«عندما تتحول حياة الفرد منا إلى صحراء جرداء.. وعندما تجف مشاعرنا وتستحيل إلى أغصان يابسة.. يتوق قلب كل منّا إلى الحب.. هذه الكلمة السحرية التي تذيب أحجار القلوب وتنبت الزهور اليانعة في صخور المشاعر الصلدة»

لا تزال عبارات سلسلة «زهور» محفورة في أذهاننا نلمس أوراقها الصفراء بحنين في مكتباتنا، ونتذكر أبطالها الرومانسيين وبينهم من تركت الثراء لتختار الحب الصادق، وبينهم من أضاع العمر باحثًا عن سراب.

وللمفارقة كان مؤلف تلك السلسلة الموجهة للشباب هو نفسه كاتب سلسلة بوليسية أخرى هي «المكتب 19» وبطلها ممدوح عبد الوهاب المحقق الذي يواجه عصابات تستخدم أحدث تكنولوجيا النصب والتجسس، وفي كل مرّة نخوض معه غمارًا درامية لفك اللغز، ولكن الأمر لا يخلو أيضًا من مواجهات مع النفس.

كانت تلك السلاسل جنبًا إلى جنب مع سلاسل شهيرة للدكتور نبيل فاروق رجل الكتابة الجاسوسية والدكتور أحمد خالد توفيق رجل كتابات الخوارق؛ هي الماعون الذي يستقي منه آلاف الناشئة العرب مادتهم الأساسية للقراءة ضمن مشروع روايات الجيب.

سنوات طويلة ظلّ شريف شوقي خلالها ينسج خيوطًا جديدة لأبطاله منذ دفع بداية برواية «الانفجار المجهول» لإحدى مسابقات المؤسسة العربية عام 1984 فكانت بطاقة تعارفه بالقراء؛ وحتى قرار توقفه المفاجئ عام 2001 عن النشر لدى بيته الأول والتحول لدور مستقلة نشر خلالها «قلب الجحيم» و«عائلة في خطر» و«أسوار بيننا» وسلسلتي «وردة» و«المحقق» في استعادة لأبطال رواياته الرومانسية والبوليسية.

كيف نشأت علاقتك ككاتب بالمؤسسة العربية الحديثة للنشر؟

كنت في طفولتي قارئًا شغوفًا وقد احتفظت بأعداد مجلتي «سمير» و«ميكي»، فكانت المجلتان بداية دخولي عالم القراءة، ثم اطلعت على كلاسيكيات الأدب في مكتبة والدي، وكنت مغرمًا بالأدب الروسي، وبخاصة أعمال تشيخوف وتولستوي، كما أحببت مجلد «الانتقام الرهيب» للكونت هوجو، ثم تطوّر الأمر، وبدأت في ممارسة الكتابة الإبداعية، وأثنى المحيطون بي على ما أكتبه، ثم قُدّر لي أن تفوز إحدى قصصي «الانفجار الكبير» في مسابقة أجرتها «المؤسسة العربية الحديثة» لاختيار المواهب الشابة واستكتابهم؛ فكنت من الرعيل الأول لكتّاب المؤسسة.

وقد كان الحاج حمدي رجلًا مثقفًا يترك حرية مطلقة للمبدعين، ولا يضع خطوطًا تحد من إبداعهم، ويحفزهم على المضي باستمرار. فكنت باعتباري مستشارًا في مجلس الدولة ورجل قانون أمنح نفسي فرصة للإبداع صباحًا ومساء، وأزاوج بين الكتابة الرومانسية التي تقترب من طبيعتي، والرواية البوليسية التي يتجه إليها عقلي.

