي تحكم الدولة منذ عام 2014.

ويعد حزب بهاراتيا جاناتا بمثابة الذراع السياسية لجماعة RSS الدينية المتعصبة. وقد تعهد موهان بهاجوات، رئيس الجماعة سابقاً، بالاستمرار في حملة هدفها تحويل المسلمين والمسيحيين إلى الهندوسية، معتبراً أن هؤلاء يجب «إعادتهم» إلى الديانة الأصلية في البلاد التي ضلوا عنها بحسب زعمه نتيجة تعرضهم لإغراءات.

جهاد الحب

أفادت تقارير إعلامية بأن مئات الفتيات المسلمات تم اختطافهن وإكراههن على التحول إلى الهندوسية في ولاية أوتار براديش شمال الهند، وتم إعطاء الفتيات أسماء توافق ديانتهن الجديدة وتزويجهن لرجال هندوس، ومنع عائلاتهن من استعادتهن مرة أخرى، ويشرف على هذه الحملة الكاهن يوجي أديتياناث، رئيس وزراء الولاية، وهو أبرز قيادي بالحزب الحاكم، والمرشح الأقوى لخلافة مودي.

وقد تم تسجيل 389 حالة اختطاف أو اختفاء فتيات قاصرات في منطقة واحدة بين 2014 وأكتوبر/تشرين الأول 2016، لكن المعروف أن العدد الحقيقي أكبر بكثير من الحالات المبلغ عنها رسمياً، كما كشف تقرير لتقصي الحقائق صادر عن مجلس المسلمين لعموم الهند (AIMMM) في منطقة كوشينجار وحدها عن عشرات حالات الاغتصاب والاختطاف القسري لفتيات مسلمات صغيرات بغرض تحويل ديانتهن.

وفي المقابل، تنشط وسائل الإعلام الهندية في التحذير من خطر «جهاد الحب» أو «جهاد روميو»، وهو مصطلح يروج له اليمين المتطرف يقصد به الإشارة إلى أن الشباب المسلم يحاول إغواء فتيات من الأديان الأخرى لجذبهن إلى اعتناق دينه، وعبر هذا المصطلح يتم استثارة حمية الشباب الهندي حتى من غير المتدينين، وتحفيز عملية الشحن الطائفي.

وقد قررت سلطات عدد من الولايات التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا، إقرار قانون حظر التحول الديني، من أجل منع زواج النساء الهندوسيات بشبان مسلمين، ويفرض القانون عقوبة السجن لعشر سنوات على من يخالفه، ولا يحق للمتهمين بموجبه إخلاء سبيلهم بكفالة، وتم اعتقال عدد من الرجال بموجب هذا القانون.

وفي نهاية 2020، اشتهرت قصة شابة هندوسية تحولت إلى الإسلام تبلغ من العمر 22 عاماً تم اعتقال زوجها المسلم وشقيقه، وتم القبض عليها وإجهاضها قسراً أثناء احتجازها، وبقدر ما نالت هذه الحالة اهتماماً إعلامياً فإنها لا تعد سوى مثال واحد على ظاهرة مخيفة آخذة في الاتساع.

جهاد التحول

وتحت مسمى مكافحة «جهاد التحول»، شنت السلطات الهندية حملة لاستهداف أصحاب المكاتب الذين يساعدون في تخليص إجراءات من يعتنق الدين الإسلامي، بحجة أنهم يُكرهون الهندوس على الدخول في دينهم بالقوة، أو ما أطلقت عليه وسائل الإعلام الهندية اليمينية «جهاد التحول» رغم عدم تقديم دلائل على هذا الأمر، وتقدُّم كثيرين بشهادات تفيد تفنيد تلك التهم، فإن القمع والاعتقال كان من نصيب أصحاب هذه المكاتب، الأمر الذي من شأنه إرهاب الكثيرين عن التفكير في مد يد العون لهؤلاء، ويمنع آخرين من التفكير في ترك الهندوسية أو الجهر بذلك خاصةً مع إقبال الكثير من الطبقات الاجتماعية الدنيا على اعتناق الإسلام فراراً من التقسيم الطائفي الهندوسي.

