* المقال ضمن الملف الخاص «وثائق كامب ديفيد»، يمكن الاطلاع على جميع مقالات الملف من هنا.نقل السادات من خلال زيارته لإسرائيل الكرة إلى ملعب تل أبيب في التفاوض وتقديم بعض التنازلات للخروج بتسوية سلمية. تلقت الولايات المتحدة الأمريكية الحدث برغبة جادة في تحقيق سلام دائم وعادل في المنطقة، لحماية هيبتها ومصالحها في ذروة الحرب الباردة.

أدركت الولايات المتحدة ضرورة مواصلة الجهود للبناء على الإنجاز الذي نتج عن زيارة الرئيس السادات إلى إسرائيل. قامت بدعوة السادات ورئيس الوزراء بيجن للقدوم إلى كامب ديفيد في الخامس من سبتمبر/ أيلول لعقد اجتماع مع الرئيس كارتر للبحث عن إطار للسلام في الشرق الأوسط. رحب كلاهما بالدعوة.


الوثيقة الأولى

على الجانب الآخر، وخلافًا لما تدعيه بعض الأنظمة العربية،أعلن سفير الولايات المتحدة في السعودية دعم الأمير سعود الكامل لدعوة كامب ديفيد.

أكد سعود أن موقف السعودية من المفاوضات قد تم تحريفه. وأضاف، لم يسعَ السعوديون لوضع حد للمفاوضات، ولم تكن رحلة فهد إلى القاهرة لهذا الغرض. قال سعود: «نريد أن تنجح كامب ديفيد لأن نجاحها سيكون نجاح أصدقائنا المقربين – الولايات المتحدة». مضيفًا: «سنبذل قصارى جهدنا للمساعدة». قال سعود للسفير الأمريكي: «إن السعوديين مطمئنين من الأفكار التي طرحتها الإدارة الأمريكية في جميع القضايا الرئيسية – السلام والانسحاب والأمن والفلسطينيين – وأكد أنها ستكون متسقة مع مواقف المملكة».

كان أكثر ما يقلق الأمير سعود أن تكون مبادرة كامب ديفيد مجرد تمثيلية لمزيد من الاستهلاك، لكن السفير الأمريكي طمأنه قائلًا: «نحن نتصور مناقشة جادة على أعلى مستوى حول كيفية التغلب على الاختلافات الحالية حول القضايا الرئيسية».

طالب سعود بضرورة معالجة الفشل المحتمل في حال طالب السادات بمزيد من التنازلات التي قدم مثلها وأكثر. وهو ما يجعل السعودية تشعر كأنها أم العروس؛ إذ تنتظر بكل من الأمل والتوجس، على حد تعبير السفير الأمريكي.

وعن مسألة جلب السوفييت إلى المنطقة، عبر سعود بوضوح عن موقف السعودية وهو رفضها، أي أن يكون هناك تدخل سوفييتي في عملية السلام أو بأي طريقة أخرى في الشرق الأوسط قائلًا: «نحن لا نريدهم هنا، ولا نعتقد أن لديهم دورًا يلعبونه».

إلا أنه يوضح أهمية النفوذ السوفييتي مع الفلسطينيين وبدرجة أقل مع السوريين لإحضارهم لطاولة المفاوضات. مضيفًا أن الولايات المتحدة أخفقت في مد جسور التواصل مع الفلسطينيين، ولو فعلت العكس لانعدمت الحاجة للدور السوفييتي.

ونظرًا لبعض الاختلافات التي حدثت فيما يخص الرؤيتين، قال سعود إنه سيوصي ببيان للأمير فهد لدعم اقتراح الرئيس كارتر لاجتماع كامب ديفيد. وهو ما رد عليه السفير الأمريكي بأن ذلك سيكون مهمًا بالنسبة للرئيسين كارتر والسادات، إذ سيقوي من موقف الأخير، فضلًا عن العلاقات الأمريكية – السعودية. وبالفعل خرج بيان الأمير فهد مؤيدًا لدعوة كارتر، مما أسعد الإدارة الأمريكية بشدة، بل وطلبت من ملك الأردن بيانًا مثيلًا له.


