وقف يستمع إلى طالبه في طابور الصباح وهو يذيع خبرًا عن الأعمال الوحشية للإسرائيليين بالقدس والتي أسفرت عن مقتل عدد من طلاب المدارس الفلسطينية، فاستشاط غضبًا، وأقسم على تخصيص حصة اليوم لفضح جرائم الاحتلال لطلابه؛ حتى يعرفوا عدوهم الأول، وبعد دخوله الفصل لمس من طلابه شغفًا لسماع تعليقاته النارية على الجريمة التي أُذيعت صباحًا، مثلما اعتادوا منه دائمًا، لكنهم وجدوه يقول لهم: درسنا اليوم عن «إسرائيل الدولة الصديقة».


السلام مع إسرائيل في الكتب الدراسية

دراسة إسرائيلية بعنوان «السلام مع إسرائيل في الكتب الدراسية المصرية، ما الذي تغير بين عهدي مبارك والسيسي؟»، نُشرت في دورية «تقديرات إستراتيجية» عدد أبريل/ مايو 2016، الصادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بجامعة تل أبيب، وكتبها الباحث أوفير فاينتر، كشفت عن تعديلات في المنهج التعليمي المصري من خلال تناول إسرائيل في الكتب التعليمية بشكل مختلف، خاصة كتاب «جغرافية العالم وتاريخ مصر الحديث»، للصف الثالث الإعدادي، للعام الدراسي 2015/2016.

ووفقًا للدراسة فإن هناك عدة عوامل يمكن ملاحظتها في المنهج المصري الجديد، مقارنة بالمنهج الذي كان معتمدًا خلال نظام مبارك، حيث ترصد الدراسة انتقال صورة إسرائيل من دولة عادية إلى دولة صديقة، كالتالي:

يعرض المنهج الحالي اتفاقية «كامب ديفيد» على أنها اتفاقية ضرورية لتحسين الوضع الاقتصادي في مصر، ويركز على المزايا الاقتصادية للسلام مع إسرائيل.

أولًا: يعرض المنهج الحالي اتفاقية «كامب ديفيد» على أنها اتفاقية ضرورية لتحسين الوضع الاقتصادي في مصر، ويركز على المزايا الاقتصادية للسلام مع إسرائيل من خلال انتهاء الحروب ومنح الاستقرار اللازم لتحقيق التنمية.

ثانيًا: يصف المنهج الجديد إسرائيل بأنها شريكة بعلاقات صداقة مع مصر، ويركز على شرعيتها كدولة شريكة في عملية السلام دون تقديم مبررات.

ثالثًا: لم يتطرق المنهج لحروب مصر ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولا للقضية الفلسطينية كما كان عليه المنهج سابقًا، فعلى سبيل المثال كتاب عام 2002 يضم 32 صفحة عن الحروب العربية الإسرائيلية، و3 صفحات للسلام مع إسرائيل، أما كتاب عام 2015 فخصص فقط 12 صفحة للحروب العربية الإسرائيلية، و4 صفحات للسلام مع إسرائيل.

رابعًا: حذف أهم بنود معاهدة السلام المرتبطة بالقضية الفلسطينية مثل «الاعتراف بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني»، و«مفاوضات تقرير مصير الفلسطينيين»، وهو ما كان يتم التعرض له في كتب عصر مبارك، في حين يتم عرض محادثات مدريد واتفاقية أوسلو وكأنها قصص نجاح عظيمة، ولا يذكر الكتاب ما كانت تكرره المناهج سابقًا من محورية دور مصر الملتزم بمساعدة الفلسطينيين لتأسيس دولتهم المستقلة.

وتركز الدراسة على ما تعدّه تغييرًا كبيرًا في عرض صورة إسرائيل، من خلال حذف «ثقافة الصراع»، واستبدالها بـ «ثقافة السلام»، كما ترصد تركيزًا لم يوجد من قبل على الترويج لـ «دروس الحرب والسلام مع إسرائيل»، والقيمة الإستراتيجية للسلام.

وللمرة الأولى يتم وضع صورة بيجن والسادات أثناء توقيع معاهدة السلام بالكتاب، كما يذكر الكتاب أن من مزايا المعاهدة ما يتعلق بأهداف أوسع، كمكافحة العنف، والتطرف والإرهاب، دون الإشارة لعودة حقوق مغتصبة.

ومن أهم النقاط خطورة ما أشارت إليه الدراسة من حذف أجزاء من كتب التاريخ، خاصة التي تشجع التطرف والإرهاب والعنصرية، واستبدالها بما يشجع على نشر قيم التسامح، حيث حذفت وزارة التعليم جزءًا يعرض لتاريخ صلاح الدين الأيوبي ولتحريره القدس من الصليبيين؛ مخافة أن يُشجع عرض تاريخه على العنف.


