مصدر نظام التعليم الذي تتلقاه اليوم راجع إلى أكبر وآخر إمبراطورية على هذا الكوكب وهي الإمبراطورية البريطانية منذ أكتر من حوالي 300 عام،لقد كان لديهم آلة كبيرة يديرون بها أمور إمبراطوريتهم وهي (الآلة البيروقراطية الإدارية) وحتى تعمل هذه الآلة تحتاج إلى الكثير والكثير من البشر، فقاموا بصنع آلة أخرى لإنتاج هؤلاء البشر، وهذه الآلة هي المدرسة، فالمدرسة تنتج بشرًا ليكونوا أجزاء من الآلة البيروقراطية الإدارية، ولابد أن يكونوا متطابقين، فيجب أن يتعلموا جميعًا ثلاثة أشياء مهمة:

  1. خط يدوي جيد لأن المعلومات مكتوبة.
  2. القدرة على القراءة.
  3. معرفة العمليات الحسابية كالجمع والطرح والضرب والقسمة بالعقل.

يجب أن يكونوا متطابقين، بحيث يمكنك أن تأخد واحدًا منهم من «نيوزيلاندا» وتقوم بشحنه إلى «كندا» ليكون فعالاً فورًا، كان «الفكتوريون» مهندسين بارعين، فقد صنعوا نظامًا متينًا جدًا يعمل حتى يومنا هذا مواصلاً عملية إنتاج بشر متطابقين من أجل آلة لم تعد موجوده! لقد ذهبت الإمبراطورية فماذا نحن فاعلون بهذا التصميم الذي ينتج بشرًا متطابقين؟ وماذا سنفعل بعد هذا ؟ هل سنستفيد بأي شكل من هذاالتصميم؟ هل نحتاج إليه الآن؟ لقد أصبح هذا النظام باليًا ومنتهي الصلاحية.

ما هي أنواع الوظائف اليوم؟ فالمحريون هم الحواسيب! وهي بالآلاف في كل مكتب وهناك أناس يقودون هذه الحواسيب لتقوم بإنتاج عملهم الكتابي، وليس عليهم أن يكتبوا بخطوط الأيادي الجميلة، لا يحتاجون إلى حل المسائل الحسابية بعقولهم، يحتاجون إلى القدرة على القراءة وفي الحقيقة يحتاجون إلى القدرة على القراءة بإحساس وإمعان، هذا فقط بالنسبة لليوم، ولكننا لا نعرف كيف ستكون الوظائف في المستقبل؟ نعرف أن الناس سيستطيعون العمل حيث يريديون في أي وقت وفي أي مجال شاءوا، ولكن كيف تجهزهم المدرسة في يومنا هذا لذلك العالم الحقيقي والعمل الحقيقي؟
سوجاتا ميترا

هل يمكن تبديل المعلم بجهاز كمبيوتر؟ هل يمتلك الأطفال دافعية لتعليم أنفسهم؟ هل يمكن خلق النظام من الفوضى؟ نستعرض فيما يلي ما قام به «سوجاتا ميترا» للإجابة على هذه الأسئلة.


هل يستطيع الأطفال تعليم أنفسهم؟!

هكذا بدأ سوجاتا ميترا مؤسس فلسفة التعليم الموجه ذاتيًا – أستاذ تكنولوجيا التعليم في جامعة نيو كاسيل حالياَ – حديثة عام 2007 على منصة تيد – TED– واضعًا فرضية للتعليم الأساسي عن البعد ونوعية التعلم ، فقد قسم البعد إلى المناطق النائية في البلدان، والأحياء الفقيرة في المناطق الحضرية الكبيرة، حيث قام بعمل اختبارات معيارية على بعض المدارس في المناطق النائية على بعد 300 كيلو متر شمال الهند في طرق لا تتقاطع مع أي مدينة كبيرة، وكلما وجد هو وفريقه مدرسة قاموا بعمل الاختبارات عليها ثم وضعوا هذه النتائج على رسم بياني، وتوصلوا إلى أنه كلما كانت المدرسة نائية كانت النتائج أسوأ!

ربطوا ذلك بوجود الكهرباء أو وسع أماكن الدراسة، ولم يجدوا لأي منها أي علاقة بالبنية التحتية ولا مستوى الفقر، وكانوا دائمًا يسألون المدرسين سؤالًا ثابتًا، هل تريد الانتقال للتدريس في المدينة؟ 69% منهم كانت إجاباتهم «نعم» وتوصلوا من خلال ذلك إلى أن المدرس الذي يتمنى أن يترك المكان كل يوم بالطبع له تأثير عميق على ما يحدث في نتيجة المدرسة.


