محتوى مترجم
المصدر
The Conversation
التاريخ
2018/03/01
الكاتب
روبيرتا تيموثي

قد يؤدي الاستماع للأخبار التي تناقش مسألة العنصرية أو مشاهدتها إلى تداعيات سلبية على صحة الإنسان، فالمشاعر التي تثيرها هذه الأخبار قد تتسبب في إمراض الإنسان، إذا لم يتم التعامل معها بأسلوب سليم.

لقد أظهرت الأنباء الأخيرة حول قضية «تينا فونتاين»، وتبرئة «جيرالد ستانلي»، المزارع الأبيض المتهم بقتل الشاب «كولتن بوشي»، الذي ترجع أصوله إلى الأمريكيين الأصليين، أن النظام القضائي الكندي لا يزال ملتزمًا بقانون الهنود الحمر والهيمنة الاستعمارية. لقد تسببت الهيمنة الاستعمارية المتواصلة في إصابة السكان الأصليين والشعوب المستعمرة في كندا بصدمة نفسية عابرة للأجيال أثرت سلبًا على صحتهم.

وتوضح حادثتان وقعتا في الآونة الأخيرة نوع العنف الذي يتعرض له ذوو البشرة السوداء؛ الأولى، عندما سمحت إحدى المدارس للشرطة بتكبيل فتاة سوداء البشرة من اليدين والقدمين، والثانية، في وضع طفل صومالي لاجئ لا يحمل الجنسية الكندية في نظام الرعاية الأسرية البديلة، ثم تلقيه بعد ذلك بأعوام أمرًا بترحيله إلى بلده الأصلي الذي لا يتحدث لغته.

إن للنزعة الاستعمارية والعنصرية المناهضة للسود تداعيات سلبية ممتدة وكامنة على صحة السود والأمريكيين الأصليين، إذ تعيش هذه الجماعات في ظل أنظمة حكومية واجتماعية تأصل فيها الاستعلاء على تلك الجماعات في كل نواحي الحياة، ولذلك يعاني أفرادها من آثار صحية مدمرة خلال نزاعاتهم مع تلك الأنظمة للحصول على حقوقهم العادلة.

وبصفتي باحثة في الشئون الصحية وحقوق الإنسان وطبيبة وأستاذة جامعية، أمكنني التعرف على الآثار العميقة للعنصرية على الإنسان، ولذلك أود أن ألقي الضوء على التداعيات السلبية للعنصرية على صحة الإنسان، وأرجو أن يؤدي ذلك إلى تشجيع المجتمعات على فتح أبواب الحوار والاستمرار في مناهضة العنف والعنصرية حتى يحدث تغيير حقيقي.


متسلسلة العنف

تشير الإحصائيات الطبية لتجمعات السكان الأصليين إلى وجود فوارق كبيرة بين الحالة الصحية للسكان الأصليين وبقية السكان، فالعنصرية النظامية أثرت سلبًا على صحة السكان الأصليين بأشكال مختلفة، بما في ذلك محدودية الخيارات المتاحة للطعام الصحي، وظروف المعيشة غير الملائمة، وخدمات الرعاية الصحية متدنية المستوى، مما أدى إلى اقتراب معدل وفاة المواليد في مجتمعات السكان الأصليين إلى 12 ضعفًا لمعدلات وفيات المواليد لمجتمعات السكان من أصول أوروبية.

وغالبًا ما تصدر هذه الإحصائيات، التي تصدرها السلطات الرسمية في الدولة، دون توضيح السياق أو الأخذ في الاعتبار الأسباب المتنوعة لها، وأحدها هو التعرض اليومي المتواصل لعنف الدولة.

وفقًا للشهادات الشخصية، فإن الأشخاص المنتمين لتلك الجماعات يشاهدون أقاربهم وأصدقاءهم وكبراءهم يتعرضون للمعاناة العاطفية والنفسية، بسبب الممارسات العنصرية كل يوم، وتتميز الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة بالمزيد من التفاصيل الموثقة حول تداعيات العنصرية ضد السود على صحتهم.

