شهدت الساحة العربية على مدار السنوات الأربع الماضية تحولات سياسية وأمنية واقتصادية كبرى، وهو ما خلق حالة من السيولة الشديدة في العلاقات البينية العربية، وكذلك التحالفات الإقليمية لدول المنطقة.

↵↵↵↵

ولا شك أن التغيرات السياسية المتلاحقة التي شهدتها مصر خلال السنوات الأربع الماضية، قد ألقت بظلالها على سياسة مصر الخارجية، خاصة تجاه دول المنطقة العربية.

↵↵↵↵

وتأتي أهمية تحليل العلاقات المصرية العربية في عهد السيسي بعد مرور عام على حكمه، في إطار التأثير الواضح للمتغير الخارجي على الأوضاع الداخلية في مصر عقب 30 يونيو، بعدما كان الوضع الداخلي والرأي العام هو صاحب اليد العليا في التأثير على سياسة مصر الخارجية بعد ثورة يناير 2011.

↵↵↵↵

حيث أن التحالف المصري الخليجي الذي تم نسجه عقب 3 يوليو 2013، كان أحد أهم عوامل تسيير المرحلة التالية واستقرار الحكم بعيدا عن جماعة الإخوان المسلمين ولصالح ممثل المؤسسة العسكرية عبد الفتاح السيسي.

↵↵↵↵

أولًا: محددات العلاقات المصرية العربية في عهد السيسي

↵↵↵↵

لا شك أن تغير طبيعة العلاقات المصرية العربية في عهد السيسي، عن عهد سلفه، لم يكن إلا استجابة لمجموعة من المحددات الداخلية والإقليمية، والتي يمكن استعراض أبرزها على النحو التالي:

↵↵↵↵
  1. يأتي الوضع الداخلي المأزوم على رأس محددات العلاقات المصرية العربية؛ فرغم محاولات النظام لإسكات أصوات المعارضة في الداخل سواء من جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها أو القوى السياسية المدنية، إلا أنها ما زالت تمثل مصدر إزعاج للنظام، وذلك لرفضها للمسار السياسي القائم، وفضحها لانتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها النظام، والأهم، لكونها أحد أبرز أسباب خصم الشرعية الدولية من النظام.الأمر الذي جعل معظم تحركات النظام على المستوى العربي تستهدف بالأساس ترميم شرعيته السياسية، بل وانبرى في محاولات عديدة لإعادة تشكيل تحالفات المنطقة بحيث يتم عزل الدول التي ما زالت تتمسك بدعم جماعة الإخوان، ورفض حكم السيسي.↵

    كما أن عدم قدرة النظام على الحد من النشاط الإرهابي للجماعات الجهادية في سيناء والحدود الجنوبية والغربية في آنٍ واحد، مع وجود خلايا نائمة لهذه الجماعات في العمق المصري، أفضت إلى حالة من عدم الاستقرار الأمني، أثّرت بالسلب على تدفق الاستثمارات الأجنبية، وكذلك على شرعية النظام، الذي جعل من الاستقرار الأمني أولى أولوياته، ومع ذلك فشل في تحقيقه.

    انصار بيت المقدس هجوم كرم القويدسة

  2. مثّل تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر خلال فترة حكم السيسي أحد أهم محددات العلاقات المصرية العربية، فقد تدهورت الأوضاع الاقتصادية في مصر تدهورًا غير مسبوق، وتراجع الأداء الاقتصادي إلى أدنى معدلاته، وانخفض الاحتياطي النقدي إلى حد الخطر، مع تدهور الخدمات والبنية الأساسية. وتزايدت الحاجة لمزيد من الاستهلاك للبترول ومشتقاته، وارتفع مستوى البطالة، وذلك نتيجة عدم الاستقرار السياسي والأمني، وافتقار القيادة السياسية لرؤية إستراتيجية واضحة حول مستقبل الاقتصاد المصري.
  3. تدهور علاقات مصر ببعض القوى الإقليمية مثل تركيا وقطر والسودان، نتيجة اختلاف التوجهات السياسية بشأن كيفية التعامل مع أبرز القضايا الإقليمية، فجاءت الخلافات المصرية مع قطر وتركيا بسبب القضايا المتعلقة بتيار الإسلام السياسي بوجهٍ عام في المنطقة.فعلى جانب، اختلفت رؤى هذه الأطراف حول التعامل مع الجماعات الجهادية الموجودة في المنطقة، وتحديدا تلك الموجودة على حدود مصر الدولية في الشمال الشرقي، وفي ليبيا على الحدود الغربية.↵