فتحة في الجدار – Hole in the wall

فتحة في الجدار، Hole in the wall
تجربة «فتحة في الجدار – Hole in the wall».

عام 1999 كان سوجاتا يعمل مهندس برمجيات، يعلم الناس كتابة برامج الحاسوب ويعمل في أحد أحياء الهند الحضرية الذي يتصادف أنه ملاصق لأحد الأحياء الفقيرة ويفصل بينهما فقط جدار، تساءل ذات يوم كيف يمكن لهؤلاء الأطفال في الحي الفقير أن يتعلموا كتابة برامج الحاسوب؟ أم لا يجب عليهم أن يتعلموا ذلك؟ فالأغنياء دائمًا ما يقولون عن أطفالهم إنهم أذكياء ويفعلون أشياء رهيبة بالحاسوب، فماذا عن هؤلاء الفقراء؟ أطفال يتحدثون لغة «النامل» في الهند لا يتكلمون الإنجليزية ولا يذهبون للمدارس، ولم يروا جهاز كمبيوتر قبل ذلك، ولا يعرفون ما معنى الإنترنت، هل يمكن أن يتعلموا تكنولوجيا نسخ الحمض النووي بالإنجليزية من حاسوب في الشارع؟ قام باختبار هؤلاء الأطفال فحصلوا على «صفر» ثم تركهم مع الحاسوب

قام بعمل فتحه في جدار فاصل بين مكتبه وذلك الحي الفقير، وضع حاسوب قوي محشور في الجدار وشاشته موجهه إلى الخارج ، ولوحة اللمس محشوره في الجانب ، ثم قام بتوصيل الكمبيوتر بخط انترنت ، وبعد 8 ساعات وجد طفل عمره 8 سنوات وفتاه 6 سنوات يستكشفون الانترنت وهم لا يعرفون شيئًا عن الكمبيوتر أو اللغة الإنجليزية، وجد أن الطفل في عمر 6-13 عامًا يستطيع تعليم نفسه بنفسه في وجود بيئة موصولة بالإنترنت لكن خلال مجموعات، وذلك إذا تركتهم دون تدخل الكبار.


الأطفال في مجموعات يمكنهم تنظيم وتعليم أنفسهم ذاتيًا

الأطفال تقود التعليم!

ترك الأطفال مع الحاسوب لمدة شهرين، وكانت هناك كاميرا تسجل ما يحدث ثم عاد إليه فقالوا له «لم نفهم شيئًا» فأخبر نفسه أن ماذا كنت تتوقع منهم فهم ما زالوا أطفالاً، فسألهم كم من الوقت استغرقتم في استخدام الجهاز قبل أن تقولوا لا نفهم شيئًا؟ ، فقالوا «لم نستسلم أبداً» نشاهدها كل يوم، فقال لهم «إذا لماذا لاتفهمون؟» ماذا تفعلون كل يوم إذاً إذا كنتم لاتفهمون؟ فقامت فتاة صغيرة وقالت: بخلاف معلومة أن «الحمض النووي غير السليم يسبب الأمراض» لم نفهم شيئًا!

وهنا قام سوجاتا بعمل اختبار آخر لهم فكانت نتيجة النجاح 30%، وجد صديقة لهم تعمل محاسبة وتبلغ من العمر 22 عامًا فسألها: هل يمكنك مساعدتهم؟ فقالت: لا أعرف كيف فأنا لا أفهم أي شيء! فأخبرها أن استخدمي أسلوب «الجدة» قفي خلفهم وقولي «هذا عظيم» «هذا ممتع» «هذا رائع» كيف فعلتم ذلك؟ ما الصفحة التالية؟ عندما كنت بعمركم كنت لا أفعل ذلك، تركها معهم شهرين آخرين، وعاد إليهم، وقام بالاختبار فأصبحت نتيجة النجاح50%، وانتقلت الطفلة بعد ذلك إلى مدرسة للأغنياء بها أستاذ علوم أحياء متدرب.