وفي إحدى الدراسات الأمريكية، أخضع الباحثون 1574 شخصًا مقيمًا في بالتيمور للدراسة، أفاد 20% منهم أنهم تعرضوا للتمييز العنصري كثيرًا، وأظهرت تلك المجموعة ارتفاع ضغط الدم الانقباضي لديها بدرجة أكبر من المجموعة التي أفادت تعرضها للتمييز العنصري بدرجة طفيفة، وعلاوة على ذلك، كانت المجموعة التي تعرضت لدرجة أكبر من التمييز العنصري أكثر عرضة للإصابة بفشل الوظائف الكلوية خلال مدة زمنية تبلغ خمس سنوات.

وفي دراسة أمريكية أخرى أجريت في الفترة من 1997 إلى 2003 حول العلاقة بين التمييز العنصري وسرطان الثدي عند الأمريكيات من أصول أفريقية، اكتشف الباحثون أن التعرض للعنصرية أدى لارتفاع معدلات الإصابة بسرطان الثدي، خاصة في سن الشباب. وفي 2011، أظهرت دراسة بالغة الأهمية حول تأثير العنصرية على الصحة وجود ارتباط بين التعرض للتمييز العنصري لمدة طويلة وانتشار ارتفاع ضغط الدم عند الأمريكيين من أصول أفريقية.


التحيزات البحثية

يوجد عدد صغير من الدراسات حول التداعيات السلبية للعنصرية على الصحة، ومع ذلك، فقد أجريت معظم تلك الدراسات في الولايات المتحدة وبريطانيا ونيوزيلاندا وأستراليا، ولم تقم كندا بجمع أي بيانات صحية على أساس عرقي، أو تتعلق بتأثير التعرض للعنصرية على الصحة من خلال أي آلية رسمية.

يمثل ذلك مشكلة للباحثين عند محاولة تقديم إثبات علمي بأن العنصرية تؤثر سلبًا على الصحة، وتؤدي إلى عدم المساواة والتفرقة في المعاملة الصحية؛ إذ كيف يمكن للباحث إثبات تأثيرات العنصرية ضد السود على الصحة بأدلة علمية إحصائية سليمة في وجود مشاكل نظامية تحد من قدرته على جمع هذه البيانات؟

لا توجد حصانة لأحد من العنصرية في مجتمعات السود، من الأجنة مرورًا بطلاب المدارس وحتى كبار السن، إذ يتعرضون باستمرار لإعاقات صحية بوعي أو دون وعي. وتشتد التأثيرات السلبية للعنصرية على الصحة في مجتمعات السود، إذا كان الشخص ينتمي لمجموعة أخرى مضطهدة، مثل النساء، وطبقة العمال، والمثليين، والمعاقين، واللاجئين، والمهاجرين، إذ ينشأ عن التعرض للاضطهاد لأسباب مختلفة المزيد من الضغوط على نفسية الإنسان وصحته وسلامته. وأطلق على هذه الظاهرة مصطلح «العنف متعدد الجوانب».

على سبيل المثال، فإن المذبحة التي ارتكبت في حق المسلمين في أحد مساجد مقاطعة كيبك، والسياسات المعادية للإسلام، تزيد من التأثيرات السلبية على صحة المهمشين والأقليات الخاضعة للمراقبة، فاثنان من ضحايا المذبحة كانا أسودين، وهو أمر يندر ذكره، ما يُعد مثالاً على العنصرية ضد السود داخل المجتمعات الملونة.

وغالبًا ما يتجاهل الأطباء والعاملون في الخدمة الصحية التداعيات الصحية الناتجة عن العنصرية ضد السود وضد السكان الأصليين أو السكوت عنها، إذ تتحدى نتائج تلك الدراسات شرعية أنظمة الهيمنة الاستعمارية، وتثير التساؤل حول مدى التزام القوى الاستعمارية بالإنسانية والمحاسبية. ولذلك، تعاني الأبحاث الصحية حول تداعيات العنصرية ضد السود من نقص التمويل والجهد العلمي.