    وعلى جانب آخر كانت جماعة الإخوان المسلمون في مصر الملف الحاضر دائما في خلافات مصر مع قطر وتركيا، وذلك بسبب الاتهامات التركية والقطرية للنظام المصري بانتهاك حقوق الإنسان واضطهاد أنصار الجماعة، بينما ادعى النظام المصري وجود دعم سياسي ومادي وإعلامي من جانب الدولتين لصالح جماعة الإخوان المسلمين في صراعهم مع النظام المصري من أجل إسقاطه. أما الخلافات المصرية السودانية فقد تركزت أساسا على ملف سد النهضة الإثيوبي.↵

  4. تفشي ظاهرة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، وتزايد نشاط الجماعات الجهادية، وظهور جيل جديد من هذه الجماعات تمثل في تنظيم “داعش”، وهو الأمر الذي أربك الحسابات السياسية لدول المنطقة، وجعل محاربة الإرهاب على رأس أجنداتها الخارجية، بل ومحور معظم التحالفات والتفاهمات الإقليمية.
  5. يمكن اعتبار البراجماتية هي السمة الأساسية للعلاقات بين دول المنطقة عقب ثورات الربيع العربي، حيث ساد نمط التحالفات “المرنة”، وتخلت الدول عن سياسات “إما معنا أو ضدنا”، لصالح إستراتيجيات التوافق حتى مع الدول مصدر التهديد، فحالة التحالف والاصطفاف الإقليمي لم تعد جامدة، وأصبحت مرتبطة أكثر بقضايا محددة، دون أن تنسحب على باقي قضايا المنطقة.وهو الأمر الذي يتجلى في تحالف مصر والسعودية والإمارات بعد 30 يونيو 2013، والذي حكمته مصلحة مشتركة وهي إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين، دون أن يعني ذلك اتفاق ذات الدول في باقي القضايا، مثل الأزمة السورية.
  6. لا شك أن التحولات التي ألمت بمركز الثقل السياسي في المنطقة، أثرت بشكل مباشر على طبيعة العلاقات المصرية العربية، فعقب انطلاق ثورات الربيع العربي، تراجع التأثير الإقليمي لكل من مصر وسوريا.وفي المقابل أصبحت الدول الخليجية هي الأكثر تأثيرًا في التفاعلات الرئيسية في الشرق الأوسط، وقد اكتملت أبعاد هذا التأثير عقب 30 يونيو 2013، على نحو أصبحت معه دول الخليج هي مركز الثقل السياسي في المنطقة، خاصة السعودية والإمارات، وتدعمهما البحرين والكويت، بينما تمر قطر بمرحلة “إعادة تموضع” بطيئة بعد تغير أميرها، وسقوط حكم الإخوان في مصر.
↵↵↵↵

ثانيا: سمات السياسة الخارجية المصرية تجاه المنطقة العربية

↵↵↵↵

عند الحديث عن سمات سياسة مصر الخارجية تجاه المنطقة العربية، فنحن بصدد تناول ثلاث سمات رئيسية، وهي:

