أغلق عيني فيهلك العالم كله، أفتحهما ليولد العالم من جديد.
سيلفيا بلاث

العين، نافذة الروح، بها تبصر لترى العالم حقيقةً، ربما تخدعك أحيانًا لكن يمكنك الثقة بها معظم الأوقات، حتى الآن على الأقل. في المستقبل القريب سيأتي يوم يكون في الافتراضي والواقعي شديدي الشبه، حتى أنّك لا تستطيع معرفة هذا عن ذاك، كل ما يتطلّبه الأمر : عدسة ذكية وترميزات لبرمجة واقعٍ معزز حولك، لتعيش -حرفيًا- في أحلامك إن أردت.

مراقبة الجلوكوز في دمك، وتصحيح مد البصر، وحتى تتبع حالات السرطان المختلفة، كل ذلك تسعى وراءه جوجل مع شركائها المختلفين، لكن ماذا عن العملاقين الآخرين في مجال الإلكترونيّات؟ العملاقان الياباني والكوري يطرقان باب عينك أيضًا!


سوني تريد تسجيل حياتك على العدسة

أما عن سوني، فقد تقدمت هي الأخرى بطلب براءة اختراع أجرأ من جوجل، فهي تريد عدسةً لاصقةً أذكى من مُنتجات الآخرين، وذلك لأنّ عدسة سوني تتكون من وحدة التقاط الصور، ووحدة تحكم أساسية ومخزن للصور بالإضافة إلى هوائي ومتحسسات كهروضغطية. تقوم هذه الحساسات بحساب المدة التي أغلقت بها جفنك، وذلك للتفرقة بين الطرفة اللاإرادية والأخرى المقصودة، وبذلك تستطيع أن تلتقط الصور والفيديو بطرف البصر، حرفيًا!

تريد سوني تطوير عدسة قادرة على التقاط الصور والفيديو وتخزينها مع إمكانية عرضها بشكل مباشر

وفي نص براءة الاختراع وردت آلية عمل هذه الحساسات:«نعلم أن مدة الطرف العادية تصل بين 0.2 و0.4 جزءًا من الثانية، وبذلك يمكننا القول بأن أي طرفٍ يستغرق مدةً أطول من 0.5 ثانية هو طرف مقصود من قبل مرتدي العدسة ويقصد به بدء التصوير أو التقاط الصورة.»

تملك هذه العدسة أيضًا القدرة على التكبير داخل الصور zooming والقدرة على الضبط التلقائي للصورة، كالكاميرا تمامًا. تقول سوني أنّ العدسة ستحصل على الطاقة اللازمة لعملها بشكلٍ لاسلكي من الهواتف الذكيّة أو الأجهزة اللوحية أو الحواسيب القريبة منها، ربما يكون ذلك بواسطة الحث الكهرومغناطيسي، أو موجات الراديو.

وتقول بعض التقارير أن بإمكانك عرض هذه الصور مباشرةً بعد التقاطها، الآن يبدو ذلك قريبًا من مستقبل Black Mirror!


تخيُّل الإمكانيات

ماذا عن سامسونج، وماذا ستقدم في هذا السباق، بعيدًا عن سباق الأجهزة الذكية؟

حصلت سامسونج على موافقة براءة الاختراع التي تقدمت بها في كوريا، وذلك لعدسةٍ لاصقةٍ ذكية تقوم بعرض الصور مباشرةً في عيني المرتدي،حسب مدونّة SamMobile المتخصصة بأخبار سامسونج، وستتمتع العدسة أيضًا بكاميرا وحساسات يمكن تفعيلها بواسطة طرف العين.

كما يبدو أن هدفًا من أهداف سامسونج هو تحسين تقنية الواقع المعزز Augmented Reality بشكلٍ مشابه لما أرادت جوجل عمله مع Google Glass، فبهذه التقنية تستطيع أن تعرض هذا الواقع وأداوته بشكلٍ مباشرٍ داخل العين دون الحاجة لوجود جسم «فيزيائي» يعيق رؤيتك الطبيعية.

وكما تقوم عدسة سوني بالتقاط الصور، تقوم عدسة سامسونج بالفعل ذاته لكنها لا تُسجل ذلك على العدسة نفسها، بل تنقلها بشكلٍ لاسلكي إلى الهاتف الذكي، للتخزين والمعالجة.


منافسة العمالقة

لا يخلو الأمر من وجود شركات ناشئة جديدة، تحاول الوصول إلى القمة بالمنافسة، وربما تستحوذ عليها إحدى الأسماء الكبيرة، أو ترقى هي فعلًا للمنافسة في مجالات عدة.

وسنستعرض معًا بعض أسماء وأفكار هذه الشركات في مجال العدسات اللاصقة الذكية:

وداعًا لمد البصر

تسعى شركة Deep Optics لتطوير عدساتٍ تزيد قدرة العين البصرية، واستلهم الباحثون هذه الفكرة من شبكية عين سمكة أنف الفيل، التي تسمح بتجميع الضوء وتكثيف أطوال موجيةٍ معينة، وباستخدام تصميم مشابه لعين تلك السمكة، يُجمَّع الضوء في هذه العدسات، ثم يُركز في جدار العدسة العاكسة لزيادة دقة الصورة.

