عفت نصار، واحد من لاعبي نادي الزمالك المصري البارزين في حقبة التسعينيات. في عام 2012 فوجئنا جميعًا في الصحف المصرية بقصة تشبه في غرابتها الأفلام الهندية.

اكتشف عفت نصار أنه ليس مصريًّا، وأن والده ليس هو ذلك الرجل الذي رباه، بل إن اسمه عبد العزيز وليس عفت! موجز الأمر أن والدته قد تزوجت من شخص كويتي أنجبت منه طفلًا سمته «عبد العزيز النشمي»، وقبل أن يتم الطفل عامين توفي والده الكويتي.

أخذت الأم ابنها ونزلت به إلى مصر وتزوجت رجلًا مصريًّا نسبت إليه الطفل وسمته عفت في كل الأوراق الرسمية المصرية، ومرت السنون فكبر الطفل وصار عفت نصار.

كما ترى، أمر ليس للاعب الزمالك السابق به أي ذنب. لكن مع كل مقطع مسموع أو مرأي يتفوه فيه نصار برأي طبيعيًّا كان أو شاذًّا، تجد عشرات الكومنتات التي تذكره بقضية نسبه وتطعن في شرف والدته، وكأنه اغتيال معنوي بشكل مبدئي قبل أن يضمن لصاحبه السبق بخطوة في معركة الرأي والرأي الآخر.

أمر مشابه حدث مع محمود عبد الرازق شيكابالا منذ أيام، عندما قام بمشاركة صورته هو وزوجته وابنه الصغير الذي لا يشاركه نفس لون البشرة.

لكن الأمر كان أكثر قسوة وعنفًا، فالنجم هذه المرة أكبر، والمنتقدون فئة أعرض عددًا وأصغر سنًّا، وميدان الحرب على منصات السوشيال ميديا صار أشرس بكثير مما كان عليه عام 2012.

ماذا حدث؟

حتى نفهم بوضوح الفرق بين الهجوم على لاعبي كرة القدم في بداية الألفية والهجوم عليهم الآن، دعنا نستحضر مشهدين حدثا في الدوري الإنجليزي الممتاز. أحدهما عام 2002 والآخر عام 2019 يحكيهما المحرر الإنجليزي «أوليفر كاي» بموقع «The Athletic».

المشهد الأول: في إحدى ليالي فبراير/شباط عام 2002 ذهب الإنجليزي ديفيد بيكهام لاعب مانشستر يونايتد حينها إلى مقر صحيفة «Manchester Evening News» ليدخل إلى مكتب أحد محرري الصحيفة والذي أعطاه تقييم 6/10 في مباراة الشياطين الحمر أمام ليدز يونايتد ويتشاجر معه.

المشهد الثاني: أحد وكلاء اللاعبين المشهورين في البريمييرليج -لم يفصح عن اسمه- يشاهد لاعبه في ديربي من ديربيات الدوري الهامة. يؤدي اللاعب أداءً سيئًا للغاية والوكيل يتابع تعليقات الجمهور الساخرة على تويتر. يقرر الوكيل الذهاب للاعبه في أرض الملعب ليوصله إلى المنزل بعد المباراة ويدعمه.

يقول الوكيل إنه فوجئ أن اللاعب في حالة نفسية جيدة، فقط يقول له إنه لم يقدم أداءً عظيمًا، ولكن هذا يحدث بعض الأحيان. لكن بمجرد ما ركب اللاعب بجانبه ومسك بهاتفه ليرى ردود أفعال الجماهير على أدائه تغيرت معالم وجهه وصار يبكي. نزل إلى منزله الذي رآه زنزانة حينها وفقًا لوصفه ستمتلئ حوله بالمياه -يقصد سخرية الجماهير منه- حتى يغرق.

الفرق بين المشهدين هو تحديدًا ما حدث في الـ 20 عامًا الأخيرة تقريبًا. في السابق كان اللاعب يواجه شخصًا واحدًا. صحفيًّا كان أو إعلاميًّا أو غيره، لكنه يبقى في الأخير «شخصًا واحدًا». وفي أغلب الأحيان يكون للاعب رصيد أكبر عند الجمهور ينتصر به على هذا الشخص عندما يحتكما إلى الجمهور عقب أول هدف لهذا اللاعب.

أما مؤخرًا، صار اللاعب يواجه الجمهور نفسه الذي كان ينصره، بأعداد كبيرة وبخلفيات مختلفة تمامًا.

قدم فروض الولاء حتى أراك

نستطيع بنظرة سريعة تقسيم المتفاعلين مع قضية شيكابالا الأخيرة إلى ثلاثة أنواع.

الفئة الأولى: هي شريحة الأعمار الصغيرة التي بدأت هذا التريند العنيف وسيطرت وبكل غرابة على فئة أخرى ليست بالقليلة، منهم الأطباء والمعلمون والمهندسون الذي يدعون تفكيرهم وعقلهم جانبًا بمجرد جذبهم لتلك العنصرية الصبيانية.