↵↵↵↵
  1. السمة الأولى لسياسة مصر الخارجية تجاه الدول العربية، أنها مثلت إعادة إنتاج لسياسات مبارك وتحالفاته، وأنها بعدت كل البعد عما تنبأ به المراقبون من “إعادة هيكلة” السياسة الخارجية المصرية، واستمرار التحالف المصري الخليجي بضغوطه السياسية والاقتصادية، وعدم الانفتاح على إيران، واستمرار علاقات التعاون والود مع إسرائيل على حساب مصالح الشعب الفلسطيني.
  2. السمة الثانية، تمثلت في محاولات السيسي لإظهار أن الدائرة العربية هي أولى دوائر السياسة الخارجية المصرية، وهي محاولات لم تكن تعبر عن المكنون الحقيقي للسياسة الخارجية المصرية في تلك الفترة.فقد هدفت تلك المحاولات إلى زيادة مساحة تأثير مصر في القضايا العربية، وإظهار شخص السيسي على أنه القائد القومي الذي يرعى مصالح المنطقة، وهو الأمر الذي أكد عليه السيسي أثناء حملته الانتخابية، حينما ذكر أن مصر ملتزمة بحماية الأمن القومي العربي والخليجي، وكذلك جملته الشهيرة “مسافة السكة”.↵

    وعلى ضوء ذلك جاءت الضربات المصرية لمعاقل داعش في ليبيا، ودعوة مجلس الأمن لتدخل دولي عسكري هناك، بالإضافة إلى تبني مبادرة “دول الجوار” لحل الأزمة الليبية، وكذلك استضافة القاهرة لملتقى القبائل الليبية في 25 مايو 2015، ناهيك عن الاستضافة لمؤتمر المعارضة السورية، وأخيرا، مبادرة تشكيل قوى عربية مشتركة لمحاربة الإرهاب.

    الضربة العسكرية المصرية في ليبيا

    ونتيجة أن مصر لم تعد تمتلك عوامل التأثير على قضايا المنطقة وبالتالي ابتعدت عن مركز الثقل الإقليمي، باءت معظم المبادرات – سالفة الذكر – بالفشل أو على الأقل لم تلق النجاح المأمول من جانب النظام المصري.↵

  3. السمة الثالثة، وهي نتيجة طبيعية للسمتين سالفتي الذكر، هي الارتباك. فنتيجة قيام السيسي بإعادة إنتاج سياسات مبارك، ورغبته في لعب دور عربي مؤثر، وفي ذات الوقت اهتمامه بتثبيت شرعيته السياسية على المستوى الدولي، بتدعيم علاقات وإقامة تحالفات دولية تتنافر أحيانا مع علاقاته وتحالفاته على المستوى العربي، وكذلك تنامي البعد الاقتصادي في علاقاته الخارجية نتيجة ضعف الاقتصاد المصري، وسعيه لتحجيم مساحة نفوذ جماعة الإخوان في المنطقة.جاءت علاقات مصر بالدول العربية مرتبكة بشدة، وهو ما يظهر بشكلٍ جليٍّ في علاقات مصر بالسعودية وقطر ودول المغرب العربي، حيث تتراوح هذه العلاقات بين كافة المستويات – من تعاون وفتور وتوتر – خلال أبعاد زمنية ضيقة.
↵↵↵↵

ثالثا: تحولات العلاقات المصرية الخليجية

↵↵↵↵

عند الحديث عن العلاقات المصرية الخليجية في عهد السيسي، فيجب أن نفرّق بين مسارين من العلاقات؛ المسار الأول هو علاقة مصر بالدول الداعمة لإسقاط نظام الإخوان المسلمين في 30 يونيو 2013، وهي السعودية والإمارات والكويت والبحرين، وإن كانت علاقات مصر بالسعودية والإمارات هي الأكثر أهمية، بسبب ما أبدته من دعم سياسي واقتصادي كبير لنظام السيسي، كان سببا رئيسيا في تثبيت دعائمه.

↵↵↵↵

وقد كان هناك شبه اتفاق تام بين مصر والسعودية والإمارات في رؤيتهم حول جماعة الإخوان المسلمين، وضرورة القضاء عليها في مصر، وتحجيم نشاطها ونفوذها في المنطقة العربية.

