محتوى مترجم
المصدر
فوكس
التاريخ
2016/02/04
الكاتب
براين ريسنيك

من منظور تطوري، ما من معنى على الإطلاق لما تجعلنا الموسيقى نشعر به من عواطف. لماذا اهتمَّ أسلافنا بالموسيقى؟ على الرغم من أنه قد يجادل العديد من الناس بعكس ذلك، إن الموسيقى ليست ضرورية للبقاء على قيد الحياة.

«تُعَدُّ النوتة الموسيقية أمرًا نادرًا جدًا كمسألة حياة أو موت»، يقول جان جوليان أوكيتورير(Jean-Julien Aucouturier)، عالم الأعصاب الذي يقوم بأبحاث عن الموسيقى والعاطفة في المعهد الفرنسي للعلوم في باريس (French Institute of Science). «بيتهوفن أو ليدي غاغا – أحببتهم أم لا – ليسوا أشياء عليك أن تصرخ أو تهرب منها».

ذلك هو السؤال الذي حيَّر العلماء لعقود: لماذا يثير شيء مجرّد مثل الموسيقى هكذا مشاعر متناغمة؟

من الممكن جدًا اعتبار حبنا للموسيقى على أنه كان محض حادثة. لقد طورنا العواطف أصلًا لمساعدتنا في اجتياز عوالم خطرة (الخوف) وظرفيات اجتماعية (الفرح). وبطريقة أو بأخرى، تنشِّط نغمات ودقات التأليف الموسيقي مناطق دماغية مماثلة.

«يمكن أن يكون هذا هو الحال أنها تطورت مصادفة، لكن بمجرد أن تطورت أصبحت مهمة حقًا»، يقول روبرت زاتور (Robert Zatorre)، عالم الأعصاب في جامعة ماكجيل.

وفيما يلي بعض النظريات حول الكيفية التي حدث بها الأمر.


أدمغتنا تحب الأنماط (patterns). والموسيقى نمط. هل هي مصادفة؟

أظهرت الدراسات أنه عندما نستمع إلى الموسيقى، تطلق أدمغتنا الدوبامين، وهذا بدوره يجعلنا سعداء. في دراسة نشرت في نيتشر نيوروساينس (Nature Neuroscience)، بإشراف زاتور، وجد الباحثون أن إطلاق الدوبامين يكون أقوى عندما تصل قطعة موسيقية إلى ذروة عاطفية ويشعر المستمع بالـ “قشعريرة” – الإحساس بوخز العمود الفقري من الإثارة والرعب.

وهو ما قد يفسر السبب وراء حبنا للموسيقى. لكنه لا يفسر ما يقف وراء تطويرنا لهذا الولع في المقام الأول. عادة، تطلق أدمغتنا الدوبامين أثناء سلوك ضروري للبقاء (الجنس أو الأكل). وهذا الأمر يبدو معقولًا تمامًا – إنه تكيف يشجعنا على بذل المزيد من هذه السلوكيات. بيد أن الموسيقى ليست ضرورية على النحو نفسه.

«تمارس الموسيقى نفس نظام المكافأة، على الرغم من أنها ليست ضرورية بيولوجيًا للبقاء على قيد الحياة»، يقول زاتور.

أحد الاحتمالات، كما يلاحِظ، هو أنها نشاط يُعبِّر عن حبنا للأنماط. من المفترض أننا تطورنا بحيث نتعرف على الأنماط، لأنها مهارة أساسية للبقاء على قيد الحياة. هل يعني حفيف الأشجار أن حيوانًا خطيرًا على وشك مهاجمتي؟ هل تعني رائحة الدخان أنني يجب أن أهرب، لأن النار قد تكون قادمة نحوي؟

إن الموسيقى نمط. وبينما نستمع [إليها]، نترقب دائمًا الألحان والتجانسات والإيقاعات المقبلة. «لو كنتُ أستمع إلى متوالية وترية – تذهب على هذا النحو: وتر واحد، أربعة أوتار، خمسة أوتار – ربما أعلم أن التنغيمة المقبلة ستكون وترًا واحدًا آخر، لأن هذا هو التنبؤ»، يقول زاتور. «وهو يعتمد على تجربتي الماضية».

وهذا هو السبب في أننا عادة لا نحب أنماط الموسيقى التي لسنا على أُلفة بها. فعندما لا نألف نمطًا موسيقيًا، لا يكون لدينا الأساس للتنبؤ بأنماطه. (يستشهد زاتور بالجاز بوصفه أسلوبًا موسيقيًا لدى كثير من غير الملمين به مشكلةً في التلاحم معه). عندما لا نستطيع التنبؤ بأنماط موسيقية، نشعر بالملل. كما أننا نعلم من خلال ثقافاتنا أية أصوات تشكل الموسيقى. والبقية نُعدّها ضجيجًا عشوائيًا.


الموسيقى تخدع الدماغ حتى يفكر في خطابها

يمكن أن تصف هذه التفسيرات ما يقف وراء شعورنا بالفرح من الموسيقى، لكنها لا تفسر مجموعة أخرى كاملة من العواطف التي يمكن أن تنتج عن الموسيقى.

عندما نسمع قطعةً موسيقية، فإن إيقاعها يستولي علينا في عملية تتزامن فيها الكائنات مع الإيقاع الخارجي (entrainment). وإذا كانت الموسيقى سريعة الخطى، فإن دقات قلوبنا وأنماط تنفسنا ستتسارع لتتناسب مع الوحدة الإيقاعية الموسيقية.

ومن ثمَّ يمكن تفسير هكذا انفعال من خلال أدمغتنا على أنه إثارة. وقد توصل البحث إلى أن متعة موسيقية أكثر تتمثل في مستوى أكبر من التزامن بين الكائنات والإيقاع الخارجي.

وتقول فرضية أخرى إن الموسيقى تلتحم بتلك الأجزاء في الدماغ التي تتوافق مع الخطاب – الذي ينقل كل عواطفنا.

“من المنطقي أن أدمغتنا جيدة جدًا في التقاط المشاعر من الخطاب”، يقول أوكيتورير من المعهد الفرنسي للعلوم. فمن الضروري أن نفهم إذا ما كان هؤلاء الذين من حولنا في سعادة أو حزن أو غضب أو خوف. والكثير من هذه المعلومات تُتَضمن في لهجة خطاب الشخص. فالأصوات المنغمة المرتفعة تعبر عن سعادة. والدندنة بصوت خفيض تعبر عن خوف.

ومن ثم قد تكون الموسيقى نسخة مبالغة فيها من الخطاب. ولما كانت الأصوات المنغمة المترفعة والمتسارعة تتضمن إثارة، فإنك تضع مختارات موسيقية تمثل ذلك.

“أسعد ما أستطيع أن أصنعه بصوتي، يمكن للبيانو أو الكمان أو الترومبت أن يصنعه بشكل أكثر سعادة مئة مرة”، يقول أوكيتورير، لأن تلك الآلات يمكن أن تنتج مجموعة أوسع بكثير من النوتات الموسيقية مما قد ينتجه الصوت البشري.

ولأننا نميل إلى عكس المشاعر التي نسمعها من الآخرين كما المرآة، فإنه إذا كان يتمخض عن الموسيقى خطاب سعيد، يصبح المستمع سعيدًا للغاية.