سياسة مصر الجديدة تجاه إسرائيل

اعتبر كاتب الدراسة الإسرائيلية أن «البُعد النسبي الحالي فيما يخص القضية الفلسطينية يتناقض بشكل كبير مع التركيز على القضية الفلسطينية في المنهج السابق، والذي كان يؤكد التزام مصر تجاه القضية، والدور الأساسي للرئيس المصري في الدفع نحو إبرام اتفاقيات بين الإسرائيليين والفلسطينيين»، وهذا التغيير في المناهج يعكس السياسة الجديدة في التركيز على الشؤون الداخلية لمصر، وتهميش الشؤون الخارجية، وإبعادها عن الأجندة اليومية للمصريين، واستبدالها بقضايا يراها النظام أكثر إلحاحًا مثل: الفقر، والبطالة، وتهديدات الإرهاب.

المنهج الجديد يؤكد على ضرورة اتفاق السلام مع إسرائيل لمحاربة الأيديولوجية الإسلامية التي ترفض الاتفاق وتبث مفاهيم عقائدية متطرفة.

وينوّه الباحث إلى أهمية هذه التعديلات بالنسبة لإسرائيل، إلا أن التفاؤل بتأثيرها الفعلي على المجتمع لا يزال مبكرًا، لكنه يؤكد أن «الخطوات الصغيرة بهذا الاتجاه من شأنها أن تتراكم لتخلق واقعًا جديدًا محسّنًا، والذي سيكون له إسقاطات على صياغة وتحديد مواقف الجيل المصري الشاب»، ويؤكد الباحث أن هذه التغيرات لا تمثل ثورة تعليمية تجاه صورة إسرائيل والصراع معها، وإن كانت تمثل خطوات واضحة في الاتجاه الصحيح، وتحسّن ملموس، مقارنة بالمناهج الدراسية في عهد مبارك، موضحًا أن بلاده تشعر بالارتياح إزاء المناهج الجديدة؛ لأنها تجعل من إسرائيل شريكة وصديقة.

وتطرق الباحث إلى أن المنهج الجديد يؤكد على ضرورة اتفاق السلام مع إسرائيل «لمحاربة الأيديولوجية الإسلامية التي ترفض الاتفاق، من خلال عدم إيراد نصوص دينية تبث مفاهيم عقائدية متطرفة تحرض على القيام بأعمال عنف».

وأشارت الدراسة إلى أن الصحف والمسئولين المصريين تجاهلوا الحديث عن هذه التغييرات في المناهج لسببين،أولهما: حساسية الموضوع للنظام المصري، وثانيهما: أن حجم التغيير في صورة إسرائيل خلال سنوات حكم السيسي مقارنه بمثيلتها أثناء حكم مبارك تعد «محدودة في تفاصيلها، وإن كانت عظيمة الأثر في محتواها».

وختم الباحث دراسته بأن تغييرات المناهج تتزامن مع التعاون الوثيق بين مصر وإسرائيل في مواجهة الجماعات المسلحة، وخطوات تقارب أخرى مثل إعادة السفير المصري إلى إسرائيل، واللقاء العلني بين وزير الطاقة الإسرائيلي ووزير الخارجية المصري، واتفاق تل أبيب والقاهرة على صفقات بشأن تصدير الغاز الطبيعي.


احتفاء الإسرائيليين بالعهد الجديد

احتفت دوائر الإسرائيليين بتعديلات المناهج وزعمت أن هناك عهدًا جديدًا مبشرًا في العلاقات المصرية الإسرائيلية.

احتفت دوائر الإسرائيليين بتعديلات المناهج، وزعمت أن هناك عهدًا جديدًا مبشرًا في العلاقات المصرية الإسرائيلية، بتغيير الصورة التي يُلقن بها التلاميذ عن إسرائيل كدولة عدوة وغير شرعية، إلى صورة جديدة تراها دولة صديقة وشريكة في السلام.

ففي مقاله بصحيفة إسرائيل اليوم، بعنوان «وقف التعليم الجهادي»، أشاد المستشرق إفرايم هراري بـ «غربلة مناهج التعليم»، ودعا لـ «إجبار بقية الحكام العرب على ذلك»، واصفًا الأمر بأنه: «إصلاح عميق لمحتوى الكتب»، مشيرًا إلى «حذف كل ما له علاقة بالغنائم والعبيد من حروب الإسلام، ومنع الكتب التي تشير للعنف، وحظر كتب مفكري الإخوان مثل القرضاوي»، ونوّه لأمر ملك المغرب بتطهير 400 كتاب مدرسي، والتركيز على الاعتدال والتسامح مع الإسرائيليين.