↵↵↵↵

فعلى جانب، استمد نظام السيسي الجزء الأكبر من شرعيته السياسية تحت ذريعة محاربة إرهاب الإخوان، وعلى الجانب الأخر، رأت الدول الخليجية في وصول الإخوان للحكم في عدة دول عربية بعد ثورات شعبية، تهديد لأنظمتها الملكية، وكذلك لنفوذها الإقليمي، الذي كان ليتأثر بشدة في حال استمرار حكم الإخوان في مصر وتونس، وتشكيلهم لتحالفات إقليمية تستبعد الدول الخليجية باستثناء قطر، وتستدعي قوى إقليمية أخرى كتركيا.

↵↵↵↵

وعلى ذلك، قدمت كل من السعودية والإمارات، إلى جانب الكويت، كافة أشكال الدعم السياسي والاقتصادي لنظام السيسي، فأعلنت كل من السعودية والإمارات أن جماعة الإخوان المسلمين “جماعة إرهابية”، كما قدمت الدول الثلاث مساعدات اقتصادية لمصر، وصلت، وفق الرواية الرسمية لوزير الاستثمار المصري أشرف سالمان، إلى نحو 23 مليار دولار في الفترة من يوليو 2013 وحتى نهاية 2014. بينما تذكر المصادر غير الرسمية، المتمثلة في اقتصاديين متابعين لملف المعونات الخليجية المقدمة لمصر، أن إجمالي المساعدات وصل إلى 47.5 مليار دولار.

↵↵↵↵

بالإضافة إلى المساعدات الخليجية الأخيرة لمصر؛ التي تقرّرت خلال مؤتمر شرم الشيخ والبالغة 12.5 مليار دولار.

↵↵↵↵

ولكن، جاءت وفاة الملك عبد الله وتولي الملك سلمان مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية، لتمثل نقطة تحول في تماسك التحالف المصري الخليجي بعد 30 يونيو، حيث تراجع مستوى التوافق بين مصر والسعودية، ثم وصل إلى مرحلة التوتر المكتوم، وذلك لعدة أسباب؛ يأتي على رأسها التراجع الشديد لحجم المساعدات الاقتصادية السعودية لمصر، وكذلك تغير الأجندة السياسية الإقليمية للقصر السعودي، فبعد أن كانت السعودية ترى في جماعة الإخوان المسلمين الخطر الأكبر على أمنها وأمن المنطقة القومي، صبت جم تركيزها على مواجهة المد الحوثي في اليمن، وتوسع تنظيم داعش في سوريا والعراق، وتغلغل النفوذ الإيراني في المنطقة.

↵↵↵↵
الملك سلمان
↵↵↵↵

وبعيدا عن التقارير التي أشارت إلى وجود علاقات ودية تربط الملك سلمان وساسته الجُدد بقيادات إخوانية، فيبدو أن الملك سلمان قد توصل لقناعة مفادها، أن مواجهة التهديدات الإقليمية المحيطة بالسعودية تتطلب تشكيل محور إقليمي سني يضم السعودية وتركيا ومصر، ومن يرغب من الدول العربية، دون استبعاد جماعة الإخوان المسلمين، وذلك لمواجهة المحور الإيراني في الإقليم، وهو الأمر الذي لم يرُق للقيادة السياسية في مصر، التي أبدت موقفًا مترددًا وغامضًا من عملية “عاصفة الحزم”، كما عمدت إلى توجيه رسائل سياسية سلبية إلى السعودية عن طريق بعض التحركات الخارجية، كزيارة السيسي الأخيرة لروسيا.

↵↵↵↵

وكان آخر مؤشرات هذا التوتر المكتوم، هو تصريحات بعض المصادر المصرية الرسمية، التي نشرتها صحيفة الشروق المصرية في 31 مايو 2015، أن القاهرة أبلغت الرياض خشيتها من أن “المبالغة” في الانفتاح على أذرع جماعة الإخوان المسلمين في الدول العربية ومحاولة الاعتماد عليها لإنهاء الأزمة في اليمن أو لملمة الوضع في سوريا، سيؤدى حتما لعواقب وخيمة على الاستقرار الإقليمي لأن الإخوان إذا ما وصلوا للحكم في بلدان عربية بدعم سعودي لن يهدأ لهم بال وسيسعون للسيطرة على جميع العواصم العربية.