وتطيح واقعية التداعيات الصحية المتعلقة بالعنصرية سرديات الجماعات المحرومة والفقيرة والكسولة والمعوزة، وهذه الصور النمطية التي تؤطر تلك الجماعات في دور الضحية وتزيد من الظلم الواقع عليها في تقديم الرعاية الصحية. ومع ذلك، فإن إدراك دور العنصرية كعامل مؤثر على الصحة ذو أهمية بالغة لفهم العوائق الاقتصادية والاجتماعية التي تحول دون نجاح ذلك.

ولا يؤدي الفشل في علاج تداعيات للعنصرية على صحة الأقليات السوداء إلى خسارة أفراد من هذه الأقليات فحسب، بل نفقد أيضًا الفرصة للعب دور فعال في الحركات الانتقالية المناهضة للظلم.


التداعيات الصحية

إن التعرض للعنصرية في حياتنا يمكن أن يضر بالفعالية الصحية بأجسادنا، فالتعرض المتكرر للأزمات النفسية والعنف دون علاج قد يؤدي إلى علل مُدمِرة للصحة.

تُوثِّق التجارب الحية ومعدلات التسرب من التعليم المرتفعة غير المبررة تداعيات العنصرية ضد السود في نظامنا التعليمي، إذ يمكن أن يؤدي الظلم المستمر على الطالب من مرحلة الحضانة وحتى المرحلة الثانوية إلى مشاكل صحية متفاقمة. كما أن انخفاض معدلات توظيف ذوي الأصول الأفريقية والسكان الأصليين في مجالات الطب وعلم النفس والتعليم والأكاديميا، يؤثر مباشرة على التداعيات الصحية للعنصرية على هذه المجتمعات.

وعلى النقيض، فإن التوظيف المتزايد للمنتمين لتلك الأقليات في وظائف المعاونة الشخصية والتمريض ورعاية الأطفال، مع انخفاض فرص الترقي إلى مواقع التأثير في هذه المجالات؛ يُكرس لنمط العلاقة بين الأسياد والعبيد، عندما كان الأفريقيون يخدمون الرجل الأبيض بينما يعيشون في ظروف مدمرة لصحتهم.

وفي ظل مكابدة الأطفال والشيوخ لأعمال العنف خلال تلك المراحل العمرية التي يعانون فيها من الضعف، ويفتقدون للحماية والدعم، يميل هؤلاء إلى إخفاء مشاعر الحزن أو الانفصال عنها، مما يؤدي إلى وجود صعوبات في طلب الرعاية الصحية وتلقيها، مما قد يزيد من النتائج الصحية المخيبة للآمال.

وظهرت أسطورة عدم إصابة السود بالأمراض العقلية نتيجة للفكرة الخاطئة بمقاومتهم الفائقة لتلك الأمراض، بدلاً من الإقرار بواقع انخفاض تمويل الخدمة الصحية المقدمة وبطئها المتعمد للإضرار بصحة هذه الأقليات وسلامتها، وأدى ذلك إلى معاناة الكثير من أفراد تلك الأقليات وسعيهم لتلقي الرعاية الصحية في صمت وعزلة، فالمعاناة التي تشهدها أجساد الأقليات السوداء والمستعمرة وعقولها وأرواحها وصحتها هي معاناة شاملة.


إمكانية التغيير

أدى مجهود النشطاء على مدار سنوات إلى وضع استراتيجيتين محل التنفيذ؛ وهما إدارة مناهضة العنصرية المحلية، وخطة العمل المحلية لمناهضة العنصرية ضد السود في تورنتو، مما يمثل بصيصًا من الأمل. تستهدف هاتان الاستراتيجيتان الحد من التفرقة الصحية، وعلاج التداعيات الصحية الناتجة عن العنصرية والعنف التي يعاني منها السود والسكان الأصليون والعرقيات الأخرى خلال حياتهم اليومية.

تحتاج الأبحاث إلى زيادة التمويل المتاح لها، كما تحتاج الجامعات إلى تعيين باحثين من الأقليات التي تتعرض للعنصرية تعرضًا مباشرًا، وكذلك الباحثين العاملين على حل مشاكل التفرقة الصحية، لدعم الأقليات المظلومة والمضطهدة.