تقوم هذه العدسة بالمطابقة بمدةٍ زمنيّة قصيرة تُقدَّر بالميلي ثانية، وتستخدم هذه العدسة الدوائر الإلكترونية وحساسات الضوء والتي تحصل على طاقتها من خلية شمسية. كل تلك الأجزاء تتواجد داخل العدسة الصغيرة. عندما تحدد الحساسات الحاجة للمطابقة، تقوم الرقاقات بتوليد تيار كهربائي دقيق، والذي يغيّر البعد البؤري* للعدسة في أجزاء من الثانيّة، أي أنك لن تحتاج إلى بذل أي جهد، فقط انظر بالطريقة المعتادة وستتولى العدسات التحكم. من المتوقع أن تستخدم العدسات لمعالجة حالات مد البصر، والذي يصيب أكثر من مليار شخص.

أما بالنسبة لMagic Leap وهي شركة ناشئة جديدة مدعومةُ من قبل جوجل ومهتمةٌ بشكلٍ كبير بفكرة الواقع المُعزز، والتي تسعى يومًا ما «لقتل» مفهوم الشاشة-وقد حصلت على أكثر من مليار دولار حتى الآن-وإضافةً إلى عدّة الواقع الافتراضي التي تقوم ببث صور ينتجها الحاسوب إلى العالم الواقعي حولك، وهي بذلك تنافس هولولينز الخاصة بمايكروسوفت، فقد قدّمت طلبًا لبراءة اختراع جديدة مشابهةٍ لتلك التي قدمتها سامسونج، وفيها تصف طريقتين: أحدهما تعمل لوضع الصور مباشرةً في العدسات الذكية لإظهار الأجسام الافتراضية في الواقع المحيط للشخص، والأخرى تعمل على تركيز الضوء في مناطق محددة في مناطق معينة من الفضاء المجاور لمرتدي العدسة.

العدسات اللاصقة لتسهيل حياة المرضى

يبحث العلماء في جامعة كولومبيا للعمل على عدسة لاصقة ذكية تستطيع معرفة تطور حالة الجلوكوما في المريض، حيث يرتدي الأخير هذه العدسة لمدة 24 ساعةً لتراقب حالة المريض خلال ذاك الوقت، مما يسمح للأطباء من معرفة تطوّر هذا المرض الخطير. وتُشابه هذه العدسة فكرة عدسة Sensimed الشركة السويسرية المدعومة من جوجل.

وتقوم شركةً جديدة تدعى Medella بتصميم عدسات لاصقةٍ ذكية لقياس الجلوكوز، وذلك باستخدام حساسات صغيرة ورقاقات حاسوبية في العدسة لمراقبة مستويات الجلوكوز في الدمع، ومن ثم استخدام هوائي لنقل المعلومات إلى هاتف المستخدم الذكي عن طريق البلوتوث، تشبه هذه العدسة مشروع Verliy الثاني.

IMAX على بعد سنتيمرات من عينك!

بعد جوجل جلاس، سامسونج تسعى لدمج الحقيقة مع الافتراضي بعدسة تعتمد تقنية الواقع المعزز

قامت شركة أمريكيّة تُدعى Innovega، والتي قامت بتطوير عدسات ذكية تستطيع ترشيح أطوال موجية معينة من الألوان الزرقاء والحمراء والخضراء، لتسمح بمرتديها بالتركيز على شاشة عرضٍ صغيرةٍ عالية الدقة على بعد سنتيمترات قليلةٍ من العين دون التداخل مع الرؤية العادية، فتصبح هذه المساحة مشابهةً لما تراه في شاشات سينما IMAX، هذا الجهاز المكوّن من الشاشة والعدسة معًا يُدعى iOptik.

يُعتقد أن العدسات الطبية ستكون الأولى طرحًا في السوق، خلال السنتين القادمتين. وهناك محاولات عديدة لاستخدام العدسات اللاصقة في توصيل الدواء بشكلٍ مباشر إلى العين، وذلك لتخطي الآثار التي قد تنتج من القطرات المباشرة عالية التركيز وزيادة نسبة وصول الدواء إلى الأنسجة المحتاجة له، ومازالت الدراسات والأبحاث تُجرى في هذا المجال.

قد تبدو هذه التقنيات الجديدة بعيدة المنال، لكنها على بعد خطوات صغيرة فقط منَّا، من كان يعتقد أن الواقع الافتراضي سينتشر بمثل هذه السرعة –ولو أنه لم يصل لبعض مناطقنا في العالم العربي حتى الآن- ونشاهد تطورًا في الذكاء الاصطناعي، ألفا جو ينتصر على البشر، سيارات ذكيّة تقود نفسها، وأخرى تطير.

باختصار، العالم الذي نعرفه يتغير بسرعةٍ مضطردة وقد يكون الحل المناسب- حسب ما يراه إيلون ماسك على الأقل- هو الاندماج مع التكنولوجيا التي ننتجها، لنكون جميعنا الإنسان السايبورج، ولا ندع نيل هاريبسون وحيدًا! أو علينا أن نخاطر بأنفسنا لنصبح يومًا ما «الحيوانات المدللة» للذكاء الاصطناعي الجديد القادم، إن قرر الاحتفاظ بنا فعلًا!


*البعد البؤري: هو المسافة بين السطح الأمامي للعدسة وبين جهاز الاستشعار.

المراجع
  1. Fish and insects guide design for future contact lenses
  2. Life through a smart contact lens: From glucose detectors to AR displays
  3. Why a smart contact lens is the ultimate wearable
  4. What Else Could Smart Contact Lenses Do?