↵↵↵↵

وعلى مستوى آخر، اعتبر بعض المحللين أن محاولة تبني مصر لخطاب سياسي مرتبط باستعادة دورها القيادي في المنطقة، كانت أحد القضايا الخلافية مع السعودية، التي أصبحت ترى في نفسها اللاعب الأبرز والأكثر تأثيرا في قضايا المنطقة، وهو الأمر الذي يمكن استنتاجه من عدم تأييد السعودية للمبادرة المصرية لتشكيل قوات عربية مشتركة لمكافحة الإرهاب، لأن التداعيات السياسية الناتجة عن تشكيل هذه القوات، كانت ستدفع في اتجاه تعزيز دور قيادي ما لمصر في المنطقة، لا سيما وأن ما هو متداول حول هذه القوات في العديد من الوسائل الإعلام العربية والأجنبية يشير إلى أن المكون العددي الأكبر سيكون من الجيش المصري.

↵↵↵↵

أمّا المسار الثاني، فهو علاقة مصر بقطر. ويمكن القول أنه عقب قيام ثورة 25 يناير، رحبت قطر بإزاحة مبارك عن السلطة، وزار أمير قطر القاهرة، وبدأ بدعم الدولة المصرية عن طريق وديعة مالية وضعها في البنك المركزي المصري، وتطورت العلاقات المصرية القطرية بعد ذلك بشكل إيجابي، مع وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم، إلا أنه سرعان ما عاد التوتر ليسود علاقة البلدين بعد الإطاحة بحكم الإخوان، حيث ارتفعت حدة الغضب تجاه السيسي، وصعّدت قناة “الجزيرة” من لهجتها المعادية للأوضاع الجديدة في مصر، بل وقامت حكومة الدوحة بسحب وديعتها من البنك المركزي المصري، وانبرى الإعلام المصري في الهجوم المستمر على قطر، وانتقاد دعمها للإخوان المسلمين.

↵↵↵↵

وذلك إلى أن قام الملك عبد الله بمحاولات لتقريب وجهات النظر بين الدوحة والقاهرة، وإقامة مصالحة بين الطرفين، وقد نجحت هذه المحاولات في تخفيف حدة الحرب الإعلامية والدبلوماسية بين البلدين، ولكن مع تولي الملك سلمان مقاليد الحكم، تراجعت أجواء المصالحة، وعاد التوتر مرة أخرى ولكن بدرجة أقل مما كان عليه الوضع في السابق، وذلك في ظل تراجع ملحوظ للدعم القطري لجماعة الإخوان المسلمين.

↵↵↵↵

وخلاصة الأمر، أن العلاقات المصرية القطرية متأرجحة صعودا وهبوطا، نتيجة عدم وجود أرضية مشتركة يقف عليها الطرفان، كما أن الحسابات السياسية الجديدة التي سادت المنطقة عقب تولي الملك سلمان وتوقيع اتفاق إيران النووي، جعلت المشهد أكثر ضبابية، مما حدا بالطرفين إلى تأجيل حسم هذه الخلافات أو تصعيدها في الوقت الحالي.

↵↵↵↵

رابعاً: التخبط المصري في المغرب العربي

↵↵↵↵

يمكن القول بأن التخبط كان هو العنوان الرئيسي للعلاقات المصرية المغاربية في عهد السيسي، فرغم أن العديد من المحللين قد فسروا التحركات المصرية الخارجية على الصعيد المغاربي على أنه انفتاح جديد وغير مسبوق. إلا التتبع الدقيق لهذه التحركات يشي بالتخبط الذي اعترى تلك التحركات التي هدفت في المقام الأول إلى البحث عن شرعية سياسية جديدة للنظام المصري ولتحركاته الإقليمية – والعسكرية منها – في هذه المنطقة.