بينما تنشط الجماعات المتشددة المقربة من الحزب الحاكم في عمليات تحويل أعداد كبيرة من الفقراء المسلمين عبر استغلال أوضاعهم التعليمية والمعيشية المتردية وتهديدهم بحرمانهم من الجنسية، خاصةً في ولاية أوتار براديش، ويتم الإعلان بشكل مستفز عن مراسم تحويلهم في معابد معينة طبقاً للشعائر الهندوسية.

ويطلق على طقوس التحويل مصطلح «gharvapasi»، الذي يعني «العودة إلى الوطن» إذ تعتبر هذه الجماعات المتشددة أن الارتداد عن معتقدهم هو مجرد عودة الأحفاد إلى ديانة أجدادهم قبل الفتح الإسلامي.

ولا تعد تلك الممارسات حكراً على التنظيمات الدينية بل تشارك فيها أجهزة حكومية بشكل مباشر؛ فمثلاً في نهاية مايو/ أيار الماضي، نشر موقع ذا واير الهندي تحقيقاً كشف عن تعرض أطفال مسلمين للاحتجاز وإجبارهم على الإنصات لأناشيد هندوسية، وقراءة كتب هندوسية رغماً عنهم.

ووقعت الحادثة على إثر أعمال عنف طائفي بولاية ماديا براديش وسط البلاد في أبريل/نيسان الماضي، أقدمت خلالها القوات الحكومية على هدم بيوت ومساجد ومحلات تجارية تخص المسلمين.

ومن ضمن نحو 200 شخص اعتقلتهم الشرطة الهندية، تم الزج بعدد من الأطفال من دون تحقيق ولا محاكمة في حبس خاص على مدار شهر كامل، تعرّضوا فيه للعذاب الأليم والحرمان من الطعام والاستهزاء من عقيدتهم ومحاولة إقناعهم بتركها، حتى أن منهم من حاول الانتحار من فرط الألم والصدمة.

ويشكل التوسع الحالي في محاولات تحويل المسلمين في الهند عدولاً عن جهود التبشير الهندوسية السابقة التي كانت تتم بالترغيب وتركز على الأغنياء وذوي النفوذ، وليس الفقراء والبسطاء الذين يشكلون غالبية السكان المسلمين الهنود، وتركزت التحولات الجماعية في طبقة الراجبوت بشكل لافت، إذ أظهر المبشرون الهندوس اهتماماً مفرطاً بتحويلهم لكونهم يتمتعون بوضع اجتماعي قوي، وكثير منهم لم يكن يمارس الشعائر الدينية، وكانوا متأثرين بالعديد من العادات والمعتقدات الهندوسية المتوارثة.

مناخ الرعب

تأتي هذه الحملات والممارسات في ظل مناخ من الرعب يسود البلاد، وتعج مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو تظهر أشخاصاً مسلمين مذعورين تعتدي عليهم مجموعات هندوسية، ويتم إجبارهم على الهتاف بعبارة «جاي شري رام» أي «يحيا الإله رام»، وتنال هذه الفيديوهات مشاهدات كبيرة ويتم نشرها بفخر شديد، فضلاً عن القوانين والقرارات التي تمنع بعض الشعائر الإسلامية مثل ارتداء الحجاب في المدارس الذي بدأ من ولاية كارناتاكا، ويخطط بهاراتيا جاناتا لتعميمه في باقي الولايات، والأمثلة تصعب على الحصر.

كما شاعت مؤخراً ظاهرة هدم بيوت العائلات المسلمة التي يُتهم أي فرد من أفرادها بتهمة مثل المشاركة في مظاهرات، حتى أن عدداً من المشاركين في احتجاجات ضد إساءة المتحدثة الرسمية باسم الحزب الحاكم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، تم هدم منازلهم وتسويتها بالأرض وتم نشر فيديوهات تظهر تعذيبهم في أقسام الشرطة إمعاناً في الانتقام منهم، مما أثار غضب كبار الخبراء القانونيين الهنود، فقدموا التماساً إلى المحكمة العليا بخصوص هذه الممارسات الهمجية، لكن تصريحات صدرت من الحزب الحاكم نفت تضمن حملات هدم المنازل أي مخالفة للقانون، كما نفت الشرطة وقوع التعذيب.