أما الفئة الثانية: هي التي تدعي الدعم، ولكن الحقيقة غير ذلك. تلك الفئة التي تبدأ دعمها بذكر جميع مساوئ شيكابالا وأخطائه السابقة في سطور عديدة، ثم تنهي حديثها بجملة: «لكن وبالرغم من كل ذلك فإني أدعم شيكابالا لأن هذا لا يليق».

أما الفئة الثالثة: فهي الداعمة بشكل صادق ولكنه خائف. فئة مجبرة على تقديم فروض الولاء والطاعة للفئتين الأولى والثانية حتى يتم قبول رأيها. فلا يمكنها الدعم بشكل مباشر لتقول على الخطأ إنه خطأ بشكل واضح ومجرد دون أي اعتبارات أخرى.

ترى تلك الفئة حريصة على شرح بعض البديهيات في البداية قبل دعم شيكابالا. توضح أن سب شيكابالا لجمهور النادي الأهلي خطأ، وإشاراته الخارجة لهم وهو نجم له شأنه كارثة أخلاقية، وأن اندماجه مع الجماهير بهذا الشكل الصبياني يخفض من شأنه.

بديهيات لا يختلف على صحتها عاقلان لكن الخوف من سيطرة الأكثرية وأعداد اللايكات المخيفة تجبرهم على تكرار ذلك عشرات المرات قبل الدعم. المثير للسخرية أنهم وبالرغم من كل ذلك لا يسلمون!

عفوًا هذا لا يحدث في كل العالم

حتى يومنا هذا تلقى لاعبو كرة القدم حوالي 134000 رسالة سخرية وتهديد. هذا ما تم حصره ولكن يبدو أن الحقيقة أكبر بكثير.
ديفيد كون المحرر بجريدة الجارديان البريطانية.

«ده بيحصل في كل مكان في العالم، مش عاجبكم متشجعوش»، تلك الجملة التي سيلفظها في وجهك كل من تحاول أن تناقشه -من الفئتين الأولى والثانية- في كارثية ما حدث مع شيكابالا مجتمعيًّا في الأيام الأخيرة.

وكأنك تلعب كرة العالم وتتمتع بثقافة العالم وتستمتع بحقوقك كمواطن كبقية العالم. تسطيح غريب للأمور بترك كل تلك المزايا التي يتمتع بها العالم؛ لأتمسك بمجاراتهم في واحدة من أبشع أوجه كرة القدم.

دعك من كل هذا، ماذا لو أخبرتك أن كل هذا لا يحدث بهذا الشكل في كل مكان في العالم؟ إحصائية سابقة منذ 7 سنوات عرضتها صحيفة الجارديان البريطانية من رابطة اللاعبين المحترفين بتعرض اللاعبين لـ 134000 رسالة سخرية وتهديد كان لبالوتيللي نصيب الأسد منها بـ 8000 رسالة.

أعقب ذلك استجابة مجتمعية للشكاوى المقدمة من الأشخاص المتعرضين للسخرية بشكل لاذع، بتصريح من المدير التنفيذي لتويتر آنذاك «ديك كوستولو» لصحيفة الجارديان بأن هناك تعقبًا لتلك الرسائل أعقبها غلق مئات الحسابات اليومية وسجن أصحاب بعضها، وصل عددهم إلى 56 شخصًا.

الشاهد في الأمر أن «كل مكان في العالم» يدرك تمام الإدراك حجم الأزمة، ويحاول أن يجد حلًّا لتلك الظاهرة منذ سنوات طويلة والقضاء الفعلي عليها وليس مجرد التظاهر باستنكارها. «كل مكان في العالم» لا يتناقش في 2020 حول إذا ما كان التعرض لعِرض شخص بهذا الشكل الهستيري خطأ أم لا!

«السباب جزء من متعة كرة القدم» جملة أخرى شبيه بسابقتها. لا تعرف من قالها ومن الذي اعترف بصحتها تمامًا مثل جملة «أخطاء التحكيم جزء من متعة كرة القدم». من الذي يقرر متعة كرة القدم حتى يقر بصحة تلك المقولات؟

السباب الجماعي في المدرجات ليس ظاهرة صحية بكل تأكيد. لكننا اعتدنا عليها ووضع الجمهور سقفًا له صار متعارفًا عليه للجميع. لا يمتد لأكثر من 90 دقيقة في أسوأ حالاته. لكن التنمر بشكل يومي والاغتيال المعنوي للاعبين غير مقبول. قد يكون ذلك غريبًا وغير منطقي لك، لكن ذلك هو الواقع.
ديفيد كون المحرر بجريدة الجارديان البريطانية

تتعدد تبريرات ما حدث مع شيكابالا مؤخرًا، تبريرات عادة ما تبدأ خجولة ثم يرتفع صوتها لتنتهي بتهور أكبر وتعلية أخرى لسقف العنف والاغتيال المعنوي للأفراد حتى يسقط علينا جميعًا ويظل السؤال الأهم قائمًا: من الذي بدأ كل ذلك؟ وكم عمره؟