تعتبر الأعمال الكوميدية ركيزة أساسية في الدراما الرمضانية، وتحصل على أعلى المشاهدات، نظرًا لأنها أعمال خفيفة ومسلية، ولا تتطلب تركيزًا كبيرًا. في العقدين السابقين حدثت تغيرات كثيرة في شكل الأعمال الكوميدية وموضوعاتها.ففي التسعينيات كان أغلبها ينتمي لما يمكن تسميته بـ«كوميديا العائلة». وهذا النوع يعتمد بشكل أساسي على وجود أسرة أو أكثر يواجهون مواقف كوميدية مختلفة، وهي لا تعتمد على الإفيه بشكل أساسي، ولكنها تعتمد على الموقف وتعامل الشخصيات معه. ومن أشهر هذه الأعمال «ساكن قصادي»، و«عائلة الأستاذ شلش»، و«يوميات ونيس».أما العقد الأول من القرن الحالي فهو عقد مسلسلات «السيت كوم»، حيث كانت تلك النوعية هي الأكثر انتشارًا على القنوات التليفزونية، خصوصًا في أوقات قبل وبعد صلاة المغرب مباشرة. ومن حيث الشكل كانت الحلقة الواحدة لا تزيد على 20 دقيقة، وبالطبع يضاف إليها صوت ضحكات الجمهور. وكان أغلب أبطالها من الشباب، وتكاليف إنتاجها منخفضة. وتعتمد على كوميدية الموقف بشكل أساسي، ولذلك سميت بالسيت كوم، وهو اختصار للكلمة الإنجليزية «Situation Comedy».يجب ملاحظة أن النوعين السابقين كانا موجهين لجميع أفراد العائلة بمراحلهم العمرية المختلفة، وأن تيماتها اُسْتُغِلت إلى أن فقدت بريقها، وهذا ما أدى للانتقال لأشكال وتيمات أخرى.ومع بداية العقد الحالي بدأت تظهر موجة جديدة من المسلسلات الكوميدية تميزت في بدايتها، ولكنها بدأت تخفت تدريجيًا وخصوصًا في هذا العام. ويمكن تلخيص شكل الموجة الحالية في أربعة محددات أساسية.


الفنتازيا: حيث يختفي الواقع

جميع المسلسلات الكوميدية هذا العام، باستثناء «لمعي القط»، تعتمد على التيمات الفنتازية، وتلك هي السمة الرئيسية في الموجة الجديدة للمسلسلات الكوميدية، والتي يعتمد عليها «أحمد مكي» منذ بدايته كمخرج في فيلم «الحاسة السابعة»، وينفذها في كل أعماله تقريبًا. وقد استنزف كذلك تيمة القرية الصعيدية الخيالية «المزاريطة» في مسلسل «الكبير أوي». والتي تعتمد الكوميدية فيها على تأثر سكان القرية (المتخلفين) وعمدتهم بالعادات الغربية التي ينقلها التليفزيون من خلال المسلسلات والأفلام والبرامج الأجنبية. ومصدر الكوميديا هو محاولة تقليدهم للثقافة الغربية. وقد استنزف مكي تلك الفكرة في عدة أجزاء إلى أن فقدت جماهيريتها. ولا يختلف في ذلك الثلاثي «هشام ماجد»، و«شيكو»، و«أحمد فهمي» عن مكي، فأحد أسباب شهرتهم في السينما هو اعتمادهم على التيمة الفنتازية بداية من فيلم «سمير وشهير وبهير»، مرورًا بمسلسل «الرجل العناب»، إلى أن وصلوا لقمة مجدهم في «الحرب العالمية الثالثة». ولكنهم استمروا في استنزاف تلك التيمة حتى مع انفصال أحمد فهمي عن هشام ماجد وشيكو. فقام أحمد فهمي ببطولة فيلم «كلب بلدي»، الذي لاقى نجاحًا جماهيريًّا وإخفاقًا نقديًّا، وتعاون الثنائي الآخر في «حملة فريزر»، ولم يلق نجاحًا جماهيريًّا أو نقديًّا. إخفاق مكي والثنائي جعلهم يتعاونون سويًا في مسلسل «خلصانة بشياكة»، وهو ما يمثل استمرارًا في الاعتماد على التيمات الفنتازية. ردود فعل متفاوتة حصلت عليها الحلقات الأولى، ولكن الأكيد أنها ليس كافية لإنقاذ مكي وهشام وشيكو. ويشاركهم في الاعتماد على التيمات الفنتازية أحمد فهمي في مسلسله «ريح المدام». الذي لم يلق ترحيبًا أكثر من مسلسل رفاقه السابقين.

وكانت «دنيا سمير غانم» التي شاركت مكي في «الكبير أوي» خرجت من تلك التيمة في مسلسل «لهفة»، ولكنها عادت إليها سريعًا في مسلسل «نيلي وشريهان» الذي لاقى نجاحًا طيبًا، وهو ما دفعها لاستغلال هذا النجاح في عمل فنتازي آخر، وهو «في اللا لا لاند»، ولكن الحلقات الأولى لاقت الكثير من الانتقادات، والتي وصلت لحد الصدمة من سوء السيناريو.وفي مسلسل «شاش وقطن» لبيومي فؤاد اعتمد على الفنتازيا، ولكن بقدر أقل. فالعنصر الفنتازي تلخص في تجمع مجموعة من الأطباء ومساعديهم الفشلة في مستشفي منعزلة مجهولة. ولم يخرج مسلسل «هربانة منها» عن تلك التيمات الفنتازية، فقصته تدور حول مريضة تتقمص كل يوم شخصية مختلفة.