بدأت علاقتك بـ«المؤسسة» من خلال سلسلة «المكتب 19» البوليسية… حدثنا عن ذلك

في تلك المرحلة كان سلسلة «المغامرون الخمسة» مطروحة في الأسواق وحظيت بشهرة، ولكن كان التوجه في ظهور أدب جديد يرضي طموحات القراء الشباب الساعين لأعمال أرسين لوبين وهتشكوك وغيرها من السلاسل البوليسية، وأعتقد أن ذلك كان الهدف من كل سلاسل «روايات مصرية للجيب»؛ فكان ظهور سلاسل الجاسوسية مثل «رجل المستقبل» و«رجل المستحيل» والتي تفرغ لها الدكتور نبيل فاروق، والسلسلة البوليسية «المكتب 19» وبطلها المحقق المصري ممدوح هارون، وهي بديل لسلسلة جيمس بوند العالمية، ويخوض أبطالها مغامرات شائكة لفك ألغاز الجريمة، في أجواء درامية، وهي فكرة فاتحني الحاج حمدي في استحداثها، وكانت بمشاركة الدكتور نبيل في البداية، قبل أن أستقل بكتابتها.

حدِّثنا عن الأجواء التي صاحبت خروج روايات «زهور» للنور

لقد كان الحاج حمدي مصطفى أحد عشّاق الأدب الحقيقيين؛ ولم يكن مجرد ناشر، وكان ينفق أموالًا وأوقاتًا طويلة لمطالعة الجديد في عالم الكتاب عمومًا، وقد راق له أن يستحدث سلسلة رومانسية على غرار روايات «عبير» الرائجة آنذاك والمترجمة من الأدب العالمي، وكان يتطلع أن تكون السلسلة المصرية ملائمة لجميع الأعمار بما فيها الناشئة، إضافة لملاءمتها لقيم وذوق القارئ العربي عمومًا.

وبمرور فترة وجيزة، فاتحني رئيس «المؤسسة العربية» للكتابة في سلسلة «زهور» لطبع بعض كتاباتي الوجدانية الرومانسية، وقد أخبرني بأنه بكى لما قرأ قصتي «هي في حياتي» التي أرسلتها إليه في بادئ الأمر، ثم حققت السلسلة نجاحًا لافتًا على مستوى العالم العربي، فقد كان هذا الجيل في الثمانينيات متعطشًا لمثل هذا النوع من الروايات الذي يسد لديه فراغًا كبيرًا،وكان جيلًا محبًا للقراءة قبل ظهور الفضائيات والإنترنت.

وبالطبع هذا النجاح لم يكن يترجم لأموال طائلة كما يتصور البعض لأن أسعار الرواية كانت محدودة، ومع ذلك ظلّ الحاج مصطفى يدفعني للمزيد من الكتابة، ثم بعد أن كان الدكتور نبيل فاروق يشاركني الكتابة في «زهور» إذا به يقرر المضي في طريق الروايات البوليسية، ويترك لي ساحة الكتابة الإبداعية الرومانسية في سلسلة «زهور».

ألا يزعجك استخفاف بعض النقاد بمحتوى «زهور» باعتبارها أدبًا يقدم لصغار السن؟!

في الحقيقة هذا ظلم متعدد الأبعاد؛ فالروايات من جهة لم تكن تقدم للمراهقين وحديثي العهد بالقراءة فقط،ولكن جميع شرائح القراء العمرية، وكانت الرسائل تفد إليّ من قراء مخضرمين من مهن مختلفة تخبرني بتعلقهم بأبطال زهور وإعجابهم بقصة بعينها وما شابه، وما زلت ألتقيهم في معارض الكتاب.

ومن جهة أخرى، فإنني كمبدع مشارك في سلسلة روايات الجيب المصرية، كنت حريصًا على عدم التقعر مع القراء، واستخدام الألفاظ والتراكيب والصور الصعبة، ولكن لا يعني ذلك أنني كنت أكتب سطورًا خالية من الفن؛ فالمطلوب كان المزاوجة بين الإبداع الحقيقي وإمتاع القارئ غير المعتاد على الأعمال الكلاسيكية.

في «زهور» لن تجد مشاهد ساخنة جسدية وكل ما يتنافى مع ذوق القراء كما في روايات «عبير»؛ ولن تجد إجمالًا نفس عالم الروايات الكلاسيكية بآلياته في الإبداع، وهذا ليس عيبًا، وسنجد أن نجيب محفوظ بنفسه قد بدأ القراءة من بوابة الروايات الشعبية لأرسين لوبين وغيره.