↵↵↵↵

كان أول محددات العلاقات المصرية المغاربية هو الاعتراف بشرعية النظام المصري بعد 3 يوليو 2013، وهو الأمر الذي أسفر عن تقارب مصري جزائري، نتج عن تدعيم نظام بوتفليقة لنظام السيسي، وهو ما لم يحدث في الحالتين التونسية والمغربية، مما شجع السيسي على زيارة الجزائر، بالإضافة إلى موافقة الجزائر على تزويد مصر بـ 145 ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي قبل نهاية العام 2014 طبقًا لشركة سوناطراك الحكومية للطاقة، كما انتشرت أنباء في ذلك الوقت عن مشاركة لوفد مصري في مؤتمر دولي داعم لجبهة البوليساريو المعادية للمغرب في الصحراء الغربية، والتي تدعمها الجزائر في سعيها للاستقلال بالصحراء الغربية، مما أدى إلى فتح جبهة توتر بين مصر والمغرب، ساهم في تأجيجها إعلام البلدين.

↵↵↵↵
زيارة السيسي للجزائر
↵↵↵↵

وكانت الأزمة الليبية هي ثاني المحددات التي أربكت الحسابات المصرية في منطقة المغرب العربي. ودعونا في البداية نؤكد على أن الدبلوماسية المصرية قد فشلت تمامًا في إدارة ملف الأزمة الليبية، التي جاءت على خلفية إعدام تنظيم داعش الإرهابي لـ 21 مواطنًا مصريًا في ليبيا.

↵↵↵↵

ومنبع هذا الفشل هو عدم فهم الإدارة المصرية أو تجاهلها لرؤية العالم تجاه الأزمة الليبية، وتمسكها برؤيتها الخاصة، فالقوى الدولية رأت في ليبيا وجود طرفين أساسيين ليس لأحدهما القدرة العسكرية على حسم الصراع، مما يلزمه ضرورة التوصل لحل سياسي يشمل الجميع باستثناء الميليشيات الإرهابية، وهو ما جعل مصر تغرد منفردة باتجاه تدخل دولي لحسم الصراع تحت مظلة محاربة الإرهاب، وهو ما فشلت مصر في تحقيقه نتيجة وضعها لأهداف مستحيلة التحقيق ابتداءً، إضافة إلى خطوات دبلوماسية بترتيب معكوس، ناهيك عن عدم التنسيق المسبق لضمان موافقة دول مهمة في الملف الليبي مثل الجزائر وتونس.

↵↵↵↵

لذا، بدا جليا أن السياسة الخارجية المصرية فشلت في التعامل مع الأزمة الليبية، ليس هذا فحسب، بل أنها تسببت في زعزعة أسس العلاقات مع الجزائر، فالقرار المصري المنفرد بالتدخل العسكري في ليبيا، والتحرك الدولي في ذات الاتجاه، خلق هوة كبيرة بين القاهرة والجزائر فيما يتعلق بالشأن الليبي.

↵↵↵↵

فالجزائر، والتي تُعد اللاعب الإقليمي الأكثر ضلوعا في الأزمة الليبية، بدت منزعجة من التحركات المصرية المنفردة في ليبيا، مما حداها للتحفظ على التدخل العسكري المصري، وتعزيز نشاطها الدبلوماسي في اتجاه دعم المجتمع الدولي للحوار على حساب الخيار العسكري.

↵↵↵↵

وبعد أن أعادت الأزمة الليبية، العلاقات المصرية المغاربية إلى نقطة الصفر، جاءت عملية عاصفة الحزم – والتي تعتبر المحدد الثالث – لتفتح أمام مصر فرصة جديدة لاستعادة علاقتها بالمملكة المغربية.

↵↵↵↵

فبعد الأزمة التي عصفت بالبلدين في يناير 2015 على خلفية التصريحات غير المسؤولة التي صدرت من إعلام الطرفين، والتي سرعان ما تم احتوائها دبلوماسيا، جاء تعثر الوفاق المصري الجزائري على خلفية الأزمة الليبية، ليجعل الطرف المصري يفكر في إعادة فتح قنوات اتصال جادة مع نظيره المغربي، وتأكد هذا الاتجاه بعد مشاركة المغرب في عملية “عاصفة الحزم” إلى جانب مصر، وهو الأمر الذي أوحى برغبة المغرب في لعب دور إقليمي فعال، حتى في تلك القضايا التي تبعد عن مجالها الجغرافي.

