لم يكن الأمير أندرو أبدًا بين اللاعبين الرئيسيين في الأسرة المالكة في بريطانيا. لم يكن حريصًا على الظهور الإعلامي، لكن الإعلام أتاه إلى عقر داره بعد اتهامه في قضية انتهاك جنسي اضطرت والدته الملكة إليزابيث الثانية لنزع ألقابه الملكية والعسكرية عنه.

وُلِد الأمير أندرو في 19 فبراير 1960. كان الطفل الثالث للملكة إليزابيث وزوجها فيليب، بعد الشقيقة الكبرى آن، والشقيق تشارلز. وقت ولادته كان الثاني في ترتيب ولاية العرش فقط خلف شقيقه، لكنه الآن تراجع في خط الخلافة إلى الترتيب التاسع. 

يحمل أندرو لقب دوق يورك، الذي حصل عليه وفق التقليد الملكي في يوم زفافه، بالإضافة إلى الأمير، وصاحب السمو الملكي.

صديق تاجر الجنس

احتل الأمير أندرو عناوين الصحف بسبب علاقته بجيفري إبستين.

وبحسب ما ورد، التقى الأمير أندرو جيفري إبستين في عام 1999، واعترف أندرو بأنه أقام عدة مرات في ممتلكات تتبع إبستين على مر السنين، وفي ذلك منزله بمدينة نيويورك عام 2010، عندما كان إبستين بالفعل مدانًا بجرائم جنسية. وفي عام 2019، تعقَّد الموقف أكثر بعد القبض على إبستين بتهم متعددة تتعلق بالاتجار بالجنس، قبل وفاته لاحقًا منتحرًا في السجن.

في الأسابيع التي أعقبت وفاة إبستين نشرت ديلي ميل مقطع فيديو يعود تاريخه إلى عام 2010، يظهر فيه الأمير أندرو داخل منزل إبستين في مدينة نيويورك، بينما يلوح لامرأة خلف الباب.

بعد الفيديو أصدر قصر باكنغهام عددًا من التصريحات حول صداقة الأمير أندرو مع إبستين. منها بيان 18 أغسطس 2019، الذي قال فيه القصر إن دوق يورك «شعر بالفزع من التقارير الأخيرة عن جرائم جيفري إبستين المزعومة، وأنه يأسف لاستغلال أي إنسان، كما يأسف للادعاء بأنه يمكن أن يكون قد تغاضى عن أي سلوك من هذا القبيل، أو شجعه، أو شارك فيه».

في منتصف نوفمبر من عام 2019 أصبح من الواضح أن الملاحقة الإعلامية «والقضائية بالتأكيد» لعلاقة دوق يورك المحتملة بإبستين لن تتوقف، فقرر أندرو الظهور في مقابلة إذاعية مع بي بي سي أُجرِيت «بدون أية تحفظات مسبقة».

ناقشت الحلقة كيف التقى الأمير أندرو بإبستين لأول مرة، وعن الأوقات التي قضاها في ممتلكات إبستين المختلفة، نافيًا بشكل قاطع أن يكون قد تورط في ممارسات جنسية خارجة عن القانون، وإن كان اعترف بأنه كان من «الخطأ» زيارة إبستين في مدينة نيويورك في عام 2010.

محاولة إنقاذ فاشلة

كان يفترض أن تنهي الحلقة الجدل حول تورُّط الأمير أندرو في فضيحة جنسية مبكرًا. لكنها على العكس تسببت في عاصفة عامة داخل بريطانيا وخارجها.

خلال الحلقة قال أندرو إنه «لا يتذكر أي لقاء على الإطلاق» بفرجينيا روبرتس، السيدة التي تدعي أنها مارست الجنس مع الأمير ثلاث مرات، وفي ذلك مرة واحدة في لندن عام 2001، عندما كانت قاصرًا في السابعة عشرة من عمرها، وكان إبستين يتاجر بها جنسيًّا.

نقطة التحول هنا كانت أن الأمير نفى أي احتمال لوجود مثل تلك العلاقة في السابق، ما اعتبرها الإعلام البريطاني «خطوة للخلف».

الملاحظة الثانية أن الأمير أندرو تجاهل إبداء أي تعاطف مع ضحايا إبستين أو التنديد بسلوكه بشكل مباشر. كاثرين ماير، كاتبة سيرة الأمير تشارلز ومؤسسة حزب المساواة للمرأة، قالت للقناة الرابعة إن مقابلته «قضت على الضحايا تمامًا. حتى في النهاية حيث أتيحت له هذه الفرصة بسؤال: هل هناك أي شيء آخر تود أن تقوله؟» لم يستطع حتى التفكير في الحديث عنهم.

