لا نسمع صوته إلا كخلفية لأحداث الفيلم، نُشاهده على شاشة التلفاز يتحدث في إحدى حملاته الانتخابية في صيف 2016، ولكن المعنى يصل، هذا تنويه عن فصل جديد من الحماقة والنرجسية يتزعمها دونالد ترامب، أما ممثل البورن mikey saber العائد إلى مسقط رأسه تكساس سيتي هو رمز لتلك النرجسية التي تُشبه العديد من الأمريكان. 

وكأنها مُحاولة للتعبير عن الفترة التي حلّ فيها ترامب رئيسًا لأمريكا (2017 إلى 2021)، ورغم أنه لا توجد كلمة واحدة تُقال في السياسة، سوى عن طريق شاشات التلفزيون والراديو، أراد شون بيكر مخرج الفيلم تقييم الفترة، هناك تشابه بين ترامب ومايكي؛ حيث عمل ترامب في مجال التسلية كمقدم برامج وممثل، أما مايكي (الذي لعب دوره الممثل سيمون ريكس) فقد عمل كممثل للأفلام الإباحية، وقد عاد مايكي لمدينته بعد غياب 17 عامًا في هوليوود. 

يُمثّل مايكي الشخصية الهوليوودية بامتياز، البشرة البيضاء والشعر الأشقر، والابتسامة المّبالغ فيها التي تكشف عن أسنان بيضاء، كذلك ثقة زائدة في النفس، تلك الثقة والطاقة التي يتعامل بها مايكي مع ما حوله للاحتيال، فيقوم بخداع زوجته لوني ووالدتها حتى يتمكن من الإقامة في بيتهم، فقد عاد من هوليوود مُفلسًا وعلامات الضرب تتضح على جسده، وملابس قذرة، ومن دون حقيبة واحدة في يده، حتى أنه يستعير تيشيرتًا من زوجته التي تركها كل تلك السنوات. 

الحُلم الأمريكي الزائف

بنرجسيته وثقته الزائدة في النفس يتعكّز مايكي، لكنه عُكّاز لن يتحمله حتى النهاية، يقوم ممثل الأفلام الإباحية بالاعتماد على شهرته كممثل هوليوودي في كسب صداقة جاره الساذج الذي لا تحدث أي إثارة في حياته سوى بعودة مايكي، فيتخذه رفيقًا في جولاته بالسيارة، ويحاول مايكي الاعتماد على الأشخاص حوله في رحلته حتى يتمكن من الوقوف على قدميه من جديد، ولكي يحصل على المال يقوم ببيع المخدرات من إحدى العائلات الشهيرة في تلك التجارة. 

لا نعرف خُطّة مايكي بالتحديد، لا يكشف الفيلم عن ذلك سوى ببطء شديد، ولا نتأكد هل عاد بالفعل للاستقرار برفقة زوجته، أما أنها مُجرد محطة على الطريق، تمر أحداث الفيلم ببطء حتى يحدث تغييرًا حينما يلتقي مايكي بفتاة ذات شعر أحمر (تلعب الدور الممثلة سوزانا صن)  تعمل في محل دونات، حينما يراها مايكي تلمع عيناه، تلك هي طريقه للعودة إلى هوليوود من جديد، حيث يخطط لإقناع الفتاة التي أوشكت على بلوغ عامها الثامن عشر بالعمل كممثلة أفلام إباحية.

حتى أن اختيار محل الدونات تحديدًا له رمزيته، فهي الحلوى الأمريكية الأشهر، وكأن بيكر قرر اختيار كل الرموز التي تُشير إلى الحلم الأمريكي الزائف.

 لوليتا نابوكوف

ومع دخول الفتاة ذات الشعر الأحمر المشهد تتسارع الأحداث، والتي تتخذ اسم الشهرة «فراولة»، وهو اسم يكشف كثيرًا عن الفتاة المحبة للإغراء وتنجذب كثيرًا للرجل الذي يبلغ أكثر من ضعف عمرها، فتقع فريسة سهلة لألاعيبه، ويستطيع إغراءها  في دخول عالم المجد والشهرة كممثلة أفلام إباحية. 

وتتماس العلاقة بين فراولة ومايكي في بعض ملامحها مع رواية لوليتا لفلاديمير نابوكوف- واحدة من أهم روايات الأدب الأمريكي- حيث تحكي الرواية عن العلاقة الجنسية بين رجل عجوز وفتاة في عمر الثانية عشرة- وهناك فيلمان عن الرواية عامي 1962و1997 ، واسم الدلع الخاص بالفتاة هو لوليتا، فالفتاتان، فراولة ولوليتا، فهما من ذوات الشعر الأحمر، كما أنهما تحبان استخدام الروج الأحمر فاقع اللون، مُحاولة منهما للنضج قبل الأوان، وإلقاء مرحلة الطفولة وراءهما، كما يقترب ذلك التشابه بين الفتاتين كثيرًا في مشهد النهاية، حيث ترتدي فراولة مايوهًا أحمر مُنقطًا فيما تقوم بلعق مصاصة بنفس اللون، وهي صورة مُشابهة لما كانت عليه لوليتا في النسخة المصنوعة عام 1997.