بعد أن قام بالتجربة في أماكن مختلفه في أنحاء الهند وبعض دول العالم وجد أن 300 طفل في ستة أشهر قادرون على تعليم أنفسهم أشياء مثل:

  • وظائف الويندوز
  • الاستكشاف
  • الرسم
  • الدردشة
  • البريد الإلكتروني
  • الألعاب
  • المواد التعليمية
  • تحميل الموسيقى
  • تشغيل الفيديو

وهذا ما نفعله نحن الكبار! بعد 6 أشهر من التجارب وجد أن:

  1. التعليم الأساسي – أو جزء منه – يمكن أن يحدث من تلقاء نفسه، وأنه لا يجب فرضه على الطفل من أعلى إلى أسفل، فإذا أبدى الأطفال اهتمامًا بشيء، فالتعليم سيبدأ في الحدوث فورًا، ففي خلال سنتين من التجارب بدأ الأطفال في استخدام محرك البحث جوجل لحل الواجبات.
  2. الأطفال بمقدورهم تنظيم أنفسهم وتحقيق هدف التعليم، فالأطفال يستطيعون تعليم أنفسهم دون معلم بغض النظر من أين أتو أو أين هم الآن؟
  3. المعلم الذي لا يقوم بدوره، ويمكن تبديله بجهاز كمبيوتر يجب تبديله فوراً.

وتوصل إلى أربع نقاط أساسية تلخص ما سبق :

  1. البعد يؤثر على نوعية التعليم.
  2. تكنولوجيا التعليم يجب أن تقدم إلى المناطق «النائية» أولًا ولاحقًا إلى المناطق «الحضرية».
  3. القيم مكتسبة والعقائد والمذاهب تُفرض.
  4. التعليم من المرجح أنه نظام تنظيم ذاتي.

«مدرسة السحاب – School in the Cloud»

عام 2013 تحدث سوجاتا عن تجاربه التي تحولت إلى مشروعات تعليمية يعمل عليها الأطفال في مجموعات، ووجد أن النقاش الذي يدور بين الأطفال وعملهم في مجموعات دون معلم وصل إلى 76% ، ذهب بعد ذلك إلى إنجلترا وطلب متطوعات من الجدات البريطانيات وزع إعلاناً يقول: إذا كنت جدة إنجليزية تمتلك جهاز كمبيوتر مرتبطًا بالإنترنت وكاميرا فهل يمكنك إعطائي ساعة أسبوعية مجانية من وقتك؟ وبالفعل تطوعت 200 جدة في أول أسبوعين، وطلب من كل منهن أنه إذا كان هناك طفل في مأزق، فنرسل له جدة تتحدث معه على سكايب وتساعده في حل المشكلة ، وعلى مدى عامين تم عمل 600 ساعه من التدريس عبر سكايب وقام الأطفال بتسمية هذه العملية بـ«جدة السحاب».

قرر «ميترا» بعد ذلك خلق بيئات للتعلم الموجه ذاتيًا SOLE Self-organized learning environment، ذهب بعد ذلك إلى بلدة في إيطاليا وهو لا يتحدث الإيطالية، فهو يتحدث الإنجليزية وهم يتحدثون الإيطالية، قام بوضع سؤال على اللوحة الدراسية (السبورة) فقال الأطفال: ماهذا؟ فأخبرهم أن ابدؤوا العمل -وكان قد أعطاهم جهاز كمبيوتر واحدًا – فتناقشوا معًا، وأخذوا ما قام بكتابته ووضعوه على جوجل ووصلوا للترجمة، وبدؤوا العمل وفي غضون عشر دقائق أجابوا على سؤاله الذي كان عن مكان بلد في منطقة ما في العالم، ثم قام بكتابة سؤال آخر وقال لهم: ابدؤوا فبحثوا على جوجل، وأخبروه أنك أخطأت في كتابة السؤال فقد كتبت «بيثاغورث» والصحيح «فيثاغورث»، وفي خلال عشرين دقيقة كان الأولاد البالغون من العمر 10 سنوات يتعلمون عن «النظرية النسبية»،ويعتقد أنه بهذه الطريقة قد وصل إلى التعليم ذاتي التنظيم حيث التعلم هو ظاهرة طبيعية تحدث عند تفاعلك مع ما تقوم به لأنه يبدو مستحيلًا بالنسبه لك.