↵↵↵↵
أماني الخياط صاحبة التصريحات المعادية للمغرب
↵↵↵↵

وعلى الرغم من هذا، إلا أن الضغوط الداخلية على حكومة الإسلاميين في المغرب، قد تعوق أي تقدم حقيقي في العلاقات بين البلدين.

↵↵↵↵

خامسا: تراجع التأثير المصري في القضية الفلسطينية

↵↵↵↵

تأتي أهمية الحديث عن القضية الفلسطينية في ملف السياسة الخارجية المصرية تجاه المنطقة العربية في عهد السيسي، كونها هي الدليل الحي على أن السياسات الخارجية للسيسي لا تعد سوى إعادة إنتاج لسياسات مبارك، وأن البعد القومي العروبي الذي حاول السيسي تبنيه في خطاباته وتحركاته الخارجية على المستوى العربي، لم يكن سوى محض شعارات دعائية.

↵↵↵↵

حيث استمرت علاقات التعاون والتفاهم مع إسرائيل، وغضت مصر الطرف عن معاناة الشعب الفلسطيني، ولم تعد تصدّر للإعلام عن القضية الفلسطينية، سوى أن حماس حركة إرهابية تهدف إلى زعزعة الحكم في مصر.

↵↵↵↵

وعند تناول هذه القضية بشيء من التفصيل، نجد أن موازين المعادلة الفلسطينية كانت شديدة التأثر بتغيرات الداخل المصري، فعقب الإطاحة بحكم الإخوان، مالت المعادلة لصالح حركة فتح بعد أن كانت تميل لمصلحة حركة حماس خلال حكم مرسي لاعتبارات تتعلق بالوحدة الفكرية والأيديولوجية، وفي حين بادرت فتح بمباركة عزل مرسي وتأييد خريطة الطريق، جاءت إزاحة الإخوان عن الحكم بمثابة الصدمة لحماس التي كانت تراهن على القيادة المصرية الجديدة باعتبارها الداعم اللوجستي.

↵↵↵↵

فعقب 30 يونيو 2013، عمدت القيادة السياسية إلى فرض حصار سياسي وعسكري شديد على حركة حماس، حيث أعلنت القوات المسلحة المصرية على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك، عن وجود أسلحة مدون عليها اسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وبعض المهمات العسكرية التي تستخدمها الحركة، وذلك خلال حملات التمشيط الأمنية التي تقوم بها القوات المسلحة لتجفيف منابع الإرهابيين في سيناء، إلى جانب التهم الموجهة للرئيس المعزول محمد مرسي بالتخابر مع الحركة المتهمة قضائيا بالتورط في اقتحام السجون وتهريب السجناء إبان ثورة 25 يناير 2011، ناهيك عن قيام القوات المسلحة المصرية بتدمير الكثير من الأنفاق بين سيناء وغزة، ليصل حجم خسائر غزة جراء هدم الأنفاق إلى 460 مليون دولار.

↵↵↵↵

وصارت سياسات مصر تجاه حماس أكثر وضوحا وعدائية مع تولي السيسي مقاليد الحكم، فصدر حكم قضائي باعتبار حماس حركة إرهابية وحظر أنشطتها في مصر، تم نقضه بعد ذلك بحكم آخر.

↵↵↵↵

كما أن السيسي لم يقم حتى بالتنديد اللفظي بالعدوان الإسرائيلي الأخير على غزة في يوليو 2014، ولم يتطرق له في خطاباته الرسمية إلا بعد 17 يوما من بدايته في خطابه في ذكرى ثورة يوليو واصفا إياه بـ”الأزمة”. كما ساوت الخارجية المصرية بين الطرفين حين دعت “كلا من إسرائيل والفصائل الفلسطينية إلى وقف فوري لإطلاق النار” ضمن مبادرة طرحتها دون حتى أن تعرضها على فصائل المقاومة.