الإفيه بديل عن الموقف

تختفي كوميدية الموقف تدريجيا، وأصبح هم كتاب المسلسلات الأول هو صناعة أكبر قدر من الإفيهات، ومجاراة إفيهات صفحات الكوميك والسخرية على الفيس بوك. فمسلسل «ريح المدام» يبدأ مشهده الأول بأحمد فهمي وهو يلقي مجموعة من الإفيهات، وكأنه في برنامج نكت، واستمر المسلسل حتى لحظتنا هذه على هذا الحال.كذلك مسلسل «خلصانة بشياكة» الذي يمتلك فكرة جيدة تتيح له فرص صناعة مواقف كوميدية. ولكن أهمل كتاب العمل تلك الفرص من أجل توفير أكبر قدر من الإفيهات للنجوم. وجميع المسلسلات الكوميدية لهذا العام تشترك في عنصر واحد، وهو السخرية من الممثلات البدينات، والاعتماد على مفارقات السمنة كمصدر للإفيه. أما مسلسل «في اللا لا لاند» فهو يعتمد في بناء الكوميدي على السخرية من البدينات والريفيين والسمر وأبناء الحارات والصعايدة.في جميع تلك الأعمال بعض الإفيهات تكون موفقة، ولكن كلما اقترن الإفيه بالموقف تكون فرص نجاحه أفضل. واصطناعه دون موقف يبرزه يؤدي لضياعه، بل يصبح مصدرًا للإزعاج.


تقليص الوقت

رغم اختفاء مسلسلات السيت كوم، ولكن يبدو أن المسلسلات الحالية أخذت منها صفة الزمن القصير للحلقة. يبدو أن هذا توجه عام في كل المسلسلات في العامين الأخيرين، ولكنه يظهر بشكل أكثر وضوحًا في المسلسلات الكوميدية، فمتوسط الحلقة الواحدة من المسلسلات الكوميدية هذا العام في حالة حذف تتر البداية والنهاية من 21 : 24 دقيقة تقريبًا.أقصر المسلسلات في زمن الحلقة هو «خلصانة بشياكة»، ويبلغ زمنها 19 دقيقة فقط، يأتي بعده مسلسل «شاش وقطن» بـ21 دقيقة. في حين يتفاوت زمن الحلقات في مسلسلي «في اللا لا لاند» و«ريح المدام» بين 24 دقيقة و28 دقيقة. هذه الدقائق ليست خالصة للأحداث الدرامية فقط، فأحيانًا يتخللها أغانٍ تختصر من زمن الحلقة 4 دقائق أخرى، خصوصًا في «خلصانة بشياكة». وهذا مؤشر آخر على أن أحداث هذه الأعمال لابد أن تنتهي في 15 حلقة كحد أقصى، ولكن يمارس صناع هذه المسلسلات كل أساليب التطويل والحشو في الأحداث وتقليص الوقت من أجل إكمال الـ30 حلقة.


التوجه للشباب

أغلب نجوم الموجة الحالية يوجهون أعمالهم للشباب بشكل رئيسي، ويجعلونهم الجمهور الأكبر لأعمالهم، في مقابل توجيه أعمال الموجات السابقة لكل أفراد الأسرة، وارتبط هذا التوجه باعتماد أبطال تلك الموجة على جمهور السينما (والذي يمثل الشباب النسبة العظمى فيه).ويظهر هذا التوجه في «خلصانة بشياكة» و«ريح المدام»، فالأول يعتمد على الإبهار البصري، وجودة وإتقان الصورة السينمائية، وتصميم الإنتاج المعتمد بدرجة كبيرة على نقل روح فيلم «mad max». كذلك الإفيهات والتلميحات الجنسية التي تجذب الشباب. أما «ريح المدام»، رغم التنويه بأن حلقاته مناسبة لمن هم فوق 12 عامًا، ولكنه لم يخلُ من العوامل السابق ذكرها في «خلصانة بشياكة»، وإن كان بدرجة أقل.أما دنيا سمير غانم فهي ممثلة جاذبة للشباب أكثر من أي فئة أخرى، بالإضافة لاعتمادها على نقل روح بعض الأعمال الغربية، خصوصًا في عنصري الصورة وبناء الحبكة المشابه لمسلسل «lost»، والاسم المقتبس من فيلم «la la land». وكذلك «ياسمين عبد العزيز»، فـ«هربانة منها» يعتبر أول أعمالها التليفزيونية منذ فترة طويلة، وبالتالي فهي تحاول الاعتماد على جذب الشباب، خصوصًا في الأحداث المستوحاة بعض الشيء من فيلم split. وحاول صناع العمل توضيح هذا الأمر بداية من البوستر المنقول حرفيًّا من split.وفي الأخير، يمكننا القول إن تلك الموجة التي ظهرت في هذا العقد لم تعد قادرة على تقديم جديد، فهل يخرج نجومها من دوامة التكرار، أم تنتهي نجوميتهم ويخرج آخرون بموجة جديدة؟