أخيرًا فهمت لماذا يبدو بعض اللاعبين سعداء للغاية عقب إهدار الأهداف.
ميدو ساخرًا من انتشار مادة سنوس بين لاعبي الدوري المصري.

طرح أحمد حسام ميدو عبر برنامجه التلفزيوني قضية تناول لاعبي مصر لتبغ سنوس بشكل موسع، وهو الطرح الجريء والمختلف الذي يجب أن يُثمَن وسط تقاعس الإعلام الرياضي عن تناول مثل تلك القضايا.

بعد هذا الحديث بأيام خرج مرتضى منصور ليتهم اثنين من لاعبي فريقه أنهم يتعاطون مخدر الحشيش؛ ولذلك طلب من مدرب الفريق ألا يدرجهم في قائمة المباراة قبل دقائق من بدايتها، ذلك بعد علمهم بوجود لجنة فحص المنشطات.

ظهر الزمالك بعد هذه الواقعة بشكل باهت على أرض الملعب فنيًا وبدنيًا، ليستغل البعض هذا أو يظنوا صدقًا أن السبب الرئيسي في هذا الأداء الباهت هو توقف لاعبي الزمالك عن تتناول المنشطات بسبب واقعة فتوح وجمعة.

تشعرك تلك الأحداث أن كرة القدم في مصر تُلعَب تحت تأثير المنشطات والمهدئات. لكن الحقيقة مختلفة قليلًا. أولًا، لا يعتبر تدخين التبغ أو تناوله بالمضغ على طريقة مادة سنوس أمر مخالف لإرشادات الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات، كما أن فكرة تناول فريق كامل نصفه من الدوليون للمنشطات أمر مستبعد بالطبع. لكن أيضًا الأمر خطير ويستحق الدراسة والتوضيح.

انتشر السنوس في مصر وأصبح أقرب للتقليعة بين اللاعبين. تمامًا مثل لاصقة الأنف التي انتشرت لفترة في التسعينيات، وهو ما يفسر لنا في البداية لماذا يتناول اللاعبون هذه المادة؟

البحث الدائم عن التعزيز الوهمي

ربما كان أشهر من ارتدى لاصقة الأنف تلك هو حسام حسن بالطبع، أما عالميًا فروبي فاولر اشتهر بها أيضًا. وهي عبارة عن شرائط توضع على الأنف للسماح باستنشاق المزيد من الهواء أثناء المباريات. لكن مع الوقت افتضح أمر هذه الشرائط وعرف الناس أنها دون جدوى.

عاد الأمر مرة أخرى من خلال مشاهد لعدد من لاعبي الدوري الإنجليزي يستنشقون مسحوقًا غامضًا في أمبولة صغيرة قبل بداية المباراة. ليكتشف الجميع أن اللاعبين يستنشقون الأمونيا المعروفة باسم أملاح الرائحة وذلك من عبوات صغيرة تستخدم مرة واحدة التي تكون بحجم كيس الكاتشب تقريبًا.

يبدو أمر قانوني تمامًا ولا يخالف إرشادات الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات أو إرشادات الدوري الإنجليزي فيما يتعلق بالمكملات التي تعزز الأداء، لكنها في المقابل لا يمكن أن تكون مفيدة بشكل طبي. لكن لماذا يصر اللاعبون على اختراع شيء ما يساعدهم على الدوام؟

وصف أحد اللاعبين ملح الرائحة بأنه رائحة قوية تمنحك شعورًا بالحيوية واليقظة. هذا يعطيك إشارة واضحة كيف أن الرياضي يبحث دومًا عن تعزيز لأدائه حتى ولو كان وهميًا. محاولة دائمة للشعور بأنه أفضل من أقرانه، يتنفس أفضل أو يركز أكثر وهكذا. لاعبو أمريكا الجنوبية مثلًا يفضلون تناول الشاي قبل المباراة مباشرة لأنهم يعتقدون أن الكافيين يجعلهم في حالة تركيز أكبر.

حسنًا هل يتشابه تناول تبغ السنوس مع شرب كوب من الشاي أو شم الملح، لا يبدو الأمر كذلك مع الأسف.

ليست منشطات لكنها مدمرة

يمكننا تعريف السنوس على أنه خليط من التبغ المفروم والماء والملح والنكهات، لكنه لا يُدخن. يتم وضع حزمة التبغ التي تكون أشبه بكيس الشاي تحت الشفة العليا عادة أو تُخزَن في أحد جوانب الفم، وبهذه الطريقة يصل النيكوتين بسرعة إلى الدماغ عبر الغشاء المخاطي للفم.