العودة إلى هوليوود

سطع المخرج شون بيكر منذ فيلمه tangerine الذي تبعه بفيلم the florida project، وعبر الأفلام الثلاثة يُمكن أن نحدد رؤية أوسع لعالم بيكر الذي يُحب الاقتراب من عالم المهمشين، وهو ما فعله في أفلامه السابقة أيضًا، ويقول بيكر في أحد حواراته، إنه يحاول صناعة أفلام وشخصيات لم يرها سابقًا في أفلام هوليوود، وهو ما نجح فيه من خلال شخصية مايكي ممثل الأفلام الإباحية، فلم نرى كثيرًا تلك الشخصية في أفلام أمريكية. 

الطريف في الأمر أن سيمون ريكس، وهو عارض أزياء سابق وممثل، كان قد اختفى عن الصناعة لسنوات طويلة، وقد وافق على الفيلم لأنه لم يمتلك خيارًا آخر، ففي إحدى الحوارات قال «لم أكن في وضع يسمح لي برفض فيلم شون بيكر، مهما كانت قصة الفيلم فقد كان يجب أن أوافق، وإلا كنت سأستمر في الاختفاء، ولن أحصل على مثل هذه الفرصة ثانية»، وعلى أي حال فإنه كان من المقدر لريكس أن يكون جزءًا من هذا الفيلم، فبعد ثلاثة أيام فحسب من إرسال ريكس تجربة الأداء لبيكر، كان يقوم بتصوير الفيلم، فقد أُعجب بيكر بأداء ريكس الطبيعي وغير المفتعل، ليكون فيلم الصاروخ الأحمر هو فيلم العودة بالنسبة لريكس، بعدما كانت آخر أدواره الشهير كممثل في سلسلة الأفلام التجارية «scary movie»، وتكون شخصية مايكي هو أول دور يؤدي فيه ريكس شخصية بها كثير من الدراما.  

وما ساعد سيمون في أداء تلك الشخصية هو وجوده في هوليوود على مدار عشرين عامًا، فقد رأى سيمون كثيرًا من هذه الشخصيات النرجسية في هوليوود التي لا تأبه بأي شخص وتقوم بالأذى، المهم هو الوصول إلى القمة، وهو ما قاله في أحد الحوارات، ولأنه لا يُشبه هذه الشخصيات فلم يحقق نجاحًا كبيرًا في هوليوود قبل ذلك. 

كوميديا سوداء

غلب على الفيلم الكوميديا السوداء، كذلك كوميديا نابعة من شخصية مايكي، وهو ضحك مصحوبًا بإحساس بالقرف من نرجسية مايكي، وثقته المبالغة في نفسه والسخافات التي يقولها عن نفسه، كان ذلك الطابع الكوميدي الذي اختاره كاتبا السيناريو شون بيكر وكريس بيرجوك اللذان وضعا على لسان مايكي جُملة توضح شخصيته «هذا الكون بجانبي»، قالها بثقة تامة لجاره في إحدى جولاتهما بالسيارة، ورغم صعوبة كتابة تلك الشخصية الرمادية- فمن الصعب أن تحدد هل هي شخصية شريرة أم لا- فقد جمع مايكي بين صفاته الأنانية والاستغلال وخفة الدم والنرجسية، وفي نفس الوقت لا يُمكنك أن تشعر بكراهية كبيرة تجاهه، حيث يتمكن من إضحاك المشاهد بخفة ظله وقُدرته البالغة على الاحتيال بالمكر والسهولة في آن واحد. 

أما التصوير، فجاءت الألوان صريحة، تُشيع حالة من البهجة المزيفة، فتكتمل حالة الزيف التي ينسجها مايكي من حوله، وتكتمل حالة السُخرية اللاذعة بالمشهد الرئيسي في الفيلم، حيث يركض مايكي عاريًا تمامًا في شوارع تكساس سيتي، وقد قام سيمون ريكس بأداء متميز في شخصية مايكي، ونجح في نيل إعجاب النقاد بعد غياب عن عالم السينما لسنوات، وأثبت كونه ممثلًا يعتدّ به، وقد ترشّح سيمون عن دوره في مهرجان جوثام، كما ترشح الفيلم في عدة مهرجانات من بينها المسابقة الرسمية في مهرجان كان السينمائي، وقد عُرض الفيلم في العروض غير الرسمية في مهرجان القاهرة، كما تم عرضه بشكل تجاري في  قاعات السينما بأمريكا.