الأرض للذين يزرعونها، والأدوات للعمال الذين يستخدمونها، والعمل للجميع.

شعار رفعته أحد المجالس العمالية التي أنشئت بيوغسلافيا بعدما قرر العمال التخلص من التحكم والسيطرة المفرطة من النظام الحاكم من خلال نظام الإدارة الذاتية لمصانعهم، ولاقت هذه التجربة نجاحًا كبيرًا في بعض الدول وفشلًا لازمها في دول أخرى.

تمنح الإدارة الذاتية للعمال الحق فى تقرير كل شيء يخص عملهم، من حيث السياسات المتعلقة بالإنتاج وساعات العمل والأجور ومهمات الإفراد وقرارات العمل اليومية، بصورة جماعية وديمقراطية على عكس أسلوب الإدارة التقليدي بشكله الهرمي المتأثر بنظم الرأسمالية.

نرصد في هذا التقرير تجربة 6 دول مع نظام الإدارة الذاتية للعمال في محاولة لرصد نقاط النجاح وعوامل الفشل.


1. الأرجنتين: التجربة الأكثر نجاحًا

هكذا بدأت الدراسة التي أعدتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والاجتماعية عن تجربة عمال الأرجنتين في استعادة مصانعهم المنهوبة وبدأ العمل بها من خلال أسلوب الإدارة الذاتية ،حيث جاءت بتلك الدراسة التي استندت لكتاب «إدارة العمال الذاتية … تجارب من الأرجنتين» للمؤلف فديريكو ماتياس روسي، أن الارجنتين عانت من إفلاس وإغلاق العديد من المصانع عام 2001 بسبب سياسات الإصلاح النيوليبرالية واسعة النطاق التي اتخذتها الحكومة الأرجنتينية منذ منتصف الثمانينات.

وفي عام 1998 انطلقت حركة «إدارة العمال الذاتية» للمصانع بعدما احتل 190 من العاملين مصنعًا لشركة إمبا – وهي شركة متوسطة الحجم تعمل في مجال الصناعات المعدنية في محاولة منهم لعدم غلق المصنع بعدما أعلنت الشركة المالكه الإفلاس، ومن هنا نظم العمال أنفسهم في شكل جمعية تعاونية لإدارة المصنع ذاتيًا.

من جديد بدأ وضع المصانع التي تأزمت مع المأزق المالي للأرجنتين يتغير، حيث نجح عمال مصنع إمبا في التنسيق مع حركة عمالية أكثر اتساعًا تسعى لمنع إغلاق المصانع المهددة بالإفلاس، واستعادتها من يد ملاكها وإيداع إدارتها في يد العمال مباشرة، وما لبثت أن أخذت حركة الإدارة في النمو بشكل مستمر حتى وصل عدد المصانع المدارى ذاتيًا بالأرجنتين في عام 2010 إلى 205 مصنع، معظمهم من المصانع الصغيرة والمتوسطة لكن هناك بعض الشركات الكبرى أيضًا.


2. في فنزويلا: الحكومة توافق على الإدارة الذاتية

بدأت حركة الإستيلاء على المصانع المغلقة تزداد عقب فوز هوجو تشافيز اليساري في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية عام 1998، في الوقت الذي كانت تسير فيه الدولة بخطوات واسعة نحو تحرير الاقتصاد، حيث دعمت الحكومة هذه الخطوة ووافقت على إدارة العمال لـ50 % فقط من المصانع المستعادة من خلال التعاونيات .

فيما دعمت الحكومة الفنزويلية التعاونيات العمالية بتوفير القروض اللازمة لإعادة التشغيل والإعفاء من الضرائب وغيرها من الإجراءات التسهيلية للعمال، الأمر الذي أدى إلى ازدهار الاقتصاد.

واستمر هذا الوضع حتى عانت بعض الشركات عام 2009 والتي تخضع للرقابة العمالية من صعوبات التمويل، وعدم موافقة الدولة على مصادرة مصانع أخرى احتلها العمال لعدة سنوات بسبب تعنت أصحابها وتعمدهم إغلاق هذه المصانع، فضلاً عن اغتيال ما يقارب من خمس قيادات عمالية خلال عامي 2008 و2009، الأمر الذي تسبب في تراجع النمو الاقتصادي لفنزويلا مرة أخرى.