البعض ينظر لـ«زهور» باعتبارها كتابة رومانسية تقليدية… فهل هذا حقيقي؟

بالطبع ليس حقيقيًا؛ ودعوني أولًا أدفع التهمة حتى عن روايات الحب، فقد أصبحنا في زمن الكتابة الحسية التي تعلي من لغة الغرائز ويتراجع فيها الحس الذي هو الشعور، وهذا ما نعنيه بالحب، ولم تكن بطلة أفلامنا هي فاتن حمامة، بل بطلات إغراء مبتذل فج.. فهذا ما كنا نسعى في السلسلة لترسيخه وهو السمو بالمشاعر من خلال أحداث اجتماعية، وليست محلقة في المبالغات، كما تفعل المسلسلات التركية اليوم.

ولم يكن الحب هو حب الرجل والمرأة فحسب، ولكن حب العائلة، وحب الوطن، وقد كانت بطلة «الحب وسط النيران» إحدى الفدائيات الفلسطينيات في مخيمات لبنان والتي تفجر نفسها في إسرائيل مودعة حبيبها، وهناك قصة «أبي الحبيب» عن عودة هذا الأب الغائب لأبنائه بعد ربع قرن.

وأبطال روايات «زهور» كانوا نماذج بينها ما هو حقيقي في حياتي كقصة «أوهام الحب»، وكنت بحكم عادتي ألتقط تجارب وقصصًا حياتية وأنسج منها أبعادًا درامية.

لماذا تعطل مشروع إنتاج بعض روايات «زهور» لأعمال درامية؟

كان هناك مشروعٌ بالفعل فاتحني فيه الكاتب والمنتج ممدوح الليثي عن روايتي «أبي الحبيب» و«حب وسط النيران» وطلب السيناريو التفصيلي وكل شيء، ولكن بتركه منصبه توقف كل شيء. وأنا بطبيعتي أبتعد عن التسويق لنفسي أو المسارعة للمنتجين، وأكتفي بالكتابة الإبداعية ولا أبحث عن شيء، ولكني أرحب بالتأكيد وأسعد بتحويل تلك الأعمال للدراما إذا وجدت منتجًا متحمسًا.

رواية حب وسط النيران
رواية «حب وسط النيران» من سلسلة «زهور»

لماذا قررت النشر خارج «المؤسسة العربية» بعد نحو عقدين، وما سر عودتك للنشر في 2018؟

بعد رحيل الحاج حمدي شعرت أن الاتجاه كان يركز على الكتب التعليمية، وليس الأدبية، أو أن الأجواء لا تناسبني، ولهذا فكرت في النشر لدى دور نشر خاصة، ثم عدت من جديد مع سلسلة «رجل الأسرار» التي تعتمد على الألغاز البوليسية.

وقد أثمرت تلك الفترة التي ابتعدت فيها عن الأضواء عن أعمال مهمة أيضًا ومنها سلسلة «وردة» و«المحقق» والتي تقترب من تيمة «زهور» و«المكتب 19»، وهناك سلسلة «نسمة»، وأعتقد أن تلك الأعمال افتقدت للدعاية الملائمة لها، كما كتبت روايتي «القلاع المحترقة» ولكن بمرور الوقت وجدت ميلًا من قبل دور النشر الخاصة لاستغلال اسمي في الترويج لأعمالها من دون خطة نشر حقيقية للأعمال الجديدة.

ما رأيك في الكتب الأعلى مبيعًا حاليًا؟

بعضها جيد، ولكن كثيرًا من الرائج يقوم على قليل من الموهبة مع كثير من الإثارة والرعب والسحر، وهذا ما لا أعتبره أدبًا حقيقيًا.

تميل أعمالك للمؤسسة العربية حاليًا للطابع العصري المرتبط بوقائع الحرب.. حدثنا عن ذلك

كتبت سلسلة «رجل الأسرار» التي ما زالت تصدر وهي في نطاق العالم البوليسي والجرائم المستندة للتكنولوجيا أيضًا. وهناك رواية «الحب في زمن الحرب» وبطلتها مراسلة أمريكية تغطي أحداث الحروب العراقية وتقع في حب رجل من المقاومة للاحتلال والتنظيمات المسلحة.