هناك عدة أوراق بحثية مصدرها الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات، تؤكد أن تناول مادة سنوس ربما يمنح اللاعب ميزة إضافية على الخصم. ويتعلق هذا بقدرة النيكوتين على زيادة معدل ضربات القلب وضغط الدم مما يؤثر في زيادة اليقظة وتحسن الأداء. لهذا وضعت الوكالة تبغ سنوس على قائمة المراقبة الخاصة بها بسبب تأثيرها المنبه لكنها لم تمنعها بشكل كامل.

هكذا انتشر تناول تبغ سنوس في أكثر من أربعين رياضة. وفي كرة القدم انتشر السنوس بشكل واضح بل إن هناك لاعبين مثل ماركو رويس وكريم بنزيمة وجيمي فاردي اتهموا جميعًا باستهلاكه سواء بشكل علني أو خفي.

يستخدمها لاعبو كرة القدم أكثر مما يتخيل البعض، بل إن بعض اللاعبين يلعبون معهم خلال المباريات.
جيمي فاردي متحدثًا عن تبغ سنوس

يسبب تناول التبغ أمراض مميتة حتى إن أحد اللاعبين قد خضع لعلاج لسرطان اللثة بعد الاستخدام المتكرر لهذا التبغ. كما أن له آثارًا ضارة على القلب والأوعية الدموية ويسبب الإدمان.

ولكي تدرك خطورة الأمر، دعني أخبرك أن في ألمانيا تسببت المخدرات غير المشروعة في وفاة 1398 شخصًا في العالم عام 2019، بينما كانت الوفيات الناجمة عن النيكوتين في نفس العام من عشرة آلاف لعشرين ألف حالة.

لماذا يبدو الوضع في مصر خطيرًا؟

أغلب الظن أن تلك المواد وصلت لمصر عن طريق المحترفين الأجانب، لكن وفي وقت قصير انتشرت بشكل واضح. مع الأخذ في الاعتبار محاولات الرياضيين الدائمة تعزيز قدراتهم، كما أوضحنا وقدرة تلك المادة على إحداث أثر آني، فكرة أنها لم تمنع رسميًا من وكالة المنشطات عجل من انتشارها بالطبع.

فقد صرح لاعب الأهلي السابق محمد سمير رفقة ميدو بأن نسبة مدمني سنوس تتعدى أكثر من نصف زملائه من اللاعبين خلال السنوات الماضية.

كما أن هناك مخاوف متزايدة تتعلق بتناول لاعبي كرة القدم في مصر أكياس التبغ تلك من دون أن يكونوا على دراية كاملة بالمخاطر التي تنطوي عليها. ناهيك عن عدم الاكتراث بأثر تلك المواد على المدى الطويل، لذا فإن طريق الإدمان هو الطريق المنطقي لعلاقة اللاعبين بتلك المواد.

ومع الوقت بدأ الأمر ينتشر في الدرجات الدنيا من الدوري المصري حيث تُلعب بعض المباريات دون سيارة إسعاف. مما قد ينتج عنه كارثة قريبًا تتعلق بعدم ملاءمة نسبة النيكوتين للحالة الصحية لأحد اللاعبين، فكيس التبغ الواحد يحتوي على نيكوتين يقارب ثلاث سجائر دفعة واحدة.

ثم وكنتيجة منطقية، ربما يتطور الأمر خارج إطار المحفزات الرياضية ليتم تناوله بشكل طبيعي بين الشباب دون وعي بخطورته أو كونه مادة تقع بمتناولها تحت طائلة الإدمان.

انظر الشكل الموضح

ولأن فكرة تناول التبغ جاءت لنا من الخارج فربما علينا أن نرصد التجربة كاملة وكيف أثرت في اللاعبين وكيف تصدت لها الأندية على طريقة انظر الشكل الموضح.

يؤكد أحد المدربين أنه لاحظ كنتيجة للإدمان الشديد للنيكوتين فإن بعض اللاعبين يعانون من الأرق وقلة الراحة أثناء تعرضهم للإصابة. كما ارتفعت إصابات العضلات بين الفريق. يستطرد المدرب أن الأمر يتعلق بإدمان كامل فقد رأى لاعبين يعيدون استخدام واحدة كانت في أفواه الآخرين لأنهم لم يحصلوا على واحدة قبل بداية المباراة.

بدأت كثير من الأندية تنتبه لخطورة الوضع وأصبح التوعية بآثار مادة سنوس، فقد خرج بيب جوارديولا ليعلن أن أطباء فريق مانشستر سيتي يعقدون اجتماعات مكثفة مع اللاعبين للتوعية بأثر وخطورة تناول التبغ.

ربما علينا أن نتدارك الأمر سريعًا قبل أن يكون إدمان جديد بين اللاعبين في مصر. كل الخوف أن كون هذا الأداء الذي نراه في الدوري المصري بعد تناول اللاعبين للتبغ وزيادة معدلات تركيزهم.