مستشفى الأهلي بقت أقوى من الأهلي!
أيمن الكاشف – مباراة الأهلي وفاركو – 3 أغسطس 2022

حين دخل الأهلي بطولة كأس العالم للأندية 2021 منقوصًا من 13 لاعبًا ضمن قوام الفريق الأساسي، كان العالم كله مصدومًا ما عدا جماهير الأهلي التي ترفع دائمًا شعار «الأهلي بمن حضر»، ولكن هناك سببًا آخر لعدم الدهشة، هو أن هذا بات «سلو» النادي الأهلي في السنوات الأخيرة.

حين تحتدم المواسم الكروية وتأتي مرحلة الحسم بها، غالبًا ما يكون جماهير الأهلي قد فردوا أياديهم أمام أعينهم لبدء عد اللاعبين المصابين، وعادة لا تكفي الأصابع العشرة لإتمامهم.

يعزو كثير من المتابعين تفوق الزمالك على المستوى المحلي في آخر موسمين إلى هذا النسق المجنون من الإصابات في معسكر الأهلي، بينما يستفيد الفريق الأبيض من ضغط مباريات منافسه، ويجهز برامج بدنية وسط المواسم أشبه بفترات تحضير متكاملة، وينقض على المنافسين في شهر واحد ليجد نفسه قد حسم بطولة دوري.

إصابات لاعبي الأهلي المتكررة في آخر 4 أعوام ترافقها حقيقة مهمة، هذه الإصابات تتكرر بنفس الشكل، بنفس التلاحق، وأحيانًا بنفس اللاعبين، رغم تتابع أكثر من جهاز طبي على الكادر التدريبي والإداري في الأهلي عامة، وفي فريق الكرة بشكل خاص.

لذلك فإن هذا يوحي بنسقٍ واحدٍ أو دعنا نسميها عاملًا مشتركًا، يبدو أنه فوق كل الأجهزة الطبية للأهلي، لتصدق جملة أيمن الكاشف حين قال: «مستشفى الأهلي بقت أقوى من الأهلي».

محمد محمود

تعرض كل لاعبي الأهلي بلا منازع للإصابات خلال السنوات الأخيرة، هذا يمكن أن نفسره بالنسق المجنون والمباريات المتسارعة وتلاحم المواسم وكثرة السفر، وهذا ما يمكن أن يحدث في أي فريق بالعالم، ولكن ما لا يمكن أن يحدث هو حالة مثل محمد محمود.

لقد تعرض اللاعب لقطع في الرباط الصليبي 3 مرات متتالية، القاسم المشترك بين تلك الإصابات جميعًا هو أن التعافي منها لا يستغرق أكثر من أسبوع، ثم يتعرض للإصابة مجددًا، تارة بعد لقاء ودي تحضيري يفترض أن يكون الحمل البدني فيه خفيفًا على اللاعب الشاب، وتارة بعد دقائق من نزول مباراة، ولكن الأدهى أن ذلك تم في إحدى المرات من دون أي مباراة!

يطرح هذا ألف علامة استفهام على شق مهم هو «تأهيل المصابين» المبحث المفتوح على مصراعيه.

كريم نيدفيد

حالة أخرى تمثل كارثة حقيقية، إنه كريم نيدفيد، اللاعب الشاب الذي لم يتجاوز عمره 25 عامًا، ولكنه مع ذلك أنفق أكثر من 3 سنوات ونصف من مشواره الكروي في المنزل بسبب الإصابة.

سيجانبنا الإنصاف من دون شك إذا جزمنا بطبيعة إصابة نيدفيد ودور الجهاز الطبي للأهلي (أو فلنقل الأجهزة الطبية المتلاحقة على إصابة نيدفيد) في إتمام تعافيه، لكن ما لا يمكن تجاهله، هو كمية الأخبار التي تخرج بشكل رسمي منسوبة عن الجهاز الطبي عن مواعيد لعودة نيدفيد إلى التدريبات الجماعية، لا يعود فيها اللاعب، بل وفي بعض الأحيان يعود فيتم تمديدها لبضعة أشهر.

تخيل أن يتم تأهيل لاعب مصاب، وقبل حتى أن يلتحم مع أي إنسان تعاوده الإصابة. ألا يثير هذا أي تساؤلات؟

على الجانب الآخر، ألا يثير إتمام نيدفيد الآن لزهاء موسم كامل مع فيوتشر في أول رحلة له خارج الأهلي من دون إصابات أي استنكار لما يمكن أن يحدث في نفس الفترة إن كان لاعبًا في الأهلي ويشرف عليه الجهاز الطبي للفريق الأحمر؟

المشكلة الكبرى أن كل تلك الملفات وثيقة الصلة ببعضها، فإذا كان العيب مثلًا في عمليات التأهيل، وإن كان الجهاز الطبي الحالي للفريق يحظى بإشادة كبيرة من عديد اللاعبين الذين تم تأهيلهم في فترات حرجة مثل علي معلول قبل نهائي إفريقيا 2020، وأفشة قبل نصف نهائي 2021، فرضًا أن العيب في هذه المرحلة، فإن هذا سينعكس على تكرار الإصابة بلا شك، تدور الدائرة المفرغة فيكون عدم وجود لاعبين متاحين بشكل كافٍ مدعاة للاستعجال في إشراك لاعبين لتعويض النواقص، فتعاودهم الإصابات سريعًا لأنهم لم يتعافوا بالقدر الكافي، فتدور الدائرة دون أي استفادة!