↵↵↵↵

ولا شك أن هذه السياسات قد صبت في صالح إسرائيل، التي رأى المحللون أنه بات هناك تداخل كبير في المصالح بينها وبين نظام السيسي، فكلاهما يرى الآن في تيار الإسلام السياسي تهديدًا محدقًا.

↵↵↵↵

ختاما، على الرغم من أن تحليل العلاقات المصرية العربية خلال عام واحد فقط، لا يكفي لتقديم تقييم شامل للسياسة الخارجية المصرية تحت حكم السيسي، إلا أنها توضح بشكلٍ جليٍّ، أن النظام الحالي يعاني من حالة ارتباك، ويفتقر لوجود رؤية متماسكة ومتكاملة حول علاقاته مع دول المنطقة والتعامل مع قضاياها.

↵↵↵↵

*باحث متخصص في الشؤون العربية

↵↵↵↵

المراجع

↵↵↵↵
  1. إيمان رجب، الفرص المحدودة.. ماذا تعني التحولات في إقليم الشرق الأوسط بالنسبة لمصر؟، مجلة الملف المصري، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد 8، إبريل 2015، ص ص: 9 -12.
  2. عزمي خليفة، سياسة مصر الخارجية في عهد الرئيس السيسي، موقع المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، 15 مارس 2015، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/1dd9IcU.
  3. أحمد خميس كامل، الدبلوماسية المتحركة: “ندوة” ملامح التوجهات الجديدة في السياسة الخارجية المصرية، موقع مجلة السياسة الدولية، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/1IaIwqc.
  4. محمد عز العرب وإيمان رجب، المسارات المزدوجة: كيف تدير مصر علاقتها الخارجية في عهد السيسي؟، موقع صحيفة الأهرام، 20 يونيو 2014، متاح على الرابط التالي: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/298368.aspx.
  5. ـــــ، السيسي: حماية الأمن العربي والخليجي.. “مسافة السكة”، موقع العربية نت، 20 مايو 2014، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/1KLkSE6.
  6. مصطفى عبد السلام، المساعدات الخليجية لمصر: التقديرات وسيناريوهات المستقبل، موقع مركز الجزيرة للدراسات، 26 إبريل 2015، متاح على الرابط التالي: http://studies.aljazeera.net/reports/2015/04/20154267348308411.htm.
  7. دينا عزت، تصاعد التوتر المكتوم بين القاهرة والرياض بسبب إخوان اليمن وسوريا، موقع صحيفة الشروق، 31 مايو 2015، متاح على الرابط التالي: http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=31052015&id=4ae0b763-addc-4843-b891-6375a0026a78.
  8. ـــــ، مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية يثير قلقاً سعودياً وزيارة الجبير للضغط على السيسي، موقع المركز الديموقراطي العربي، متاح على الرابط التالي: http://democraticac.de/?p=15129.
  9. مصطفى الفقي، مصر وقطر… رؤية محايدة، موقع صحيفة الحياة اللندنية، 5 مايو 2015، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/1FSup7U.
  10. نهى خالد، تخبط الدبلوماسية المصرية في المغرب العربي، موقع نون بوست، 5 إبريل 2015، متاح على الرابط التالي: http://www.noonpost.net/content/6132.
  11. محمد المنشاوي، اختبار ليبيا: درس للدبلوماسية المصرية قبل دخول مجلس الأمن، موقع صحيفة الشروق، 6 مارس 2015، متاح على الرابط التالي: http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=06032015&id=ac856261-ac3c-45b6-a05a-571d8639c803.
  12. نيفين العيادي، مصر والقضية الفلسطينية بعد سقوط الإخوان، موقع صحيفة المصري اليوم، 22 سبتمبر 2013، متاح على الرابط التالي: http://www.almasryalyoum.com/news/details/319594.
  13. سعيد الحاج، النظام المصري يخسر الورقة الفلسطينية، موقع الجزيرة نت، 30 يوليو 2014، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/1FrhMgQ.
↵↵↵↵

إقرأ المزيد

↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵↵