أُصدِرَ «أركضي لولا» عام 1998، والفيلم من كتابة وإخراج توم تيكوير، ومن بطولة فرانكا بوتينتي وموريتز بلايبتروي. ينتمي الفيلم إلى أفلام الجريمة، والإثارة والتشويق، وعلى الرغم من النجاح الكبير الذي حققه الفيلم فإن الفيلم يعتبر من أفلام الميزانية المنخفضة، فقد أُنتِجَ الفيلم بالكامل بميزانية بلغت 1.75 مليون دولار.

قد لا يعتبر البعض أن صناعة فيلم بقرابة مليوني دولار تحديًا كبيرًا، لكن هذه الشكوك ستختفي بسرعة عند مشاهدة الفيلم ورؤية ما تم إنجازه فيه، وعلى الرغم من أن الفيلم من أفلام الجريمة والإثارة فإنه على درجة كبيرة من العمق، والمثير في الأمر أنه حتى مع الذهاب إلى نقطة جديدة مع الفيلم، لا يمر كثير من الوقت حتى نجد نقطة جديدة يمكن أن يُأَوَّل الفيلم لها، في هذا المقال سنتحدث عن الفيلم كما نراه أمامنا، ثم سنأخذ بعض الخطوات محاولين بها أن نصل إلى أعماق الفيلم.

المستوى الأول: ما نراه أمامنا

يبدأ الفيلم مع رنين هاتف لولا في منزلها، ترفع لولا سماعة الهاتف، فتجد المتصل حبيبها ماني، يتحدث ماني بصوتٍ متقطع خائف، تنتقل الكاميرا إلى ماني ونشاهده مرتبكًا بدرجة كبيرة، يتحدث وكأن على رأسه مسدس ستنهي طلقاته حياته في أي لحظة؛ تخبره لولا عن دراجتهم التي سُرقت منها من أمام أحد المتاجر أثناء شرائها السجائر، ثم تكرر على ماني سؤالها حتى يخبرها ما يحدث، وأخيرًا نعرف ما حدث.

يتعامل ماني مع روني تاجر المخدرات، ومن المفترض أن يعطيه 100 ألف مارك ألماني، كانت الأموال مع ماني من وقتٍ قريب، كان يحمل الحقيبة وصعد بها إلى محطة قطار يبتغي منه تقصير المسافة بينه وبين روني حتى يعطيه أمواله؛ أثناء ركوب القطار شاهد ماني رجلًا عجوزًا متشردًا وهو يقع على الأرض قام بسرعة ليساعده، وأثناء انكبابه على الرجل شاهد مفتشي الشرطة أمامه، ففزع منهما ونزل من القطار مسرعًا، وبعد مغادرة القطار، تذكر ماني حقيبة المال، لا بد أن العجوز قد أخذها؛ أمام ماني الآن 20 دقيقة حتى تصل عقارب الساعة إلى الثانية عشرة وهو معاد مقابلة روني، إما أن يحصل على المال، وإما أن يأخذ روني ماله بطريقته الخاصة.

خلال الفيلم نتتبع ماني ولولا، ماذا سيفعلان خلال 20 دقيقة حتى يحصلا على هذا المبلغ من المال، ويتم حكي هذه القصة من خلال ثلاثة سيناريوهات مختلفة، يسلم كل سيناريو الآخر بسلاسة.

من فيلم Run Lola Run
من فيلم Run Lola Run

السيناريوهات الثالثة

يخبر ماني حبيبته أنه سيسرق أحد المتاجر إذا لم تأت إليه بالمال الساعة الثانية عشرة، وحينما تخبره بخطورة ذلك يخبرها أنه سيموت في كل الأحوال. بعد غلق لولا لسماعة الهاتف تبدأ في الركض حتى تساعد ماني هذا الركض لن يتوقف إلا بانتهاء الفيلم، تفكر لولا سريعًا من الذي يمكن أن يساعدها، فتفكر في أبيها، تركض إليه في البنك الذي يديره، وتطلب منه هذا المبلغ الكبير من المال، لكنها فُوجئت حينما أخبرها أنها ليست ابنته من الأساس، وبالطبع لن يعطيها هذا المبلغ من المال، ثم يطلب من الحارس أن يلقيها خارج البنك، تخرج لولا، وتهرول إلى ماني فلا وقت حتى تستوعب ما حدث، تصل إليه متأخرة بضع دقائق فتجده داخل المتجر بالفعل وفي يده مسدس وجميع من بالداخل منبطحون أرضًا، لم تفكر لولا كثيرًا ودخلت لتساعد ماني، وبالفعل أخذ ماني المال، وهربا الاثنان من المتجر، لكن الشرطة وصلت سريعًا وأحاطت بهما، ومن دون نية مبيتة خرجت رصاصة سهوًا من أحد أفراد الشرطة قتلت لولا، أثناء موتها نرى أبعاد علاقتها مع ماني، ثم نعود إلى لولا التي ترفض الموت، وترفض الرحيل عن هذا العالم بهذا الشكل، وهنا يستجيب المخرج لها، ونرى القصة تعود من البداية، تحديدًا أثناء غلقها سماعة الهاتف بعد محادثتها مع ماني.

يتم حكي الفيلم هذه المرة بالطريقة نفسها لكن تتغير بعض التفاصيل الصغيرة التي ستؤدي إلى تغيرات كبيرة في الأحداث، فنجد لولا وهي تأخذ مسدس حارس البنك، وتهدد أباها وتأخذ المال بالقوة، وفي النهاية ستصل إلى ماني قبل الميعاد المحدد، وستلحقه قبل أن يسطو على المتجر، في هذا السيناريو سيبتسم ماني ويسرع إلى حبيبته، لم يلاحظ الاثنان سيارة الإسعاف المسرعة التي أخذت في طريقها ماني المُتعجل وأنهت حياته؛ نعود مرة أخرى مع بعض تفاصيل حياة ماني ولولا، ثم ماني الذي يرفض الموت، ونعود بعدها إلى لحظة غلق السماعة ونبدأ السيناريو الثالث.

في هذا السيناريو لم تلحق لولا والدها في البنك، فقد غادر قبل وصولها بدقائق، لذلك تقرر أن تذهب إلى كازينو، تدخل لولا إلى المكان بملابس غير مناسبة، وبتوتر لا يظهر على أحد غيرها، وخلال دقائق نرى الحظ ينصفها، وتفوز بالمبلغ الذي تريده وتغادر المكان وسط دهشة من جميع الحضور، في هذا الوقت كان ماني قد وجد المتشرد العجوز ولحق به، تعرف عليه الرجل وعرف أنه مالك الحقيبة، أخبره أنه سيعطيه إياها إذا أعطاه المسدس الذي يملكه، يوافق ماني، ويأخذ حقيبة المال، ويذهب فرحًا إلى روني، ثم يذهب إلى حبيبته، وينتهي السيناريو الثالث والأخير، وهو السيناريو الذي يرضى عنه لولا وماني، والمشاهد، ففي النهاية نشاهد البطلين سعيدين، وماني قد أعطى المال لروني، ليس هذا فقط، بل نرى لولا التي تحمل حقيبة بها 100 ألف مارك أخرى لم تكن لتحصل عليها لولا هذه المشكلة.

من فيلم Run Lola Run
من فيلم Run Lola Run

المستوى الثاني: أثر الفراشة

للفيلم فلسفات أعمق بكثير من الظاهرة عند مشاهدته، ولعلى أولى هذه الفلسفات وأكثرها وضوحًا هو أثر الفراشة، أي ما تحدثه التأثيرات الصغيرة للغاية على نطاق كبير، أو كما يقولون «إن رفرفة فراشة في الصين تخلق إعصارًا في أمريكا»، هذا بالضبط ما يحدث في الفيلم، فالسيناريوهات الثلاثة تبدأ من مشهد إغلاق الهاتف وانطلاق لولا لإنقاذ حبيبها، تنزل لولا على السلالم فتجد جارها يقف مع كلبه، تقفز على السلالم، وتكمل طريقها، أثناء هذا نجد أن والدها يتحدث مع موظفة في البنك عن مستقبلهم، وتحدثه هي عن حملها؛ ثم نرى الطريقة التي ستحصل بها لولا على المال ثم تقابل ماني، لكن يحدث التغير الحقيقي في الأحداث، والذي يخلق التنوع في القصة في كل مرة، عندما تنزل لولا على السلم، ففي المرة الأولى تنزل بسرعة وتتجاهل الكلب وصاحبه، أما في المرة الثانية فيمد جارها قدمه فتقع لولا على السلم مما يؤخرها عدة ثوان، وفي المرة الثالثة والأخيرة ينبح الكلب عليها، مما يجعلها تقفز على السلم مما يقدم الأحداث بضع ثوان.

تختلف الأحداث التي سنراها بعد ذلك بسبب هذا التغير البسيط، فمرة ستصطدم بسيارة صديق والدها، مما يجعله ينتبه لها فيصطدم بسيارة أخرى ويدخل في بعض المشاكل التي تؤخره عن وجهته، ومرة أخرى لا يحدث الاصطدام، فنكتشف أن وجهته كانت الذهاب إلى والد لولا، فيأخذه وينطلق بسرعة فلا تستطيع لولا أن تُحدث والدها، لكن هذا الأمر بدوره يجعلها تبحث عن خيار آخر وهو الذهاب إلى الكازينو، وهكذا تستمر الأحداث، كل تفصيلة صغيرة نجدها ترتبط بسلسلة من الأحداث وتغير ما نراه في النهاية بشكلٍ كبير.

عن أثر الفراشة

لا يتوقف أثر الفراشة على لولا فقط بل نرى أن تصرفاتها البسيطة تؤثر على من حولها بدرجة كبيرة، ففي كل مرة نراها تقابل عدة أشخاص في الشارع، وهم سيدة كبيرة تجر طفلها في عربة أمامها، وشاب ينطلق بدراجة يتحدث مع لولا عن بيعها، وصديق والدها بالطبع، كما تقابل عدة أشخاص في البنك مثل المحاسب والحارس وسيدة تحمل ملفات تسير في الطرقة، وأثناء جري وهرولة لولا خلال الفيلم نرى تغيرًا في حياة هؤلاء الأشخاص، ففي السيناريو الأول نرى الشاب صاحب الدراجة وهو يقع ضحية لمجموعة من البلطجية هذا الأمر سيجعله يذهب للمشفى الذي سيتعرف فيه على الممرضة التي سيتزوج منها، لكن في السيناريو الثاني، سيتحول الشاب إلى متشرد، وسيموت في النهاية بسبب جرعة زائدة من المخدرات، وفي السيناريو الأخير، سنجده يقابل المتشرد الذي أخذ حقيبة ماني، وبسبب هذه الحقيبة سيجد المتشرد المال الذي سيجعله يشتري هذه الدراجة، وسينطلق بها مسرعًا مما يجعله يقابل ماني في الوقت المناسب، وهنا سيستعيد ماني أمواله.

وعلى المنوال نفسه يستمر الفيلم في كافة تفاصيله، مجموعة من الأحداث المتسلسلة، التي إذا تغيرت فيها ثانية واحدة، تغير فيها كل شيء؛ فالمخرج يحاول أن يعرض بطريقة واضحة كيف يمكن لثواني معدودة أن تغير كل شيء في حياتنا؛ وبذكر حياة الأشخاص التي أسهمت لولا في تغيرها، فهناك بعض القصص الفرعية التي تغيرت بتغير السيناريو أيضًا ولكن بشكل غير ملحوظ، مثل الرجل الذي سرق دراجة لولا في بداية الفيلم نجده وهو يصطدم بسيارة والدها في السيناريو الأخير وذلك بعد الحادثة التي وقعت لوالدها، أي أن السيناريو الذي دفع فيه ماني المال، وحصلت فيه لولا على 100 ألف مارك في دقائق، ستعود فيه دراجتها إليها بعد أن تصل الشرطة وتحقق في الحادثة؛ نرى أيضًا موظف البنك الذي يحرسه وهو يعاني من مشاكل قلبية خلال الفيلم، وفي السيناريو الثالث نجده في سيارة الإسعاف التي ستركبها لولا لتذهب أسرع إلى ماني، كما سيسهم وصول لولا في إنقاذ حياته، وهذا المشهد هو قصة كاملة بذاته مثل باقي قصص الفيلم، فنبضاته التي عادت بظهور لولا كانت ستختفي من دونها، أي أن وجودها غير في حياته نفس التغير الكبير الذي نتتبعه من البداية.

من فيلم Run Lola Run
من فيلم Run Lola Run

المستوى الثالث: ما تفعله بنا الحياة

في بداية الفيلم يتحدث حارس البنك ويقول «الكرة دائرية، المبارة مدتها 90 دقيقة، تلك حقيقة، كل شيء آخر هو نظرية محضة» من هذه الفلسفة يمكننا أن نذهب مع فيلم «اركضي لولا» أبعد من القصة التي نراها، وأبعد من فلسفة أثر الفراشة، وذلك باعتبار لولا رمزًا عن الحياة نفسها، أي أن ركض لولا هنا هو ركض الحياة، أو لتكون النظرية أكثر دقة الركض هنا هو ركض الزمن وتقدمه، وتآكل المستقبل، وتضخم جعبة الماضي، لولا هي الحياة، لنفهم هذه الجملة بشكلٍ كامل دعونا ننسى لولا على الإطلاق، ونستبدلها بالحياة نفسها، تستمر الحياة بلا توقف، وتؤثر على الأشخاص بشكلٍ عشوائي، صدف بسيطة قد تغير حياتهم كلها، هذا يحصل على حياة سعيدة، وهذا يحصل على حياة قاسية، هذا نهاية جيدة، وهذا نهاية بائسة، السيدة التي تجر الطفل تحصل على ورقة ياناصيب تغير حياتها بأكملها، وسائق الدراجة يتحول إلى مشرد، أما الرجل الذي يموت في سيارة الإسعاف يمكن أن أمد يد العون له حتى يُمد في عمره أيامًا أخرى، هذا يحب ويتزوج، وهذا السائق يصطدم برجلٍ يسرع إلى حبيبته فيقتله، وهذه الكرة التي تدور عشوائيًا لتقف عند رقم 20 حتى تفوز الفتاة صاحبة الشعر الأحمر بمائة ألف مارك، وهذا الجندي المسكين لتنطلق رصاصة من مسدسه تخترق صدر الفتاة.

من فيلم Run Lola Run
من فيلم Run Lola Run

عن الحب ومعجزاته

هكذا وبكل بساطة تنطلق الحياة، ويتقدم الزمن، ويتغير كل شيء، كل السيناريوهات مُتاحة أمامنا، تغير بسيط يمكنه أن يغير كل شيء، وهذه التغيرات تترابط جميعها في النهاية لتشكل لنا الحياة بشكلها الذي نراه ونتفاعل معه، من هنا يمكن أن نستمتع مع لولا وهي تركض كما نراها في الفيلم، أو نتابع أثر الفراشة لنفهم هذه الفلفسة الفوضوية والمفزعة في أحيانٍ كثيرة، كما يمكننا أن ننسى لولا بشكلٍ كامل ونرى الحياة وهي تتقدم في طريقها، وما تفعله بنا نحن البشر، أو يمكننا اعتباره فيلمًا رومانسيًا وما يحدث أمامنا هو معجزة الحب، الحب الذي يرفض الموت، ويأبى إلا أن ينقذ أصحابه، وهذه النظرية تُفسر أبعاد علاقة لولا وماني التي كانت تظهر قبل انتهاء كل سيناريو، فالحب نفسه هو ما يحقق المعجزة، وهو ما ينقذ لولا وماني، ويدفعهم نحو حياة أفضل، وإصرارهم على بذل أنفسهم فداءً لهذا الحب، هو نفسه ما ينقذ حياتهم، وهو ما يجعل الكرة تتوقف عند رقم عشرين، لا يوجد شيء منطقي تجعل الحياة تسير طوعًا للحب، لكن يمكننا اعتبار أن الأحداث رمزية تشير لنا على المعجزات التي يفعلها الحب.

ليست القصة وحدها المدهشة

في غالبية الأفلام التي تقدم قصة قوية، وفلسفة عميقة، يهتم صناعها على هذا العنصر فقط، فيكفي أن تقدم القصة بكافة تفاصيلها لنصنع فيلمًا جيدًا، لم يأخذ توم تيكوير هذا الطريق بل قرر أن يهتم بباقي العناصر كما اهتم بالقصة تمامًا، هذا على الرغم من الميزانية القليلة المتوفرة للفيلم، أبرز هذه العناصر هي الإخراج وحركة الكاميرا واختيار الكوادر المميزة، فيبدأ الفيلم بالكاميرا وهي تدور وسط آلاف من البشر، ثم تنزل من السماء إلى منزل لولا وتتوجه على الهاتف الذي يرن، ومن الهاتف إلى ماني في الشارع وهو يتحدث مع حبيبته، كل هذه الحركات تتم بسرعة وبسلاسة كبيرة، هذا بالطبع غير مشاهد الركض التي تمت بالسلاسة نفسها أيضًا، وحاول المُخرج أن يخلق تنوعًا فيها قدر المستطاع، وذلك من خلال تغير الخلفيات، وزواية التصوير، وبالطبع باختيار الموسيقى والأغاني المناسبة التي ركضت لولا عليهم، وعلى الرغم من المستوى المُدهش الذي نراه في الإخراج والذي قرر المُخرج تحدي نفسه وتقديمه عام 1998، نرى بعض المشاهد الحوارية التي يتم تصويرها بكاميرا مختلفة تمامًا في جودة التصوير حتى نظن أننا في فيلمٍ آخر، لا نرى أسلوب التصوير هذا كثيرًا حتى مع تقدم التصوير حاليًا، بل نجد فلسفة التصوير أثرت على أفلام كثيرة بعده، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في فيلم «Snatch».

نرى في الفيلم أيضًا طرقًا مُختلفة عن المعتاد لسرد الأحداث، نلاحظ ذلك في البداية حينما كانت لولا تفكر في الشخص الذي يمكنه مساعدتها في محنتها، ووقتها وجدنا صور الأشخاص الذين تُفكر بهم تظهر بشكل يتخلل مشهد الكاميرا وهي مُسلطة عليها، كما نرى بعد ذلك، أثناء ركض لولا من منزلها، الكاميرا وهي تتركها وتدخل منزل جارتها، ثم تدخل إلى التلفاز الذي تستمر قصتنا فيه، ونرى التنوع بين الرسم المتحرك والتصوير؛ ولعل أفضل عناصر السرد في الفيلم وأكثرها تميزًا هي الطريقة التي كنا نعرف بها حياة الآخرين، فالفيلم نفسه 81 دقيقة، مما يعني أنه ومع اختلاف السيناريوهات كان يقدم قصته بشكلٍ مكثف، وقد بلغ هذا التكثيف ذروته، عند عرض حياة الأشخاص الآخرين في الفيلم، وذلك من خلال استعمال صور متتابعة، تظهر كل صورة أهم المحطات في حياة هؤلاء الأشخاص ومن خلال هذه المحطات نستنتج الطريق الذي ستكمله حياتهم، من خلال عدد قليل من الصور كان الفيلم يخبرنا بالصورة الكاملة.

لم يكن المخرج قادرًا على توفير أكثر من لوحين من الزجاج لاستعمالهما في مشهد سيارة الإسعاف، وذلك لأن الميزانية لم تسمح بأكثر من ذلك، كما لم يكن قادرًا على تقديم خدع بصرية لإيقاف الكرة في اللعبة عند رقم عشرين، لذلك قام بالتصوير عدة مرات حتى توقفت الكرة في المرة الرابعة، كما استعان ببعض معارفه لتمثيل بعض المشاهد، وقام بتصوير مشهد البنك في بناية سكنية، والكثير من التفاصيل الأخرى التي توضح لنا ضيق الخيارات التي كانت مُتاحة عند صناعة الفيلم، وعلى الرغم من ذلك، استطاع توم تيكوير أن يقدم لنا واحدًا من أفضل الأفلام على الإطلاق، والذي يعتبر مُكتمل العناصر إلى حدٍ كبير، بل إن بعض عناصره قلما نراها بهذه الجودة، وعلى الرغم من الفلسفة المقدمة في الفيلم، فإن هذا لم يمنع أن يكون الفيلم جيدًا من الناحية الفنية، وأن يقدم لنا جُرعة مكثفة من المتعة والتسلية من خلال تنوع في إيقاع القصة، واتباع أسلوب متميز في التصوير يجعلك تركض مع البطلة خلال المشاهدة وكأنك بداخل لعبة، ولن تشعر إلا بعد انتهاء الفيلم أنك في حاجة إلى نفس عميق بعد كل هذا الركض.