وقالت إذاعة الجيش الاسرائيلي إن «تدريس معاهدة كامب ديفيد يدخل ضمن التغييرات الشاملة في الكتب المدرسية التي أعلن عنها السيسي قبل سنتين»، وأضافت أن «الكتاب حُذفت منه الأجزاء التي تُمجّد الإخوان، والتي أضيفت في فترة حكمهم»، والمناهج التي شملها التعديل هي: التاريخ والجغرافيا والتربية القومية، فضلاً عن موضوعات القراءة والنصوص في اللغة العربية، وأيضًا التربية الدينية الإسلامية.

وقالت الإذاعة إن الفصل الذي يتناول بنود معاهدة كامب ديفيد، ذكر في البند الرابع أن إسرائيل ومصر قررتا إقامة «علاقات ودّية سياسية واقتصادية وثقافية»، أما البندان الأخيران فيضيفان الاتفاق على استمرار المفاوضات لحل القضية الفلسطينية.

وقال جاكي حوجي محلل الشئون العربية بالإذاعة: «إن وزارة التعليم غيرت محتوى أكثر من 1300 منهج دراسي، بعضها بدعوى التجديد والآخر باسم السياسة»، وأوضح أنه «بينما وُصف مبارك بـالمنتصر العظيم لحرب أكتوبر، تصفه كتب التاريخ الجديدة فقط بقائد سلاح الطيران، وبكتب الجغرافيا جرى تسليط الضوء على التنمية الاقتصادية والدول التي نجحت في الخروج من أزمات مالية (..) وأُضيف فصل عن معاهدة السلام التي لم تُذكر بكتب التاريخ من قبل»، وزعم أن المنهج الجديد تطرق بشكل موضوعي لانسحاب إسرائيل من سيناء، كما ذكر المنهج عن السادات «أنه كان ضحية لعملية اغتيال رغم الجهود الكبيرة التي بذلها لتحقيق السلام».


المنهج الجديد أكثر دفئًا تجاه إسرائيل

فيما وصفت صحيفة «هآرتس» لغة الكتب الدراسية فيما يتعلق بإسرائيل بـ «الأكثر دفئًا»، ولفتت إلى زيادة كلمة وديّة عند وصف الهدف من اتفاقية السلام، مقارنة بـإقامة علاقات طبيعية اقتصادية وسياسية وثقافية كما كان في السابق، وفي فقرة اتفاقية السلام حذفت الجملة التي تنص على أن الاتفاقية تهدف إلى تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وفي مقال لمحرر الشؤون العربية تسيفي برئيل بعنوان «صفحة جديدة»، وصف تلك التغييرات بـ«الفتافيت اللامعة»، وأوضح أن «أهداف الدرس عن السلام مع إسرائيل تشمل شرح إيجابياته لمصر والدول العربية»، كما أنها مرتبطة بأهداف أوسع مثل مكافحة العنف والتطرف والإرهاب. وتابع برئيل إظهار التوجه الجديد بعدة إشارات، منها كلمة صداقة، واعتبار اتفاق أوسلو ثمرة للجهود المشتركة لشمعون بيريز ومحمود عباس، وإلغاء التقدير الذي يقول إن طريق السلام ما زال بعيدًا.

واعتبر برئيل أن المشكلة في كتب التعليم العربية اعتبار إسرائيل عدوًا، موضحًا أن تلك التغييرات جزء من طلب السيسي إعادة النظر في الكتب التعليمية؛ لاقتلاع التعبيرات التي تحث على العنف والتطرف في الإسلام. واختتم برئيل بالقول إنه «في اليوم الذي سيستطيع فيه باحثون مصريون أو أردنيون نشر بحث عن برنامج تعليمي جديد، تعترف فيه إسرائيل بجزء من المسؤولية عن النكبة، لن تكون هناك حاجة إلى مجهر لاكتشاف نقاط الضوء في كتب التعليم المصرية والأردنية والفلسطينية».

بينما قالت صحيفة «إسرائيل ناشيونال نيوز» إن أحدث خطوة في تعزيز العلاقات بين مصر وإسرائيل هي تحديث نظام التعليم المصري؛ ليتضمن معاهدة السلام بين البلدين، واحتفت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» بتدريس اتفاق السلام للمرة الأولى «بشكل واقعي دون تحيز أو أي محاولة لإظهار إسرائيل بصورة سلبية»، كما وصفت.