3. روسيا: الثورة والتنظيم العمالي

بينما نحن مشغولون بالأشياء الصغيرة، علينا أن نحمل دومًا في أذهاننا الهدف العظيم الذي يسعى إليه العمال.

سلطت الباحثة إيمي مولدون الضوء على محاولة العمال بروسيا اتخاذ الإدارة الذاتية منهجًا وذلك بالجزء الخاص بنتظيم العمال لقواهم بكتاب «الثورات الروسية – خبرات ودروس»، حيث أشارت في هذا الباب من الكتاب إلى إيمان الاشتراكيين بالثورة الروسية، مؤكدة على أن السوفييتات تلك التي ظهرت للمرة الأولى في روسيا عام 1905 وبدأت بمعركة ساعات أقل ليوم العمل، مثَّلت آلية التحول في الثورة وفرضت نفسها كنموذج لإبداع وكفاءة الحكم الذاتي للعمال.

تلك السوفتييات التي انشئت عقب اندلاع ثورة فبراير عام 1905 بعد شهور من إضرابات العمال المتصاعدة، واحتجاجات سكان المدن، ومصادرة الأراضي من قبل الفلاحين، وتمرد وانشقاق الجنود عن الجيش في المدن، واجه العمال انهيار الصناعة لأن أرباب العمل لم يستطيعوا تأمين المواد اللازمة أو رفضوا التفاوض مع العمال المطالبين بأجور أفضل أو ساعات عمل أقل.

وفي العديد من المصانع رفض الموظفون منح يوم الـ8 ساعات عملا، بينما أسس العمال أيضًا لجانًا بالمصانع للإشراف على الإنتاج، وفي أبريل/ نيسان عام 1917 أصدرت لجنة متاجر قطاع «نارفا بيترهوف» لأكبر مصانع روسيا «مصنع بتيلوف» بيانًا حول إنشاء لجان المصانع الذي تضمن: «بعد اعتيادهم على الإدارة الذاتية، يُحضِّر العمال أنفسهم للوقت الذي ستختفي فيه الملكية الخاصة للمصانع ووسائل الإنتاج، إلى جانب المباني التي بُنيت بأيدي العمال، ستنتقل ملكيتها إلى الطبقة العاملة ككل، وبينما نحن مشغولون بالأشياء الصغيرة، علينا أن نحمل دومًا في أذهاننا الهدف العظيم الذي يسعى إليه العمال».

وفي أكتوبر/ تشرين أول1917، سقطت الحكومة المؤقتة واستُبدلت بمجالس العمال (أو السوفييتات) وكان الأغلبية من البلاشفة. وبعد الاستيلاء على السلطة مباشرةً، أصدرت الحكومة الجديدة مرسومًا بمنح الحقوق الكاملة لتقرير المصير، استمر هذا الوضع حتى هُزمت الثورة الروسية.

وبعد بضع سنوات فقط كان صعود جوزيف ستالين رمزًا للثورة المضادة، حيث ترأس نظامًا جديدًا من الاستغلال والقمع. كانت أهم الخطوات التي اتبعها ستالين للوصول إلى السلطة هي إعادة فرض الاضطهاد القومي.


4. ألمانيا: محاربة العمال السبب

اندلعت الثورة في ألمانيا بين عامي 1918 – 1923، اجتاحت البلاد احتجاجات متصاعدة، واشتبك العمال المسلحون مع القوات شبه العسكرية المناهضة للثورة، لمدة 4 أعوام من الحرب واجه العمال الكثير من المصاعب. الحرب العالمية الأولى التي شارك فيها ألمانيا توفي 750 ألف عامل جوعاً، بالإضافة إلى مقتل 1,7 مليون عامل آخر أثناء الحرب.

وفي نوفمبر/ تشرين ثاني 1918 اندلعت الثورة الألمانية التي أدت إلى سقوط الملكية وتنحي القيصر الأمر الذي سهل تأسيس العمال لمجالسهم، وبدأت تجربة الإدارة الذاتية للمصانع التي لم تدم طويلاً وانهارت مجددًا في عام 1919 بعدما قامت «فريكوربس» – وهي فرق شبه عسكرية شُكلت في غالبيتها من ضباط الجيش متوسطي الكفاءة المتطوعين – بشن حملات من الإرهاب طيلة عام 1919.