هل يمكن ألا نحتاج إلى المدرسة نهائيا؟

يتساءل سوجاتا ميترا هل يمكن أنه إذا احتجت إلى أي معلومه في أي وقت فيمكنك العثور عليها خلال دقيقتين؟ هل يمكن أن نكون متجهين نحو مستقبل به المعرفة بائدة؟ فنحن بشر والمعرفة هي التي تفرقنا من الحيوانات، فالجزء الزاحف من عقلنا الذي يقع في مركز المخ عندنا يشعر بالخطر يغلق كل شيء آخر، يغلق الجزء الذي يتعلم، فالعقاب والامتحانات ينظر إليها المخ كخطر! فنحن نغلق عقول أبنائنا دون أن ندري ثم نقول لهم: «انجحوا وتفوقوا».

لماذا تم صنع نظام كهذا؟ لأنه كان ضروريًا في زمن الإمبراطورية، كان هناك حاجه لأناس يتعايشون مع المخاطر، إذا وقفت في خندق وحدك، واستطعت أن تعيش فقد نجحت، وإذا لم تستطع فقد فشلت، ولكن ذلك العصر قد انطوى، فماذا يحدث للإبداع في زمننا هذا؟

علينا إعادة التوازن من الخطر إلى المتعة، علينا النظر للتعليم كناتج لتنظيم التعلم الذاتي فإذا سمحنا لعملية التعلم أن تحدث من تلقاء نفسها، فسيولد التعليم، فالأمر ليس بصنع التعليم وجعله يحدث، ولكن الأمر بترك المجال مفتوحًا للتعليم لكي يحدث، فالمعلم عليه أن يقوم بخلق الجو المناسب للتعلم ثم ينتظر ليشاهد المعجزات التي سوف تحدث في جو من الإعجاب والتشجيع والدعم، ولكن لابد أن نقوم أولًا ببناء البيئة المناسبة لخلق التعلم الذاتي.


اتصال بشبكة الإنترنت + تعاون + تشجيع = تعلم ذاتي

نحن نحول عالم التعليم رأسًا على عقب من خلال بيئات التعلم ذاتية التنظيم (SOLEs). لماذا لا تنضم إلى تجربتنا العالمية؟

فقد جرب ميترا ذلك في كل أنحاء العالم والمعلمون يقفون في الخلف ويقولون: «التعلم يحدث من تلقاء نفسه؟» فيخبرهم أن «نعم هذا صحيح» فيتساءلون «كيف تعرف ذلك» فيخبرهم لن تصدقوني، ولكن «الأطفال من أخبروني بذلك».

ختم سلسلة أحاديثه قائلًا «أعتقد أننا نحتاج منهجًا من الأسئلة الكبيرة، فقد كان الرجال والنساء يجلسون في العصر الحجري ينظرون إلى السماء ويتساءلون، ما هي تلك الأنوار اللامعة؟»، لقد بنوا أول منهج تعليمي بهذه الأسئلة المليئة بالتأمل، ولكننا فقدنا الرؤية وقلصناها فقط في نظرية هندسية، وهذا ليس ممتعًا! فما نحتاج إليه في بيئة التعلم أن نخلق أسئلة دائمة بطرحها على الأطفال أو بتوجيههم لطرح الأسئلة بأنفسهم ومحاولة الإجابة عليها ثم يقف المعلم بعيدًا معجبًا بكل الإجابات التي يحاول الأطفال الوصول إليها.

أضاف ميترا أن أمنيته هي أن نستطيع خلق مستقبل للتعلم، فنحن لا نريد أن نكون قطع غيار لآلة بشرية كبيرة، لذلك نحتاج إلى تصميم مستقبل التعلم، فأمنيتي أن أساعد في تصميم مستقبل للتعلم بمساعدة الأطفال من كل أنحاء العالم ليدخلوا معًا في عالم خيالهم وقدرتهم على العمل معًا، أريد المساعدة في بناء تلك المدرسة «مدرسة السحاب» تكون مدرسة يخوض فيها الأطفال تلك المغامرات العلمية وتقودهم تلك الأسئلة الكبيرة التي يطرحها الميسرون – المعلمون – ويمكنكم صناعة بيئة التعلم الذاتي في: البيت، النوادي، المدرسة وخارج المدرسة فبناؤها سهل جدًا، إذا أمكنكم فعل ذلك فرجاءً افعلوه في كل أنحاء العالم وفي جميع القارات ثم أرسلوا لي البيانات سأضعها في مدرسة السحاب، وأصنع مستقبل التعلم.