رد الفعل العربي غير موجود بالخدمة

اعتبر برئيل أن المشكلة في كتب التعليم العربية اعتبار إسرائيل عدوًا، موضحًا أن تلك التغييرات جزء من طلب السيسي إعادة النظر في الكتب التعليمية.

ذكر صالح النعامي، الكاتب المتخصص في الشأن الإسرائيلي، تعليقًا على الدراسة أن المنهج الجديد يعلّم الطلاب أنه «تربطنا بإسرائيل علاقة شراكة وصداقة». وأشار إلى «ارتياح إسرائيلي لشطب أي إشارة لصلاح الدين الأيوبي بوصفه محرر القدس في منهج التعليم الجديد».

ويرصد الكاتب الصحفي هاني المكاوي، المتخصص في شؤون التعليم، ما يتم حاليًا لتعديل كافة المناهج «استجابة لمطالب إسرائيل بتغيير محتوى 1300 مقرر دراسي، وتتكلف هذه العملية نحو 1,4 مليون دولار، لطباعة كتب لنحو 20 مليون طالب من الابتدائي حتى الجامعة».

وسائل الإعلام المصرية لم تكلف نفسها عناء تحليل كتاب التعليم الجديد، وفي المقابل اهتمت وسائل إعلام عربية بكتاب التربية الوطنية الإسرائيلي.

في حين اعتبر ناجي الشهابي، المدير السابق للمعاهد القومية، أن الهدف من هذا الاتجاه هو «إقناع الطلاب بأن إسرائيل ليست عدوًا، وهذه الخطة تنتج جيلاً أكثر قبولاً لإسرائيل، ينسى قضية تحرير فلسطين، ويفقد الانتماء الديني والوطني»، وانتقد جابر الحرمي، محرر صحيفة الشرق القطرية، «تغيير مناهج التعليم لصالح التطبيع مع إسرائيل». كما وصف الكاتب المصري محمد المنشاوي أصحاب الظاهرة بـالمطبعين الجدد الهادفين إلى خدمة الإستراتيجية الإسرائيلية التي تعتبر أن الاحتلال ليس أساس المشكلة الفلسطينية أو مشكلة العرب ككل.

بينما اكتفى بشير حسن، المتحدث باسم وزارة التعليم، بنفي ما نشرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن تقليل مساحة دور مبارك في حرب أكتوبر، وحذف أجزاء تمت إضافتها خلال فترة حكم الإخوان، قائلا: «لن نزوِّر تاريخ مصر».

الملفت أن وسائل الإعلام المصرية لم تكلف نفسها عناء تحليل كتاب التعليم الجديد، وفي المقابل اهتمت وسائل إعلام عربية بكتاب التربية الوطنية الإسرائيلي الجديد الذي يتهمونه بالعنصرية والفاشية، وأنه فرض على العرب الاعتراف بيهودية الدولة.

الإسرائيليون يملكون براعة الاصطياد في الماء العكر؛ فمن وجهة نظر القائم بالتطبيع الإسرائيلي فإن كل عقدة ولها حل، فإذا كانت مناهج التعليم تحض على الكراهية فيمكن تغييرها، وإذا عاقت الحقائق التاريخية تصفية الأحقاد فيمكن تجاهلها، وإذا كانت المفاهيم السلبية تسود الدين الإسلامي فيمكن إزالتها، وفي ظل التقارير التي تؤكد أن الدروس التي تتناول إسرائيل تم تعديلها، وبين هذه الدروس فقرات تصِم إسرائيل بالإرهاب في كتاب التربية الدينية للصف الثالث الإعدادي، وكذلك عبارات تحكي عن تاريخ اليهود وإرهابهم، والمثير في الأمر الحذف الذي شمل شخصيات تاريخية لم تحارب اليهود ولكنها تذكر بقضية القدس، ومنها درس صلاح الدين الأيوبي للصف الخامس الابتدائي، لأجل ذلك كله يبرز السؤال الأخطر: كيف سيقنع المعلم تلاميذه بأن إسرائيل دولة صديقة؟.

المراجع
  1. وزارة التعليم، كتاب الدراسات الاجتماعية للصف الثالث الإعدادي
  2. إسرائيل في مناهج وزارة التعليم المصرية
  3. المطبعون الجدد
  4. مناهج التعليم بمصر.. إسرائيل ليست عدوا
  5. إسرائيل مرتاحة للمناهج التعليمية الجديدة بمصر
  6. صحيفة إسرائيلية: كامب ديفيد فى إعدادية مصر
  7. هاآرتس: المناهج الدراسية وسيلة السيسي للتودد لـ "الإسرائيليين"