الوثيقة الثانية

أرسل السفير الأمريكي في الأردن أثيرتون برقية إلى وزارة الخارجية الأمريكية، يوضح فيها تفاصيل ما تم بينه وبين ملك الأردن ووزير خارجيته، حيث أكد أن الملك حسين في أشد فترات حياته حزنًا لشعوره بتآكل موقف الولايات المتحدة فيما يخص التسوية السلمية في الشرق الأوسط، وهو ما سيعني مزيدًا من الحروب في المنطقة. رحب الملك حسين باجتماع كامب ديفيد، مضيفًا أنه حتى لو لم يحقق أي تقدم فسيكون مفيدًا طالما أنه ينتج موقفًا أمريكيًا متوافقًا ومؤيدًا مع القرار 242. إذ لا يولي ملك الأردن أهمية كبيرة للعامل الشعبي، لاسيما مع وجود مئات الآلاف من الفلسطينين على أرضه.


الوثيقة الثالثة

أثناء ضغط الإدارة الأمريكية لإنجاح مفاوضات كامب ديفيد، كان لاشتعال الحرب الأهلية في لبنان أثره على المفاوضات. تشير الوثائق لفكرة قبول إسرائيل لدخول الجيش السوري تحت مظلة جامعة الدول العربية إلى لبنان للتخلص من القوات اليسارية والفلسطينية التي استقرت في لبنان. قبلت على مضض ووفقًا لمبدأ عدم سيطرة قوات الأسد على توازن القوى داخل الساحة اللبنانية.

توافقت الرؤية الإسرائيلية والسورية على دعم الميليشيات المسيحية في بداية الأمر. استخدم المسيحيون فترة الراحة التي وفرها التدخل السوري لتحسين وضعهم العسكري بشكل كبير وبرزوا كأقوى قوة غير سورية في لبنان. اضطُرت دمشق لتحييد قوة الميليشيات المسيحية وإضعافها، ومن هنا ازداد الصراع بين إسرائيل وسوريا، بل أرسلت الأولى إلى السفير الأمريكي في لبنان وتل أبيب تخبرهم بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تشكيل دولة ممانعة جديدة على حدودها الشمالية، وأكد مناحم بيجن أن إسرائيل ستسخدم قوتها الساحقة في حالة تقهقرت القوات المسيحية.

استفزت إسرائيل القوات السورية، بدعمها الميليشيات المسيحية بالمعلومات الاستخباراتية وتزويدها بخرائط حول مناطق انتشار المدفعية السورية من خلال طيرانها. دافعت تل أبيب عن موقفها هذا برغبتها في حماية أمريكا من حدوث تقدم سوفييتي جديد في لبنان.

أكدت إسرائيل أن دمشق تستغل مرحلة التحضير لكامب ديفيد لفرض أمر واقع على بيروت. هدد بيجن الرئيس الأسد أن بلاده لا تجد اجتماع كامب ديفيد معرقلًا لإحداث مواجهة شاملة للحيلولة دون تحقيق سوريا الكبرى التي يحلم بها قائلًا: «إذا شعرت إسرائيل أن عليها أن تتحرك، فإنها ستتصرف بقوة كافية لإقناع السوريين بجدية إسرائيل».

تحرك الرئيس كارتر سريعًا، وأرسل مذكرة إلى الأسد يطالبه فيه بدعم اجتماع كامب ديفيد في ضوء حرص الأخير على تحقيق سلام دائم وعادل في المنطقة. وعد الرئيس كارتر نظيره الأسد بانضمام سوريا لمفاوضات السلام العربية الإسرائيلية في حال نجاح مفاوضات السادات وبيجن في كامب ديفيد. كما حذّره من أن الوضع المأساوي الذي تشهده بيروت سيؤدي لا محالة إلى فشل فرصة تاريخية في التسوية السلمية للصراع في الشرق الأوسط.