ووجهت حملاتها الإرهابية المتصاعدة ضد الطبقة العمالية ككل، وليس فقط ضد الحركة الثورية، الأمر الذى أسهم في سقوط السلطة من يد المجالس العمالية وتفكيكها وعودة السلطة إلى الرأسمالية الحاكمة مرة أخرى.


5. يوغسلافيا: نظام تيتو للتخلص من التأخر الاقتصادي

أنشئت عدد من المجالس العمالية اليوغوسلافية للتخلص من التأخر الاقتصادي وللتخلص من الروتين الحكومي وتحرير الإنتاج من خلال قانون الإدارة الذاتية، الذي أصدر في يونيو عام 1950، جاء هذا من خلال توجه نظام «جوزيف تيتو» حاكم يوغسلافيا الشيوعي إلى توسيع الحقوق الديمقراطية للعمال في المؤسسات عقب تأميم الاقتصاد حيث شملت تلك الحقوق حق انتخاب المدراء وتوزيع الأرباح.

وبفضل تلك السياسات الاقتصادية والسياسية التي اتخذها «تيتيو» ازدهرت يوغسلافيا اقتصاديًا حتى أواخر السبعينيات.

وفي عام 1980 بعد وفاة تيتو تفككت البلاد لعدم وجود قيادة ذات كفاءة ودخلت يوغسلافيا في سلسلة من الحروب الأهلية والاضطرابات، الأمر الذي أدى إلى تفكك المجالس العمالية وانهيار تجربة الإدارة الذاتية وتدهور يوغسلافيا اقتصاديًا مرة أخرى.


6. إسبانيا: انتهاء التجربة بانتهاء الثورة

الإدارة الذاتية للمصانع هي إدارة تمكن فيها العمال من منع إغلاق مصانع كانت عرضة للتصفية بغرض نهب أصولها وتسييلها، حيث تولوا مقاليد الإدارة مباشرة، وتمكنوا من إعادة تشغيل المصانع واستئناف الإنتاج.

لم تستمر تجربة الإدارة الذاتية للعمال بإسبانيا طويًلا، حيث بدأت تلك التجربة عقب اندلاع الثورة الأناركية بإسبانيا عام 1936 إبان الحرب الأهلية، بعدما سيطر العمال على جميع المصانع وبدأوا في استحداث نظام الإدارة الذاتية، الذي أنشئ على مبدأ التساوي بين الرؤساء والمرؤسين.

واستطاع العمال خلال الحرب الأهلية بإسبانيا أن يكونوا مجالس عمالية في المنشآت ومن ثم تم انتخاب مديري المنشآت من تجمعات العمال، لكن تلك التجربة لم تستمر كثيرًا فقد انتهت مع إخماد الثورة في عام 1939.

وبالرغم من اختلاف نتائج تجربة الإدارة الذاتية للعمال بتلك الدول إلا أن الأشياء والتي أثبتتها تلك التجارب؛ هى أن مساندة الدولة للعمال لخوض مثل هذه التجارب تتسبب في نجاحها حتى إن لم يدم هذا النجاح طويًلا، بالإضافة إلى أن هذه التجربة كانت بمثابة طوق النجاة التي شهدت انهيارًا اقتصاديًا في وقت من الأوقات واستطاعت هذه الدولة بفضل هذه التجربة تخطي الأزمة الاقتصادية.

فالتسهيلات التي يقدمها النظام للعمال لخوض مثل هذه التجارب ساعدت دولًا في بناء اقتصادها، مثلما حدث مع الأرجنتين بعكس الدول التي حاربت عمالها مثلما حدث في ألمانيا، ومن هنا نجد أن مثل هذه التجارب تستحق الدراسة والتفكير في تطبيقها كإحدى طرق إنقاذ الوضع الاقتصادي المتأزم.

المراجع
  1. إدارة العمال الذاتية للمصانع … تجارب من الأرجنتين
  2. اقتصاد خارج المألوف …فنزويلا بديل يختمر
  3. الثورة الروسية … خبرات ودروس
  4. ثورة ألمانيا المنسية
  5. 33 سؤلا وجوابا حول الادارة الذاتية للعمال في يوغسلافيا