والنتيجة أن استطلاعًا للرأي أجراه البرنامج التليفزيوني البريطاني الشهير «ذا مورننج» كشف أن 81٪ من المشاهدين يعتقدون أنه يجب أن يتقاعد من الخط الأمامي الملكي. ليضطر الأمير أندرو لإصدار بيان شخصي هذه المرة وليس عن القصر الملكي، أعلن فيه أنه «ينوي التراجع عن واجباته العامة في المستقبل المنظور»، مشيرًا إلى أن ارتباطه بالمذنب الراحل جيفري إبستين الذي أُدين بالجريمة الجنسية أصبح «مصدر اضطراب كبير ليس فقط للعائلة المالكة، ولكن أيضًا للجمعيات الخيرية والمنظمات التي يدعمها دوق يورك»، مضيفًا أن «الملكة سمحت له بالانسحاب من واجباته العامة».

الدعوى التي قصمت ظهر البعير

لم تتوقف متاعب الأمير أندرو عند هذا الحد. في أغسطس 2021، رفعت فيرجينيا جوفري دعوى قضائية ضد شخص ابن ملكة بريطانيا، حيث اتهمته رسميًّا بالاعتداء الجنسي عليها عندما كانت قاصرًا.

رفض متحدث باسم الأمير أندرو التعليق، لكنَّ محاميه قدموا طلبًا برفض الدعوى المدنية. رفض القاضي الطلب في يناير 2022، ما يعني أن الأمير قد يتحوَّل لاحقًا إلى متهم أمام المحكمة إن لم يتوصل إلى تسوية ودية مع المدعية.

قال محاميها إن مُتَّهِمَة الأمير أندرو ليست معنية بـ «تسوية مالية بحتة».

وبينما تتجه القضية المدنية المرفوعة ضد الأمير نحو المحاكمة أعلن محامي فيرجينيا جوفري أن موكتله لن تقبل الأموال فقط للموافقة على تسوية ودية، معتبرًا أن المطلوب تحديدًا هو «إثبات صحة الادعاء الذي قدمته».

وما لم توافق جوفري على تسوية، أو يعثر الأمير أندرو على سبب جديد لرفض القضية، ستُعقَد المحاكمة، على الأرجح في الخريف. 

سيبقى للأمير أندرو رفض التعامل مع القضية المرفوعة على الأراضي الأمريكية، لكن هذا سيحرمه من أي فرصة باقية لتبرئة ساحته، ومن المؤكد تقريبًا أن يؤدي إلى إصدار حكم إدانة ضده.

الدوق الفقير

بقرار ملكي، أمرت ملكة بريطانيا بسحب كل الألقاب العسكرية (عددها عشرة) والملكية «وبالتالي الاستحقاقات المالية» من ابنها الأمير أندرو، وتوقُّفه عن القيام بأي واجبات عامة، ليدافع عن نفسه في القضية بصفته مواطنًا بريطانيًّا عاديًّا. هذا لا يعني سحبًا كاملًا للقبي «دوق يورك» أو «صاحب السمو الملكي»؛ إذ سيحتفظ الأمير أندرو بهما، لكنه لن يملك استخدامهما بأي صفة رسمية.

الخسائر المالية ليست مقدرة بدقة، لكن وفقًا لتقارير، سيتوقف مصدرا دخل الأمير أندرو الرئيسيين: المعاش السنوي 20,000 جنيه إسترليني من البحرية، وبدل الواجبات الملكية المقدر بـ 249,000 جنيه إسترليني سنويًّا.

من المؤكد أن إقالة أندرو الدائمة من الواجبات الملكية كانت قرارًا صعبًا على الملكة الأم، لكن من الواضح أنها شعرت أنها ضرورية بصفتها رئيسة المؤسسة. الرسالة هنا، بحسب سي إن إن هي: القضية في نيويورك ببساطة شديدة الضرر للأسرة وسمعة النظام الملكي؛ لذلك كان عليه أن يذهب.

وقال مصدر في قصر ملكة بريطانيا إن قرار سحب الألقاب نهائي؛ أي إنها لن تعاد إليه مستقبلًا أبدًا وتحت أي ظرف، مضيفًا أن القرارات نوقشت على نطاق واسع داخل العائلة المالكة.

ومع عدم وجود واجبات رسمية يؤديها، فلن يتلقَّى الأمير أندرو بعد الآن أموالًا عامة، لكنه سيكون حرًّا كمواطن في الحصول على عمل مدفوع الأجر في القطاع الخاص أو الحصول على المال من خلال وسائل خاصة أخرى لتمويل جهوده القانونية باهظة الثمن.

وبما أن الأمير لا يملك أي مصدر دخل آخر أو وظيفة معروفة، فإن التوقعات قائمة بأنه سيكون في ورطة حال طولب بدفع تعويض ضخم، أو توصَّل إلى تسوية مالية مع جوفري، بخلاف فواتير المحامين المتزايدة.

يتوقع مراقبون أنه يمكن أن يطلب من الملكة الدفع من دخلها الخاص، طبعًا بعدما يبيع ما تبقى من ممتلكاته. لكن خبراء ملكيين يقولون إن الملكة لن تتدخل لإنقاذ دوق يورك؛ باعتبار أن تزويده بالمال سيكون ضارًّا للغاية بسمعتها.

وكتب المعلق الملكي بيتر هانت: «أظهرت عائلة وندسور أنه عندما تكون المؤسسة في خطر، فإن الحفاظ على السلالة يتفوَّق على اللحم والدم».