مصادر مقربة لأحد المحترفين الحاليين في الأهلي تؤكد لـ«إضاءات» أن اللاعب تعرض لضغوطات من أجل أن يشارك سريعًا في المباريات رغم أنه كان مصابًا بكورونا، بينما تم إعلان تشخيص آخر لإصابته، ما تسبب في إحباط موسمه بشكل كبير وعدم تقديمه مردودًا فنيًا لائقًا به وبالأهلي.

التعادل مثل الهزيمة!

هناك إذًا قاسم مشترك أعظم في إصابات لاعبي الأهلي المتكررة، يشير بالتأكيد إلى معطيات مشتركة أيضًا، الشيء الموجود لدى الأهلي ولا يوجد إلا عنده، هو الرغبة الجنونية في الفوز بكل مباراة، وعدم قبول نتيجة التعادل حتى لو تصدر الفريق أي مسابقة وهذا من الجوانب التي يفتخر بها أبناؤه على مر العصور.

ولكن هل لهذا الضغط والتوتر المستمر من أجل تحقيق الفوز وعدم قبول أي نتائج أخرى تأثير على موضوعنا؟

تحدثنا مع د.أحمد محمود حامد، استشاري العلاج الطبيعى لجراحات العظام وإصابات الملاعب عن تداعيات التوتر النفسي المستمر على عضلات لاعبي كرة القدم، فأجاب: «بالطبع هناك علاقة بين التوتر النفسي الذي يتعرض له اللاعبون بشكل متتالٍ والتعرض للإصابات العضلية، جسم الإنسان حينما يتعرض لدرجة من الاستثارة يفرز الكورتيزول الذي تكون له تبعات تحدث في حالة التوتر، وتنتهي بانتهاء حالة التوتر، فمع استمرار التوتر والشد العصبي يتأثر عمل الجهازين السبمثاوي والباراسمبثاوي بهذه الحالة ولا يكون إفراز الكورتيزول منتظمًا لأن الطبيعي ألا تكون فترات الشد والتوتر دائمة، وبناء عليه يؤدي ذلك إلى تداعيات سلبية على الجهاز العصبي، الذي يؤثر بدوره بالتأكيد على العضلات، فيصبح اللاعب الأكثر عرضة للتوتر، أكثر عرضة بالتبعية للإصابة العضلية».

وأضاف: «حينما نعقد مقارنة مع كرة القدم في الخارج، نجد أن اللاعبين يتعرضون لضغوط أكبر، ولكنهم لا يتعرضون لنفس الكم من الإصابات، الجزء الأهم في ذلك هو أن هناك منظومة كاملة تعمل على تهدئة توتر اللاعب وتوفر له في الوقت ذاته التغذية المناسبة ونصائح النوم الكافي، بدءًا من الطبيب النفسي الموجود في كل فريق، واختصاصي التغذية، الطبيب بشكل عام يملك قوة لا يمتلكها في مصر».

وأردف: «اللاعبون في مصر غير ملتزمين بنمط الحياة الصحي، ولا يتعاملون مع الطبيب بالاحترام الكافي، لا يتقيدون بالمأكولات التي يفرضها عليهم اختصاصيو التغذية، ولا يتبعون نمط حياة صحيًا في ما يتعلق بالنوم، اللاعب في مصر غير ملتزم، وهو أقوى من كل عناصر المنظمة، ومع تلاحم المواسم والإجهاد الشديد، ثم التوتر العصبي في حالة مثل لاعبي الأهلي مع لعب مباراة كل 3 أيام، يصبح هذا اللاعب أشبه بالشبح.. يكون أمامك لاعب ميت!».

يعزي حامد كثيرًا من الأمور إلى أنه «يجب أن يكون تعيين الأجهزة الطبية بالكفاءة والتخصص وليس (بالحب والمعارف) ، وثانيًا يجب أن يعلم اللاعب أن الطبيب هو صاحب الكلمة العليا في ما يتعلق بنشاطه أو راحته، كما ينبغي تحسين أرضيات الملاعب لتلافي الإصابات المتكررة، وكذلك وضع جدولة منظمة للمباريات لأن عدم انتظامها يصعب مهمة الأطباء».

كما يمكنك أن تقرأ بوضوح، لم نتطرق لأي أسماء في هذا المقال لسببين: الأول، أن من الظلم أن نحكم على عامل واحد بالفشل ضمن معطيات غير معيارية (المواسم المتلاحقة – ضغط مباريات الأهلي – آليات التأهيل – استعجال اللاعبين).

والثاني أن النتيجة النهائية واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج إلى إلصاقها باسم: مستشفى الأهلي باتت حقًا أقوى من الأهلي.